أحمد شاملو

ترجمة :عبدالقادر عقيل

أحمد شاملوأحمد شاملو ( المعروف أدبياً باسم أ. بامداد ) هو أحد أبرز الوجوه في حركة الشعر الإيراني المعاصر ، وإذا استثنينا الشاعر الكبير نيما يوشيج مؤسس حركة الشعر الحديث في إيران ، فإن شاملو ، يعد الشاعر الأكثر تأثيراً وسحراً على جميع الشعراء المحدثين في إيران .

أحمد شاملو جاء إلى الشعر برؤية مختلفة تماماً عمن سبقوه من الشعراء ، رؤية مستقبلية مكنته من استشفاف الحاضر وقراءة المستقبل . جاء شاملو لينسف تلك المفاهيم البالية التي وظفت الشعر من اجل خدمة (الأجساد العارية والمشاعر الأكثر عرياً ) كما كتب عنها ذات مرة ، والغرق في رومانسية لا تتصل بالواقع النابض بالحركة والتطور ، وليلعب دوراً مهماً في تحديث الشعر الإيراني وتطويره بتقنيات جديدة غير مألوفة .

قصائده الأولى ، خصوصاً المتضمنة ديوانه (23)  لصادر عام 1952 يبدو عليها بوضوح تأثير أسلوب نيما يوشيج الشعري الذي يسميه شاملو (أب الشعر الحديث في إيران) ولم يستطع أن يفك من هذا التأثير ويكتشف طريقه الخاص وأسلوبه المميز إلا بصدور ديوانه (حديقة المرايا) عام 1961 و (آيدا في المرآة) عام 1965 ليصبح أبرز الشعراء الإيرانيين المعاصرين .

أحمد شاملوولد أحمد شاملو في طهران يوم السبت 12 ديسمبر 1925 ، في الثامنة عشرة من عمره اعتقل في سجن الحلفاء بمدينة (رشت ) لمدة عام لتوزيعه منشورات معادية للاحتلال الأجنبي ، وبعد أيام من الإفراج عنه اعتقل مع أبيه الضابط حيدر شاملو من قبل الحكومة المحلية الانفصالية في أذربيجان وتركا لساعات في مواجهة فرقة إعدام قبل أن يفرج عنهما في الدقائق الأخيرة . انضم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، مثل غيره من الشبان الإيرانيين ، إلى الحزب الشيوعي الإيراني (توده) ، وأصدر في عام 1947 مجموعته الشعرية الأولى (الأغاني المنسية) . أصدر في عام 1948 مجلة (الكلام الجديد) وأغلقت بعد صدور 5 أعداد ، وبعد عامين أصدر مجلة أخرى بعنوان (اليومية) ، واعتقل لمدة 19 شهراً بعد الإطاحة بحكومة محمد مصدق في 19 أغسطس 1953 ، وعندما أفرج عنه قطع كل صلاته بحزب (توده) ولم ينضم إلى أي حزب سياسي طيلة حياته ، وفي العام 1953 داهمت الشرطة دار النشر التي طبعت ديوانه الشعري (الحديد والعاطفة) وأحرقت كل النسخ ما عدا نسخة واحدة تم تهريبها . في عام 1966 أصدر مجلة أدبية أسبوعية باسم (بارو) أغلقت بعد صدور 3 أعداد بأمر من وزير الإعلام ، وفي عام 1969 أصدر مجلة (الفرح) التي أغلقت بعد ذلك من قبل البوليس السري الإيراني (الساواك) ، في عام 1972 سافر إلى باريس لإجراء عملية جراحية في ظهره ، في عام 1977 غادر إيران احتجاجاً على الأوضاع السياسية المتردية وأصدر في لندن جريدة معادية لنظام شاه إيران ، وعاد إليها في عام 1979 بعد نجاح الثورة الإسلامية وأصدر مجلته الأسبوعية (كتاب الجمعة) أوقفت بعد صدور 36 عدداً بعد أن كتب عن الخوف والقمع في فترة ما بعد الثورة ، وبأن الأيام السوداء قادمة ، وواصل طباعة دواوينه الشعرية في السويد . في عام 1991 حصل أحمد شاملو على جائزة (حرية التعبير) التي تمنحها لجنة حقوق الإنسان . في عام 1997 خضع لعمليتين جراحيتين وبترت ساقه التي أصيبت بالغنغرينا ، وتوفي يوم الاثنين 24 يونيو 2000 عن 75 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض تاركاً أكثر من 20 ديوان شعري منها (القرار ) ، (الهواء الأبيض) ، (حديقة المرايا) ، (آيدا : شجرة وخنجر وذكرى) ، (اللحظات دائماً) ، (رثاء الأرض) ، والعديد من الكتب المترجمة وكتب الأطفال وسيناريوهات الأفلام والتسجيلات الشعرية بصوته لكبار الشعراء الإيرانيين مثل الفردوسي والخيام وحافظ وجلال الدين الرومي .

الليالي -1

أحمد شاملوفي الليل ،
كيف يمكن كتابة قصيدة ،
أتحدث فيها عن القلب والاحتمال .

في الليل ،
كيف يمكن كتابة مثل هذه القصيدة ؟

أنا الرمادُ الباردُ
تجتاحني مشاعل العصيان
أنا البحرُ الساكنُ
تحفّ بي زمجرة الإعصار
أنا السردابُ المظلمُ
بداخلي ينتشر الضياء .

1953

الليالي – 2

يا رفاق ،
تعالوا بآلامكم
واقذفوا ثقل آلامكم
على قلبي الجريح ،
فأنا أحيا بالأحزان
وقنديل جسدي لا يشتعل إلا بالآلام .

يا رفاق ،
تعالوا بآلامكم
وانفثوا سموم آلامكم
في قلبي الجريح .

1954

الليالي – 3

أنا بقايا اليأس والأمل .
وذكرياتي :
كنتُ أموتُ من العطش
ولم يكن أمامي ماءٌ
لأرطبَ جفاف الفم
أردتُ النور في منتصف الليل
فسطعَ نور الشمس
قلتُ لأخفيّ عيني عن الوهج.
ذكرياتي :

لا شيء إلا بقايا يأس وأمل.

1955

الليالي – 4

في الليل ،
النهرُ الملتمعُ بأشعة القمر الفضية
يفيضّ ماؤه إلى الصحارى البعيدة
فأفتحُ شراعَ زورق أحزاني في مهب الريح
فلا صوتَ يأتي في الليل
من قلب الأراضي العطشى الساكنة
لأفرحَ لأملي المضاء كالشمس المشرقة.

في الليل ،
حين يغني اليأس
أدور في كل الاتجاهات
أقبلُ بشفاهي المشتعلة
جدران كل البيوت .

في الليل ،
حين يتجولُ الحزنُ في الحدائق
أصيخ السمع
لسعال الموت في سلاسل يدي الصدئة .

1955

الليالي – 5

آلاف الدبابيس الفضية
يقذفها القمر على شال البئر
نظراتي بعد أن تعبت من التيه في غور أفكاري
تراكضت إلى النافذة
ولكن النافذة

لا تعرف شيئاً عن شوق نظراتي
ولا تقول لي شيئاً .

- أيتها النافذة ،
كابتسامة الحزن المرير أنتِ
افتحي
لعلّ فصول الأمل
ترتفع من فلقة بذرة جسدي
في أرض أحزاني اليابسة .

النافذة
مستيقظةٌ في الليل
حذرةٌ في الليل
تنتظر الفجر
ولا تقول لي شيئاً.

- أيتها النافذة ،
أعرف أنك في الآخر ستسخرين مني
ترمين على روحي الحزينة الجامدة
آلاف قيود الظلم من ليالي الأوهام السوداء .

النافذة
لا تعرف كم أتألم
لأن أملي المرتقب يخطو في الظلمة
ولا تقول لي شيئاً .

- أيتها النافذة ،
افتحي ذراعيك
دعي الشمس تسرد حكاياتها
حتى يخرج أملي من صدف الأحزان

فلؤلؤة الصباح
ساقطةٌ بلا أمل في سحيق أعماق هذا البحر .
ولكن أيتها النافذة
من تلك الوجنات الباردة
والشفاه المنطبقة
ستأتي الابتسامة كالوردة المتفتحة
وتمتلئ الأفواه باللاليء
وأملي
من آلاف الكوى
سيبشر بمجيء الصبح الأبيض الطاهر .

1955

الليالي – 6

في الليل اعتراف طويل
اعترافٌ طويل
وصراخ من أجل الحرية
وصراخ من أجل الطريق
في الليل
اعتراف طويل .
إن كانت هذه أولى ليالي السجن
أو كان العشاء الأخير
فهل ستصرخُ من أجل أن تبزغ الشمس علينا
أم ستقبل بهذا المصير ؟
الليل صراخ بلا انتهاء
صراخ بلا انتهاء
صراخٌ من اليأس .. صراخ من الأمل
الليل صراخ من أجل الحرية
صراخ من أجل الطريق
الليل
اعتراف طويل .

1966

انتظار

أقف أمام النافذة
بقلبٍ متعبٍ وشفاه مطبقة
أختلسُ نظرات باردة من عينين غلبهما الوسن
فأرى :
ضباباً يحمل معه الأحزان
خيوط المسبحة الفضية منقطعة
وأتون الهواء الذي أخمد قلب النار
يحرق أوراق أشجار الدغل الخضراء
بدون نار
وأنا باقٍ في مكاني هذا
صامتٌ
باردٌ
ومن عينيّ المتبعتين
تندلق دمعتا يأس على الأرض :
لا أحد في الشارع
سوى المطر .

1950

من أحبائك

ليس من أجل الشمس ولا من أجل الانطلاق
من اجل امتداد ظل سقفك الصغير
من أجل أغنية أصغر من يديك
ليس من أجل الحقول ولا من أجل البحار
من أجل أوراق الأشجار
من أجل قطرة طلّ واحدة
أضوى من نور عينيك
ليس من أجل الجدران
من أجل حاجز واحد
ليس من أجل كل الناس
من أجل مولود قد يكون عدوك
ليس من أجل الحياة
من أجل بيتك
من أجل إيمانك الصغير
بأن الإنسان ولد ليحيا
من أجل انتظار لحظة أكون فيها معك
من أجل يديك الصغيرتين في يدي الكبيرتين
وشفاهي على وجنتيك البريئتين
من أجل السنون المحلق في السماء
حين تكون فرحاً
من أجل قطرة الندى على الأوراق
حين تكون نائماً
من أجل ابتسامتك
حين تلقاني أمامك
من أجل الحكايات
من أجل قصةٍ في ليلة باردة ومظلمة
من أجل دُماك.
ليس من أجل الناس الكبار
من أجل الطريق الذي يوصلني إليك
ليس من أجل الشوارع المحيطة
من أجل الميزاب
حين يجري فيه الماء
من أجل النحلات الصغيرات
من أجل نداء السحاب
في السماء البعيدة الآمنة
من أجلك
من أجل كل شيء صغير وطاهر على الأرض .
الوداع
لنحيا ، نحتاج إلى قلبين
قلبٌ يحِبُ وقلبٌ يُحَب
قلبٌ يهب وقلبٌ يقبل
قلبٌ يسأل وقلب يجيب
قلبٌ لي وقلب للتي أحب
حتى أشعر بالإنسان أمامي .
عيناك بحران ناضبان
وأنا ابتغي نبعاً فياضاً
نهداك نجمان صغيران
أمام النجوم أريد إنساناً :
يختارني
أختاره
ينظر إلى يدي
أنظر إلى يديه
يقترب مني
ننظر إلى أيدي الآخرين
يكون مرآة أمامي
أضحك أمامه ، أبكي أمامه .
لم تمنحني الآلهة النجاة
ولا حبكِ المضني
ولا عينيك
ولا نهديك
ولا يديك .
قلبكِ لم يكن مرآة أمامي
قلبكِ لم يكن ينبض أمامي .

1956

الجزاء

ها هنا أربعة سجون
في كل سجن عدة أنفاق ، وفي كل نفق عدة غرف
في كل غرفة العديد من الرجال يتأوهون مقيدين
من بين هؤلاء المقيدين
شخص ما ،
بفعل شكه الأسود
طعن زوجته بخنجر ،
من بين هؤلاء الرجال،
شخص ما ،
في ظهيرة أحد أيام الصيف الملتهبة
غمس خبز أولاده
في دم الخباز ،
من بين هؤلاء
من مارس الربا على ناصية الطريق
حتى في الأيام الممطرة الكئيبة،
منهم من قفز خلسة
على الأسطح والجدران الواطئة
منهم من نبش في منتصف الليل
قبور الذين ماتوا تواً
وسرق الذهب من فوق أسنانهم ،
أما أنا ،
فلم اقتل أحداً في الظلام
ولم أفترش الطريق لأرابي
ولم أقفز على سطح المنازل في منتصف الليل .

لا حب هنا

لا حب هنا
حتى نشتاق له
فكل شيء بعكس ما هو
السجن :
حديقة للحرية ،
التعذيب والسوط والسلاسل :
لا إذلال في ذلك
بل مقياس لقيمة الإنسان ،
القتال :
زهد وقدسية ،
الموت :
حياة ،
والذي يعلق من عنقه
إنما يبعث للحياة الأبدية

لا حب هنا
حتى نشتاق له
فكل شيء بعكس ما هو ،
الرذيلة :
فضيلة ،
السكوت والتحمل :
ضعف ،

اسمعوا إذاً يا أهل مدينتي المقدسة
فأنتم ومنذ زمن بعيد تكلمونني بقسوة
فهل تتحملون ما أقول ؟
هل تتحملون ؟

***


إقرأ أيضاً: