ترجمة وتقديم: بُرهان شاوي
(العراق)

آنا أخماتوفافي المعرض الفرنسي العالمي لسنة 2003، وضمن نشاطات الجناح الروسي هناك، وتحت شعار مأخوذ من جملة للشاعرة آنا أخماتوفا "لقد علمتُ النساء الكلام" أقيمت ندوة للحوار عن كتابات المرأة الشاعرة في اللغة الروسية. الندوة افتتحها الكاتب الصحافي (فيكتور ايروفييف) و(الكسندر ميليخوف)، الى جانب نخبة من الشاعرات الروسيات المعاصرات أمثال: أولغا سلافنيكوفا، سفيتلانا فاسيلينكو، أيرينا مورفيوفا، دينا روبينا، تاتيانا بيك، مارينا فيشنيفسكايا، اولغا سيداكوفا، والينا شوبينا.
لا نريد ان نغطي هنا هذه الندوة، لكننا نتخذ منها مدخلا الى عالم المرأة الشاعرة في روسيا. فقد ابتدأ (أيروفييف) الحديث موضحا مكانة المرأة في اللغة الروسية، قائلا بأنها ، في الوقت الحاضر، تجاوزت الرجل وزاحمته شعريا، وصارت جزءا لا يتجزأ من حقيقة الأدب الروسي. فالنساء الروسيات كن دائما جزءا من الأدب الروسي، كبطلات وكموضوع ، الآن تغير الوضع فالمرأة صار ذات الأدب الروسي. علما ان الشعر الروسي لم يعرف أسماء شعرية نسوية عظيمة فقط، وإنما حاكمن الرجال وعالمهم من خلال اليوميات التي كتبتها النساء أمثال: ناديجدا ماندلشتام، وبربيروفا، وانتهاء بالنساء المعاصرات اللواتي جعلن من الرجال كقطعة من الجليد الذي تلاشى تحت لهب كلماتهن. لكن هذا لا يعني إننا نستطيع تقسيم الأدب الروسي حسب الجنس، وإنما وفق المعايير الميتافيزيقية، والإنسانية، والجمالية، ووفق المعايير الأدبية العامة.

الحديث عن الأدب النسوي هو قضية شخصية، مثلما الأدب الروسي بشكل عام هو قضية شخصية. وفي الأمور الشخصية أثبتت المرأة الروسية أنها أقوى من الرجل بكثير. وهناك جانب سياسي في هذا الأمر، فالرجال في المرحلة السوفيتية، كانوا يكذبون كثيرا في أماكن العمل، وفي البيت، بعد العمل، كانوا يشربون كثيرا، بينما المرأة كانت تكذب أقل، وفي البيت تشرب أقل!! لذلك فقد احتفظت بنفسها أكثر من الرجل. وربما يمكن القول، كانت لها مكانتها على مستوى الدولة أو الحياة. وهناك جانب آخر في هذه القضية، هو أن الأدب الروسي الذي كان يكتب من قبل الرجال كان يتحدث دائما عن القضايا المصيرية، والأسئلة التاريخية، ولم ينتبه لحياة الانسان الفرد. النساء وحدهن تناولن المصائر الفردية، لذلك لهن منا الشكر. أما الكاتب والصحافي (ميليخوف) فتحدث عن عمله في التحرير الصحافي، وكيف انه كثيرا ما يقرأ نصوصا لنساء تمتاز باختلاف واضح عن كتابات الرجال، من حيث ان المرأة تحتضن العالم بكل وكأنه دراما حادة.

المفاجأة في هذه الندوة كانت حينما جاء دور الكاتبة ( دينا روبنا)، التي وجهت النقد بداية الى ان الرجال هم الذين افتتحوا الندوة عن أدب المرأة، وإنهما تحدثا عن المرأة وكيف تكتب..! وتحدثت عن ظاهرة في أماكن بيع الكتب الروسية، وهي وجود أرفف عليها عنوان ( أدب المرأة )، أو( الأدب النسوي)، وهذا ما يثير السخرية، فليس هناك أدب نسوي أو أدب رجالي، وإنما هناك أدب معاصر وحسب !!

هذه المقدمة قد لا تستعرض أدب المرأة الروسية، أو دورها في الأدب الروسي، ونتاجاتها، لكنها تؤكد على ان الصراع والسجال الحامي حول مفاهيم (الأدب النسوي) و( أدب المرأة) ليس ببعيد عن ساحة الأدب الروسي المعاصر، إذا لم نقل بان مثل هذا الصراع والسجال قد مضى بعيدا وقطع أشواطا، قياسا الى غيره من آداب العالم. فإلى جانب دور الصحافة النسوية الخاصة، نجد ثمة دور نشر تهتم بنتاجات المرأة اكثر من غيره، بل ويكفي أن نقول بان كل النصوص التي ترد في هذه المقال منتقاة من موقع على الانترنيت اسمه ( الأدب النسوي المعاصر)، وهو موقع يؤرخ لأدب المرأة، ولتاريخ المبدعات من روسيا أو من آداب العالم الأخرى. وهو موقع مفتوح ويتجدد يوميا..!

صحيح ان الأدب الروسي، لا سيما في القرن التاسع عشر، لم يشهد كاتبات بمستوى الكتاب الروس الكبار الذين نعرفهم، ولا شاعرات عظيمات مثل بوشكين وليرمنتوف وتوتجيف، وغيرهم، لكننا ومنذ بداية القرن العشرين شهدنا إشراق شمس اكبر شاعرتين في الشعر الروسي على الإطلاق، وهما (آنا أخماتوفا) و(مارينا تسفيتايفا).. وتعرفنا على بطلات ثوريات أمثال ( الكسندرا كولنتاي)، و(ناديجدا كروبسكايا)، ورائدات فضاء، وسينمائيات رائعات أمثال (لاريسا شبتكو)، وممثلاث عظيمات، ومقاتلات شرسات ضد النازية، ويكفي ان الأجيال االروسية، والسوفيتية سابقا، ظلت تنشد أغنية (كاتيوشا)، وهي عن المقاتلة(كاتيوشا) التي ناضلت ضد النازيين الألمان، وصارت بطلة وطنية، حتى ان اسمها أطلق على نوع من الأسلحة والصواريخ.!!!

صحيح ان المرحلة السوفيتية روجت دعاية جبارة حول دور المرأة وتحررها، مستمدة من الموقف الاشتراكي المتحرر من المرأة، بل أنها رفعت دور المرأة الى مستوى القداسة، لكنها ايضا سجنتها في هذه الصورة الأيقونية التي رسمتها لها، وقد انعكس ذلك في الأدب والسينما بشكل واضح.. لكن ذلك لم يمنع السلطات البوليسية من جر النساء الى معسكرات الاعتقال، والى أقبية السجون السرية، ويكفي ان نقرا قصيدة ( قداس جنائزي) لأخماتوفا لنعرف الحقيقة المرعبة عن النظام السوفيتي، لا سيما في مرحلة ستالين، بل ان حياة الشاعرتين الكبيرتين: أخماتوفا وتسفستايفا، ومصيرهما المأساوي اكبر دليل على ذلك..

إنهيار الاتحاد السوفيتي المروع،المثير للسخرية والدهشة، كان صدمة آيديولوجية قبل ان يكون صدمة سياسية، فلقد فتح بوابات التاريخ أمام الأسئلة الصعبة، ووضع سؤال الأسئلة أمام مجهر الفكر والضمير: ايهما أفضل، الخبز أم الحرية ؟؟ الحرية الجديدة دفعت بالملايين من النساء من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنهار الى الدعارة في مختلف بلاد العالم، ومنها بلادنا العربية المسلمة والمتدينة والفاضلة، ودفع بملايين المسنين والمتقاعدين الى مشارف الموت جوعا، إلا انه أنهى ايضا تلك الوصاية والرقابة على الأخلاق والأحلام، وعلى اللغة!!

لسنا هنا في موضع استعراض واقع الأدب الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ولا في مجال المقارنة بين الأدب في المرحلتين، لكن يمكن تأكيد إشارة ( ايروفييف) بان موضوعات مثل: الوطن، الأمومة، البناء الاشتراكي، البطولة والتضحية، مصير الانسان والشعب، الحزب، وغيرها من الموضوعات قد اختفت تقريبا من الأدب الروسي، والنسوي منه بالتحديد، وصار التأكيد على المصير الفردي أو التركيز على التفاصيل، وتفاصيل التفاصيل. وتلونت اللغة بطيف من السخرية، والمرارة والتهكم، والعدمية، والهموم الوجودية. وانه من المبكر على المختصين في شؤون الأدب الروسي ان يطلقوا الأحكام القاطعة في مسيرة هذا الأدب منذ إنهيار النظام الشيوعي، لكنهم لا يتوانون من رصد الظواهر..!

هنا سنقدم بعض الشاعرات الروسيات المعاصرات، التي سيتحدثن عن أنفسهن ببساطة مع نماذج من أشعارهن.. وسنرى كيف ان اللغة قد اختلفت، والرؤيا قد تغيرت..والموضوعات والاهتمامات قد تغيرت..رغم ان ملاحظة التغير تفترض المعرفة والإلمام بما كان قبل ذلك..

لينور غوراليك: الكتابة عقدت حياتي

آنا أخماتوفاتقول عن نفسها: من الناحية التعليمية أنا مبرمجة كمبيوتر، لكني لم أعمل في هذا المجال طويلا، وإنما عملت مستشارة ومسؤولة إدارية لسنوات، رغم ان كل هذه الأعمال لم تكن ممتعة..أترى هناك أعمال ممتعة؟. أنا أعيش وحيدة، لا أحب الطقس الرديء،. أعيش في موسكو، وهذا ما يثير دهشتي وحيرتي، أسيطول بي الحال هكذا؟
علاقتي مع الناس طيبة، لكني لا استطيع الاستمتاع معهم. أكتب كثيرا، والقي بأكثر من 90 في المئة من كتاباتي في سلة القمامة، لأنها لا تعجبني. أحب أمي وأبي كثيرا، الى جانب ثلاثة أو أربعة أشخاص آخرين. أريد ان اربي قطة، أو على الأكثر اربي هرا. لدي آلام دائمة في مفصل اليد، وأعجب أحيانا كيف أني استطيع الكتابة، لكن بعض الأصدقاء يؤكدون لي بأنني سأتعود على هذا الألم. ربما

* كيف هو شعوركم وانتم تقدمون تضحيتكم في عالم الأدب؟

- أنا لا اشعر بأنني أضحي بشيء. أشعر بأنني عصبية فقط. لا استطيع الكلام أو أي شيء من هذا القبيل الذي يتطلب تجسيد المعاناة في كلمات أو لوحة. هذا شيء معذب. أحيانا أفكر بصدق وجدية بأنني لو لم أصاب بعدوى الكتابة لكانت حياتي أهدا وأكثر بساطة. الكتابة عقدت حياتي، لأن الكاتب يكون دائما تحت سطوة ظواهر أخرى.

* أنت متعددة المواهب، فأنت كاتبة وشاعرة، وناشرة، وصحافية، وفنانة، ومترجمة!

- عن الموهبة وأسرارها لا أعرف شيئا. لكن ما اعرفه هو الأشياء التي أحب عملها، ولدي الكثير من الأشياء التي أحب إنجازها. وربما هي الدواء الذي أحتاجه، الى جانب بعض الأشياء المجنونة التي ترقد في أعماقي، والتي يحرقني الفضول لانجازها. ما يثيرني حاليا هي الموضوعات الدينية التي دفعتني لكتابة عدد كبير من النصوص التي نشرت قسما منها، وهي نصوص مفتوحة على ضفاف الشعر والسرد، وكذلك أجدني منهمكة بالرسوم المتحركة، وكما ترون ان كل هذه الأشياء ليس لها علاقة بالموهبة!

* من تفضلين من الكتاب المعاصرين؟

-لا أود أن أسمي أحدا، لآن ذلك سيكون بلا ذوق ولا معنى. لكني أستطيع القول بأنني أريد أن اقرأ عن شخصيات حية. ففي الفترة الأخيرة صرت أميل لمعرفة الأشياء الصغيرة، اليومية، وطريقة تفكير الناس وأسلوب حديثهم، كيف يبتسمون، ويفكرون ويتألمون، وعن كل التفاصيل التي تجري في قطار مترو الأنفاق. واعتقد ان أفضل الكتابات في الفترة الأخيرة هي تلك التي تلتقط عالم المترو هذا.

***

تنويعات

( 1 )

يدخل في الساعة الثامنة،
يصعد الى غرفة المدير..
يطرق الباب بقدمه..؛
يرفع نظارته، أقواس تتطاير شررا..

يدخل هائجا،
لقد تعب خلال السنوات العشر الأخيرة..
تعب من تدريس السخافات والهذيان..
يستلم راتبه ومستحقاته..؛
ويذهب..

يشتري لنفسه تلسكوبا..؛
يقضي وقته داخل العدسات..
يدرس مواقع النجوم..؛
لا يذهب الى البحر،
وإنما يغرق في الكتب..
ويضيع عقله في الورق..!
ويصير أحب الرجال في الجحيم..
أكثر من كوريا وروسيا..!!!

( 2 )

يولد ضعيفا. ويعد الرياضة شيئا سخيفا..!
يذهب الى معهد الفيزياء..
ينهي الدكتوراه..
يتزوج..
يجمع الكتب الأدبية..؛
يعمل ليل نهار..؛
يحل الألغاز الصعبة..
يذهب كجندي في فرقة المشاة الى بلغراد..؛
في احتفالات النصر يستعرض مع الجنود..
لكنه يعرج..!
ورغم ذلك يغني ويتنفس براحة..

ذاع صيته بين الطلبة
كشخص غريب الأطوار..
كان يلقي محاضراته ببساطة وحماسة..؛
وكان يردد دائما :
( العاقل يعيش بصعوبة)
لكنه، بمرور السنين، صار يعرج أكثر..
وصار يغني لنفسه..!

يصحو يوم الأثنين في سكون
يفتح النافذة، مثل كتاب نادر..؛
تدهشه اللحظة الساحرة..
كل شيء هاديي في البيت..
كيف تنام الروح في هذه الزرقة الصافية..؟
كم هو رائع ان يعيش المرء في هذه الحياة..!
كم هناك من الأشياء الرائعة في كنه الغيب..!

البيت هادئ.. والأبناء قد كبروا..ورحلوا..
وفي الدولاب ترقد أواني الخزف الصيني الفرفوري..

لكن ثمة حسرة كثيفة الشعر في الصدر..!

*****

يانا توكاريفا : حكمتي بطيئة كالسلحفاة..!

يانا توكاريفاتقول عن نفسها: لقد انتظر والدي صبيا بفارغ الصبر، حتى إنهم اختاروا له إسما، لكنني خيبت أملهما، فلقد ولدتُ أنا. لكنهما أصرا على الصبي، وهكذا ولدت أمي صبيا بعدي. ومن هنا فقد كانت لدي دمية أسمها ( الغني) وليس( الغنية)، وليس في ذلك ما يثير الدهشة ! أخي الصغير كان يتبعني مثل الذيل، وكان يتتبع حكمتي البطيئة كالسلحفاة أيضا.

- جدتي، أصحيح انه ليس للسماء نهاية ولا للنجوم ؟؟
- نعم..، هذا صحيح..، لكن من قال لك هذا ؟
- يانا

الشهود على طفولتي يقولون بأنني كنت قادرة على تأليف مقاطع ذات قافية وإيقاع، رغم سذاجة المعنى. أنا لا أذكر شيئا، لكني اذكر انني تعلمت القراءة والكتابة بصعوبة.

***

قصائد ريفية

في القرية لا يعيش الرب في الزوايا
برودسكي

غنائية

لقد ذقتُ جميع النعم والهدايا..؛
أيتها الشمس لك العافية..؛
وليكن حليبا دمك...
معي تمضي كلبة تمخر المياه..؛
أما الشياه..
فتعذبها الأغصان..
وهداياك من الورد..!

***

لقد عضتني كلبة الراعي..؛
إنها قوقازية، أشبه بدب..
لقد عضتني كلبة، لتكن
تعال الى هنا، وجربني..!

***

مقبرة ريفية

هنا يرقد جدي وجدتي..
ويرقد خالي الأكبر..؛
والأصغر الذي مات في طفولته..؛
وأحد أخوتي يرقد هنا أيضا..

إلا ان الشجار تنمو هنا، رغم ذلك..
وأنا أقف ها هنا أيضا..!

***

العلاقة الطيبة بالجياد

هذه المهرة تسمى ( كورينا)
إنها هادئة ومسالمة..
جلدها انسلخ حتى سال الدم، فهجم عليه الذباب..
إنها مهرة فتية..؛
بيد ان اللجام واسع وكبير..
ولا يوجد ثمة لجام أصغر..!

لكن شد المهرة بالعربة مهم جدا..؛
مثل العلاقة بالناس..!

****

كسينيا مارينينكوفا: ليس لدي ما أملكه..!

كسينيا مارينينكوفاولدتُ في الانترنيت قبل خمس سنوات، وفيها تعلمت المشي والحركة، وكتبت عن نفسي كثيرا. أستيقظ كل صباح بمزاج رائق. تحصيلي العلمي هو مجال الاقتصاد!!، عملت في مهن مختلفة: خبيرة في شؤون السوق، محاسبة، بائعة، مربية، سكرتيرة، مدافعة عن الحيوانات، وناشطة في مجال الرفق بها، أدافع عن الأقلية الجنسية النسوية، مهووسة بالصحافة، وموسيقى الروك، واعمل حاليا مسؤولة عن قسم صغير في مؤسسة كبيرة. أعيش من أجل ان أشكر بعض الناس، وليس لي ما أملكه.!!

***

قصيدة بلا عنوان

عندما كان لي صوت..؛
نمتُ على الأرض العارية..
وغفوت على البحر..
فصار صوتي أغنية.
لدي الكثير من الجراح
التي تذكرني بنفسي؛
أنت يا من كل من يعرفك..؛
فكأنما يعرف نفسه..!
الألواح، العارضات، والعجلات..؛
الطابوق، والحجر، والملاط..
الساحل، النوارس، والظهور
المستلقية على المناشف..؛
والصبي البرونزي..؛ الذي
قام ثم قعد..
تاركا أثره البرونزي على الشمس

في هذه الليلة سوف لن أتغابى..
أيها البحر المنبثق من بين قدمي..؛
أنت أيها البسيط..
أنا أقبلك..
أحضنك..
أتعلق بكتفيك..
ثم ندور في الرقص..!

أنا أتحدث معك في المنام..؛
لا تودعني..
خذني من هذا الدرب، فأنا نحن، أحملني..؛
أنا معك فقط أستطيع ذلك..
أيها الجنوب، أيها القفقاس، أيتها الجبال..!

***

ماريا فاتوتينا :
تعرفت على النجوم أولا، ثم على آخماتوفا وتسفيتايفا..!

ماريا فاتوتينا تقول عن نفسها: ولدت في العام 1968 في موسكو، ولا أزال أعيش فيها. عشتُ طفولتي مع جدتي، لأن والدي انفصلا عن بعضهما. بدأت كتابة الشعر منذ السابعة من عمري. لكنني كنت أحب الرسم، الموسيقى، والمسرح أكثر. في سنوات الدراسة الأولى كنت أذهب دائما الى المعسكرات الصيفية التي تقام للطلائع! هناك كنت أتجول ليلا، وهناك تعرفت على النجوم جيدا.، ومن ثم تعرفت على آخماتوفا وتسفيتايفا. بعد ذلك انجذبت الى أخمدولينا، وفي وقت متأخر تعرفت على أشعار كل من باسترناك، سامويلف، نوبكوف، غوميلوف، برودسكي، غنادليفسكي، وكينشيف، حدث هذا في وقت متأخر ا، في منتصف التسعينيت.

بعد حصولي على الثانوية أردت التسجيل في معهد الفنون المسرحية، إيمانا مني بموهبتي، إلا ان والدي أرادني ان أكون محامية مثله، فدرست القانون حسب رغبته، لكنني بعد إتمامي المعهد بدأت بزيارة الحلقات الأدبية، وفي تلك الفترة بدأت بنشر أولى قصائدي. وفي العام 1997 تم قبولي في اتحاد الكتاب الشباب. لكنني رغم ذلك لم أجد الوظيفة التي أستطيع ان أعيش منها، سوى العمل في مجال القانون، علما أني أنهيت دراستي الثانية في معهد الآداب (غوركي سابقا)، في العام 2000، وفي عامي الثالث والثلاثين أهداني الله طفلا.

***

العرابة

اليوم مساء، وفي قرية ألمانية،
في أيليخوف، وفي الطابق الخامس..؛
لا مصائب تأتي، لا مصائب تأتي..
لا شيء يحدث، لا أحد يجيء..!

الأغصان تلطم زجاج النوافذ..؛
شمعة الليل ترتجف..؛
الصحون في الدولاب الزجاجي..
ووظيفة العرابة هي الغيرة الإلهية العمياء..!

أيتها الطفلة المعمدة التي في الرابعة..؛
ياابنتي.. كيف لي الإمساك بك..
والى متى هذه الحراسة الليلية..؛
، الألواح، الألواحح، بينما الفتاة مريضة!

لربما ليس هناك ما يكفي من الدفْ..؛
ومن الرقة الإنسانية في ابتسامة المربية..؛
الفتاة في قبرها تتجمد..!
منذ فترة لم تهتز الأغصان ولا الظلال..؛
أيتها الأمومة، إنها الحرب العادلة..؛
ثمة امرأة من أهل الرب..
ركعت أمامي كعرابة..

دافئة وبسيطة كفها..
التي لا تضيع في الأبدية..
الطفل ينام، وفي البعيد تتقد النيران..
الله..المعجزة..والمصائب التي لن تأتي..!

***

ايلا كريلوفا

ايلا كريلوفاتقول عن نفسها: ولدتُ في موسكو العام 1967، أنهيت فيها دراستي، وتنقلت بين وظائف متعددة. نشرت شعري لأول مرة في العام 1991، وأصدرت لحد الآن أربعة كتب.

* كل مبدع، يشكل لنفسه تصوراته الأسطورية عن الإبداع، عن الشاعرية، ومنابع الإلهام، فما هو الدافع بالنسبة لك لكتابة الشعر؟

- السؤال بسيط، لكنه معقد ايضا. لأن الدافع يمكن ان يكون أشياء متعددة ومختلفة، لكن كل واحد منها لن يكون بمفرده دافعا للكتابة، وهذا يعني انه يوجد باعث ما، نبض ما، لكن دونما نتيجة، ففي مثل هذه الحالات، ودائما، يحدث ان لا تستطيعين الكتابة، وخاصة في مجال الشعر، لأن الشعر يكتب نفسه بنفسه. بعض أصدقائي يطلقون على أنفسهم ( الوسادة الإلهية)، أنا شخصيا لا أستطيع ذلك. ففي بداياتي فقط، كنت أستجمع كل قوتي عند كتابة الشعر. هذا سابقا، وأصبح جزءا من الماضي. الآن أكتب حينما يأتي الشعر بنفسه فقط، وهذا يحدث في لحظات غير منتظرة، ومفاجئة. فلربما استيقظ من نومي لكتابة الشعر، أو انه يأتي وأنا في زيارة عند بعض الناس، أو عندما أكون جالسة لشرب قهوة الصباح، أو عند أكون مسافرة..المهم ليس هناك قانون منطقي يحدد ساعة قدوم الشعر، فالشعر اندفاع عفوي.

* هل لديك شعراء تعتبرينهم أنموذجا أو مثلا شعريا في مسيرتك الإبداعية، أو أناس لعبوا دورا في ان تكوني شاعرة؟

- طبعا، فلقد بدأت مشواري الشعري مبكرة، فمنذ الصغر وجدت في الشعر شيئا مختلفا عن الكلام العادي، لكني لم أتوقع يوما بأني سأكتب الشعر. وطبعا كان لدي بعض الأسماء من الشعر الروسي والعالمي. الغريب ان الذين أعجبوني من الشعراء الروس كانوا من الرمزيين: ميريجوفسكي، جييوس، فجسلاف ايفانوف، بلوك، وبيلي. ثم أعجبت بالرمزيين الفرنسيين الذين قرأتهم بالروسية: فيرلين، ميلارميه. والغريب انني تقبلت هؤلاء في مرحلة انعطاف تاريخي، حينما لم تكن الإبداعات والمعلومات متوفرة بالروسية. ثم قرأت برودسكي في وقت متأخر، حينها لم أفهم شيئا، لكنني شعرت بان هناك شيئا عبقريا، وصار شاعري المفضل، النموذج، ولحد الآن لم يتغير الأمر.

* هل لديك مفهوم ( النجاح الإبداعي)، الشهرة، وهل تسعين لذلك؟

- أنا لا أسعى للنجاح عند الجمهور، لأني أعرف ان مثل هذا النجاح غير ممكن، لكن وسط الشعراء المحترفين والمهتمين باللغة، فلدي نجاح نسبي، وهذا يكفيني، ويعطيني القوة للمواصلة، وقد تناقلت الصحافة ما قاله عني برودسكي، قبل موته، وهو في أميركا، حينما قرأ بعض قصائدي: ( هذه شاعرة حقيقية، أستطيع ان أتنسم شعرها من بعيد)، وقد كان هذا بالنسبة لي شيئا عظيما، لا سيما وان هذا التقييم يأتي من شاعري المفضل، ومثالي الشعري.

* هل تحبين قراءة شعرك بصوت عال..؟

- أنا لا أحب قراءة شعري بصوت عال، خاصة أمام جمهور. ربما بين مجموعة من الأصدقاء، وحول قنينة نبيذ، اقرأ آخر ما كتبته برحابة صدر، لكن أمام جمهور غريب، لا! وطبعا هذا الأمر يقلل من نمو شهرتي وانتشاري الشعري.

***

قصيدة بدون عنوان

ليست الحياة أكثر صلابة من بيضة الدجاجة..؛
فحركة صغيرة وتنفلق القشرة..
بينما كان لها ان تتألق كأغنية احتفالية..؛
ليس لها بداية أو نهاية..؛
لكننا نولد وسط صرخات المخاض والدماء
لنصلب على المقاعد والكراسي اللعينة الغامضة..
بينما بالكاد تعيش الأمهات..،
وبينما كان يمكن للأغنية ان تكون
عن الحب الوفي..؛
أن تكون عالمنا..
غير ان الإله المشؤوم
أنشدها دونما همة وجهد..؛
ولم يجتث منها الأسى والمعاناة..؛
لا من الأسرة..،
ولا من نفسه..!

2004 الثلاثاء 24 أغسطس