ترجمة: مصطفى السليمان
على أبواب خريف العام المنصرم وقبيل مؤتمر الشعر العربي الألماني في صنعاء، طلب مني ترجمة النصوص الألمانية الأدبية من أوراق المؤتمر إلى اللغة العربية وكانت من بينها نصوص للشاعرة السويسرية إلما راكوزا، لفتت انتباهي وأثارت لدي دافعا لقراءة الأكثر من أدب هذه الشاعرة، ولا سيما أنها تكتب بلغة ألمانية تحمل في طياتها ثقافة مهد ولادة الشاعرة في سلوفاكيا ونفحة من الأم الهنغارية وأخرى من الأب السلوفيني وما علق على قافلة الترحال بين رومانيا ويوغسلافيا وإيطاليا إلى أن حل الركب في سويسرا، ناهيك عن عالم اللغات التي تجيدها بطلاقة مثل الفرنسية والإنجليزية والروسية والإيطالية والهنغارية إلى جانب لغة الكتابة لديها الألمانية.
إلتقيتها سريعا في مطار فرانكفورت ثم في صنعاء وتحدثنا حول النصوص وفكرة محاولة تقديم شاعرة سويسرية إلى القارئ العربي والثقافة العربية بنصوص شعرية من نوع آخر وقالب من تسعة أبيات لكل قصيدة، تقدم نبذة من حياة الشاعرة اللطيفة في مرحلة لها بداية ونهاية.
وقد ينطبق هذا القول على كافة النصوص الأدبية بشكل عام، لكن الواضح هنا، وما قد يلحظه القارئ، أننا أما نصوص تسرد حكاية ابتدأت وانتهت، لكنها مازالت صالحة لأزمنة وأماكن أخرى، منها بلاد العرب. تتشابه النصوص في الشكل وتتنوع في اللب، ناثرة أنغاما موسيقية متكاملة طي النصوص التي بين أيدينا. لذا فربما نكون أمام عالم "معولم" أدبيا، يتوحد في إنسان، يعكسه في نص أدبي على شكل قصيدة بلغة ألمانية.
تقول الشاعرة بأن هذه "القصائد ذات التسعة أبيات ما هي إلا إسفين في كل الاشياء". وقد يتساءل المرء، ما عسى هذه القصائد القصيرة أن تقول بهذه السرعة؟ بالطبع القليل والكثير في آن واحد. فهي لحظات وذكريات، ألحان وحكايات مختصرة جدا. معلقة في الهواء، فردية العدد أبياتها، غير موزونة، وربما تبدو مبعثرة كعالمنا اليومي على حقيقته. تطل من نافذتها المحبة أحيانا، تبتسم تودع ثم تعود. وقد يبحث القارئ عن معنى، فلا يجد سوى لحن بسيط. صوت شاعرة في بيت قصيد. نهر يصب في عالم من المعاني، مانح خيالا بعيد الحدود.
إن نقل مثل هذه النصوص إلى لغتنا وثقافتنا العربية، من وجهة نظري، هام وفيه بعض من الجديد بنفس الوقت.
الشاعرة الصديقة إلما راكوزا هي أيضا ناقدة ومترجمة أدبية معروفة، فرحت كثيرا عندما نقلت لها خبر انتهائي من ترجمة النصوص، ولا بد لي أن أعبر لها عن شكري لما أبدته من تعاون أدى إلى إنجاز هذا العمل المتواضع. والشكر أيضا للمؤسسة الثقافية السويسرية برو هيلفيتسيا التي سهلت إنجاز هذا الديوان. كما أتقدم بالشكر إلى دار النشر الألمانية سوركامب فيرلاج التي منحتني حقوق الترجمة والنشر، وأخيراً شكري العميق للصديق الشاعر العربي السوري الدكتور رياض العبيد الذي قام بمراجعة النصوص.
وليكن ديوان "تسعة أجنحة للقصيدة" باقة ورد أقدمها للقارئ العربي وللثقافة العربية.
غرمرسهايم/ألمانيا، 16/6/2001
محمولا على فرس البحر، في طائرة
على سفين، أو على أجنحة ملاك
حبا مختف
تحت البحار
إليك مع رياح تشرين
كي نتلافى الآن
طول الانتظار
والعد اللامتناهي
أنت وصوتك يخدشني جروحا
لم أسقط سالما في
قلبك الطفل؛ أصاب فينا
خسر الفم
ثم نعترك في البيت إلى عمق
بحارنا
إنني أهديك ما لك وأنت
ما لي بشرف
سوف أدنو منك بفرح
تقول ضحكتك هي
الأكثر رنينا في كل الأوقات: أنا لن الحق
بك أذى تقول أنت
فخورا دائما وتأخذني بأحضانك
ليال طوال
أجل عندما تذهب
يذهب وعدك
الهاتف قواي
هذه المكالمة الهوائية
خصوصية اللازمن إثارة للصمت
إنه ضروري ذلك الصوت في الوجه
أو الإنسان كاملا
وزنه والوقت الطويل من أجل...
استيعاب الحزن
ببطيء
يذكرني برائحة المقابر في
أحضانك التي تبعد ستة آلاف ميلا عن بلادي
الوسادة ممتلئة قبلا نحو الغرب
بدلا مني
طيلة يوم أحد من صيف أو
هنيهة قارصة لأن
ضوئي لا يستطيع الوصول
إلى عتمة ليلك
إلى يوسف برودسكي
وحقيبة السفر للرحيل عبر البحار، التي
كانت هناك كأنها قارب
مهيأة لرحلة أمريكا.
علم حقيبة الكتب
كالطابور. الرحيل:
هكذا فجأة، لكنها الضرورة
وكما تبين الأمر
بلا عودة. والآن فأنت ميت.
إلى يوسف برودسكي
ليل ومحطة الوقود
خاوية كالبور. شوارع
واجهات مبان يتيمة بلا
بهاء. أنت تركتها
هاربا على شفتين خافتتين
صوب الشعر. هكذا تجولنا
بصمت وخفة
في مدينتك. لم نقل شيئا.
إلى يوسف برودسكي
الزقاق وجهك
في كل الأشياء. أنت واقف
على القناة في الضوء كالحزن
وأنا لا أعرف
ماذا أقول: مرفوع الهامة
الكلمة غيمة أمام الفم
مكتملة. عش هنيئا.
إلى متى؟
مع منارة وخليج
مع قصر وشجرة بقس
مع العريشة أسطورة
الثعلب مع شاطئ و
رمل أدرياتي مع الأب
الأم وتلاطم الأمواج
مع الايسكريم والرياح
الآتية من جبال الكارست دونما خوف وارتياب
عن أرق الليالي الطوال
عن الوقفات المبهمة
حين تعوي الذئاب
حين تصفر سيارة الإسعاف
حين يبرد العرق
حين يجرب الطفل في الجوار أن يكون وحيدا
ويؤشر الهاتف
بصمت: من أين ولماذا كل هذا الاخضرار
المروج من أي
منطلق أقول:
غريب في البيت
تقول أنت: صيري
الفتاة التي أشتهي
بين سياج الشجيرات والبحر
لغتان و
الليل البارد الملول
ثم أنا
هذا الصمت والقدم
والمخرز
على مهل اللوحة
والتنازل
ليل سعيد الورقة
وإسفين
في كل الأشياء
الرمز هبة ريح
نصف فكرة صورة في ملعقة
البداية خوف ودعاء المحنة
كل شيء
والرغبة في الكل
الكلمة كاليد كالدفء كالتانغو
مثلها كالطبيعة الأرض والوطن
والبحر الذي أفتقده كثيرا
الذي يجري حزينا طيلة يومين
سم البعوض جنونا
الكلاب بألسنتها الطويلة
تلهث بين الأعشاب
رحال مستلق
ومن مداخن
مصانع الورق
غاز متسارع عطب
القطارات عابرة كالرعد
والقراد تتأهب سوداء
الماء يرتمي في النهر
السماء تلسع
الرجل يلمح
المرأة
يضغط اللسان
على وجنتيها
عندما يغور في الخزف البرقوق
ويلعق صحنه الحليب
وبنعومة ضفدع
يلف الليل البلاد وتختفي كل الأشياء
عندها أرى نصاعة أسنانك البيضاء كثلوج آلاسكا
اليدان في رحم السمكة
السنارة بجانب الركبة وأرى أرنبنا الثلجي ملتصقا كالظل
إنه الرماد في الريح
تتناثر أوراق شجري تتاري
أين الضأن أين القرون
أين الذراع في الغبار
يوقف الزحف
كل شيء يموج يموج
يموج صاعدا هضابا ونازلا أودية
والرأس أيضا يترنح
لم أعد أسنده بعد
قامات حدود النور فيها ساطعة
وشيء فاقع البياض
يقضي حاجته في حديقتي
العشب جريح
لكن المخالب مازالت تريد
بأذنين صاغيتين
مبتعدا
دون اكتراث
واهن كالأرز
تنساب الحبيبات
البلاط محاط
النوافذ تولد
معادن وأيضا
خلال الليل
مع حيوان يقضي حاجته يطلع الزرع
ويسقط الثلج
أنت تدير السخرية وتفترس الزمان
أنا أقرأ الرحيل جبل الريح لا يحرك ساكنا فينا
ملالات الرحلة تحدق كالبازلت
في بيت الشذوذ يطلق الفم
سراح اللسان: مخدوشا يجرح نفسه خشب الطاولة
تسود الودنية أو الجنون بعد أن
كان الود يجمعنا: السمع
الموطن الحنجرة
المزهر بشكل غريب أمام الصنوبر
يلقي رداءه على الريح
يبيع المصالح
في الوراء ينام النوم
وينفخ خيامه
يبلى العالم
بالتقسيط - أتسلق
أوراق تفاح الجدران
يعود إلى بلاده
العصا مقلوبة - اللحن معروف - ريح
وظل تسقط في الحمام
الأشكال المرسومة تسبح
على العشب صفيحة قصدير
هوت وتساقطت
في الأغصان المنظومة الخماسية صفيح
كالخيزران على مذهب قديس
مع طربوش ورتوش والبياض
كالجليد الآن يعيدني المشهد
إلى أيام الطفولة ويستبدل
الاستعراضات ويشع نورا
مسرحية بأجزاء كثيرة
مع إمرأة ورجل وطفل مازال في المهد
وعربات وبعض من معاناة
وعلى غير المعهود لدى القساوسة دون ركوع
في المزاح
هكذا الأحصنة الجديدة
مجهزة والوجه
فاحش تقريبا و
لا يرش نظرة بلاستيكية
في العين تجلس المرأة
وفي الفم الكلمة
وفي الصدر الكآبة
إلى يوسف برودسكي
كالسمك راح بعيدا
إلى أين؟ البرد قارس ونحن وحيدون
والهروب عاد مستحيل
صخور من عصور الجليد أحببتها أنت كما أحببت فن الحلاقة المدورة للأعمدة
الطين القديم ساحل البحار الرهيبة
وما تجلبه اللغة
إلى شاطئ لسانك المترامي الأطراف
الناي حزين
بين تماثيل المغني
والطيار
ونقطة الماء الدائرية
تعكس ثلاثة أقواس أندلسية
سوداء على ضفة الضائعين
وهلال فوق ماريا فرموسا
ورائحة الطفولة
مع هزة الأرجوحة
لسان أطفال للمحبة
وللمطبخ للبطاطا
للإطراء للإغراء
وكوارث الحجرات
الآخر يكتب
حتى لا يصرخ
الحواجز واقفة في البين
البحار وصمت
الدرب جاف
العودة على الثلج
كعجوز غابر
من سور إلى سور
سالكة المنحدر ولا حياة على الطريق
ولا أثر سوى عتمة الليل
وعربة فقط
تلاحق خوفي
الأم تقرأ
وأنا في المنزل
تحت لوحة شاغال
القدم جريحة
كان يخوض سباقا
هل تعود طفلا
حين تستلقي
بدلا عن هذا المآل؟
بشرى جميلة
السروال واسع والأمل صامت
والقبعة ضاعت
والصديقة حزينة على فراق الكلب
والبط يقشعر بردا
البحيرة ليست إلا بركة
أما أنا فأبحث عن فمك
ما معنى الوحدة؟
الوجه المستدير (من روما
تحية الربيع) يعد
لا نزاع ولا صراع
لا أحكام وإنما أنت
وجهك البشوش بداية
وفسيفساء من الضوء
على الجبين كما على رموش العين والخدين
موزون وبالتدريج
عالية بحمرة التوت الأرضي
في موقع مضاء
هناك يرقص الحديث
مع الماء والخبز و
ضوء من بلاد السقف
القلب له نبضات
حب غريب: ما عساها تقول
في الغاب عن ذلك الغربان؟
عندما ينهار الأفق إلى الداخل
جبل الرمل هذا أصفر وعال
أفريقي هائل منتصب في الفضاء
وراء سكة الحديد
قرب المحطة الريفية غريب
أين أنا؟ وفجأة يخترق الصورة
حفار أحمر قان
ويندثر الحلم
خارج الستائر؟ من ذا الذي يقول:
بأن الحجرة مع البلاط الحجري قد ماتت؟
من؟ هنا تتراكض ظلال النور
وتلعب الآلهة وتسقط التفاحة
دون صراخ من الشجرة
وتصر الصراصير في الأذن
والمسألة هنا ليست الإرادة: في أين أكون أنا-
فأنا في الورق أمام الجدار دائما
وكيف أستدير
ملتفتا إلى العشاق
أيضا البكاء لا يجدي
للزمن شعر
وللعذاب ناب
وأنت بعيد بعيد
بين سمك القرش
يفاجئك الشرخ
الرأس يعصرني يعصرني ألما
واليدان ترتجفان
والغضب لا يعرف آدابا
في النوم تصيح مزمجرة
الحيوانات مرتبكة
العقيدة تجمدت
المهنة اليومية تراجعت
تسمي نفسها بالحب
الليل قادم خالي اليدين
من أنا
أو أنت بسلطانك
من أجل الافتراق
ترتشف القهوة
تضحك السماء
الدلفين والنخيل
كلها دناءة
كالسور
والساعات مصيرها
في محيط الدائرة الدوران
القش والقارب
وهكذا
أروض قلبي
وأشد حزام ثوبي
وأنجم في الفنجان
فقط السواد
أكثر اسودادا من الانهيار
الذكرى العليلة
يوم اصطدمت كلمتك الوداع
في الصميم
يوم تناثرت شظايا
الصدمة ويوم أصبح
هذا العبث قرارا بالموت
يد وتجاعيد؛ حكايات كثيرة
والذراع رفيق الألم
الذراع الكهل لا يحمل أثقالا
حتى الأزرار تؤلم
والمصافحة وعزف البيانو والتحية
وداعا أيها القلم التائه المرتجف
على الورق باحثا عن سطر ومعنى
وعقل
تلمع البحيرة برتقالية
تتجعد الروح
أريد الدخول
يأمر مزمجرا بالخروج
للحلم حبل
غير أنه منحل
ومن الماء
لا يخرج أي رجل ما!
اللذين يحدقان في الأفق البعيد منذ آلاف السنين
بصمت وسكينة
هو على اليمين وهي على اليسار لا سؤال
عن الجوار أما أنا فقط لا أعرف
معنى الجلوس بالنسبة لك ولي
والركبتان العليلتان
والنظرة الجانبية في جيب
المصير: ونحن؟
زبد شجرة البرقوق
الضوء الأبيض يرتجف على السفح
يتجعد تحت بقايا الغيوم
النهار يلقي التحية رمادية
ويفتح نوافذ ساطعة
للعصافير والمهرجين أو للقلوب المكسورة
يبذر مقتضبا
نفحة ثلج
أخبار الكوارث على شاشة التلفاز
باقتضاب وعلى عجل
بالتأكيد لا ينظر إليه أحد
إنه أعمى البصيرة كفرس النيل
الأطفال الأميون فقط
يظهرون الأحاسيس والكاميليا
وراء الشباك يظهر أكثر احمرارا
من كل الأشياء في هذه الزحمة
طويلا تبا للحساسية
كأنه يستغيث
كل مرة بصوت يعلو
نصف مرة عن سابقه
ولا من مجيب
مات الصديق
وعاد الرجل وحيدا
مكسور الجناح
من نوم إلى نوم
خاويان الخريف والرأس
أقول الثلج المبكر
دورة العمر ومجازفة الكلمات
الضوضاء والرتابة اليومية
والمواعيد والرمادي الشاحب
وكومة الجرائد
ولا نحل تسلب الرحيق
وماذا بعد
أو هل أسأل المنجمة؟
عند التفكير
بسحر المصير
أضحك في الليل
ألا أيها الطفل وفي شبه سنة من النوم
أكثر عما من
الأخرى
من مقهى الثلاثة أرباع
مقهى النخيل
واقفا أو ولكن
كل شيء بحساب بين الزبائن
والدنيا على عجل
بجشع أقبض على صوتك
بيدي... أسمع
وأرسم وجهك على الورق
إلى الحمامة البيضاء
قرب البيت، إلى الوحش
الحيوانات (شارات السلطة) متحدة
الفنادق منتعشة
ولا يبكى البراءة أحد
لها أجنحة وذنب
وصفات بيتية
ومخالب فولاذية
البرج أو الزرقة
على طرف النهار أو المكان
ثلاث قبب أو جملة انفصام
هناك يرقد الموتى
هناك تزوج المتراس السماء
اللحظة
أجل
تجمدت على الباب
والنبيذ المتلألئ وخشب الطاولة
أسماء كثيرة وفلاحية المدفأة
وزقزقات
لا نسوة وثمة أوراق
بخطوط جويس كأنها خربشات أطفال
على الأربع ونحن كلانا
غجريتان لوقت محدود
توحدنا بعيدا عن كل الأشياء
قاسية كالعصى
لكن لا عش للطير ودوما إلى الأمام
كم أتمنى لنفسي فيضا
صدا وفي الأفق نسمة
مجلجلة بكل بساطة أو
منعا للرتابة
في العشق
اليومي
اليد والحصان
الرأس والجدار
الكرسي، القطار والبخار
الساعة والكتاب
الألم والمنديل
كل شيء ينظر الوداع
أما أنت فقط أنت
من يروح
كتاب الأوراق قائم الليل
كقاعة انتظار
كلاهما والخصام له أنيس
وفي الليل يصبح الصوتان
أصوات
نصف فرحة
أو معركة كاملة
هكذا أوروبا هكذا آخ
وتعتقد أن الجنون سيان
وسلوك هذا الطريق حضارة إنسان
كما أنت: فات الأوان
انتهى الدرب فات الأوان
ما درب النجاح سوى ورق السولفان
سينفجر البركان
والأحزان يا رفيقا كان
هل عرفتها؟ النهاية الآن
أستحم
كالطفل بيده الملعقة
يخلع الثياب
والقمر
واقف في الغاب
يصب نوره
على الصابون
بين الفخذين
في اليد يرتجف قلم الرصاص
متشنج اللسان
العينان دون دموع تبكيان
القلب غدا كتلة ليس إلا
الصداع يدوي
خالية تنتصب الخزائن
المنزل ساج في صمت رهيب هو
لن يعود
اليوم مرآة وعند الروسية
فستان الإثارة كله مشتهيات وضيق
العشيق الأول اسمه بوشكين
الثاني أخ دون عائلة
الثالث إنسان بكرامة أو بدون شرف
الرابع عاشق ليس إلا
جسدان مفترقان والديار سيان
وامرأة كالجندب
ما هذا النعاس النحاسي الأبيض
بأعضاء معروضة بارتخاء
اللحية تتدلى قليلا
القرن منتصب
والحوافر محنية للداخل
والوجه ضاحك
والجفون مغلقة
بمطرقة الخلود الدامية
أرز وطبسك وعلبة غريبة
تقذف نقودا للداخل ثم تقفز
لتخرج يدا خضراء
تمتد نحو المعدن
قابضة عليه لتعيده للتابوت الأسود
رب البيت يضحك
لسماجة النكتة
تجمد في الكأس الشاي
تلك المجدلية
الطفل النابغ
السؤال الجدال والقول
لحما ودما
بالكلمة
الراحة ولا أحد
أو في الموت
مرورا بالحروف
كرفسة في البطن
وسوسة في العظم
والقلب كالفولاذ
يريد التوقف عن الخفقان
والريق جف قبل الكلمة
الرأس خال
وعاد الصمت
سيد الموقف
هو يقول أن أنا لست ماردا.
وهكذا ولا غالب ولا مغلوب
أو كش ملك.
اثنان يعشقان بعضهما ويتمنيان الأفضل
ويسأل الأفضل نفسه لمن.
تمر الأيام وينقلب السرير الوثير الواحد حسابا عسير.
بشكل عفوي لم يبق سوى حنق الحزين.
ترى من ينسحب الآن؟
أربع نساء بنا امتلأ المكان
ضربنا الأرض بالأحذية الصلبة على الطريقة الروسية
ضحكنا عميقا كالأطفال من القلب
كانت تسكن في كل منا غجرية
كنا كهولا وكنا شبابا
كنا نتكلم ما يحلو لنا بالبابلية
عن المحبة والأخطار
وافترقنا عند المنام
وفي الصحن مطبوع الاتهام
الصوت جارح كالفولاذ
لا مجال للاختيار، برد الرز والحنجرة
وسالت دمعة الشمعة الواهنة
ولا أحد يفهم معنى العلاقة والعهد
واقفين في العراء بعد سلخ الجلد
الجرح دام والرأس قاس
انحرفنا عن الطريق ولم نعد رفيقان
إخلاء النوم من اليمين إلى اليسار
الكتب والعاب الصغار
المعلقة وعدة النجار
كابوس الأحلام فلتندحر الأفكار
ولتكن رسمة بيضاء
ولتكن نسمة هيفاء
أعني مهلهلة بلا أحلام
بمرقب في مسقط الماء
بانوراما والبيت واسع
وأنا في القلب منه دون مواعيد قطارات
ودون توقيت وبلا ملاحظات
شجرة صفصاف ونور
أغاريد الشحرور
وتلتقي الخيالات
وقريبا الكلمات
دون ازدحام
في المسافات بين الكلمات | : ثلج |
في الأحواض بين المنازل: | : ثلج |
في الحدائق بين الأسوار: | : ثلج |
وبرد | |
في البحيرات بين الحانات: | : ثلج |
في الجحور بين أشجار البلوط: | : ثلج |
في الأحلام بين السهول: | : ثلج |
في الأواني والتجاعيد: | : ثلج |
|
إلى البيت القديم الخالي
بسلمه الخشبي
خشب الأرض دقات غريبة
أهل البيت ساهرون
الرسام والمعرض الفني
المائدة تدعو لتناول الطعام
جنات عدن
تجري من تحتها الأنهار
بلاط العزلة هدنة خواء
مياه الاصفرار
ننتقد بشدة السلام!
تنادي كل أمريكا
نصفق بحدة
العالم، الكرة، البيت
خان من مشاعر قبيحة
وحرب على كل الكراسي
ما هي الأنا؟ تسأل المرآة
في هذا الوقت المتأخر من الليل في صيف
في هذا الجو القاتل صمت
كصمت حقل الخشخاش النائم
البيت خال من الابن
ومن الزوج والأوامر
في الفم يتلف الحليب
والكلام مع الريح
أسمي العنق أيار
أو أزهار
حسن الانكسار
ربما كالانتصار
سأوزن قلبي
وأوصد فمي
وأدعك تزمجر
يا عزيزي حتى ينفجر النخاع
في الأوراق والحذاء
في الخزائن والرداء
في القبعات ومهد الصبا
في الكتاب والدمى
مخزون في الحقائب والمخدات والشرشف العتيد
في الصور والرسائل وبطاقات البريد
له أطراف وعليه بقع وبه تجاعيد
يحاصرني: العمر
فيركبني
أنثره
فيعذبني
أخاصمه
فيرد الصاع صاعين
وأسقط
فلا يتلقاني
بالسياط اللاسعة!

ترجمة مصطفى السليمان
دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة الأولى 2001
لوحة الغلاف: جبرائيلا روتيهمان، العبور 1993
تصميم الغلاف: فيرنير تزيجارتزيفسكي
العنوان الأصلي: Ein strich durch alles
حقوق الطبع محفوظة
Ilma Rakusa, Ein strich durch alles © Suhrkamp Verlag Frankfurt am Main 1997
تمت ترجمة وطباعة هذا الديوان بدعم من المؤسسة الثقافية السويسرية برو هيلفيتسيا
Mit freundlicher Unterstützung der Schweizer Kulturstiftung PRO HELVETIA