كاميلو سباربارو

Camillo Sbarbaro
1888-1967

التقديم والترجمة: جمانة حدّاد

كاميلو سباربارو كان ذا عينين نباتيتين لذلك فضّل صحبة الزرع على الناس. منحته الطحالب أسرارها مذ كان جنينا في رحم أمّه، فجاء عام 1888 حاملا معه حكاياتها الرطبة ومطعّما بظلالها البحرية. من نسّاك الشعر الايطالي، عرفتُه عندما كنتُ ممرّضة متطوعة في الحرب العالمية الأولى وكان هو جندي مشاة. أذكر أنه في ذلك اليوم وقف في خطّ النار وتعمّد أن يصاب كي يكفّ عن القتال. همس في أذني بينما اضمّد جرحه: "أنا شاعر ولستُ مؤهلا سوى للقضاء على نفسي. هل رأيتِ في حياتك عصفورا يقتل صيادا؟".
شاعر المدينة- الوحشة والأرض- الصحراء والعالم- المنفى، شاعر اليقين المفقود والزمن المهدِّد والكلمة اللاخلاصية، ذلك هو صديقي المرهف الذي شغف بجمع أعشاب الصخور البحرية ودراستها، وعاش من تعليم اللغتين اليونانية واللاتينية، وترجم تحف التراجيديا الإغريقية وعددا كبيرا من كتّاب القرن التاسع عشر الفرنسيين.
توفيّ سباربارو في مدينة سافونا عام 1967 بعد سلسلة من الانهيارات العصبية. فلح في قتل نفسه رغم فشله في قتل الآخرين. ولا عجب في ذلك، فهو شاعر، أي أنه طويلا تمرّن على الموت: طويلا، حتى أتقنه.

***

مختارات

انتظركَ عند منعطف كل درب
يا هلاكي.
أبحث عنك في عيون العابرات
وأترصّدك في أكشاك الاحتفالات الشعبية
بين ساحرة الثعابين
والطفلة التي تطير...

آه يا للذّة أن نمنح كل شيء من أجل لا شيء
وأن نزدري هذه الحياة وهي كلّ ما نملك!
فتلك التي حظي بها الجميع
التي ضحكتها سهلة ولا تفقه شيئاً
و بدلال كتفيها وتمايل ردفيها
تجعلني أضمحلّ في عالمي
تلك الجديرة بالاحتقار الجاهلة سلطانها
والتي أتوق أن تخترقني دروبها،

لأجلها، كمثل شحاذ يقصد ضفّة النهر
ويرمي بهزء قرشه الوحيد
لأجلها
ضاحكاً
قد أرمي حياتي كلّها.

***

هل تعرف كيف كانت حياتي
أيها الحبّ
قبل أن ألتقيك؟

كانت الأرض صحراء
والعالم صورةً ضبابية ترتجف حيناً
وحيناً وجهاً أليفاً من خيالات أحلامي.
نهاري لم يكن مختلفاً عن ليلي
ولا رقادي عن اليقظة.
كنتُ رجلاً ترعبه الساحات العامة
يروعه الفراغ،
وكم من المرّات كنت أشمئز في نومي
من نهار يرغمني عليه جفناي.

كانت المدينة تنهكني
بلهاثها الشبيه بنهرٍ لا يعثر على مصبّ.
كانت تخيفني بضخامتها،
تلك العملاقة المطفأة النظرات.

وفجأة، كمثل صورة غامضة
يحاول طفل رسمها بأحجار النرد
فتستضيء بالحجر الذي كان ينقصها،
أتيتَ أيها الحب فانتظم الصخب
هدأ اللهاث
وسكن النهر في البحر
أمام اثنين يتعانقان في الظلّ.

***

اصمتي يا روحي !
ها قد حلّت الأيام الكئيبة التي تعاش بلا رغبات
أيام الانتظار اليائس.

وعلى غرار الشجرة العارية التي عند منتصف الشتاء
تذرف حزنها في الساحات المقفرة
لا أظنني سأورق بعد الآن
وأشك في أني قد أورقت يوماً.

وإذ أهيم في الشوارع وحيداً وحيداً
بين أناسٍ يرتطمون بي ولا يرونني
أشعر كأني غائب حتى عن نفسي.
أسارع الخطى الى حيث الحشود
وأرصد الواجهات بخيبة.
أستدير لحفيف كلّ تنورة،
لصوت حكواتي أعمى
أو لعنقٍ تبرق على حين غرّة،
فتنهمر من عيني دموع حمقاء
وتشتعل فيهما المطامع.

في هاتين العينين حياتي
وكلّ ما يحدث يحفر فيهما
مثلما تحفر نسمة هواء في المياه الراقدة.

كمثل مرآة مطيعة
أعكس كل ما يعبر أمامي
لكني لا أنظر في ذاتي
لأني لن أجد فيها شيئاً.

وإذ يحلّ المساء
أتمدد طويلاً في سريري
كما في نعش.