ألدا ميريني

Alda Merini
1931- …

التقديم والترجمة: جمانة حدّاد

ألدا ميريني

هي أيضا كانت في الثالثة والثلاثين من العمر عندما صلبوها. فعام 1964 قرّروا أنها مجنونة واحتجزوها في المصحّ عشرة أعوام. أبعدوها عن أولادها وزوجها وحياتها وقالوا لها: "هذه شياطينك، حاربيها". هل شُفيت في ذلك المطهر من جنونها المزعوم؟ لا أعرف، لكني أعرف أنها لم تزل في كرّ وفرّ منه وإليه حتى اليوم، وأنها كتبت فيه أجمل قصائدها، وسمّت الديوان "الأرض المقدّسة".
ماذا رأت الشاعرة الايطالية في تلك الأرض الملعونة؟ هل حاربت شياطينها فعلا أم تراها تحالفت معها؟ وهي المتعلّقة بسيكارتها حدّ الهوس، هل احترقت هناك أكثر أم نفضت أكوام الرماد عن روحها؟ عندما خرجت، قالت إن الشاعر ينمو في الليل، وإنه أنفاس الله. عندما خرجت، قالت أيضا إن أثقل شخص على قلبها هو ألدا ميريني، وإنها لا تحتمل سماجة هذه المرأة. تصوّرت عارية وهي متقدمة في السنّ، لا لتستفزّ مجّاناً بل لتعبّر بالصدم عن فداحة ألمها: ففي المصح كانوا يخلعون عنها ثيابها كما لو أنّها "شيء"، ولم تزل تشعر أنها عارية حتى الآن.

أكرّر: لم تزل ألدا ميريني تشعر أنها عارية حتى الآن.

***

مختارات

كنتُ في ما مضى عصفوراً
ذا بطن ابيض ناعم.
لكنّ أحدهم جاء وذبحني-
ربما لأنّ منظر رأسي المقطوع يضحكه
لا اعرف.
كنتُ طائر نورس كبيرا
يرفرف فوق البحار.
لكنّ احدهم قطع عليّ الدرب
من دون أي إنذار.
ولكن حتى وأنا ممدّدة ها هنا
على بلاط المصحّ البارد
سأظلّ أنشد لكم أغنيات حبّي.

***

القصائد الأجمل
تُـكتب على الحجارة
بركبتين مجرّحتين
وأذهانٍ نبّهها الغموض.
القصائد الأجمل تُـكتب
أمام مذبح خال،
بينما يحاصرنا
رسل الجنون الإلهي.

***

المصحّ طبلٌ:
الهذيان فيه هو الصدى
وفقدان الهوية الإيقاع.
المصح طور سيناء
الملعون
حيث نتلقّى ألواح وصايا
يجهلها البشر.

***

عندما وصلتُ
ثلاث أعين استقبلتني
وأودعتني محاجرها
ثلاث أعين قاسية مجنونة
لثلاث نساء مختلات.
عندما وصلتُ
فقدت رشدي وفهمت
أن هذه البحيرة الزرقاء
ما هي سوى مستنقعٍ موحلٍ
من النفايات المهروسة
سوف أغرق فيه.

***

القمر يتـفتّح في حدائق المصحّ
وفي إحدى الزوايا يتنهّد مريضٌ
مودعا يده جيبه العاري.
القمر يتـفتّح شرهاً في حدائق المصحّ
مطالبا بعذاب المحتجزين
مطالبا بدمائهم.
لقد رأيت مريضا
يموت نازفا
تحت القمر المشتعل.

***

يا أيها الجسد، يا لعبة رمادية
برغبات قرمزية
حتّام ستسجنني؟
وأنتِ يا روحي العوجاء
المرتبكة والعاجزة
يا روحي المختونة
ماذا تفعلين
ممدّدةً هكذا
داخل الجسد؟

***

لا. لا تعانقني الآن
قد تسحق فيّ ذاك الشريان السامي
الذي يدوّخني ويُنضجني
دعني أرفع قواي الى الشمس
دعني أشغف بثماري
دعني أهذي ببطء
ثم اقطفني يا أيها الأول والوحيد
يا منشوداً في الليالي كلها
إصعقني بشباك عشقك
وخذني
مثلما تؤسر نعجة طائشة.

***

لقد كتبتُ من أجلك كلمات فضية
من أجلك كتبتُ كلّ أفولي
وحان الوقت لكي أتلاشى
ما من خلاص لصوتي الخاشع
سوى أنشودة تشفّ من جسدي
أنشودة حبّ تُنضج ربما
أبديتي هذه البلا حدود.

***

بصماتي التي أخذوها في المصحّ
تضطهد يديّ
مثل حشرجة تسحق شريان الحياة.
تلك البصمات اللعينة
محفوظة في سجلات السماء
وأراها تهتزّ بعيدةً
مع نجمات الدبّ الأكبر.

***

أركضي أيتها الأحصنة البيضاء
يا حاملة الفجر الكبير
اركضي على زغب لساني
الذي لن يكلّم حبيبي بعد الآن.
آه يا أيها العشب الحزين
الذي تدخل الفم
وتمتص اللعاب ورقّة الروح
يا عشبا بات اليوم أسود
أعطني زهرتكَ الأخيرة
وصرْ من اجلي رمحاً.

***

إذا حاول أحدهم
أن يفهم نظرتكَ
أيها الشاعر
دافع عن نفسك بشراسة
فنظرتك هي مئات النظرات تلك
التي تأملتك لا مبالية
بينما كنت ترتجف.