باول تسيلان

عن الألمانيّة: عبد الرّحمن عفيف

إنّهُ ليسَ شعركِ

شَعرُكِ ليسَ بُنيَّا اليَدُ معبّأةً بالسّاعاتِ، هكذا جئتِ إليَّ - تكلّمتُ:
شَعرُكِ ليسَ بُنيَّا.
هكذا رفعتِهِ فوقَ ميزانِ الأَلمِ، هنا كان أثقلَ منِّي...
يأتُونَ في سُفُنٍ إليكِ و يحمِّلونَها بِهِ، يعرِضُونَهُ رخيصاً في أسواقِ الهوى -
تَبتسمينَ إليَّ من العُمقِ، أبكي إليكِ من الكفّّةِ، التّي خفيفةً تبقى.
أبكي: شَعرُكِ ليسَ بنيَّا، يعرِضونَ ماءَ البحرِ، وتعطينَهم ضفائِرَ...
تَهمسين: إنَّهم يعبّئونَ العَالمَ بِي، و أبقى لك طريقاً أجوفَ في القلبِ!
تقولينَ: ضُمَّ ورقَ الِّسنينِ إليكَ - إنّهُ الوقتُ، أنْ تأتيَ وتُقبّلني!
وَرَقُ السّنينِ بنيٌّ، إنّهُ ليسَ شعركِ.

شَجرةَ الحورِ

شَجرةَ الحورِ، ورَقُكِ ينظرُ أبيضَ إلى العتمةِ.
شَعرُ أُمّي لم يُصبحْ قطُّ أبيضَ.
نبتَةَ الهندباءِ، أوكرانيا هكذا خضراءُ.
أُمّي الشّقراءُ لمْ تَعُدْ إلى البيتِ.
غيمةَ المَطرِ، هل تتردّدينَ لدى الآبارِ؟
أُمّي منخفضة الصّوتِ تبكي للجميعِ.
أيّها النّجمُ المكوّرُ، إنّكَ تبتلعُ الأنشوطة المُذهّبةََ.
قلبُ أُمّي أضحى جريحاً مِنَ الّرصاصِ.
أيّها البابُ البلّوطُ، مَن رفعكَ من المفاصِلِ؟
أُمّي الرّقيقة لا تقدرُ أنْ تأتي.

كورونا

منْ يدي يلتهِمُ الخريفُ ورَقتَهَ: نَحنُ أصدقاء.
نُقشّرُ الوقتَ من الجَوْزاتِ و نعلّمُها المَشيَ:
يرجِعُ الوقتُ إلى القشورِ.
في المرآةِ يومُ الأحدِ،
في الحُلُمِ يتمُُّ النّومُ،
الفمُ يتحدّثُ الصِّدقَ،
عيني تعلو إلى جِنسِ الحبيبةِ:
ننظرُ إلى بعضِنا،
نقولُ لنا مُعِتماً،
نحِبًّ بعضَنا كزهرةِ الأفيونِ والذّاكرةِ،
ننامُ كالنّبيذِ في المحاراتِ،
كالبحرِ في الشّعاعِ الدّمويِّ للقمرِ.
نقفُ متعانقينِ في النّافذةِ، يتطلّعون إلينا من الشّارعِ:
إنّهُ الوقتُ، أن يعرِفَ المرءُ!
إنّهُ الوقتُ، أنْ يُريحَ الحجرُ نفْسهُ للتَبرعمِ،
أنْ ينبتَ للقلقِ قلبٌ.
إنّهُ الوقتُ، أنْ يصيرَ الوقتُ.
إنّهُ الوقتُ.

عُدَّ الّلوزاتِ(*)

عُدَّ الّلوزاتِ،
عُدَّ، الّذي كانَ مُرّاً و خلاّكَ مُستيقِظاً،
عُدّني منْها:
فتّشتُ عن عينكَ، حين فتحتَها وما نظرَ أحدٌ إليكَ،
مدّدتُ ذلك الخيطَ المخفيَّ،
الّذي عليهِ النّدى، ذاك الذي فكّرتَ فيهِ،
انزلقَ إلى الأباريقِ،
الّتي حكمةٌ، تلكَ الّتي لم تَجِدْ إلى قلبِ أيِّ أحدٍ، تحرسُها.
هناكَ فحسبُ ولجتَ تماماَ الاسم، الذي هو لكَ،
خطوتَ بقدمٍ واثقةٍ إليكَ،
ارتجّتِ المطارِقُ حُرّةً في برجِ أجراسِ صمتِكَ،
هبَّ المسموعُ عليكَ،
ألقى الميّتُ الذّراعَ عليكَ،
ومضيتم أَنتم الثّلاثة خَلَلَ المساءِ.
اجعلني مُرّاً.
عُدّني مِنَ الّلوزاتِ.

الأشدُّ بياضاً

الحمامةُ الأشدُّ بياضَاً طارتْ: أستطيعُ أن أحبّكِ!
في النّافذةِ الخفيضة الصّوتِِ يهتزُّ البابُ الخفيضُ الصّوت.
الشّجرةُ الهادِئةُ دخَلت في الغُرفَةِ الهادِئةِ.
أنتِ هكذا قريبةٌ، كأنّما لا تمكثينَ هنا.
من يدي تأخُذينَ الزّهرةَ الأكبر:
إنّها ليستْ بيضاءِ، لا حمراءَ، لا زرقاءَ - لكنّكِ تأخُذينَها.
حيثُ هي لم تكُنْ، هناكَ لسوفَ دائماَ تظلُّ.
لمْ نكُن البتّةَ، هكذا نظلُّ عِندَها.

في مصر

ينبغيْ عليكَ أنْ تقولَ لعينِ الغريبةِ: صِرْ ماءً.
ينبغي عليكَ، الّلواتي تعرفُهنَّ في الماءِ، في عينِ الغريبةِ أنْ تبحثَ عنْهنَّ.
ينبغي عليكَ أنْ تُناديَهُنَّ مِنَ الماءِ: رُوت! نعومي! ميريام!
ينبغيْ عليكَ أَنْ تُزيّنَهُنَّ، حين لدى الغريبةِ تضطجِعُ.
ينبغي أنْ تُزيّنَهُنَّ بالشَّعرِ الغَيْميِّ للغريبةِ.
يَنبغي أنْ تقولَ لرُوت و ميريام و نعومي:
انظرْنَ، إنّي أنامُ عِندَها!
ينبغيْ عليكَ بأكثرِ جمالٍ أنْ تُزَيّنَ الغَريبةَ بِجانِبكَ.
يِنبغي عليكَ أنْ تُزيّنَها بالألمِ على رُوت، على ميريام و نعومي.
ينبغيْ عليكَ أَنْ تقولَ للغريبةِ.
انظري، لقد نِمتُ عِندَ هؤلاءِ.