جوان ماريا مكنالي

ترجمة علي القاسمي
(العراق/المغرب)

موشَّح في المغرب
تتنقلُ مثل الشعراء المغنِّين الرُّحَّل
من مكانٍ إلى آخر
وأُغنيتُكَ تتغيَّر مثل الريح
حسب ما تلامسُ من رمالٍ أو بحار
أو تُربةٍ ملكيَّةٍ خلف الأسوار
أو عمّالٍ يعدّون ساعات النهار.

* * *

يبدأُ النبيذُ الأحمرُ يومََكَ المغربيَّ عند الظهر
وبعد التغرغر بكلماتٍ بين جدران أربعة
ينقلُكَ إلى مكانٍ مختلف
حيث تتذكَّر سجناً شُيِّد في الرمال
وتهبُّ ريحٌ قاسيةٌ لاسعة
فتراودكَ، مرَّةً أُخرى، رغبةُ الترحال.

* * *

مفعمٌ بالقلق كيما تتجدَّد دوماً
تتحرَّكُ مثل زوبعةٍ أحياناً
منطلقاً بين جبال الأطلس، وأنتَ تثير الرمال
حتّى تصدّك أسوار المدينة أخيراً
فتتخلّى عن يومكََ العاصف
وتستكينُ لصلوات هذا المكان العتيق.

* * *

روح الشعراء المغنِّين الرُّحَّل فيك، تبحث عن الأمان في هذا المكان
أو بالأحرى عن السلوان، بعيداً عن الرمال المتحرِّكة
ولم تعُد تتوق للترحال
أو ليتحوّل ليلكَ إلى نهار
وأنتَ تراقب اللقالقَ تطير على ريحِ المساء
وهي الآن تعانق أسوار المدينة القديمة.

* * *

وأخيراً يخترقُ فكرُك جدرانَ
التقاليدِ والذكرى والمكان
وقيودَ النهار الزائلة
ويأخذُ شيئاً فشيئاً بإزاحةِ
التراب والغبار والرمال
ليحلّق مع اللقالق على بساط الريح.

* * *

وتحلِّقُ معكَ على بساط الريح
طيور السنونو والخطاطيف الراحلة
وتعبرون جميعكم الأسوار
التي تحاول أن تقيّدنا بالمكان
وتحلّقون في الليلِ والنهار
فوق الرمال الغائصة وما وراءَها.

* * *

وفيما ينقلني يومي من مكانٍ إلى آخر
داخل تلك الأسوار الرمليّة
أتوقُ إلى الريح وطيران اللقالق
وإلى تيّار الهواء الذي يجعلكَ الآن حرّاً.
لندن 1/4/2009

أُنشودة الحائك
تسافر راحتاكَ على طول الجدران القديمة
وأناملكَ النحيفة لم تَنْمُ تماماً بعد
ومع ذلك، فهي أليفة لأحجارِ
أسوار المدينة وملاطها والتواءاتها.

* * *

أناملكَ النحيفةُ ناميةٌ بما يكفي
لشدِّ خيطٍ أحمرَ أرجوانيٍّ
ومتابعته في متاهة المدينة
فيما أنتَ تنقل الخيط من عُقدةٍ إلى أُخرى

* * *

ثمَّ تحلُّ خيطاً قرنفليَّ اللون
وتحبكه بدقّةٍ متناهيةٍ مع خيطٍ آخر
وفيما أنتَ تمدّه من عُقدة إلى أُخرى
يمرّ عليك صفٌّ طويل من السياح في عجل.

* * *

وتمارس عملاً آخرَ ببطءٍ كبير
إنه كما لو كنتَ تنسجُ أحلامكَ
والسيّاح ما زالوا يمرّون مسرعين
دون أن يلحظوا مهارة يديك.

* * *

وفيما أنتَ تنسجُ حُلمكَ من ألوانٍ عديدة
يغادر فكرُكَ زحمةَ الأزقةِ القديمة
يحلِّقُ فوق ما ضفرتْه أصابعك
وينطلق الآن إلى أصقاعٍ بعيدة

* * *

وفيما يغادر فكرُكَ حشودَ المدينة
وما فيها من حميرٍ وهرجِ البيع والشراء
وفيما هو يطفو على تلك البلاد النائية،
تنسى الثوبَ الذي تنسج.

* * *

ولم تعُد الحشود ولا الحمير تؤثّر فيك
فأنتَ الآن تطيرُ عالياً في السماء
وتنسى الجلابة التي تصنع
وجميع الخيوط التي ما زال عليك أن تخلع.

* * *

ما أغنى السماوات التي تحلِّق فيها!
أقواسُ قزحٍ جامحةٌ تتعقَّبُ دربك
وهي مصنوعة من الخيوط التي تحبكها
والأحلام الجميلة التي في فكرك.

* * *

رفاقك الوحيدون أقواسُ قزحٍ جامحة.
ترقص في حركاتٍ رفيعة
على طول أسوار المدينة
وأصابعك ما زالت تنسج بسرعةٍ بديعة.

لندن 2/4/2009

جوان ماريا مكنالي Joanne Maria McNally شاعرةٌ كاتبةٌ ذات موهبةٍ فذة، وخيالٍ مجنّح، وتقنيّاتٍ شعريةٍ وسرديّةٍ متطوّرة، تسعى جاهدةً إلى أن يتجاوز أدبها الزمان والمكان؛ ويجمع بين الإنساني، والإبداعي، وومضات من حسِّ الفكاهة والدعابة. وتقف في شعرها إلى جانب المضطهدين والمسحوقين والمحاصرين في جميع أنحاء العالم، من غزّة إلى غوانتانامو
نشأت مَكنالي في بلدة غرمسبي في إنكلترة، وتابعت دراستها العليا في جامعة لندن، ونالت إجازتها الجامعية بمرتبة الشرف الأولى في الدراسات الألمانية والفرنسية، ثم حصلت على دكتوراه الفلسفة لأطروحتها " الفوضى الخلاقة " التي نُشِر قسمٌ منها عام 2000.
وفي العام الماضي (2008) صدر لها كتابان، أحدهما سردي بعنوان " الجحيم بلا حدود، حيث يلتقي شكسبير وغوته" Hell Unlimited، والآخر بعنوان " مبادلات"Xchanges، وهو مجموعةٌ شعريةٌ مع مقالٍ قيِّمٍ يتضمن تأملاتها في طبيعة الإبداع الشعري. وفي هذا العام (2009) صدر لها كتابٌ في تعليم اللغة الألمانية بطرائق مبتكرة.
الدكتورة مَكنالي هي قرينة الشاعر العربي الكبير سعدي يوسف، وترافقه في رحلاته الأدبية في جميع أنحاء العالم، من الصين إلى المغرب. وقد كتبتْ مجموعة من القصائد استلهمتها من المغرب في إقامتها ما قبل الأخيرة فيه. ونترجم هنا بعض هذه القصائد نثراً، مع الاعتذار عن التضحية بخصائص الشعر التي تحرص عليها مكنالي وتبلورها بعناية وصبر فائقين.

عن "كيكا"