جمال الدّين بن الشيخ

ترجمة وتقديم: مبارك وساط

لقد اشتهر جمال الدّين بن الشّيخ باعتباره باحثا في الشّعر و النّقد العربيين في القرون الوسطى، بعد أن نُشِرتْ، بالفرنسية، أطروحته: 'الشّعريّة العربية: بحثٌ في خطاب نقديّ' (غاليمار، 1989) وهو معروف، لدى عامّة القراء الفرنسيين، بكونه أنجز، رفقة أندريه ميكال، ترجمة جديدة متميّزة لـ'ألف ليلة و ليلة' ( صدرت أجزاؤها، تباعا، عن سلسلة لا بلياد، غاليمار). لكنّ بن الشّيخ هو، أيضا، من كبار الشّعراء المغاربيين الذين كتبوا بالفرنسيّة. و من بين مجموعاته الشّعريّة: 'كان الصَّمْتُ قد لاذ بالصّمت' (الرّباط، 1981)، ' حالاتُ الفجر' (روجري،) 1986، 'الأعمى ذو الوجه البَرَدِيّ' (1999)... كما أنّه له رواية تَستلهم وقائعها من ثورة الزّنج (وردة سوداء بلا عِطر، ستوك، 1998)...
وقد وُلِدَ هذا الشّاعر الجزائريّ بمدينة الدّار البيضاء (بالمغرب) سنة 1930.
ودَرَس الطّب لسنتين، ثمّ انتقل إلى دراسة الأدب. واشتغل أستاذا بكلية الآداب بالجزائر، ثمّ بجامعة باريس الثّامنة، فجامعة باريس الرّابعة. و تُوفي، بعد صراع مع داء السّرطان، سنة 2008.
والقصائد التّالية تنتمي، في الأصل، إلى مجموعة: 'كانَ الصَّمت قد لاذ بالصَّمت'.

في الشّرفة السّعيدة...

في الشّرفة السّعيدة تنقلب امرأة
على ظهرها
الضّوء ينطوي في هيئة عناقيد
بعيدة الغَور
اليوميّ يُحكمُ مطابقة نفسه على الحُلم
فيما ينابيع الجسد
تتجاوب
بين الأهداب تتأجّج
مفاجآتٌ
اعترافُ العُضو الجِنسيّ يصقُل الزّمن
يتدفّق الخمر من حدقة
مثلما قطعة نسيج مُخرّمةٍ
حول الرّسغ
ويُفرغ شلال نفسَه
من رَبيعه، بأناة
من مرجانٍ هو الفضاءُ بأكمله، قُرْبَ
الأفق

الكلمات تغسِل وجوهها اللامرئيّة
عِطرٌ يحرثُ شفقا، كفّ
تستبقي الليل
وفوق تموّجات نهد
يتهاوى فتات نجم
هرجا ثابتا، يَنضغطُ العالم
في راحة اليد
غدا أُوجَد

الرّيح تُشكّل...

الرّيحُ تُشَكّل نَـايَـاتِـهَـا الأرجوانيّة
لا حَظّ لي في العَيش إلا بين ظواهر
سحريّة واقعية
أنجرف على نسوغ النّباتات
عند الغروب شلالاتٌ تفكّ إسار مجموعة أولى
من صخور الشاطئ الزرقاء
التي هي أوراق في غابة، أبدا
لن تَـنْـفَـد
أباغِتُ التّاريخ في كلّ وَمـضة تَـنْـزو
على السّماء
بالسّكين أخلّص في اللحاء أقنعةً
الحقيقة عجبٌ عُجاب

3 ذكرى

سأصقل بلساني ملح
جفونك الممزّقة
ستولد شمس من أهدابك
وعلى مهل أفكّ الطّحالب
من حول قدميك
فلا يبقى عالقا بهما
سوى ذكرى رقّة الزَّبَد

4 دكان

هنا، لصفيح القدور
بسمة عمياء
رصينة هي حركة البائع
الذي يأسر السّماء بين الزّنجبيل و الكمّون
أثمّة أمر يتطلّبُ الكياسة أكثر
من وزن أُوقِـيَّـة شاي
حين يكون النّعناع قد اكتسى بالقرمزيّ، لونِ الدّم
الذي تصاعدَ حتّى جفوننا؟ الفلفل الأخضر يمسك بأسنانه
دَ فّة القَدَر

يقظة

من أحمرَ ثرثار يولَدُ شكلٌ مُجدّدا
المستنقع تحت الجفون
يجعل السّماء أبعد غورا
و الصّورةُ طَمْـأَنَـتْـهَـا
وُعودُ النّار
عمّا قريب سيُقال
إنّ سيولَ ماءٍ سريعةً تنبجس
من خواصرِ الكلمات
نسيانٌ سيّدٌ مبسوط، مثلما شرشف نقيّ
على سطح الأكاذيب
من كلّ رَعْنٍ مُتمسّك بالصّيف
تنبجس قرابين الدّم

جمال

أقتطعُ من النّهار ما أكسو به إنسانا
أُحْكِمُ مطابقة الأفق على وركيه
بالدّبابيس أشدّ إلى كتفيه
حِصّة من الفضاء تناسب بدقّة جسده
مُضَخّما جسدا و روحا
ينعتِقُ جماله

-7-

الفلاح الذّاهب إلى الحقل و في يده منجل
إنّه يُوجّه النّهار نحو الأعشاب
حيثُ انتقى الجليد خندقه
يُميلُ المساء نحو عزلةِ
فَرْعِ كرمة
يُبْقي نبتة الرّتَم على البعد الكافي
لتنفتح للرّيح منافذُ السّماء

القدس العربي
14/03/2009