ستة شعراء من اليونان

اسكندر حبش
(لبنان)

( غوستاف كليمت)سبق أن قدمنا في حلقتين سابقتين، في (السفير الثقافي)، مختارات لخمسة عشر شاعرا يونانيا معاصرا، كان الهدف منهما تقديم لمحة موجزة عن أسماء بعيدة عن تلك المتداولة بكثرة عندنا، والمنتمية إلى المشهد الشعري هناك. فبعد زويه كاريلليس، تاكيس فارفيتسيوتيس، أريس ألكسندرو، مانوليس أناغنوستاكيس، نيكوس ألكسيس أسلانوغلو، نيكي ديمولاس، تاسوس دينيغريس، كاترينا أنخيلاكي روك، يانيس كونتوس، ميخاليئيس غاناس، ريا غالاناكي، ديميترس كرانيوتيس، ديميتريس هولياراكيس، كوستيس غيموسوليس، ثاناسيس هادزوبولوس، نقدم في هذه الحلقة ترجمة لستة شعراء آخرين هم تاكيس باباتسونيس، جورج تيميليس، نيكوس كافادياس، ميناس ديماكيس، أثوس ديمولاس، د ب باباديتساس.

 


 

تاكيس باباتسونيس

أثينا 1895 1976. شاعر وباحث ومترجم. شعره ذو إيحاء ديني كبير، برغم شكله الحداثي. من أعماله: (اختيار أ) (1934)، (أورسا مينور) (1944)، (اختيار ب) 01962)، (15 قصيدة غير منشورة) (1979).


نقش منخفض

ليس لهذا النقش المنخفض الذي يكبرنا
ومثلما يظن الكثيرون
مضامين ميثولوجية
لم يعالج النحات أبدا موضوعات
نسب الآلهة، لكنه أعاد إنتاج
وبمهارة رموز
ملائمة بالتأكيد
لاختلاجات الحياة
وإن كانت غير محفورة
علمتنا هذه الخرافات
الاجتثاث، أما الخربشات
والحفريات، فإنها تعرف عنها
شيئا. سنوات متوارية
في الثلج أراض متشققة
أراض أصبحت محصبة
سنوات من الانتظار
أي ثقافة نمارسها الآن؟
منهك، مرمي، مسمر
بريح الشمال، التي ترغب في السكون
هذه هي أرضنا التي تحولت
إلى صحراء عششت
في روحنا مثل مرزبان قاس
حلت الثانية عشرة
منذ زمن طويل، والآن
أي انتظار نستطيع أن نرسخه
في أنفسنا، انتظار لا يكون
جنونا (ليل الرعونة خلفنا)
جنونا، هذيانا
من أجل قلبنا الجريح
آه يا قلوبنا، كيف ننسى
هذه الأزمنة حيث لا تزال تتفتح الأشجار
حيث يزهر في الفصل الجميل
فرح العصافير
هذه الأزمنة حيث الثمار
تطلى بالذهب، تتلون.
حينذاك، كانت قلوبنا لا تزال فتية،
حية، موضوعة
على أكاليل بلون أخضر فاقع
كل الريح التي تلامسها
كانت ريحا طيبة. عند كل نسمة
تمنحها أكاليل الزهر
عنفوانا ومجدا.
الآن، خدعتها
الأساطير بخربشاتها.
هذا ما تعبر عنه انحناءات النقش المنخفض
بشكل مقنع
هذا النقش المنخفض الذي يصر
الجهلة، على تسميته، أسطورة.

***


جورج تيميليس

ولد في ساموس العام 1900 وتوفي في تسالونيكي العام 1976، التي قدم إليها العام 1930. مارس مهنة التعليم. من أعماله: (بشر وعصافير) (1947)، (العودة) (1948)، (موكب) (1950)، (متى تلهو) (1961)، (القصائد التوراتية) (1975).


صحراء

تموت الأشياء حولنا
أين تقضي الليل، تسمع مثل همسة
تخرج من الدروب التي لم تدسها
من البيوت التي لم تزرها
من النوافذ التي لم تفتحها
من الجداول التي لم تنحن عليها لتشرب
من المراكب التي لم تبحر فيها
أشجار مجهولة تموت حولنا
يجتاز الهواء الغابات المخربة
تنفق البهائم من المجهول والعصافير من الصمت
تموت الأجساد شيئا فشيئا من الإهمال
ومعها، ثيابنا القديمة في الصوان
الأيدي التي لم نمسها تموت من الوحدة
الأحلام التي لم نصغها من نقص النور
خارجنا تبدأ صحراء الموت.
أسماء نساء
الأرواح نساء، تتفتح
الواحدة بعد الأخرى، تبحث
الأرض امرأة، ترغب في أن تكون رائعة
في ان تلمع كمرآة
البحر والباب، امرأتان
ينفتحان وينغلقان، امرأة أيضا هو القبر
يغطينا، الليل امرأة
يتكدر، له ساقان ثقيلتان
نساء هي النبع والمطر المدرار
الفقدان، الذاكرة والصلاة
الإبريق، الكرسي، الكرافيل
البرتقالة، السنونوة والأنقليس.
الجسد الآخر.
بما أنكِ الجسد الآخر، جسد مكتنز
المنزل الآخر، المنزل الفارغ المقفل بالمفتاح
الليل الآخر، الوحدة الأخرى
بما أنك الحجر الآخر في السهل
الاستدارة الأخرى التي تضيع في الغبار
بما أنكِ الشجرة الأخرى التي تحترق
الموت الآخر، النعاس الغريب
كيف أستطيع القبض عليك، حملك
مثل بحصة أو مثل ميت؟
سأقتلك، يا حبي، لأجعلك لي
لأجدك جامدة، كي أستطيع بكاءك.

***


نيكوس كافادياس

ولد في منشوريا العام 1910. توفي في أثينا العام 1975. بحار جاب العالم بأسره. كتب بشكل قليل، وبقي مخلصا لبحور الشعر اليونانية التقليدية. تجربته البحرية هذه (ذات الأصول البودليرية) نجدها في ثلاثة دواوين: (مرابط) (1933)، (ضباب) (1947)، (من خلال) (1975).


ضباب

يحجبنا الضباب هذا المساء
اختفى فانوس المركب
ظهرت بشكل غير متوقع
في مركز القيادة كي تريني.
ترتدين الأبيض ومبتلة
عقدت شعرك مثلما أستطيع
هناك عند مدخل مرفأ (بيغاسو)
تمطر دائما خلال الصيف.
السائق المبقع بالشحم
يترصد أقدامنا في القفة
لا تنظري بتاتا إلى أعلى الصواري
مع العاصفة، ستصابين بدوار الغنم.
مفارقة
حبك ليس سوى جرح وثلاث مشاجرات، هذا كل شيء
على ضفة الشاطئ، كانت البَكَرة المشدودة جدا تصر.
حورية الأعماق مزينة بألف غضب،
فزت عليك، بلعبة النرد، في بوزدين.
كذلك رميتك داخل حوض معتم.
لقد جف، حتى الملح نشف
ولكن أنت، تنتظرين من سماء أطهر
الأرضي، الساحر، الشجاع المشتهى.
حين ستتزوجين الضوء الذي يناسبك
كنت تمّحين في الشفق الشفاف
سيعد البحار الذي أحببته
الأحجار البيضاء على بساط أخضر.

***


ميناس ديماكيس


ولدت العام 1914 في هيراكليون، وتوفيت في أثينا العام 1980. من مجموعاتها: (الأرض المفقودة) (1939)، (لقد أحرقنا مراكبنا) (1946)، (القصائد الأولى) (1951)، (الرحلة) (1960)، (المغامرة) (1966)، (فن شعري)(1977).


الحدود الأخيرة
(مقطع)

مسافرون
من قرف إلى آخر
من صمت إلى آخر
من وحدة إلى وحدة أكثر وحشية أيضا
في ما وراء الزمن الجامد
هنا عند تخوم اليأس
أعود لأجدك
ضربة شفرة عميقة
قمرا فاقدا دمه
حريقاً
ليلا قطبيا
زوبعة المدارات
وحلا دنيئا.
تجيء كما عصفور جريح
تجيء كما عصفور جريح
أو مثل كلب هلع
مثل الكلب الذي ينظر في عينيك
يتعرقل بقدميك
ينتظر أن تأمره
وأن تطرده ثم تناديه
ليتبعك
للكائنات المستوحدة هوس بالكلاب
الوفية المطيعة، ليردمون الفراغ
يرمون أحجارا صغيرة في المستنقع الجامد
لا أحب الكلاب
كنت محاطا بالمتوحشين.

***

أثوس ديمولاس


ولد وتوفي في أثينا (1921 1985). من مجموعاته (قصائد جديدة) (1951)، (سونيتات) (1951)، (أورفيوس) (1958)، (في الداخل) (1960)، (هذه الحقيقة والحقيقة الأخرى) (1961)، ( من الذاكرة) (1964)، (حقل الثروة) (1972)، (القدر) (1979).


الشاعر

شبيه بكيميائي القرون الوسطى الذي
ومن أجل أن ينهي أعماله السرية، يبدد
في النشوة، زمنه، ذكرياته، أحلامه
يرغب في القبض على الحياة بأكملها بكرا
بقصيدة واحدة، بعبارة شعرية واحدة
انه يحلم باكتشاف عظيم
أمر طوباوي، بالطبع. الحياة النهائية المتعددة الأشكال
تقبلها لكنها لا تدع أحدا يقبلها
إنها تطغى على كل عبارة شعرية
وعلى كل قصيدة.
أمر طوباوي، بالطبع
لكنه يتردد في قبوله. لأنه يحدث له
أحيانا وغالبا في مرات كثيرة أن يشمل الحياة كلها بلحظة واحدة.
انه يتعلق بذلك واضعا فيه وقته، ذكرياته، أحلامه.


***

د ب باباديتساس


ساموس 1922 أثينا 1987. طبيب. من مجموعاته الشعرية: (بين هلالين 1و2) (1945و1949)، (المقامرة) (1951 1953)، (النافذة (1955)، (ليليات) (1956)، (ضد التيار) (1977)، (خطاب مزدوج) (1980).


مغامرة
(مقطع)


أن تسمع في السماء لادعة العصافير
أن تبحث عن الطبيعة في عيون الآخرين
أن تشعر مختلفا بعد العيد حين تبقى وحيدا
وأن تلعب بالصداقة والغضب اللذين يسكنانك
يعني ذلك الخطر
ذلك يعني أن الشفقة تهدد وحدتك
هكذا، تذكرتك مرة أخرى
منحت استدارة كتفك إلى يومي الأجبن
لم تتوقف عيناك عن زعزعتي
تأتيني نظرتهما من كل صوب
من المطر
من الكروم
من يدي الفلاحة المتعبتين
ومني أنا نفسي
كنت أتذكرك وكنت في ذاكرتي
كقطعة سكر في الماء.
شهوات
كان الواصل
والسحب تسافر معه
كانت أظافره تثقب ثيابه وتنزع عشب الحياة
من أعالي الجنون
كان الخطاب الذي لا ينتهي يسقي الأراضي
في الصحراء كان اللهب الصغير يرسم الحجارة
والألم، كان يذوب في أوعية السماء.
ما أهمية أن نرمي الظلال؟
تعب الفجر الأول
تكذب الفاكهة عزاء بساتين الزيتون
الباب المقفل الذي كان يدع الملائكة تدخل
وتخرج من ثقب الباب
الباب المفتوح الذي تجمد المرفق عليه
والصوت الذي كان يصدح على العتبة:
يا أيتها القرابين التي سقطت من يدي
انك بذور قلبي الذي صنع المعدن غير الصافي
انك بذور العتمة في أعماق الجرح
بذور الرمان المبتهج المزخرف بالشمس
ماذا أقول، كيف أستعيد طريقي
بأي قساوة وبأي مقاومة تحملين قي داخلي
كيف أخرج قوتي كلها من بين أسناني
نسمة من أجل الأوراق التي تشتاق الريح.

السفير- 2004/07/30