فروغ فرخزاد
(1935 – 1967 إيران)

ترجمة: عمار كاظم محمد
(العراق)

فروغ فرخزاد"أحسّ أني خسرت عمري كله ، كان عليَّ أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاما ً، لعلّ السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة ، فالحب ، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد ، لم يربّني أحد فكرياً وروحيا ً. كل ما لدي هو مني ، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي . عراقيل الحياة منعتني من الوصول لكنني أريد أن‏ أبدأ ..‏ "

تلك هي قصة الشاعرة الايرانية الراحلة فروغ فرخزاد التي ولدت في الخامس من كانون الثاني من عام 1935 من عائلةٍ كبيرةٍ وهي الثالثة بين سبعة أولاد. بعد تخرجها من مدرسة الأحداث العليا انتقلت إلى مدرسةٍ فنية لدراسة الرسم والخياطة ولم تنهِ المرحلة الثانوية.

كانت تبلغ السادسة عشرة عندما تزوجت من بارفيز شابور، أحد أقربائها البعيدين وهو حفيد خالة والدتها. وخلافاً لما هو الحال عند ابنتي الجيل السابق طاهرة قرة العين وبارفن اعتصامي بزواجهما التقليدي، تزوجت فروغ فرخزاد من رجلٍ وقعت بحبه. وبعد عام ولد طفلهما الأول والوحيد وهو صبي أسموه كاميار. صدرت مجموعة فرخزاد الشعرية الأولى تحت عنوان "الأسيرة" The Captive عام 1955 وتحتوي على أربعٍ وأربعين قصيدة تتحدث عن قصة امرأةٍ محبطةٍ وعن شعورها بالقيود في حياتها. وعنوان المجموعة بحد ذاته يشير إلى إحساسها بالتورط واليأس. شخصية "الأسيرة" الشعرية هي امرأة شابة مضطربة تقضي وقتاً مريراً تصوغ فيه هويةً لنفسها وتقع في حيرةٍ بين مطالب المرأة -الزوجة والأم التي، على ما يبدو، أنها تتناقض مع مطالب الشاعرة المستقلة.

بعد ثلاث سنواتٍ من الزواج، قررت فرخزاد أن تترك زوجها رغم الصعوبات الاجتماعية والنفسية والمادية العديدة المترتبة على ذلك. وبكثيرٍ من الألم والحزن خسرت الحضانة الدائمة لطفلها الوحيد حتى إنها حُرِمَت من حقوق الزيارة. وفي أيلول من عام 1955 عانت من انهيارٍ عصبي وأُخِذَت إلى عيادةٍ نفسية حيث بقيت تتعالج لمدة شهر. وبعد عام من ذلك، أي في عام 1956 نُشِرَت مجموعتها الشعرية الثانية "ديفار" وتعني "الجدار" وهي مهداة الى زوجها السابق تقول:
.‏
"في ذكرى ماضينا المشترك آملةً أن تكون هذه الهدية التي لا قيمة لها رمزَ امتناني للطفه الذي لا حدود له".

‏ وبعد أقلّ من عام صدر كتابها الثالث "عصيان" Esian أو Rebellion وأثبت فعلاً أنها شاعرةٌ ذات مستقبلٍ واعد، لكن في الوقت نفسه رديئة السمعة بالنسبة لتقاليد مجتمعها. وفي قصائد هاتين المجموعتين البالغة اثنتين وأربعين قصيدة يلاحظ المرء شعوراً أقوى وأكبر باستقلالية الشاعرة فهي تنتقد مجتمعها بقسوة ولا سيما ظلمه للمرأة. إنّ شعوراً بالحنق والغضب يشكّل الدافع لكتابة الكثير من قصائد هذه الفترة. ‏

تمتلك فرخزاد شواهدَ كثيرةً على موهبتها وطاقتها؛ فما كادت تبلغ الرابعة والعشرين وقد أصدرت ثلاث مجموعاتً شعرية حتى نمّت اهتماماتٍ جديدة في التصوير السينمائي والتمثيل والإخراج. ففي عام 1962 أنجزت فيلماً وثائقياً عن مستعمرة مجذومين تحت عنوان "البيت أسود" (The House is Black) وقد لاقى الفيلم نجاحاً عالمياً وفاز بجوائز عدة. بينما تم نشر مجموعتها الشعرية الرابعة التي جاءت تحت عنوان ( ولادة أخرى ( another Birth في عام 1964. وبما أنّ الذاتي والخاص يشكلان خلفيةً دائمةً لشعر فرخزاد، فإنّ قصيدة (ميلاد آخر) تحتفي بميلاد أنثى تتمتع بحقوقها الجديدة كمقاتلة ناضلت من أجل كل خطوة في طريقها إلى الحرية؛ فهي تصبح أنموذجها الخاص وتخلق ذاتها بالصورة التي تريدها منها ميولها وطموحاتها الخاصة. ميلادها الجديد يمثل ميلاداً ذاتياً حقاً:‏

فارقت فرخزاد الحياة وهي في قمة إبداعها ولم تكن قد تجاوزت الثانية والثلاثين من عمرها إثر إصاباتٍ في الرأس في حادث سير في الرابع عشر من شباط عام 1967 فبينما كانت تحاول أن تتجنب عربةً قادمةً، اصطدمت بجدارٍ وانطرحت خارج سيارتها. ومن سخرية القدر هو أنّ هذه المرأة التي تجنبت الجدران وفرّت منها طيلة عمرها قتلها في نهاية المطاف جدار.

من أشعار فروغ فرخزاد

هدية

سأنطق من أعماق الليل
من أعماق الظلمة
ومن أعماق الليل سأنطق
إذا أردت أن تأتي إلى بيتي يا صديق
فاجلب لي مصباحاً ونافذة
استطيع أن انظر من خلالهما
إلى الزحام في الزقاق السعيد .

ولادة أخرى

كل وجودي آية حزينة
ستحملك
وتقودك
لفجر من النمو الأبدي والتفتح
في هذه الآية تنهدتك تنهدا
وطعمتك بالشجر ، بالماء ، بالنار
ربما الحياة
شارع طويل تحمل فيه المرأة سلتها
وتمر كل يوم .
ربما الحياة
حبل يشنق فيه الرجل نفسه على غصن
ربما الحياة
طفل يعود لبيته من المدرسة
ربما الحياة
تدخين سيجارة
في استلقاء منتشٍ بعد ممارسة الحب
أو اختفاء التحديق في عابر سبيل
يخلع قبعته لعابر سبيل آخر
بابتسامة لا معنى لها قائلا صباح الخير
ربما الحياة تعني لحظة خاصة
عندما تنكسر نظرتي المحدقة نفسها
في عينيك
وفي الشعور الذي سوف أضعه بتأثير القمر
وأحاسيس الليل
في غرفة كبيرة كالوحدة
قلبي كبير كالحب
ينظر إلى الحجج البسيطة لسعادته
إلى الذبول الجميل للأزهار في المزهرية
إلى الشجيرة التي زرعتها في حديقتنا
وتغريد الكناري
وأغانيها التي باتساع النافذة
آه
هذا هو قدري
هذا هو قدري
سماء تبتعد عني بإزاحة الستار
قدري الهبوط سريعاً على السلالم المهجورة
واللحاق بشيء يقبع بالتلاشي والحنين
قدري نزهتي الحزينة في حديقة الذكريات
والموت بحزن صوت يخبرني
إنني أحب يديك .
سأزرع يديّ في الحديقة
ستنموان ... اعرف ...اعرف ...اعرف
وسيضع السنونو بيضه
في حفرة يديّ الملوثتين بالحبر
سألبس قِراطاً من زوجيْ كرز
وسأضع أوراق الدالية على أظافري
هناك في الزقاق
حيث الصبيان الذين أحبوني
مازالوا ينتظرون بشعرهم المتشعّث إياه
بأعناقهم النحيفة
وسيقانهم الهزيلة
وهم يفكرون بابتسامة بريئة لطفلة
اختطفتها الريح ذات ليلة
هناك في الزقاق الذي سُرق فيه قلبي
من شوارع طفولتي
ورحلة التكوين على طول الزمن
وبذور الزمن في التكوين
تكوين الإحساس بالصورة
وهي تعود من الاحتفاء بالمرآة
وبهذه الطريقة
يموت البعض
والبعض يحيا عليها .
ما من صياد قط سيجد لؤلؤا في جدول صغير
يصب في بركة
أنا اعرف جنية صغيرة حزينة
تعيش في المحيط
وتعزف برقة عميقة
(نغمات) قلبها بناي سحري
جنية صغيرة حزينة
تموت بقبلة واحدة كل ليلة
وتولد بقبلة في كل فجر .

أغنية حب

الليل ملون بأحلامك
عطرك يملأ رئتي إلى أقصاها
أنت عيد في عيني
كل أشكال البلوى تكذبها
وكما تغتسل الأرض بالمطر
فمن روحي أنت تزيل كل البقع
في جسمي الملتهب أنت تدور
وفي ظل رموشي أنت تشعل النار
أنت أكثر اخضرارا من حقل حنطة
أكثر نضوجا من السنابل الذهبية أنت المحصول.

للشموس أنت تفتح الباب
وتصد سيل الشكوك المظلمة
معك
ليس هناك ما يخيف
إلا دموع الفرح
أهذا هو قلبي الحزين في الضوء الغزير ؟
أهذا ضجيج الحياة في هاوية النكبة ؟
النظرة في عينيك حقلي
وعليها عيناي تطبقان
قبل ذلك لم يكن لدي صورة أخرى
أو لم أكن أتخيل إلا أنت
ألم الحب ألم حزين
ذاهب ومتصرف عبثا
معرفة ضد الناس بمشهد حزين
وهو يدنس نفسه في قذارة الحقد
تلقاه في الحقد الذي يداعب الغواية
تلقاه في ابتسامة مكر لصديق
يحمل دراهم الذهب لقطاّع الطرق
ويتيه في منتصف السوق
وعندما ستتحدد روحي وإياك
فمن القبر ستبعثني
كنجمة على أجنحة مزينة بالذهب
تأتي أنت من ارض مسحورة
ستهدئ الم الحزن
ويطوف جسدي برائحة العناق
أنت جدول يتدفق في جفاف صدري
وفي أعماق عروقي ماؤك المقدس
في عالم يتغذى على الظلام
سأتقدم في كل خطوة تتخذها
وتحت جلدي تسير
هناك كالدم المتدفق
خصلاتي تحترق بيد لقيطة
ووجنتاي تتوردان لطلب ملّح
أنت غريب لعباءتي
وعلى معرفة بجسدي الشفاف
أنت شمس مشرقة لن تغيب أبدا
شمس تبزغ في سماوات الجنوب
أنت أكثر نضارة من أول الضوء
أكثر نضارة من الربيع , مشهد البريق
انه لم يعد حبا : انه كبرياء
كالثريا التي في الصمت والظلام تغيب
حينما جذب الحب قلبي
مُلئت إحساسا بالتضحية
لم اعد أنا نفسي , لم اعد أنا نفسي
حياتي غدت وأنانيتي، بلا قيمة
شفتاي جائزتا قبلاتك
وشفتاك معبدان لعينيّ
حركت في داخلي أشعارا عظيمة
وانحناءاتك تكسو جسدي
آه كم أتوق إلى الطفولة
وبهجتي مع الحزن تبكي
آه كم أتوق إلى النهوض
وعيناي معمدتان بالدموع
أهذا هو قلبي المهجور وعطره العبق ؟
أهذه موسيقى القيثارة والعزف في غرفة مبتهل؟
أهذا العقم وتلك التحليقات ؟
أتلك الأغاني وتلك الليالي الساكنة ؟
نظرتك تنويمة مدهشة

أنفاسك نسيم عليل
تغسلني بارتجافها المضطرب
سأجد في غدي مكانا للنوم
ينفذ في عالمي أعمق و أعمق
في داخلي عاطفة للشعر أنت ملهمها
وفي أغنياتي توزع اللهيب
لقد أوقدت شوق عاطفتي
لذلك اشتعلت في أشعاري النار .

حافة الجدران

والآن , ثانية في سكون الليل
شقوق الجدران , حافة الجدران
مثل أشجار متشابكة
لذلك فهي ربما تكون حراسا لحبي

والآن , ثانية شياطين المدينة تلغط
مثل مدارس مضطربة للمتصيدين
تتفادى حزني المتطرف

والآن , ثانية النوافذ تعيد اكتشاف نفسها
في متعة الاتصال بعطور منتشرة
والأشجار الهادئة في البساتين
تسقط لحائها وأغصانها
عند مداخلها الألف
وهي تتنسم ضوء القمر .

* * *

والآن
تعال بقربي
واستمع
لنبض الحزن في حبي
الذي ينتشر
مثل قرع طبول افريقية
على طول قبيلة في أوصالي

أحس
اعرف
أي لحظة
هي لحظة الصلاة

والآن النجوم
عشاق
في ملاذ الليل
من النسيم العميق انبعثت
وفي ملاذ الليل
بجنون وقعت هكذا
بضفائري الغزيرة
في يديك
وأنا أقدم لك زهورا استوائية
من فلك هذا الشباب .

تعال معي
تعال إلى تلك النجمة معي
لأن القرون تمضي
من هذه الأرض متشبثة بمقاييس اللاجدوى
و لا احد هناك
يخاف من الضوء.

سأتنفس على جزر تطفو على المياه
وابحث عن نصيب في السماء الغالية
خالية من عنجهية الأفكار التافهة .

ارجع إلي
ارجع إلي
إلى مصدر كل الوجود
إلى المصدر المقدس للأصل الفريد
إلى لحظة خلقتها معك
ارجع إلي
فانا لا اكتمل منك .

والآن
على قمة صدري
تطير الحمامات
الآن
على سطح شفاهي قبلات الفراشات
تتعمد بأفكار الطيران
الآن
مذبح جسدي
مستعد لعبادة الحب
ارجع إلي
فليس لي طاقة للكلام
لأنني احبك
لأن عبارة " أنا احبك "
من عالم العبث
ومن القدم والإسهاب
ارجع إلي
فليس لي طاقة للكلام

في ملاذ الليل دعني اعشق القمر
دعني أمتلئ
بقطرات المطر الرقيقة
بالقلوب اليافعة
بالكتاب الذي لم يكتب
دعني أمتلئ
فربما يكون حبي مهدا
لولادة مسيح آخر .

الدمية الآلية

أكثر من هذا ، نعم
أكثر من هذا يستطيع المرء أن يبقى صامتا
بنظرة ثابتة
مثل الأموات
يستطيع المرء أن يحدق لساعات طويلة
في الدخان المنبعث من سيجارة
في شكل الكوب
في الزهرة الذابلة على البساط
في الشعار الباهت على الجدار
يستطيع المرء أن يزيح الستائر
بأصابع متغضنة ويراقب
المطر يتساقط بغزارة في الزقاق
طفل يقف عند المدخل
ممسكا بطائراته الورقية الملونة
عربة هزيلة تغادر الساحة المهجورة
محدثة ضوضاء في اندفاعها

المرء يستطيع أن يقف بلا حراك
قرب الستائر – أعمى , أطرش

يستطيع المرء أن يصرخ
بصوت شكلي نوعا ما , ضئيل نوعا ما
" أنا أحب ........"
في الرجال أذرعهم المستبدة

يستطيع المرء أن يكون معافى ، أنثى جميلة
بجسم مثل جلد السماط
بنهدين كبيرين وصلبين
في الفراش مع سكير , مجنون , متشرد
يستطيع المرء أن يلوث براءة الحب .

يستطيع المرء أن يهين بمكر
كل الأسرار الغامضة
يستطيع المرء أن يستمر في حل الكلمات المتقاطعة
سعيدا باكتشاف الأجوبة السخيفة
نعم , أجوبة سخيفة من خمسة أو ستة حروف .

برأس منحن , يستطيع المرء
أن يجثو طوال حياته قبل برودة العذاب المغطى في القبر
يستطيع المرء أن يجد الله في قبر مجهول
يستطيع المرء أن يتاجر بإيمانه من اجل مال تافه
يستطيع المرء أن يتهرأ في زاوية مسجد
مثل حكواتي قديم لابتهالات حاج
يستطيع المرء أن يكون ثابتا كالصفر
سواء أضيف أو طرح أو ضرب
يستطيع المرء فيك – في عينيك حتى
في غضبهما
كحفرتين منطفئتين في وقت التعب
يستطيع المرء أن يجف في حوضه كالماء .

يستطيع المر ء بخجل أن يخفي جمال اللحظات التي قضيناها معا
في أعماق صدره
مثل لقطة فوتوغرافية قديمة ومضحكة
في الأيام الفارغة الشكل يستطيع المرء أن يظهر
صورة ألإعدام , الصلب أو الشهادة .
يستطيع المرء أن يغطي شق الجدار بغطاء
يستطيع المرء أن يتمادى في خيالاته بخداع أكثر من هذا .

يستطيع المرء أن يكون مثل دمية آلية
وينظر إلى العالم بعينين من زجاج
يستطيع المرء أن يعيش لسنوات في كذب وبهرجة
جسد ممتلئ بالتبن
في داخل قبعة في صندوق
لكل لمسة شيقة
بلا سبب دائما
يستطيع المرء أن يطلق صرخة
آه , سعيد جدا ,
هل أنا كذلك ؟

الجدار

في لحظات الماضي الباردة التي تلاشت
عيناك البريتان وسّعتا سلوكك الصامت
أقامتا جدارا حولي
فهربتُ منك إلى طريق غير مطروق
إلى أن رأيت وديانا على سطح القمر
إلى أن غسلت جسدي بنوافير الضياء
في الضباب الملون لصباح صيفٍ دافئ
ملأتُ تنورتي بليلك الحقول
وسمعت صياح الديوك من سطوح القرية .

أنا اهرب منك إلى حدود الوادي
حيث آثار قدميّ على الأرض
ترتشف ندى العشب
أنا أهرب منك إلى شاطئ مهجور
حيث الصخور المنسية تحت الغيوم الثقيلة
سأتعلم رقصة التويست لإعصار المحيط
بعيدا في الغروب , مثل حمامات برية
سأرى الحقول , الجبال , والسماء تحت قدمي
وفي وسط الغصون اليابسة
سأصغي إلى تغريد طيور الحقول الرحيم
أنا أهرب منك حد أن افتح طريقا
لمدينة الأشواق
وفي تلك المدينة
قلعة الأحلام بقفلها الذهبي الثقيل
لكن عينيك بصرختهما الصامتة
ستشوشان رؤيتي
مثل أسرارك الغامضة
التي تبني حولي جدارا
في يوم أخير
سأهرب من وهم الشك
وسأتضوع مثل عطر
من زهرة الأحلام الملونة
وسأنتشر في الشعر المتموج لنسيم الليل
وأسافر لشواطئ الشمس
في العالم الساكن , في أبدية الهدوء
سأتأرجح بلطف على فراش الغيوم الذهبي
تلك اليد المبسوطة مثل أنوار تشير إلى السماء الصافية
كما لو كانت تعزف أغنية

انه هناك حيث أنا سعيدة وحرة
وانسج ذكريات هذا العالم
لأن عينيك الساحرتين
وجدتا عينيّ
وشوشتا رؤيتي
مثل أسرارك الغامضة
والتي تبني حولي جدارا .

غزو الحديقة

ذلك الغراب الذي طار فوق رؤوسنا
واختفى في الفكرة المزعجة
للسحابة الشريدة
والصوت الذي يعبر
انه يتنفس الأفق
مثل برعم صغير
وسيحمل أخبارنا للمدينة
الكل يعرف
الكل يعرف
إننا أنا وأنت رأينا الحديقة
من تلك النافذة الباردة الكئيبة
وإننا قطفنا التفاحة معا
من ذلك الغصن اللعوب
والذي يصعب الوصول إليه
الجميع خائف
الجميع خائف لكننا أنا وأنت
توحدنا مع المصباح
والماء والمرآة ولم نكن خائفين
أنا لا أتكلم عن الومضة التي تربط بين اسمين
والعناق في صفحات الدفتر القديم
أنا أتكلم عن ضفائري السعيدة
وشقائق النعمان المحترقة في قبلتك
ألفة جسدينا
وتوهج عرينا
مثل سمكة تقفز نحو الماء
أنا أتكلم عن حياة فضية لأغنية
مثل نافورة صغيرة تتدفق
لقد سألنا الأرانب البرية في أحدى الليالي
في تلك الخضرة الزاهية للغابة
والمحار المليء باللؤلؤ
في ذلك البحر الدموي البارد المضطرب
والنسور الفتية
في ذلك الجبل الغريب الساحر
ماذا يجب أن نفعل ؟
الجميع يعرف
الجميع يعرف
لقد وجدنا طريقنا
في الحلم البارد الهادئ لطائر الفينيق
وجدنا الحقيقة في الحديقة
والمنظر المحرج لزهور بلا أسماء
ووجدنا الخلود
في اللحظات اللامتناهية
عندما تحدّق شمسان الواحدة في الأخرى
أنا لا أتكلم عن جبان يهمس في الظلام
أنا أتكلم عن النهار والنوافذ المفتوحة
والهواء النقي
والموقد الذي تلقى فيه كل الأشياء التافهة
الأرض الخصبة بأنواع المزروعات
الولادة و النشأة والفخر
أنا أتكلم عن أيدينا العاشقة
والتي بنيت عبر الليالي
وجسر الرسائل المعطرة
والضوء والجليد .
تعال إلى المرج
إلى المرج الكبير
ونادني من خلف
أنفاس الحرير والأكاسيا
مثلما ينادي الغزال أنثاه
الستائر مليئة بالغضب المستتر
والحمائم البريئة
وهي تنظر إلى الأرض
من أبراجها البيض الشاهقة .

الخطيئة

لقد أخطأت خطيئة مليئة كلها بالمتعة
تلتف بالأحضان ، دافئة ملتهبة
لقد وقعت في خطيئة زوج من الأذرع
كانتا مليئتين بالحياة ، رجولية ، عنيفة
في ذلك المكان الغامض والهادئ المنعزل
لقد نظرت في عينيه الطافحتين غموضاً
قلبي يخفق في صدري مبتهجا
من الشوق المتوقد في عينيه
في ذلك المكان الغامض و الهادئ المنعزل
كنت أجلس بجانبه أبدد في شفتيه
شهوة متدفقة من شفتي
وأترك خلفي أحزان قلبي
همست في أذنيه ثلاث كلمات حب
أريدك توأم روحي
أريدك حياة تحتضن
أريدك عاشقا مجنونا
جاش الشوق في عينيه
النبيذ الأحمر يدور في الكأس
جسدي يتموج على جسده
في رقة قاع السرير
لقد أخطأت خطيئة مليئة كلها بالمتعة
بجانب جسد منهك ومضنى
أنا اعرف ما فعلت ، يا الهي
في ذلك المكان الغامض والهادئ المنعزل .

عمر السابعة

نعم ، يا عمر السابعة
نعم ، اللحظات الرحبة للرحيل
مهما حدث بعدك
حدث في عين الجنون والجهل .
بعدك
النافذة التي كانت حية ومتصلة التألق
بين الطيور وبيننا
بين البرد وبيننا
كُسرت
كُسرت
كُسرت
بعدك
تلك الدمية الأرضية لم تتفوه بشيء
لا شيء عدا الماء
الماء
الماء
جرى في الماء
بعدك
قتلنا صوت الصرصار
أصبحنا طعما
لجرس يدق بعيدا لحروف الهجاء
وصفير لمصنع الأذرع
بعدك ، حيث ملعبنا كان تحت المنضدة
تخرجنا من تحت المناضد
لنكون خلف المناضد
ولعبنا على قمة المناضد
وخسرنا
خسرنا لونك
نعم ، يا عمر السابعة

* * *

بعدك
خنا بعضنا البعض
بعدك
مسحنا ذكرياتك
بأقلام الرصاص ورششنا قطرات الدم
المضمدة على الأصداغ ، على جدران الزقاق
بعدك
ذهبنا إلى الساحات
وصرخنا
يعيش ........
وليسقط ........
وفي صخب الساحات
صفقنا للأغاني الصغيرة في الزوايا
والتي عادت بخبث لتزور مدينتنا
بعدك
نحن وكل الآخرين مجرمين
بحكم الحب
وبينما كانت قلوبنا متلهفة في صدورنا
حكمنا أن نتقاسم الحب .
بعدك
لجأنا إلى المقابر وكان الموت
يتنفس تحت خمار الجدة
والموت
كان تلك الشجرة المتينة
حيث الأحياء في هذا الجانب من " البدء"
يشدون خيط الشوق لأغصانها الكئيبة
والموتى على الجانب الآخر من " النهاية "
يضربون جذورها الفسفورية
والموت
كان يجلس على ذلك الضريح الضخم
وله أربع زهرات من التوليب
تضيء فجأة زواياه الأربع
قادم صوت الريح
قادم صوت الريح
نعم ، يا عمر السابعة .
لقد نهضت وشربت الماء
والتقطت فجأة كيف أن زروع شبابك
أصبحت متهيجة بأسراب صرصار الليل
كم يجب على المرء أن يدفع ؟
كم لكي ينمو هذا المكعب المتماسك
لقد خسرنا كل شيء كان يجب أن نخسره
لقد بدأنا نخطي بلا مشكاة
والقمر
القمر
الأنثى اللطيفة
كانت دائما هناك
في ذاكرة طفولة الطين وسقوف القش
سرب صرصار الليل المفزع
كم يجب على المرء أن يدفع ؟

جمعة

جمعة هادئة
جمعة مهجورة
جمعة حزينة كالأزقة القديمة
جمعة للأفكار المزعجة الكسولة
جمعة للتمطيات المتعرجة المؤذية
جمعة ليست للحدس
جمعة للخضوع
بيت خال
بيت موحش
بيت مغلق ضد طيش الشباب
بيت للظلام وفانتازيا الشمس
بيت للوحدة ، للتنبؤ والتردد
بيت للستائر ، الكتب ، الخزانات ، الصور
آه كيف أزهرت حياتي بصمت وسكون
مثل جدول يجري عميقا
في قلب صمت كهذا ، جمعة مهجورة
في قلب بيوت خالية من المتعة
آه كيف أزهرت حياتي بصمت وسكون .

فقط الصوت ما يبقى

لماذا يجب أن أتوقف ، لماذا ؟
الطيور تمضي باحثة
في المدى الأزرق
والأفق عمودي , عمودي
والحركة كالنافورة
وفي محدودية الرؤيا
الكواكب المشرقة تدور
الأرض في ارتفاعها تصل مرارا
وهواء الآبار
يتغير إلى قنوات اتصال
والنهار واسع
لا يتلائم مع عقل ضيق
لديدان الجريدة .

لماذا يجب أن أتوقف ؟
الطريق يمر خلال شعيرات الحياة
وميزة ما يحيط
في سفينة رحم القمر
ستقتل الخلايا الفاسدة
في الفضاء الكيميائي بعد شروق الشمس
هناك الصوت فقط
الصوت الذي يجتذب ذرات الزمن
لماذا يجب أن أتوقف ؟

ماذا يمكن للمستنقع أن يكون ؟
ماذا يمكن للمستنقع أن يكون، غير أرض لبيض
الحشرات المؤذية ؟
الجثث المنتفخة تشوش أفكار المشرحة
والجبان يخفي افتقاده للرجولة
في الظلام
والبق .......آه
حينما يتكلم البق
لماذا يجب أن أتوقف ؟
مطاوعة الأحرف الرمادية البلا جدوى
فهي لن تنقذ الأفكار التافهة
أنا سليلة بيت الأشجار
تنفس الهواء الفاسد يحزنني
الطير الذي مات نصحني
أن أطير إلى الذاكرة
المدى الأقصى للقوة هو الوحدة
مندمجة مع المبدأ المضيء للشمس
ومنسكبة في فهم الضياء
من الطبيعي لطاحونة الريح أن تتمزق أشلاء .

لماذا يجب أن أتوقف ؟
أنا اضرب على صدري
حزم الحنطة غير الناضجة
والأثداء تطعمهم .
الصوت ، الصوت ، الصوت فقط
صوت الآمال الشفافة
سقوط المياه
صوت أفول ضياء النجم
على جدار الأرض الأنثوي
صوت تدفق مني المعنى
وتوسع ذهنية المشاركة في الحب
الصوت ، الصوت ، الصوت
الصوت فقط ما يبقى .

في أرض الأقزام
معايير المقارنة
رحلت دائما في مدار الصفر
لماذا يجب أن أتوقف ؟
ومهنة تشييد
دستور قلبي
ليس عمل
حكومة العميان
كم هو طول الأنين الموحش
لتزاوج الحيوانات بالنسبة إلي ؟
كم هي حركة الدود المتواضعة بالنسبة إلي
في بدانتها الخاوية ؟
الأسلاف النازفة للزهور
تسلمني للحياة .
هل أنت متلائم مع الأسلاف
النازفة للزهور ؟

لا حقاً

في يوم ما سيأتي موتي
يوم ما في ربيع مشرق جميل
يوم ما في شتاء مغبر بعيد
في يوم خريفي فارغ ، خال من المتعة
في يوم ما سيأتي موتي
في يوم أكثر جمالا ككل أيامي
في يوم فارغ كما في الماضي
انه ظل لليوم أو للغد
عيناي تنسجمان مع المداخل نصف المظلمة
وخدّاي باردتان تشبهان تمثالين شاحبين
وفجأة يزحف النوم إلي
وأصبح خالية من كل صرخات الألم
وتنزلق يداي ببطء على دفتري
تتسلم كتابة الشعر
سأستعيد ذلك ليدي
واعقد دما متقدا للشعر
الأرض تدعوني لذراعيها
والأصدقاء يتجمعون لدفني هناك
ربما في منتصف الليل يا أحبتي
أرجوكم ضعوا فوقي
أكاليل كثيرة من الزهور .