دينيس ليفرتوف

ترجمة: أحمد شافعي

طغي عواء الشاعر الأمريكي آلان جينسبرج علي أصوات أخري في جيل البيت Beat كانت جديرة ـ وربما أجدر ـ بالاستحواذ علي أسماع محبي الشعر. صحيح أن الشاعر والكاتب جاك كرواك قد نال ما يستحق ـ وربما أكثر ـ من التواجد بسبب بوهيمية عيشه وصعلكته التي جعلته مغريا للسينمائيين، ولكنٌ هناك آخرين لم يحققوا مثل تواجد جينسبرج وكرواك برغم أصالة تجاربهم. ومن هؤلاء الشاعرة دينيس ليفرتوف.
ولدت الشاعرة البريطانية دينيس ليفرتوف في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1923، في انجلترا، لأب يدعي بول ليفرتوف (كان يهوديا روسيا اعتنق المسيحية علي مذهب الكنيسة الإنجليزية الإنجليكاني وصار قسا أنجليكانيا وهب حياته للكتابة عن الروابط بين اليهودية والمسيحية، ومساعدة اليهود الذين لجأوا إلي لندن أثناء الحرب العالمية الثانية) وأم تدعي بياتريس سبونر جونز ليفرتوف (قضت حياتها ناشطة في مجال قضايا الحقوق السياسية للإنسان). في هذه البيئة السياسية نشأت دينيس، ولكنها لم تتلق تعليما نظاميا فاستعاضت عنه بالدراسة العصامية. في أثناء الحرب العالمية الثانية تطوعت للعمل ممرضة في إحدي مستشفيات لندن. وفي عام 1947 انتقلت مع زوجها إلي نيويورك بعد عام واحد من صدور ديوانها الأول الصورة المزدوجة الذي لم يصادفه النجاح.
في عام 1957 أصدرت ديوان هنا والآن، وفي الستينيات أصدرت خمس دواوين. وشأن كثير من أصدقائها المنتمين إلي جيل البيت، اهتمت ليفرتوف بالصوفية المشرقية، فترجمت إلي الإنجليزية "في مديح كرشنا: أغنيات من البنغالية"، ومثل كثيرين منهم اعترضت علي حرب فييتنام، وكتبت في ذلك ديوانا كاملا. من أهم دواوينها بصمات 1972، وشموع في بابل 1982، واستنشاق الماء 1987، وقطار المساء 1992.
أقامت ليفرتوف في سمرفيل بولاية ماساتشوستس عددا من السنوات كانت أثناءها تمارس التدريس. ثم انتقلت إلي سياتل عام 1989 وعملت أيضا في التدريس بقسمي اللغة الإنجليزية والكتابة الإبداعية في جامعة واشنطن لبعض الوقت. تقاعدت في عام 1993 وبدأ نشاطها الشعري يزداد سواء في اوربا أو الولايات المتحدة. إلي أن ماتت في 20 ديسمبر من عام 1997.

***

حوار مع الحزن

أيها الحزن
لن أعاملك ككلبٍ ضال
يجيء إلي بابي الخلفيٌِ
متّعّشٌِما في كسرةِ خبز
أو عظمة وإن خلت من اللحم.
سأوليك يا أيها الحزن ثقتي.
سأدعوك تدخل بيتي
وأبسط من أجلك في الركن سجادة بالية،
وأعطيك طبقا من الماء يصبح طبقك.
أتحسبني لست أعرف أنك كنت تعيش هنا
تحت شرفة بيتي؟
بل وأعرف مبلغ شوقكْ
إلي أن يرتٌّب قبل حلول الشتاء مكانك.
وأعرف أنك تحتاج لاسمك.
تحتاج طوقكّ تتدلي منه رخصتك.
وتحتاج أن تمارس حقك في إبعاد الغرباء،
وفي أن تعتبر بيتي بيتك،
وفي أن تعتبر نفسك كلبي.

أتصور

أتصور امرأة بريئة لا حليٌّ عليها
ولكنها
حلوة القسماتِ
تفوح منها رائحة العشب أو التفاح،
ترتدي
ثوبا طوباويا فضفاضا،
شعرها بنيٌ فاتح
ناعم
وهي طيبة وشديد النظافةِ
غير متعجرفة ...
ولكن
ليس لديها خيال.
وفتاة صاخبة كأن في جوفها النارّ،
أو عجوزا
أو كلاهما معا
ترتدي العقيقّ والهلاهلّ، والريشّ
والحريرّ الممزق،
تعرف أغنيات غريبة
ولكن
ليست طيبة.

وجع الزواج

وجع الزواج:
يثقل الفخذّ واللسانّ، يا حبيبي.
له نبض يتردد في الأسنان.
نحن نبحث عن تماه
ولكننا نستدير يا حبيبي
كل واحد يستدير.
هو اللوياثان يا حبيبي
ونحن في جوفه
باحثان عن الفرحة،
عن فرحة
لا وجود لها خارجه.
مثني مثني علي متن فلْكِ
هذا الوجع.

السر

تكتشف فتاتان
سرٌّ الحياةِ
في بيت مباغت
من الشعر.
أنا التي لا تعرف
السرٌّ
كتبت ذلك البيت.
هما قالتا لي
(وإن يكن في غيابي)
إنهما عثرتا علي السرٌِ
ولم تخبراني عنه،
ولا حتى عن البيت.
لا شك أنهما الآن
بعد أسبوع كامل
قد نسيتا السر
والبيت وعنوان القصيدة.
أحبهما
لأنهما وجدتا
ما لا أقدر أن أجده
ولأنهما أحبتاني
من أجل بيت كتبته،
ولأن نسيانهما
سيجعلهما يكتشفان
ألف مرة أخري
و إلى أن يجدهما الموت
ذلك السرٌّ
في أبيات أخري
ومواقف أخري.
ولرغبتهما في معرفته،
ولظنهما أن هناك سرا كذلك،
نعم،
من أجل ذلك
من أجل ذلك تقريبا.

النافورة

لا تقلها،
لا تقل لا مياه هناك
ترطب قلبين جفا
بداخل صدري وصدرك.
أنا رأيت نافورة تنبجس
من الحائط الحجري
ومنها رأيتك تشرب.
أنا نفسي أمام عينيك
وجدت سبيلا
لأرتقي
وأشرب الماء البارد.
بينما كانت صاحبة المكان
تضع يدها فوق عينيها
وهي تشاهدنا عابسة،
لا لأنها تضن بالمياه،
ولكن لأنها كانت تنتظر
لتري أنا شربنا كفايتنا
وتجددت روحانا.
فلا تقلها،
لا تقل لا مياه هناك.
فالنافورة هناك وسط زخارف
أحجارها الرمادية والخضراء.
ولا تزال هناك
ودوما هناك
بأغنيتها الهادئة
وقوتها العجيبة
علي أن تنبع فينا
نافذة من الحجر.

ahmadsshafie@yahoo.com