(ملف عن شعر الألم الزنجي )

المبارك الغروسي

المبارك الغروسي

ظهرت الزنوجةla n'gritude باعتبارها حركة أدبية وثقافية (وحتى سياسية) بين الطلبة السود في فرنسا خلال النصف من القرن العشرين وكان لسان حالها في البداية مجلة 'الطالب الأسود'l'tudiant noir التي أسسها سانغور وداماس وسيزير. ويعرفها سانغور على أنها 'مجموع القيم الاقتصادية والثقافية والسياسية والفكرية والأخلاقية والفنية والاجتماعية لشعوب أفريقيا وأقليات السود في أمريكا وآسيا و..'؛ فهي تبتغي إعادة الاعتبار لمساهمة الإنسان الأسود في الحضارة والثقافة الإنسانيتين وبالتالي تمجيده، مما جعل جان بول سارتر يرى فيها 'عنصرية معادية للعنصرية'. ولقد رصد أدب هذه الحركة - الذي كان التعبير الشاعر أو الشعري نواته الصلبة - بالخصوص معاناة الإنسان الأسود عبر التاريخ وخلال عصور الاستعمار خدمة لرفاهية الآخر. ولعل مرارة الصورة ومصادفتها خلال هذه الفترة حركة التحرر العالمية وامتداد الفكر الثوري جعلت هذه الحركة تنطبع بفكرة يسارية ذات صبغة إفريقية ظهر معها الزنجي رمزا لكل إنسان يحيا الاضطهاد...
والملف عن شعر الزنوجة يقدم لنا نماذج معبرة..

قصيدتان لـ: نوكان شارل NOKAN CHARLES ـ (ساحل العاج)

لم أعد اغني:
لم أعد اغني،
أنا أصرخ.
فحين يموت الأطفال جوعا،
لا يهمني أن أعرف كم هو البدر جميل
ولا كم هو ساحر عطر الزهور؛
فأنا لم أعد أغني:
إني أطلق صرخات ثائرة.

زنجي أنا:
زنجي أنا!
عبداً كنت في عهد قيصر،
بنيت الأهرام والحصون وناطحات السحاب؛
أسود أنا مثل ليل غاب عنه القمر،
تعبت في مزارع
وفي مصانع المستعمر واليانكي الأمريكي؛
زنجي أنا سيذكر أغلاله إلى الأبد.
أتعذب في الكونغو،
والموزمبيق وأنغولا؛

رصاص الاستعمار والامبريالية
هشم رأسي ومزق قلبي.
أنا الكادح الهالك أمام كوخه القذر في السان دومينيك
وفي الجزائر وفي الفيتنام..
زنجي أبي النفس أنا، بقبضتيه انتفض
في وجه القهر.
أنا توسان لوفيتير ولومومبا وبن بركة (*)

أربع قصأئد لـ: ديفيد د يوب -DAVID DIOP السنغال

تحد للقوة:

أنت يا من تنحني، أنت يا من تبكي،
أنت يا من هكذا تموت دون أن تدري لماذا،
أنت يا من مِن أجل راحة الآخر تجاهد وتسهر،
أنت يا من لم تعد تنظر بعيون باسمة؛
أنت، أخي، يا من امتلأ وجهك خوفا وقلقا
انهض واصرخ: لا!

زمن الآلام:
قتل الأبيض أبي.
كان أبي أبيا؛
اغتصب الأبيض أمي.
كانت أمي حسناء؛
قوس الأبيض ظهر أخي تحت شموس الطرقات.
كان أخي قويا؛
التفت الأبيض نحوي
كانت يداه محمرتين بدم
أسود؛
فصرخ السيد الأبيض في وجهي:
'يا غلام، أحضر كلبا وفوطة وماء!'

قال لي رجل أبيض:

قال لي رجل أبيض:
لست إلا زنجيا أنت!
زنجي!
زنجي قذر!
قلبك إسفنج يمتص
يمتص بجنون سائل الرذيلة المسموم؛
لونك يسجن دمك في
في سرمد العبودية.
وحديد العدالة المحمر قد وسمك
وسمك على لحمك اللقيط .
طريقك مدارات إذلال تلتوي،
ومستقبلك- يا وحش يا لعين- ليس إلا حاضر خزيك.
أعطني إذن ذاك الظهر الراشح
الراشح بعرق خطاياك النتن،
وأعطني يديك اليابستين الثقيلتين:
يدي الخلاص اليائس تلك.
إن العمل لا ينتظر!
ولتسقط رحمتي
أمام فظاعة منظرك.

تحمل يا زنجي:
تحمل يا زنجي،يا مسكين!
فالسوط يدوي
يدوي على ظهرك الراشح عرقا ودما.
تحمل يا زنجي،يا مسكين!
فطويل يومك
طويل لكي تحمل العاج الأبيض لسيدك الأبيض.
تحمل يا زنجي،يا مسكين!
فأولادك جائعون،
جائعون وكوخك خال،
خال من زوجتك النائمة،
النائمة على مضجع السيد.
تحمل يا زنجي،يا مسكين!
يا زنجيا أسود مثل المأساة.

قصيدة لـ: كليمنتين نزوجي - Cl'mentine NZUJI الزايير

لا ترحل يا حزني:
لا ترحل يا حزني
ما دامت تلك الطفولة تموت
تحت بصاق
بنادقهم.
لا تنضب يا دمعي
ما دامت تلك الأمومة تبكي
على موتاها المشيعين.
ولا تخفت يا صوتي
ما دامت تلك الشظايا تتطاير من
قنابلهم الذرية.
ولا ترفي يا عيني
ما دام المتسولون يتقاطرون
أمام بابي
الموصد!

قصيدة لـ: بيراغو ديوب- BIRAGO DIOP السنغال

أنفاس الأجداد
أصغ في غالب الأوقات
للأشياء بدل الكائنات؛
فصوت النار يسمع
اسمع صوت الماء
وأصغ في الريح
للدغل الشاهق:
إنه نفس الأجداد..

إن من ماتوا ،أبدا لم يرحلوا:
انهم في العتمة المستضاءة
وفي الظلمة الممتدة؛
إنهم في الشجرة المرتجفة
إنهم في الغابة المتألمة
إنهم في الماء السائل
إنهم في الماء الراكد
إنهم في الكهف، إنهم في الحشد؛
إن من ماتوا أبدا لم يموتوا.

أصغ في غالب الأوقات
للأشياء بدل الكائنات،
فصوت النار يسمع
اسمع صوت الماء.
وأصغ في الريح
للدغل الشاهق:
إنه نفس الأجداد الميتين
الذين لم يرحلوا
الذين لم يدفنوا
الذين لم يموتوا.

إن من ماتوا،أبدا لم يرحلوا:
انهم في حضن المرأة
انهم في صرخة الوليد
وفي لهيب الجمر؛
إن من ماتوا ليسوا تحت الثرى
انهم في دمع العشب
انهم في أنين الصخر
انهم في الغاب، انهم في الدار:
إن من ماتوا أبدا لم يموتوا.

أصغ في غالب الأوقات
للأشياء بدل الكائنات
فصوت النار يسمع
اسمع صوت الماء
وأصغ في الريح
للدغل الشاهق:
إنه نفس الأجداد...

القدس العربي
8 سبتمبر 2009