ثلاث قصائد

جوان ماريّـا ماكنَلِي
ترجمة : سـعدي يوسـف

سـعدي يوسـف

حُريّةُ الذِّهنِ بأحمرِ روزا
في ذكرى روزا لوكسمبورغ 1871-1919
Freedom of Mind in Rosa

ما زلتُ جثّةً
هامدةً تماماً .
وحشيةً كانت العاصفةُ
أشدَّ وحشيّةً ممّا تصوّرتُ
آنذاك
آنَ كان عملي هو الكلّ
آنَ شعبي
هو الكلّ .

الآنَ أطفو إلى سطح الماء
ببطءٍ شديدٍ
في صمتٍ شِبْهِ مُطْبِقٍ
بعد انتهاء الفظاعات
الفظاعات حتى في استفاقتي
أنا لا أقدرُ أن أمنعَها .
الآنَ أتحرّكُ
جيئةً وذهاباً
حبيسةً في القاعِ
كأنني أدورُ في قِدْرِ ســاحرةٍ .

كم سأظلُّ هنا ؟
قبلَ أن أكونَ حقّاً ؟

مرميّةً
مثلَ لحمٍ متعفِّنٍ
مُختَرَمةً بالرصاصِ
سَـليخةً
في أعماقِ الشتاءِ .
أنا ، الآنَ ، أطفو
تحتَ سِتْرِ الظلامِ
وحيدةً
في الماءِ المتجمِّدِ
بمنأىً عن الفوضى
وحَمّامِ الدمِ
والاصطياد :
الأغاني الشرّيرة
اختفتْ.
حملاتُ الحِقْدِ
ابتعدَتْ.
أهازيجُ القتلِ
تلاشَتْ.

سليمةَ الرأسِ
أطفو وأتأمّلُ :

لن أكونَ في ما مضى
أنا الآن
وسأكونُ في ما بَعدُ.
مختلفةً
أُفَكِّرُ
بالناسِ
بالحيوانِ ، بالعدالةِ
بالعالَم .
عملي ؟
لم يُنجَزْ كما أردتُ
فجْرُهُ ينتظرُ .

البوصلةُ تؤشِّــرُ
إلى اتجاهاتٍ جديدةٍ
أنا مستيقظةٌ
أنهضُ إلى الشمسِ
وأخطو قُدُماً
أُديرُ رأسي
وألتفتُ إلى الوراءِ
وأرى :
كثيرون يتبعونني
إنهم الطُّـلَقـاءُ .

غْـرِمزْبِي ، تموز 2007
( مترجَمة عن الأصل الألمانيّ الذي كُتِبَ ببرلين في يناير 2004)

الرجل ذو العربة اليدويّةِ
Man with the Barrow

وبنظرتهِ الهادئةِ
المائلةِ قليلاً إلى قدمَيهِ
يحملُ القرونَ الضائعةَ ،
وعلى رأسِــهِ ، حيثُ النُّحولُ ،
تحِطُّ قُبّعةُ قشٍّ ، حائلة ٌمع مَرِّ السنين عقوداً
وهو يدفعُ ، أمامه ،
عربتَه العتيقةَ الصدِئة .

يرتدي السوادَ
وهو يخطو ، دقيقَ الخَطوِ
يحسِبُ منحنَياتِ الحياةِ
المعلّقة على الربوةِ ،
وإذ يبلغُ خطَّ الشجرِ
يبرُزُ واثقاً
متحاشياً ندوبَ الأرضِ العميقةَ
بحركاتٍ ماهرةٍ من رسْـــغَــيــهِ .

أتُراهُ يُفْرِغُ الندوبَ
أمْ يملؤها ؟
لا أحدَ يعرف .
لكنْ يبدو أن في ما يحملُ من الصباحِ إلى المساءِ
شيئاً جوهراً
غيرَ ثقيلٍ
إذ يدفعُهُ ، بنعومةٍ ومتعةٍ
حتى كأنه يحملُ الزمنَ حُرّاً .

كوستا دي مورسيانو ، فيلاّ مينوسّو ، إيطاليا
09.10.2008

ســيدةُ الـمَشْربِ الفتّاكةُ
Donna Fatale of the Bar

' آنَ تسقطُ التفّاحاتُ
فلسوفَ تتبعُها الأوراقُ '
همست السيّدةُ الفتّاكةُ
وهي تميلُ ، مفعمةً بالأســى ، نحوي ؛
كانت ثمارُ خريفِها العارية
ذاتُ الحكمةِ الآنَ
تتهدّلُ
منتظرةً الهزّةَ الأخيرةَ
قبل قبول السقوطِ .

' قد يحدُثُ هذا ، الليلةَ '
تنبّأتْ مثلَ حوريّةٍ
مالئةً كأسي أكثرَ قليلاً
حتى فاضتْ بطيئةً ، قطراتٌ على جُنُباتِها
بلّلَتْ أناملَها النحيلةَ
قبلَ أن تمنحَني محتوى الكأسِ الداكنَ
والابتسامةَ التي تتمهّلُ
عارفةً
نزِقةً .

' وعندما تتبعُ الأوراقُ ... '
همستْ بنعومةٍ إلى الليلِ
قبلَ أن تلمُسَ أناملُها الرطبةُ
شحمةَ أُذني
مُـمَـسِّدةً الشَّعرَ والبَـشَــرةَ التي استجابتْ
بالرُّغمِ من إرادتي المُقاوِمة .

' آه ... التفّاحاتُ نضجتْ تماماً
وهي تريدُ أن تسّاقَطَ ... '
علّقَتْ متخابثةً
ثم انسحبتْ فجأةً
حينَ استسلمتُ أخيراً
مُزيحةً تحذيراتِ عقلي الحادّةَ
لأندفعَ
نحوَ هذينِ النهدَينِ الطليقَينِ
باحثةً عن حِلْمتَينِ نصفِ خبيئـتـَينِ
لكني لم أُمسِـكْ إلاّ بهواءٍ رطْبٍ
هواءٍ مثقَلٍ بالرطوبةِ .

كوستا دي مورسيانو ، فيلاّ مينوسّو ، إيطاليا
09.10.2008

في قراءتي النصَّ ، آثرتُ أن تكون القصيدةُ من امرأةٍ إلى امرأة ، لا من رجلٍ إلى امرأةٍ كما أرادتْ كاتبةُ النصّ . ' س.ي '

* هذه القصائدُ هي من مجموعة ' الديوان الغربيّ الـمُـشَــرِّق ' لجوان ماريّا ماكنَلي ، التي ستصدر هذا الشهرَ بالعربية والإنجليزية

القدس العربي- 14/10/2009