مايكل أونداتج

إعداد: فوزي محيدلي
(لبنان)

في هذه الساعة أرغب بصحبتك الهادئةيعتبر مايكل أونداتج، السريلانكي الأصل، واحداً من كتاب كندا المرموقين. وهو يشتهر بنتاجه، سواء الشعري أو السردي، الذي يذيب الحدود بين النثر والشعر، بين الماضي والحاضر، الصورة والفكر، الفكرة والشعور.
تقول دايان وكوسكي في مجلة "شعراء معاصرون: "خلال تحركه داخل وخارج المنظر الطبيعي المتخيل، وكذلك داخل وخارج الوصف والعمل التسجيلي، أو الحكاية أو الأسطورة، يكتب أونداتج للعين والأذن في آن واحد". وهذا الشاعر الذي له ثلاث عشرة مجموعة شعرية هو أيضاً صاحب رواية "المريض الانكليزي" التي فازت بجائزة بوكر للرواية وتحولت من ثم فيلماً سينمائياً.

تكثيف يبلغ الهايكو
يستعمل أونداتج أسلوباً شعرياً يعتمد على تجاور الكلام، التصوير المذهل واللغة المكثفة التي غالباً ما تأتي صعبة سواء في أعماله الشعرية من مثل "الأعمال الكاملة لبيلي باد ذاكير" (1973)، أو في رواياته من مثل العمل الذي يحكي وحشية الحرب الأهلية في سريلانكا "شبح آنيل"، او من خلال استرجاعه لمجموعات أصدقائه وأفراد عائلته خلال مرحلة الطفولة في بلده الذي كان يسمى "سيلان" عبر عمله المذكراتي "ضاربا في العائلة" (1982) مهما يكن اثبت أونداتج علو كعبه كشاعر قبل ان ينتقل الى الرواية، على ان عمله في كلا الحقلين يتميز بصور حسية جذابة، بلغة غنية، وانعطافة مجازية عميقة.

ولد مايكل أونداتج في سريلانكا ثم بعد ان عاش فترة مراهقته في بريطانيا هاجر الى كندا في الثامنة عشرة مصمماً ان تكون له مكانته كشاعر، ولم يلبث ان انتقل تدريجياً الى كتابة الرواية.
كتابه المتعدد الأجناس الفنية "ممتد داخل العائلة"، مذكرات تحرك شغاف القلب وتكرم عائلته وميراثه مازجة قصصاً عائلية مع قصائد، وصور فوتوغرافية، وحكايات شخصية. مع تتبع تاريخ عائلة أونداتج مساراً ينطلق من البراءة النبيلة لطبقة سيلانية محظوظة فيما الشمس تغرب عن الامبراطورية البريطانية وصولاً الى الوهج القاسي للعصر الحديث، يسعى أونداتج الأديب وراء الشخصية الداخلية لوالده، الذي يقول عنه، "خسارتي أني لم أتكلم معه أبداً كبالغ".

أول عمل منشور لأونداتج كان مجموعة شعرية تحمل عنوان "الوحوش الأنيقة (1967) التي أتبعها بمجموعة "الرجل ذو اصابع القدم السبعة" (1969) ومن ثم صدر بعدها ديوان "هلام الجرذ" (1973)، وما لبث عام 1979 ان جمع كامل شعره المبكر في ديوان يحمل عنوان "ثمة حيلة بالسكين أعمل على تعلمها: قصائد، 1963 ـ 1978". ويمزج هذا الديوان السيريالي مع اليومي مبدعاً شعراً "يعتمد على مقاربة خافتة"، حسبما يقول ناقد النيويورك تايمز تشارلز مولزورت. أما ما يعتبر على أنه أول أعماله الشعرية الرئيسية "الأعمال الكاملة لبيلي باد ذاكير" فيتميز بطموحه في تجريبيته ومجازفاته. هذا العمل هو عبارة عن نصوص "كولاج" تجمع الشعر الليريكي بالنثر، مع نتف من مسرحية، وأغاني، ومقابلات زائفة، وصور فوتوغرافية.
يرى النقاد أن شعر أونداتج متغير ومتطور بشكل دائم سيما وأن الشاعر يمارس التجريب على شكل الكلمات وأصواتها، مع أن أشكاله الشعرية عرضة للتغيير، لكن عمله الشعري لم يتخل عن التركيز على الأساطير والحكايات التي توغل في التجربة الثقافية العامة.
عمل أونداتج كشاعر على الاستثمار في مجال توصيف الصلة بين فن الأسطورة والعالم بصورة عامة. وفي هذا تقول ليز روزنبرغ في النيويورك تايمز بوك ريفيو: "منذ الشعراء الرومانطيقيين هو الأكثر اهتماماً بالعلاقة بين الفن والطبيعة من أي شاعر آخر بل والأقل اهتماماً من معظم الشعراء المعاصرين"، اي نوع من الأفكار". ضمن مسيرته الشعرية يعتبر الديوانان كتابة اليد" (1999) و"القصة" (2006) من آخر غزوات أونداتج الشعرية التي تبين تنوع أعماله, في مراجعته لديوان "كتابة اليد" كتب الناقد آدم كيرش في النيويورك تايمز بأن "أونداتج يستخدم تجاور الكلمات الرصين لقصيدة الهايكو بهدف التخلص من الحاجة الى الشرح والعرض ليتركنا مع الأشياء بذاتها".

يعمل هذا الديوان من خلال الاستناد الى تاريخ وميثولوجيا الصين والهند والبلد الأم للشاعر على اظهار اسلوب أونداتج في اقصى تشظياته، لكن وبحسب ما كتب هنري تايلور في مجلة "شعر" يتصف "بفرادة ملاءمته لمواضيع الديوان المنبثقة من ميراث مشترك وفقدان الهوية الثقافية". من ناحيته يقرن العمل الآخر، ديوان "القصة"، قصائد عن الطفولة، الميثولوجيا والحب بلوحات مائية للرسام ديفيد بولدا كان. وقد حظي الديوان برعاية "المشروع الأدبي العالمي" في كندا.
ينبغي الاشارة الى ان صاحب رواية "المريض الانكليزي" وغيرها من الروايات المهمة من مثل "ديفيز يادايرو" (2007) اتت اشبه بروايات بالاسم يسبب جوانبها الشعرية حسبما كتبت دايان داتسون في "روائيون معاصرون". هي ترى ان تركيز أونداتج على الجمال، اليأس، وعلى الانسان كفرد فضلاً عن طبيعة لغته وتراكيبه الدائرية غالباً ما تسحب كعناصر كتبه، السردية، نحو الشعر".
لا بد من الاشارة الى ان مايكل اونداتج يعيش حالياً مع زوجته الروائية ليندا سبادلنغ في تورنتو بكندا.

[ تقديم طلب رخصة قيادة
عصفوران كانا يتحابان
وسط هبّة من ريش أحمر
أشبه بتشظي كرة قطن،
تابعا غرامهما مع مروري فوقهما بالسيارة.
أنا سائق جيد، لا شيء يخرجني عن روعي.

[متحدثاً اليك من أسفل الصخرة
متحدثاً اليك
في هذه الساعة
في هذه الأيام بعد أن
فقدت ريشة الشعر
وحاصرتنا
أمطار الفراق
بأصواتها مثل أقراص خط الانطلاق.

كل شخص منا تعلم
التحرك بعناية فائقة

"الرقص" "الضحك" "الذوق الرديء"
غدت كلها مجرد ذكرى
للوحة وراء اشجار القانون

وسط حبي لك
زوجتي تعاني
الغضب في كل الاتجاهات
فيما الأولاد بحكمة الشجيرات المتماسكة
بيد أنهم ليسوا بتلك المتانة
لذا تراني في خشية
متسائلاً كيف يمكن لشيء ما ان ينبت من هذا المعطى

كل الدم الزكي
منسكب من جروح صغيرة
باتجاه بالوعة المغسلة

في هذه الساعة
لا أرغب في جسدك
بل في صحبتك الهادئة
[ عناق الدببة
يناديني غريفين طلباً لقبلة النوم،
أجبت صائحاً: قادم. قمت بانهاء شيء أفعله،
ثم شيء آخر، وبعدها التفت على مهل
حول الزاوية باتجاه غرفة ابني
بانتظار عناق الدببة. ابتسامة عريضة.

***

لماذا أضفي على عاطفتي صفة للحيوان،
أضفي عليها تلك العصرة الداكنة للموت؟
هذا العناق الذي يستجمع
كل عظام ابني الصغيرة وكذلك رقبته
الدافئة صوبي.
ذاك الجسد النحيل المتين القابع تحت بيجامته
ينغلق، كالقفل علي كما مغناطيس من دم

ما مدى وقوفه هناك
على هذا النحو، قبل ان آتي إليه؟
[ قتنا حول الندوب
فتاة لم أحادثها لسنوات
أو ارشف القهوة معها
تكتب عن أثر جرح قديم.
على رسغها ينام ذاك الندب، ناعماً أبيض،
وبحجم علقة
كنت قد تسببت لها به
أثناء تلويحي بسكين ايطالية جديدة
أنظري، قلت مستديراً،
فيما الدم قد اندفع فوق قميصها.
***
ثمة ندوب لدى زوجتي اشبه بحبات المطر المتناثرة
تماماً فوق الركبتين والكاحلين،
ترد الأمر الى ألواح مكسرة لبيت زجاجي
ومع ذلك باستثناء تخيل أقدام حمراء،
(حورية من لوحة لشاغال)
لم اضف سوى القليل على ذلك المشهد
نتذكر الوقت الذي أمضيناه حول الندوب،
إنها تجمد المشاعر غير المتصلة بالموضوع
وتفرق بيننا وبين اصدقائنا الحاليين
أتذكر وجه هذه الفتاة،
الارتفاع المتنامي للمفاجأة.

أتذكرها فيما لو كانت بصحبة حبيبها أو زوجها
مخفية أثر الجرح أو متباهية به،
أو محتفظة به فوق معصمها
مثابة ساعة غامضة
ولاحقاً سأتذكر هذا الندب، الجرح،
على أنه وسام لا تواكبه عاطفة

سأقابلك الآن
وأتمنى لو أن هذا الندب
جاءك مع كل الحب
الذي لم يحدث أبداً بيننا
[مقشّر القرفة
لو أنني مقشر قرفة
لامتطيت سريرك
وتركت مسحوق اللحاء الأصفر
فوق وسادتك

لفاحت الرائحة من صدرك وكتفيك
بحيث يصعب عليك السير في الأسواق
دون نباهة اصابعي
الطافية فوقك. لا شك ان العميان
سيتعثرون من رائحة ذاك الذي سيقتربون منه
رغم استحمامك تحت مزاريب المطر، والريح الموسمية.

قبل الزواج
بالكاد تمكنت من النظر اليك
أو أن ألمسك
كان ثمة أمك قوية حاسة الشم واشقاؤك الفظون
دفنت يدي
في الزعفران،
أخفيتهما فوق القطران المتصاعد الدخان،
ساعدت جامعي العسل...

حين سبحنا سوية ذات مرة
لمستك داخل الماء
فيما بقي جسدانا حرين
كان بمقدورك صدي لتجنب رائحة جسدي
تسلقت الضفة وقلت

بهذه الطريقة كنت تلامس النساء الأخريات
زوجة قاطع العشب، ابنة مالك أتون الكلس
وكنت تنشغلي في البحث
عن العطر المفقود فوق ذراعيك

وأدركت

ما نفع ان تكون الواحدة
ابنة مالك أتون الكلس
سيما إذا تركت بلا أثر
وكأنه لم يصر الى مكالمتها خلال فعل الحب
وكأنها جرحت دون لذة ظهور ندب

أمسكت يدي
وجعلتها تلامس بطنك
وسط الهواء الجاف وقلت
أنا زوجة مقشر القرفة. شمني.
[ملاحظات بخصوص أسطورة امرأة السَّلَطة
منذ ولادتها،
لا بد أن زوجتي أكلت
ما يعادل ثلثي
ما في جنة عدن الأساسية.
ليس عصائر الفاكهة
أو اللحم الذي على اضلاع الحيوانات
بل بساتين السلطات الخضراء لذلك المكان
كامل حلبة الخضار
يبدو ان استأصلت
وكأن أداة التصفية المناسبة قد أزيلت
مما يترك فقط ما يشبه الهيكل العظمي للمعة الخشنة.

كل الخَّضار ينتهي حكماً
ممخمضاً به داخل وجنتها اليسرى
فمها غسالة للأعشاب الغازلة والمغمورة
لم تقم مرة بزيارة الحقول
لكنها تتلذذ بامتصاص لباب العشب
لفت انتباهي أن أوراق أزهار الزينة
تغدو متناثرة خلالها وضعها ولو لمجرد اسبوع في منزلنا
صارت الحديقة عبارة عن وعاء للتراب الخاوي

خلال يومنا الأخير في جنة عدن واثناء خروجنا
قامت بقضم الأوراق التي نمت فوق صدرها
ولكن ليس ثمة ما يضاهي
ليس ما يساوي
"قبلة المادة الخضراء في النبات"

المستقبل
الاحد 6 أيار 2012