قصائد للشاعر الفرنسي أندريه فلتير

اسكندر حبش

أندريه فلتيـر ربما لا يعتبر البعض الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير واحدا من أهم شعراء فرنسا في الفترة الراهنة، لكننا يجب الاعتراف بأنه واحد من أشهرهم وأكثرهم حضورا، على الأقل، على الساحة الإعلامية. فمنذ أن أسس مجلة «كارافان» عرف كيف يخط مسارا، جعله يتبوأ في ما بعد إدارة سلسلة «شعر» الصادرة عن منشورات «غاليمار» الفرنسية، التي تعد من أهم سلاسل الشعر في العالم. ويجب هنا القول، إن هذه السلسلة عرفت منذ أن استلمها اتساعا وانفتاحا لم يكونا موجودين من قبله، إذ أصبحنا نرى فيها بكثرة، أسماء شعراء غير فرنسيين، بل لنقل إنه كان السبب الرئيس في إفساح المجال للشعر العربي بالدخول إلى هذه السلسلة، حيث نجد فيها اليوم أسماء محمود درويش وأدونيس والطاهر بن جلون.

أندريه فيلتير هو أيضا شاعر رحالة، عرف عنه التنقل والسفر في مختلف أنحاء العالم، حيث قدم في تجواله العديد من الأمسيات الشعرية. قصائده المنقولة هنا، من كتابي «القمة السابعة» و«ارتفاع آخر»، وهما مجموعة من القصائد كتبت من «أجل شانتال مودوي»، صديقته وحبيبته التي رحلت خلال إحدى رحلاتها للتسلق، بسبب انهيار جليدي.

أندريه فيلتير أحد أبرز ممثلي الغنائية الوجدانية الجديدة في الشعر الفرنسي المعاصر. قصيدته تبعد كثيرا عن التجريب والحذلقة اللغوية. هي أيضا تتأثر بالشعر العربي، كما نرى في هذين الكتابين، إذ غالبا ما يستعيد سيرة وصورة «المجنون» (مجنون ليلى) محاولا أن يتقاطع معها، وبخاصة من ناحية غياب الحبيبة.
أندريه فيلتير هو اليوم في بيروت، حيث أحيا نهار أمس الخميس أمسية في مدينة طرابلس (في بيت الفن) وحيث يقيم اليوم أيضا، الجمعة، قراءة أخرى في «المركز الثقافي الفرنسي» (طريق الشام). بهذه المناسبة، مناسبة وجوده في لبنان، نقدم هذه الترجمات.

كي أبني لكِ... ([)
لديّ، كي أبني لك قبرا
كلمات شمس وأحلام،
لا شيء ينتمي إلى ثقل العالم،
لا شيء يفرض عليك موتا مكبلا،
لا شيء يبطئ جريك أعلى
كلّ القمم.

أترين أخترع لك
قبرا من دون زخارف،
بدون رخام ولا إكليل، أرفعك
أقلّ من مسلّة ضائعة في الصحراء،
أهديك نفحة من رمال وريح،
قبر عصفور مهاجر،
قبر فراشة زرقاء
قبر طائرة ورقية.

في ترتيلة الكون الكنسية
أنت ضحكة النور الصافية،
فرح بدون ظلّ يُعطي
ويعطي حضورا إضافيا للمستحيل،
مثل هذه السمكة التي ترثينها في السماء
أو هذه الزهور التي ترضى، لأجلك فقط،
أن تتفتح تحت القمر.

إذا، من الظلمات الموجود فيها،
أنا، شبه الكافر، أصرخ إليك قائلا
إن كان هناك أورشليم أخرى
فأنت امرأتي السماوية.

الملح والذهب
ليس للدوار سوى عبارة واحدة
ولا شيء بعد يُبعدني عنك
تُثلج منذ أشهر
من دون أن أخرج من الغابة
حيث تتناهش الذئاب

أصرختُ أم صمتُّ
الجدار الذي ينهار
يشرب غبار الفجر
وينهار مجددا

قولي لي كفاني
أن أغسل عينيّ
بالملح
وبأن أضع جبيني
على كتف ظلّ

لا ترى عيناي إلا ما تريانه
جسدك الذي من رماد على حجر
والأشجار مقلوعة في كلّ مكان

لا يدافع جبيني إلا عن ليل عميق
سرّك الذي من ذهب ورصاص
الحب مُبدَعٌ مجددا في كلّ مكان

لأجلك، لدى الأفق آيات للبيع
وإن لزم أن أبذّر أيضا
الاستهتار والفرح
فليس عندي سوى هذا الكنز
كتجربة أخيرة عبر برهانك

أصرختُ أم صمتّ
القدر الذي ينهض
يسحر النور
وينهض مجددا

قولي لي إنه من الممكن
أن أتعرض لأذى
وبضحكتك
أن أنوع المستحيل
من جناح موتك

الفراغ حلم
أوضح من الأحلام
التي تقود إلى طرف العالم

أنت في الخيمياء لتولدي
الحجر، اللا حجر
الطلسم والجنية

مغادرا الذئاب التي تتناهش
أخرج أخيرا من الغابة
حيث تثلج منذ أشهر
لا شيء بعد يباعدني عنك
يتملك الدوار عبارتي.

فأل
لم تعد هناك عتبة
ولا منزل
ولا مخيم
ولا نار

فجر يدك اليسرى
يضم مساء يدك اليمنى
يتحول النهار غبارا
سامٍ هو الليل

بين روحك التي، بالكاد، لم أعد أصدقها
وبين جسدك المرتفع
ما من ضنى
ما من تمزق

تفتحين درب الكهّان
الشفافة
ربما خرمشات أظافر ضد الزمن
فأل
يتمسك بالأعجوبة

النجمة الجــديدة إلى الشــرق
حيـــث حيـــاتك الســـحرية
تعلن النزوة والوحي
لعصيان لا مثيل له.

لانبعاث بدون اسم.
المرثية الثالثة
كل شيء يشتعل في عظامي وجهك وضحكاتك

أنا في مملكة الأسرار المتكلّسة.
يتقدم آخر مكاني
أغطيه بالشتائم، صارّا أسناني.

كل شيء يشتعل في عظامي وجهك وضحكاتك

لم أعد أعرف لغاية أين أغرق
يتكلم آخر مكاني
آخر يغيظني، يخونني.

كلّ شيء يشتعل في عظامي وجهك وضحكاتك

يفكر آخر ويحلم مكاني
لم أعد أعرف ما هو هذا الظلّ
الذي يأتي ويكفنني عند منتصف الليل.

كل شيء يشتعل في عظامي وجهك وضحكاتك
لم أعد أعرف في أي قبر
على قــطار الجحيم المندفع معك
أن يصل إلى الجنة المفقودة.

كل شيء يشتعل في عظامي، وجهك وضحكاتك
نفحة حلقك، ناقوس خطر قلبك،
كلّ شيء يشتعل في هذه اللحظة حيث كينونتي لا تتطلع
إلا إلى حبّ هذا الألم متطلبة الشر والدموع.
تقديم وترجمة/اسكندر حبش
لا

30-3-2009