في كتابه "العذل الديني والمعرفي في الشعر الصوفي"

عباس الحداد أصدر الكاتب والناقد عباس يوسف الحداد الرسالة التي حصل بها على درجة الدكتوراه تحت عنوان "العذل الديني والمعرفي في الشعر الصوفي" عن دار الحوار ضمنها المقدمة وفصول البحث الخمسة والخاتمة.
وكان الحداد في اختياره لموضوع العذل في الشعر الصوفي قد أضاف لدراسات سابقة تطرقت للموضوع بعمومية، أو دراسات اختارت العصر الجاهلي محلا للبحث في قصيدة العاذل والعذل، أو تلك التي تركزت على شاعر واحد كابن الفارض ولم تشمل شعراء الصوفية الآخرين.
ويستند الحداد في اختياره هذا للحضور اللافت للعاذل في النص الشعري الصوفي في القرن السابع الهجري ولتعدد مستوياته الظاهرة ودلالاته داخل النص، وتأثيره في تشكيل بنية القصيدة، وقد طرح الباحث افتراضا نظريا يقوم على أن التجربة الشعرية الصوفية في القرن السابع الهجري تعد مكتملة الملامح وتحمل خصائص تميزها عن كثير من الميراث الشعري العربي، وبسبب تشابه الخصائص واكتمالها كنموذج شعري يبرر الباحث علمية دراسته وموضوعية اختياره للشعراء الأربعة (ابن الفارض، نجم الدين بن سوار، عفيف الدين التلمساني، أبو الحسن الششتري) رغم التنوع المعترف به بين التجارب الأربع والتي أساسا لا تلغي وحدة الموضوع.

عباس الحداد كما يفترض الباحث وجود نوعين للعذل في الشعر الصوفي هما العذل الديني، والعذل المعرفي، بما تمثله السلطة الدينية التقليدية المحاربة للفكر الصوفي في النوع الأول (كعاذل)، وما يتمثل في الفكر الفلسفي البرهاني كعاذل آخر للفكر العرفاني، إضافة الى ذات الشاعر (العقلانية) العاذلة.
وفي سياق تحليل النصوص الشعرية الصوفية، يشير الباحث الى هدف الدراسة "بوصفها نصا شعريا واحدا ينطوي على عدد متنوع وثري من الظواهر والعناصر التي لا تقطع بالتماثل بين هذه النصوص، وعلى أساس من ارتباط هذا التنوع والتعدد بفروق فلسفية جوهرية في التجربة الصوفية لدى كل من الشعراء موضوع البحث، وهي الفروق التي تمثل مرجعية مهمة لتجاربهم الشعرية، وتقوم بدور في توجيه مسارها".

العلاقة بين المفاهيم والتجارب الشعرية
وفي موضوع شعري دقيق كهذا، في القرن السابع الهجري، كان من الطبيعي أن تعترض الباحث صعوبات في البحث والحصر والمصادر، اعتمد - كما يقول في مقدمة الكتاب - على مصادر مخطوطة لدواوين شعرية وشروحات لنصوص من الشعر الصوفي، ومخطوطة لديوان بن سوار محفوظة بجامعة الأزهر شابت أغلبها أخطاء مطبعية ونحوية وعدم وضوح حروفها بسبب القدم. كما استعان الباحث بمصادر مطبوعة نادرة كشرح ديوان ابن الفارض للشيخ حسن البوريني وعبدالغني النابلسي المطبوع عام 1310هـ. ومصادر أخرى مطبوعة حديثا.

ما العلاقة بين المفاهيم المعرفية الصوفية والتجارب الشعرية المختارة في موضوع البحث؟ هذا ما حاول الباحث الكشف عنه من خلال دراسة العذل وتجلياته ورصد سياقاته المعرفية والاجتماعية والجمالية، ويضيف الباحث - الى المنهج التحليلي الذي اعتمده في البحث الأسلوبي لتحديد العناصر الرئيسة للنص الصوفي - منهج اللسانيات النصية لتحديد مميزات القصيدة الصوتية في الصياغة وحبك المضمون والعلاقات المتداخلة في الخطاب.

رائية ابن الفارض نموذجا
وقد ركز الحداد على العذل كمبحث وعلى الشعراء الأربعة كنماذج دون الدخول في قضايا الفكر الصوفي الفلسفية والتاريخية، فضمن كتابه خمسة فصول (العذل والعاذل من العذرية الى الصوفية - العاذل شاهدا - العاذل فاعلا - العاذل نمطا - العاذل وانتصار الأنا) وفي الفصل الأخير نموذج تحليلي لقصيدة عمر بن الفارض الرائية كاملة، وضع الباحث لها منهجية التحليل النظري قائمة الى ثلاثة معابير (جوهرية وإشكالية وخادمة: إعلامية وتناص) ثم قام بتحليل النص الشعري والمقسم الى وحدات شملت أبيات قصيدة ابن الفارض الواحد والعشرين، مركزا على ضمير المخاطبة ومواضع العذل ومظاهر الحبك في القصيدة ومنها قول الشاعر:

خير الأصيحاب الذي هو آمري
بالغي فيه، وعن رشادي زاجري
لو قيل لي: ماذا تحب وما الذي
تهواه منه؟ لقلتُ: ما هو آمري
ولقد أقول للائمي في حبه
لما رآه بُعيد وصلي هاجري:
عنّي إليك، فلي حشاً لم يثنها
هجر الحديث، ولا حديث الهاجر

وختاما، وفق الكاتب والناقد د, يوسف الحداد في اختياره لموضوع الدراسة التي أهلته للحصول على درجة الدكتوراه وشكل بذلك إضافة مهمة للمكتبة العربية بالتقاطه شذرات غائبة في تراثنا الشعري العربي وتقديمها الى القارئ بعد جهد وبحث رصين.

الطليعة
23 نوفمبر 2005