راسم المدهون

الكتاب الخامس في سلسلة قراءات الشاعر السوري محمد عضيمة للشعر العربي الجديد يتناول التجارب الشعرية الأحدث والأكثر إثارة ولفتا للانتباه في بلدان المغرب العربي تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا.

محاولة أخرى جديدة لاستقصاء رياح الحداثة والبحث عن النصوص التي يرى عضيمة أنها تحقق قطيعة مع المألوفين الإبداعي والنقدي وتغادر تخوم "التقليدية الجديدة" كي تذهب بالشعر حيث يتوجب أن يكون أو بالأدق حيث يرى محمد عضيمة المسكون بنفض الغبار النقدي والأوهام عن التجريب الشعري العربي وإطلاقه بحريته الكاملة في برية قنص الإثارة وتجديد اللغة التي يراها الشاعر ـ الباحث" توحيدية" تقدس النموذج وتسعى خلف المشهود له.

محمد عضيمه في كتابه الجديد يقدم جهدا نقديا ـ بحثيا يستحق التحية إذ هو "يغربل" عشرات الكتب والمجموعات الشعرية التي أصدرتها المطابع في بلدان المغرب الخمسة سعيا وراء تلك المقطوعات التي يراها هو حداثية ومسكونة بالبحث عن الجدة وبالذات مسكونة بحرية إصغاء الشاعر لأهوائه الذاتية التي تتخفف من كل ما هو عام يثقل القصيدة بالتشابه ويحوّل القصائد إلى ما يشبه كتابات واحدة بأقلام متعدّدة. هنا يختار المؤلف بعناية بالغة كل ما يشير إلى الروح الفردية وما يتصل بها من موضوعات ومن هواجس. القصائد في مثل هذه المختارات ليست سوى مقطوعات منتزعة من سياقاتها وعضيمة يفعل ذلك بوعي وقصدية كاملة إذ هو يناوش التماعات الشعر في تلك السياقات ويبحث عن حضورها ليعيد تقديمه وأيضا دون فهرسة أبجدية بل بالاعتماد على ذائقته النقدية وحسب.

في مقدمته الطويلة نسبيا للكتاب الجديد يقدم محمد عضيمة مفهومه المفتوح للشعر والحداثة من خلال التأكيد على رفضه للانضباط لأية "قوانين" أو مقولات نقدية مسبقة عضيمة يشرح هذه النقطة بالذات من خلال نفي "التوحيدية" في الأدب والفن مؤكدا بديلا منها يقوم على التعددية الهائلة والمتشعبة والتي تعكس رؤى وأفكارا وأحلاما وهواجس أكثر مما تعكس نظريات محدّدة يمكن أن تلتزم بها قصائد الشعراء.

أهم ما في كتاب محمد عضيمة الجديد تأكيده الجميل على مفهوم الحرية في الإبداع لا بكيفياته الشعاراتية المألوفة ولكن بانحيازه إلى طلاقة المخيلة في الاختيار وفي كيفيات التعبير، خصوصا في التأكيد على أهمية إطلاق اللغة الشعرية من إسار ما أثقلها من اشتراطات لم تكن يوما من الشعرية بقدر ما شكّلت قيودا عليها.

يبقى أن نشير هنا إلى ما يتعلّق بخصوصية الكتاب الجديد أي التجارب الشعرية لشعراء البلدان المغاربية وهي مسألة على درجة عالية من الأهمية بسبب من التجارب الشعرية ذاتها وأيضا بسبب من بعد تلك التجارب عن القارئ العربي المشرقي والذي لا يعرف عنها الكثير.

محمد عضيمة في كتابه الجديد يواصل بحثا جماليا لعلّه فريد في منهج تناوله، ولكنه بالتأكيد إضافة مهمة ومفيدة تستحق الانتباه والمتابعة.

المستقبل
الخميس 12 نيسان 2007