أحمد محمد سليمان
(سوريا)

الحكاية حكايات [ ]...

حين
تأكلني
أصابعي من
رأس فكرة
لم يُغضبْني حينَ أرسلَ إليَّ مغلفاً فارغاً، لأنني نصحْتُهُ قبلاً بتأليفِ كتابٍ حولَ تربيةِ الإبلِ بدلاً من الذي بين يدي الآن..

أحمد محمد سليمانوفي صبيحة يومِ عطلةٍ، حيثُ كانَ عيداً تماماً مثلُ عيدِ القديسِ فالنتاين، وحضرةُ هذا الأخيرِ لمْ يكنْ مهتماً بعيدهِ، كنتُ أَعدُّ أصابعي على أقلّ من حيلةٍ لأحشوَ المغلّفَ شفراتِ حلاقةٍ وأبعثهُ الى مقاطعةٍ تشبهُ مزرعةً عندَ إقليمِ التفاحِ، لمْ تكنْ موجودة أيامَها المليشياتِ، ولم يكنْ القديسُ على أتمِّ الإستعدادِ لتفقدِ العشاقِ، كلفني أنْ أقومَ بدورهِ، وكنتُ متعرجَ الخطى. أصابعي ليستْ معي، لكني أتذكرُ نسوةً يبارِكْنَ ويهتفْنَ قدومي منتدباً،
وأنا بالكادِ أفتكرُ فرخَ البطِ ذاك.
حزيناً كنتُ وقتَها...، كما كنتُ قبلَ قليلٍ، عندما دخلتِ امرأةٌ تتشبَّهُ بنساءِ هوليودَ بنظارتِها وسُخطِها المتزايدِ، حاورَها الذي كانَ منذُ لحظةٍ صديقي...، يحاورُها متابعاً بأصابعهِ شفاهَ النظارةِ، وثيابَها المتهدلةِ عبثاً، لمْ ألمحِ المشهدَ كاملاً، لأنني تمرغْتُ على ْ غيرِ عادتي، مكسور الودِّ، منثنيَ الحيلةِ، وكانَ الثلجُ نديمي، حينما انقذفتْ زجاجةٌ مُحكمةُ الإغلاقِ، كالتي يستوردُها عمُّنا لخمارتِهِ، لمْ أكنْ منتبهاً الإستفاقة منَ الغيبوبةِ تلك حدثني عنْ ذلك رجلُ "المليتّسا" سرغي
وهذا ال سرغي لا أعرفهُ لكنَّه داهمَ شقّةً إلى جوارِنا، نسيَ فيها جوازَ سفرٍ … عليه صورةُ كلبهِ المدلّلٍ، وددتُ لوْ أسألُ عن الذي وضعَ للكلبِ اسماً منْ عندِنا... قبلَ أنْ أتبينَ صاحبَ الإسم واكتشافيْ بأنهُ لا يشبهُنا.

روى لي أيضاً، أنه رأى جمعاً في خمارةٍ، يتساوى فيها مدمنو الكحولِ والمثقفونَ والزعرانُ،كانوا مخمورين على شرفِ كتابٍ. وحصلَ أيضاً، حينما خرجْنا أربعةَ مترنحينَ، وأنا الأقلُّ صحواً بينهم … لمْ يكنْ ساردُ الثمالةَ معنَا، وليسَ ثمةَ ما يوحي بوجود نقيضِهِ المتأخرِ عن متعةِ الفوضى..و للدقةِ أكثرْ، لمْ نكنْ بتلكَ الخمّارةِ، وحقيقةُ أمري أن أذُنُي اليمنى.. تورمتْ منْ صوتٍ كادَ يطالُ عنقي. هاتفَني باسمِ النملِ، لألمَّ صوتَهُ منْ أطرافِ ديكِ المحدي، وأنْ أكتبَ إليهِ تقريراً مفصّلاً عن الدولِ الفتيةِ، ثمَّ قالَ :- وقالَ ما لا أتذكره عبرَ سمّاعةِ هاتفٍ، ثمَّ سحبَ روحي ولمْ يتركْني أتبوأُ حرفَ العلةِ _إن شيخاً تلمذَ على يديهِ مبدعاً. المبدعُ متهمٌ بالإرتدادِ عنْ تعاليمِ تربهِ.. وحصلَ أنْ يصفَهُ شيخنا بمالمْ يفعلهُ قوّادُّ، ثمَّ أكدَّ علاقتَهُ بأولادِ عمومتنا الجددَ، فهمْ تركوا لنا البطيخَ وكرومَ العنبِ والزعترَ، والإبلَ التي وصفتَها للسوريالي ذاكَ، دعاني مهاتفي إلى عقدِ قرانهِ على كتابٍ حداثَوي، تتمايلُ على شرفهِ الحكومةُ وبنتُ المحافظِ...انَ يحسدُ ممثلَنا الدائم في الUN،
سائلاً : إنْ كان يبصرْنا من قبوهِ العالي، وهل ما زالَ ينسفُ خطاهُ
متخبطاً ببصيرتِهِ وأولادِ عمومتنا من أعالي "الأمبير ستايت" مشيراً إلى الدالِ وحروفِ التوبةِ وجفافِ حلقي والشغبِ الذي سيأكلُني، ناسياً مدلولهُ في بيتِ الطاعةِ، على راحةِ قلبي. حلَّفني أنْ أسألَ الصعلوكَ المجمّلَ بالخطيئةِ، إنْ صارَ مديراً للبدوِ الظاعنين في الكتابةِ، أمْ أنه غرقَ بأوهامِ البحثِ عن معنى (...).

ثمَّ أستأنفَ :
الحداثةُ يا أخي... يا أخي الحداثةُ

هل تسمعُني ؟
وأنا لا حولَ ولا قوةَ لي...
الحداثةُ في الغربِ يا أخي... كانتْ "فوكنر، جويس، بول سيلان، إليوت، شيلر، غوته، لكنها أيضاً كانت سؤالاً، من ديكارت، روسو، هيغل، نيتشه، فرويد، هيدغر، ماركس، فوكو، سارتر، دريدا، بارت، كريستيفا، هابرماز".
وانقطعَ الخطُّ...
بعدَ أقلِّ منْ لحظةٍ يسألُ :
فاتورةُ الحسابِ منْ يدفعُها يا أخي ؟
الخيبةُ ليستْ بهِ، إنما بذلكَ الرأسِ...

روى كلَّ ذلكَ قُبيلَ وصولي إلى قارةِ الثلجِ هذهِ، حيثُ لا شيىءُ غيرَ نساءٍ للتحفةِ والزينةِ يشحذنَ رحمةً مترنحينَ -مثلَنا هناكَ-


لمْ يكنْ الهاتفُ يعملُ.. لكني أجزمُ بأنهُ حدثني... حدثني بقوةٍ، وأذني للآنِ متورمةٌ
وبعد :
تحسستُ قلبي، علبةَ الحبوبِ، الوسادةَ البعيدةَ، أدركتُ حينها مآربَ حُلمي..

تمنيتُ لو يسعفنُي كلامي الزائدُ بعدَ أنْ تحدثتُ معَ أحدِ المجانين، كي لا تصلْني لائحةٌ بأرقامٍ أجهلُها... وأنا بطبعي كسولٌ بدروسِ الحسابِ ... أرفقتُ الفاتورةَ بمخطوطٍ وأرسلتهُ دونَ عنوانٍ، وإذاْ بصوتٍ أجشَ يهاتفني سائلاً فيما لو استلمتُ كتابهُ "رأس المال".

تذكرتُ حينها الذي روى في مسردٍ يشبهُ إنجيلَ مارقٍ ينسلُّ من شرودٍ،

أذكرُ صحيفةً كتبتْ عنهُ بلغةٍ ليستْ من عندِنا، بأنهُ، الساردُ، الحكَّاءُ، المهمومُ، إنهُ الفاتحُ،
وكلامُ اللهِ أقلُّ منهُ...

صوّرَ هذا المشهدَ     ديبلوماسيٌٌّ من برجِ المرِّ...
يا مرارةَ الجرَّافةِ في الوسطِ التجاري، كانتْ مصفحةً بحجمِ بنايةِ "الصيادِ" تحرسُ المرَّ ذاكَ، عندَ زقاقِ البلاطِ وحي الغيلاني، أعني حارةَ حريك والعنتبلي، ليسَ بالقربِ منْ وادي أبو جميل، تحديداً عند حديقةِ الصنايعِ، على حائطِ وزارةِ السياحةِ ملصقاتٌ تمجِّدُ كلَّ شيءٍ وتنسى رئيسَ الدولةِ والحكومةَ الواقفةَ بكلِّ قواها على أكتافِ غيمةٍ.
ألاّ تغضبكمْ الصراحةُ المغرضةُ، إنْ سألتُ جمعاً لمْ يخرجْ من هوّةِ غيرهِ، وألاّ يقرأَ أحدكمْ ما لمْ تخطهُ يداهُ. وحبرُ التوبةِ عن ندمٍ وافتتانٍ بالحبِّ وعصيانٍ لما لستُ أدري...
قدْ تنكتبُ روحهُ في ذاكرةٍ ليستْ إلى جوارٍ غيره من سادةٍ يكتبونَ بكلِّ صدقٍ [نصوصَ البارحةِ] وبصراحةٍ أكثرَ، الكتابةُ في لحظتي هذهِ تفكُّ الرغبةَ وتهدّمُ كلَّ حَيْليْ [...] تؤلمني الفراشةُ المُحلقةُ في قرطاجَ، الواشيةٌ دونما درايةٍ عنْ مآربَ، كانتْ تعرفُ صوتي، لكنَّها لا تذكرُ حواري مع تنبلَ داخلَ كأسٍ يتمسرحُ في بناءِ إذاعةٍ.. معَ ذلكَ أشتاقُ إلى عمكمْ أندريه وإلى الحبرِ الذي يستوردهُ لأجلنا، لكني أتقلصُ داخلَ قنينةٍ وروحي تتسلقُ جدرانَ الهيكلِ.
والآن ؟ …
أطلقتُ إيماني بهذهِ الكتابةِ التي لا تُجدي نفعاً، لطالما هجرتْنا الرغبةُ، وثمةَ بُعدٌ لنْ يصلهُ أحدٌ ولو كثرَ الطبالونَ
قبالةَ المعنى...

هلْ أسردَ عليكمْ حينَ كاتبني محازبٌ ؟
أذكرُني مقترحاً عليهِ أحدَ أمرين، وكانَ جوابُهُ أسرعَ من لثغِ نطقهٍ عبرَ قصيدةٍ تثيرُ الريبةَ والفتنةَ وخصلَ قومٍ خجولين...
كانَ بودِّهِ وأدُ قادَتهِ.
صاحبي لمْ يكنْ ثملاً.. لكنّهُ يشبهُ جذورَ سنديانةٍ، يعدّلُ دوزانهُ ثمَّ يتمذيعُ... حزيناً كنتُ وقتها.. لأنّهُ ظنَّ أنني فقيهٌ نسيَ مئذنته في طشقندَ، كان على المصلينَ أن يخرجوا ؛ كلٌّ على ناصيةٍ يبحثُ عنْ وطأةِ الندمِ.
قدْ لا يرضيكمْ حينما أسردُ قصةَ مهمشٍ..
يؤرخُ ويفترضُ انشطارَ قلعةِ المعنى.. كانَ على الراوي ألاّ يجمعَ روحَهُ على مسردِ الشطّارِ وقوةِ الفلسفي بشكوكِهِ المحيّرةِ وألاّ يقعَ عنْ جثتِهِ سهواً كي لا يقاسمنا الترابَ.
أعتبُ عليّ حينَ الكتابةُ تؤلمني... بعدَ أنْ محوتُ ليلي، وجفتْ رئتي.. معَ ذلكَ يتذكَّرني مرؤوسٌ دولي بأننا سُذَّجُ معنى ولمْ نشربْ ماءَ التوبةِ عن حيرةٍ …

قدْ لا يصيبُ عتبي، محذراً من زمنٍ ينقرضُ، وحيلةٍ قليلةٍ أمامَ وقتٍ رخوٍ.. مثلَ روحي تسرقُ نومكم، بلْ مثلَ عقربِ ضوءٍ كسولٍ، قدْ يعنيني الهاربُ توَّاً من فطنةٍ، وقد أعني اختباراً، ومرارةَ منْ لا يمرُّ بكذبةٍ مرنةٍ.

حواسي التبسَتْ أمامَ رجلِ "المليتّسا" لكنّهُ قالَ ولمْ أفهمْ "قومي يا مرى، أنا ماني جوعان حكي... أنا جوعان من هيداك" والكتابةُ هي طبخةُ مجدَّرةٍ، كما يفهمُها وحدثَّنا عنها سرغي،
أنْ يقودكَ قاربٌ صغيرٌ نحوَ بلادِ السندبادِ، معكَ علي بابا، ليسَ عتبُ المدامِ".

كانَ الترجمانُ غبياً لكنّهُ ألمحَ الى اصفرارِ وجهي...
روتْ أُمُّهُ ولمْ يصدّقْ، بإنَّ الكتابةَ عصيةٌ، لا تجلبُ ثمنَ حبةِ فاليوم أو حقنةٍ تحمي من السيدا..
حبة يا جماعة ؟
حبةُ قضامة للثاني عشر بولص، لأنّهُ سحبَ قرارَ الإدانة، ترى إنْ لمْ تكنْ عندهُ تلكَ الحبّةُ هلْ كانَ يتذكرُ؟

الكتابةُ يا الله...
"يا للي مخبّى بعزلةٍ وندمٍ، ما عندكَ ولوْ فشةُ خلقٍ ؟! منّا وعليك العتبُ"

غشني البرادُ حينها، أخافني، يزربُ قناني خمرٍ، خمر وأنبوبُ غازٍ بمتنِ حمامٍ ضيقٍ، أيضاً غشني...
اغتسلتِ،
وأنا أتجولُ عندَ المصعدِ.. المصعدُ يائسٌ - قلما أيأسُ- رحتُ أتسلى بفركِ حذائي.. حذاءٍ متدني الجودةِ، ثم إلى قناني حليبٍ، حليب طيب ولا توجدُ محطةُ أبقارٍ... الأبقارُ ميتةٌ، وثمةَ أمورٌ ضيقةٌ، مثلَ الحمّامِ... أنتهيتُ لتوي، الحمّامُ يلبسني
وأنا أقظمُ تفاحةً...
بينما أنتِ بالكادِ تمسحينَ وجهي.

دوخني.. لمْ يكنْ البارفان سماً، دوخني السمُّ الذي تغتسلينَ بهِ، سكبتِ الماءَ، الماء نظيفٌ، مثلَ جلدي.. لكنّ بالوعةَ الحمّامِ هي التي لا تعملُ، حمّامٌ... حمّامٌ، ولا حمامةَ هنا... حملتني بهدوءٍ دثرتِني بلحافٍ سميكٍ مثلَ هذا القميصِ، وعندما، عندما نويتُ عليكِ، نامَ التختُ علينا..
دوخني السمُّ الذي تغتسلينَ بهِ، التختُ نائمٌ..
فوقهُ صاحبُنا زعلانٌ، زعلانٌ لا أكثرَ..
ورثهُ من جدٍ، زعلانٍ ويندبُ حظهُ، كانَ ينوي عرضهُ بمتحفٍ.

نحنُ الآنَ تحتهُ، أتحاورُ وكلي أملٌ ألاّ يسمعني، ناقشتهُ ببساطةِ الموقفِ، راحَ يلومني... لمْ أكنْ أعرفهُ، هو

يعرفني.. لذا أجبتهُ باستهجانٍ : عليكَ بأمكِ.. تقَّبلَ الموقفَ ولمْ تكنْ عندي أدنى حيلةٍ... لم ينسَ التختَ، في كلِّ مرةٍ يؤنبني، كلفني إصلاحهُ أنْ أدسَّ يدكِ إلى جيبهِ لأسدد غرامةً لا بأس بها.

رآني حماره ُ مرةً، ومرةً كانَ معروضاً في سوقِ بلدةٍ إلى جانبِ تختٍ أنيقٍ، بطلاءٍ لم يحلمْ بهِ مولانا..

أحببتُ البلدةَ، لكنني لمْ أستسغْ ذلك المعتوهَ، الذي لا يختلفُ عن حمارهِ الأعورَ
باختصارٍ
فهو زوجكِ وعلينا تحمّلهُ

حشاش علىْ غير عادتهِ، أظنكِ تذكرين قصتهُ، كثيراً ما كانَ يخبطُ على بابي يطلبُ فنجانَ قهوةٍ،
إلى أنْ وافاني ذاتَ مرةٍ بحشدٍ غفيرٍ من زملائهِ وتمركزوا عندي..
كانَ الجميعُ يطلبُ أن أغلي حشيشةَ الكيفِ مع القهوةِ، لمْ أفهمْ..

تولوا ذلك عني، لكنهم حطّموا الليلَ في منطقةِ الدكوانةِ.

صادفني الحشدُ ذاتهُ،
في صباحِ يومٍ، وأنا أبحثُ عنْ منزلٍ...
لمْ أجرّبْ استراحةَ الفرجِ [اللوط] فرجكِ متورّمٌ، ومثلَ الكلابِ طردتني، لمْ أُصغِ لسخطكِ، وعلبةُ شفراتٍ في معطفٍ مغسولٍ بمادةِ ال كلورفورم، رائحتهُ منعشةٌ... تعوّضُ عنْ خمسةِ أقداحِ ويسكي مغشوش.

ثمَّ صارَ وجهي خمارةً تزربُ فاكهةً وراحةَ حلقومٍ خصصتْ لإحدى وزاراتِ الأنتيكا، في بلادٍ لا تتجاوزُ مدنها عشيرةً، مبسوطةً على حريرٍ هندي، استوردهُ تجارٌ منْ دلهي، بختم صدّقهُ حراسُ غاني. روتْ الحكايةَ امرأةٌ
من الأورغواي، بأَنَّ بغالاً مسفوحةً على جنبي سوقٍ، أكلوا ما طابَ لهم، وأطعموا أصحابَنا جماعةَ الأنتيكا، ثم رسموا ختماً يصلحُ لبلادٍ أخرى، بلادٍ تجلسُ بكل فخرٍ على قشرةِ موزِ واحدةٍ...

قدْ لا أختلفُ عن مقهى حديثِ العهدِ، يلاعبُ زبائنهُ على طاولةٍ ويقضمُ جيوبَ آخرين..
ما أشبهني بسكرانٍ يلبسُ خوفَ امرأةٍ، لا يفصلُ بينَ دولةٍ وعمالِ مقهى..!!
كما أوردتُ قبلَ قليلٍ بأنَّ شيخاً تلمذَ على يديهِ مبدعاً، المبدعُ متهمٌ بالارتدادِ عن تعاليمِ تربهِ.. وحصلَ أنْ وصفَهُ شيخُنا بما لم يفعلْهُ قَوَّادٌ، ثمَّ أكَّدَ علاقتَهُ بأولادِ عمومتِنا الجددَ، فهم تركوا لنا البطيخَ وكرومَ العنبِ والزعترِ، والإبلَ التي وصفتهاُ للسوريالي ذاكَ، دعاني مهاتفي الى
عقدِ قرانهِ على كتابٍ حداثَوي، تتمايلُ على شرفهِ الحكومةُ وبنتُ المحافظِ...

والآنَ لستُ هنا

في طابقٍ عالٍ، أترقبُ حشوداً مارةً، منْ بناءٍ متهدلٍ كقبقابِ جدٍ، أرى شعوباً لا أشبهها... أضحكُ كمنْ يقسو على نفسهِ، أكتشفُ أنني لست في المرآةِ..

مرآةٌ، قرأتُ بِعينِها غريماً رأى نصهُ على شاشةِ صُحبٍ.. وبعيني التي خفّ نورُها، تحسستُ نيةَ الذي رأى حاملاً كشكولهِ إلى أقربِ مرآةٍ تتصدرُ إعلامَ البلدةِ...


وحينَ لا [...]
حِينَ الكلامُ يفرطُ
- ما كانتِ الغيومُ هنا !

لكنْ، رأيتهُ يرمقُ إلى سؤالٍ في العشقِ، ولمْ يكنْ للعشقِ أسئلةٌ ووصايا عنّا !!

لمْ أجدْ بأساً أنْ يكونَ للأحجيةِ عراباً، لكن، عليهِ أنْ يشعلَ الموتَ والعزلةَ.
وحينَ تأكلُني أصابعي منْ رأسِ فكرةٍ،
تقطفني صياغةُ نعاسٍ قبيلَ وصولِ نارَ المعنى...
وأجلسُ منتظراً كلَّ الصيفِ لألحظَ منْ يقلبهُ !
وددتُ لوْ أقرأُخاتمتي على كتابٍ يصدرهُ معتزلةٌ، لكني أفترضُ مؤتمناً آخرَ وعليه تفسيرَ منامي.

* مفهومُنا شيٌء آخرُ يا ست...               يُبصرُ لا يستهدفُ... يخمّنُ لا يؤكدُ...
خارجَ الزمنِ يا أخي، لذا، لا أحدَ يُبصرُنا..

* أعني ما عنيتهُ عن وهجِ النشوةِ، قدْ أتفقُ وروايةَ             الفوضى، لكنّ النهارَ.. النهارَ الذي لم يفهمهُ صاحبي، النهارُ باهتٌ لأنهُ لا توجدُ على راحتهِ نجمةٌ [...]

* الفتنةُ، أنْ نلحظَ الخبزَ حافياً، تحديداً في الطابق          ِ الرابعِ هناكَ...

* المتحوِّلُ، أسألُ عنْ مبررِ هذهِ المفردةِ، في حينِ الثابتُ مؤبدٌ ! تالياً، ما يرهبْنا أكبرُ منْ خوف السُلطةِ، ما يرهبنا هو نحنُ [...]

* منْ يقلِّبُ الفصولَ يقعُ بأحدِها.. وحينما الكلامُ يفرطُ زئبقُهُ، على الآخرِ قطافُ الحكمةِ.

* على الفلسفي أنْ يحيرِّنا وألاّ يرمينا بحروفِ التوبةِ

* أكرهُ مصطلحَ أجيال، اقترح
[ظواهر في نص الآن]

] في القماطِ ؛ القماطِ الذي لمْ يلبسِ البدلةَ، خلعَ التقويمُ مساميرَهُ، ليس للضبابِ جهةٌ، ما كانتِ القبورُ تتحطمُ ولوْ كانتِ القصيدةُ بدونِ دبقٍ، دبقٍ أو أنها لمْ تورَّدْ عن قفلِها شيئاً.. القفلُ يغري.. لمْ تكنِ الصحراءُ حديقةً. والأسنانُ يا أخي.. أسنانهُ ميتةٌ، ورغبةٌ ضعيفةٌ، كما أنَّ للتاريخِ أكثرَ من شاشةٍ، أينه اللطائفي، منْ جثة شارعٍ، ولمسةٍ ببعدهِ الطائفي، لطائفي شكلهُ، عقلهُ طائفي،

كما بدا لكمْ.. كأنثى التقويمِ، النسيانُ مشوشٌ، ثم ضاقتْ بهِ الهزيمةُ، تجدونهُ على أرضٍ تمشي، وسماءٍ تحدّقُ مثلَ هواءٍ، مثلكمْ حبلُ السٌرَّةِ على خشبةٍ، وكان لها أنْ تكونَ جثةَ حوتٍ، كي يُصرَّحَ لمرةٍ بأنّهُ ليس بأخرسَ، الفتنةُ قليلةٌ... نارُها، نارُها، أينها تلك النارْ ؟
مكسواً بزجاجٍ ولماذا البحةُ يا غشاشُ ؟ في حين القلعةُ بلا أيامٍ لنرى متفاصحاً يسألُ إن كانَ الفعلُ مشبهاً أم أننا به أشباهٌ، فهو على أقلَّ تقديرٍ حملَ البحرَ ونسيَ مراكبهُ تتهدّمُ..
ولوْ كانت الجثةُ بلا أبٍ، لكانَ السعالُ أجملَ،..
نسيَ السائلُ عما يتحدثُ ولوّث روحَهُ، كما أنَّ الجثةَ لا تقرأُ مراكبَ تتجهُ.. حدثتكمْ عن قتلٍ.. بأننا لا ندلُ، لكننا نتَّجهُ، نخمّنُ، لا نؤكدُ... خارجَ الزمنِ نحنُ، لأنُه لا أحدَ يبصرُنا.. هنا، "كمْ طايفة بهالبلد عدْ، عدْ إنْ كنّك فيك تعد".. وسألَ صيادٌ يلقي الشبكةَ، حملَ اللهُ على كتفيهِ المتراسَ بأكياسِ الرملِ" كانَ بحاراً، قلما يسألُ.

سألَ بحارٌ.. لمن أغني ؟.. أجابَ المشيعون، حيثُ لمْ أجدْهم حولي، لكنهم بحارةُ.. النعشُ زهرُ الرمانِ، حناجركم، محجوبُ، الأم.. هيه ه ه ه، وكان له صديقٌ من فيتنامَ، رجعَ الخيلُ والعصفورُ ما دلَّهُ أعني
السفينةَ يا أخي ممنْ يخافُ عليها ؟ أمسك البدلةَ.. نسفَ النوتةَ، ما كانتِ الشمسُ تؤذن ! ما أقبلَ النومُ.. المنامَ، المنامَ يا أخي المنامَ.. عقالاً مذهباً من آلِ بيتك وألاّ تتعثر دخولاً وتؤجلَ وقائعَ، متذكراً مكوثَكَ هناك، نعم.. بالقربِ من نحتِ الدمِ...
حقاً إنها متعبةٌ هذهِ التلاقيحُ، لكنَّ أحدكمْ يعترضُ مراراً وينسى بأنهُ حفرَ الضوءَ وتركَ البحرَ يغرقُ، روحهُ ملوثةٌ ولا جثةً خارجَ الزمنِ.. مادلّني أخرسُ حوتٍ يبتلعُ هذهِ الخردةَ هذا الكلامُ الناقصُ.. أينكمْ مثلهُ ؟
أينَ همْ ؟ ما بنا والجمعُ ليس إلا شواردَ يتامى..
يتامى والعزلةُ ترملتْ
العصافيرُ ما زالتْ تلثغُ بالسماءِ..
السماءِ لا تلثغُ بشيءٍ.،

آلُ هذهِ الخردةِ غيّروا تلكَ البدلةَ، ولكمْ إن شئتمْ كلَّ المنام [.

روت أمّهُ ولمْ يصدّقْ، بأن الكلامَ، الكلامَ مضمدٌ، أبوهُ مسكينٌ لم يلعقِ البكارةَ، كاملُ الرغبةِ والحيلةِ.. مضمدٌ أبوهُ والحيلةُ قليلةٌ..

وبعد !
لمْ تعجبني الطائرةُ وهي تحطُّ متأخرةً عني
لكنْ، يريحُني عزفُ الكشافةِ لأناشيدَ، قبيلَ هبوطي حاملاً درعاً وأوسمةَ وصولي التي هوتْ..
بالطّبولِ، والصناجاتِ المعدنيةِ أعدّوا خاتمةً.. لمْ يقبلوا اعتذاري المتأخرَ
كانَ عليّ عتبٌ وكلامُ حيرةٍ وعزائي كلُّ ما أملكُ.


أتقدمُ على مهلٍ، جدارٌ وثمةَ تمثالٌ يسوّي قامتهُ، حربةٌ محنيةٌ على رأسِ جدّي.
تقودُني قدماي الى الداخلِ، يبدو المكانُ مثلَ مختبرٍ لرجالاتِ السياسةِ، في غرفةٍ زجاجيةٍ أبصرتُهُ، رحتُ أمَحَّصُهُ بدقةٍ !

لمْ أفهمْ شكلَهُ المائلَ الى الشحوبِ، نهرَني زائرٌ كي أقفَ بخشوعٍ، ما إن فعلتُ حتى توارى، ولمْ يلحظْ إمرتَهُ.
لا أحدَ سواي، رحتُ ألومُ ذا الوجهِ الشاحبِ، أُقبّلُ جدراناً ملساءَ، كانَ يصغي إليّ، حدثتهُ عن شؤوني، ونسيتُ ميراثَ الحبِّ بدفترٍ أضعهُ في جيبي الخلفي، لمْ تكنْ رغبتي بالحديثِ عن الفقدانِ، ولمْ يكنِ الوقتُ محسوباً عليّ، لذا، أخبرتهُ عنْ كلِّ مناماتي.

لستُ على درايةٍ بي، قد أسحبُ صوتي وأدخلُهُ قْاعةَ النسيانِ، أنساني في حضرتي، أترصدُ افتراضاً، لا أذوبُ في شهوةٍ تفترسني، سيكونُ كلانا في انتظارٍ.

لمْ نقرصِ الوقتَ كي يتوقفَ، وحدثَ ما كانَ قدْ لا يحدثْ، لمْ تكنْ غايةٌ تصبو إلينا، لستُ كأي بلادٍ تدمّرُ ملائكتَها.
لمْ تكنِ التحفةُ الملقاةُ في عربةٍ تقفُ هناكَ.. العربةُ تقودُنا، والريبةُ فينا، لمْ نحصلْ على ندمٍ نذوبُ في ذروتهِ المجيدةِ.
هذا وعلّمني الخريفُ ما علّمني الندمُ كيْ أمضيَ.
قدمايَ في سوقٍ يرتادُهُ قادةٌ ومفكرونَ،
أشيرُ باتجاهٍ ما :
هؤلاءِ مسؤولون عن خرابِ الدنيا.

- لكنْ لا أحدَ هناك !
أجلْ إنهم في الجهةِ الأخرى منَ العالمِ.

جعلَني الخريفُ كواكبَ تدورُ حولي، ستكونُ أحوالي والتركةُ ميراثُ التوبةِ في حجرتي، دخلتُ ندمي... ندمٌ
في حياةٍ غيرِ مدمّرةٍ، قدْ ينسيني ما ليسَ عليَّ، أعيشُ فحسبتني واللهُ فوقَ الغيمِ.

مَنْ يُنسيني ندمي ؟

أنا الآنَ في انتظاري، تقودُني امرأةٌ إلى صوتي، لمْ يكنْ صوتي ممدداً كما حسبتهُ - امرأةٌ تقودهُ إلى الصوتِ الذي أسرَهُ - تقودُني وما منْ جدارٍ لأقبلهُ، الصوتُ الذي أسرتُهُ لأقبلَ جدارَ الغيمِ، أطلقتُ النومَ فيما مضى، فما حييتُ، أحيلني إليها ولا أجدني !

أسمعُ كلاماً ينقصُهُ اللثغُ، وحلقيَ جافٌ جافٌ.. طبقُ الدارِ خالٍ مني، صوتي يفرُّ، لستُ أفهمني، ليسَ لي غيرَ ليلةٍ تحمّلني الشقاءُ.

لنْ أغفرَ تاريخي المبهمَ، متراكماً في حضنِها واسمُها يخطُّ كلامي، أنفخُ بالحبرِ مراراً، تبدو بيوتُ الطينِ، المدنُ
الوهميةُ، ومصاطبُ القرى، لئلا يصادفني وأنا أعرفُ كثيراتٍ، غير أنَّني ما لمحت دومينارد وما نادتني أمي !!

أتوقفُ عندَ قدمين مباركتين ولمْ أعرفِ المكوثَ مثلَ سماءِ اللهِ، دفعةٌ واحدةٌ منَ الضبابِ،
غيمةٌ واحدةٌ تحاصرُ العبادَ.
مخذولٌ هذهِ اللحظةَ، منْ أمهِ تلك، منْ لمسِ قدّيسةٍ لم تكنْ "مدام"..
تبعثُ بكارتَها برسالةٍ مستعجلةٍ وتنسى بأنني ساعي بريدٍ جبانٌ.

روتْ أمهُ ولم يصدّقْ بأنَّ الكلامَ عصيٌّ علينا ومسموحٌ "الحكيُ للخرسانِ" ظالمٌ أبوهُ.. لمْ يلثغْ باسمِها.

روتْ بأنّها مثلكُم "جمهوريةٌ" تخرجُ عن معنى.
مخذول هذه اللحظةَ، منْ أمهِ تلك، منْ لمسِ قديسةٍ لمْ تكنْ "مدام"، قلتُ هذا قبلَ أيامٍ، قبلَ أنْ تحذفهُ أمكمْ، بعدما نسيتُ أصابعي في رسالتِها.
كانوا ومضوا عجالةً، مثل دقاتِ قلبي،
مثلَ فتى بالكادِ يعمى،
وملكٌ منْ لا يفقدُ بصيرتَهُ، وألاّ يكون أعمى عنْ خديعةٍ يقدّمها عرَّابٌ متأصلٌ.
قدْ لا يرضي فضولَكمْ هذا الرِثاءُ، كما أنَّهُ لمْ يحدثْ قبلاً أنْ يقرأ أحدُكم كلامَ صديقٍ جفَّ موتُهُ، لكنّي أتذكّرُ.. أربعةَ مترنحين، نواحاً وحشد ظلالٍ شاردةٍ أحدُها قبالتي، قربَ شارةِ مرورٍ معطلةٍ، تماماً مثلَ نهاري وراحةَ الفجرِ هنا، بلْ كمنْ يثيرُ فزعاً ويركضُ قدّامَنا هناكَ..
وهو على أتمِّ اللباقةِ، يحاولُ تعطيلَ خطانا،
كانت بصيرتُنا ملبيةً إمرتهُ، لمْ يتركْ غيمةً،
ولمْ تكنِ الرغبةُ متيبسةً،
               لذا،
               كان الهواءُ منسحباً

حدثني دونما مللٍ، بعث نداءَهُ عبرَ بلادٍ لا يصلُها أحدٌ.
ممكنٌ أيضاً بأنني نسيتُ الظهرَ يعدُّ نجومَهُ، غدتِ الصورةُ مبهمةً ولمْ ألحظِ الليلَ والظهرَ صحبةً يا الله ؟!
أعتقدُ بأنني ضيعْتُ الفكرةَ والحيلةَ والمنامَ، وروحيَ الأخيرةِ.
قدْ تسرُّكُمْ هدأةُ صوتي وعطلةُ عمري، لكني أتذكرُ : وهوَ على أتمِّ اللباقةِ، يحاولُ خطأَنا، كانتْ إمرتُهُ وبصيرتُنا ملبيةً، محترمين قلقهُ معَ أننا لمْ ندرِ حينها عنْ لباقةِ السلوكِ شيئاً

[أذكّر، مترنحين كنا] قالَ :

حضرَني كلامٌ.. ثمَّ ضحكَ بقوةِ الذي عاتَبهُ مردداً عنْ سيرةِ كتابٍ لنْ يُقرأَ، سألتَهُ عنْ حيلةٍ تبررُ مرثاهُ، كانَ ينتظرُ بما تأمُرهُ الظلالُ، كنّا ظلالاً بعيدةً، على جدارٍ يمتلئُ شحوباً

كنتُ الأقلَ صحواً، والأقربُ كانَ ظلي، همسْتُ مازحاً أحرقْهُ يا أخي.

لمْ أكنْ أدري عنْ فعلتِهِ شيئاً، لكني فهمتُ بأنهُ أحرقَ كلَّ شيءٍ، حرقَ الصمتَ والأحجيةَ،
والرغبةَ المتبقيةَ، ولمْ نعدْ نسمعُ صوتَهُ اللحوحَ،
وظلالُنا ما زالتْ عالقةً بالقربِ منْ هناك،
تحاولُ الإصغاءَ لكاتبٍ لم تلدْهُ أمُّ،
لتائبٍ تنصَّلَتْ منهُ خطاهُ..

1995

غومل، روسيا البيضاء

* وردت مفارقات بتحديد أمكنة وكان الغرض منها خدمة سياق النص. وهنا لا بد من الإشارة بأنه أبرز عناوين وهمس الى أخرى وفق ما تمليه راحة العزلة، كما أنه لا يرمي بذاكرته غير معتزلة، حيث لا يحصد سوى ناراً تؤججها مدافن، مسردها وتاريخ بدئها بحجم الذي لم يذكر..

كتلُ هواءٍ حولي، على ذاتِ المساحةِ ترفعُني حمالاتٌ متثائبةٌ، كما يدي المتورمةُ ووجهي المصفوعُ بحجرِ عبادةٍ.

- منذُ عصورٍ وأنا أسوِّي هيئتيْ، أخلعُ أنوجادي من رحمِ هواءٍ معلبٍ، ثم أخمّنُ مازحاً معَ الذي وضعَ الرسمَ منذُ قليلٍ، لكنهُ صدّقَ فكرتي بمهارةِ وحيلةِ ثعلبٍ أصيلٍ.

- مثلَ بوابِ عمارةٍ معدمةٍ،
راقصةُ الباليه بخدرِها،
وعضلةُ الممسكِ أقربُ إلى بناءٍ واهمٍ،
بينما أطلبُ أنْ تبعدَ الورقةَ عنْ وجهِها
لتضعَ مرآةً تقابلُها،
ثم توازي المستطيلَ واللوحةَ ذاتَ الوجهِ المصفوعِ والحمالاتِ المنهكة كانَ ذلك كي تقرأني، كما أفعلُ الآنَ وما سأكتبهُ مرسوماً على قفا هذهِ الصفحةِ،
حينها ستعرفُ بأنَّ ما عنيتَهُ ليسَ المعنىتماماً، وربما لمْ يكنْ عنها لأنَّ خدرَ أصابعي جعلَ فمي مقطباً،

لذا، سأتركُ الورقةَ كلَّها.

- أحسبُني فهمتُ لماذا قطعتُ خدرَ الماءِ عندما وقعَ نظري من أعلى السرةِ، لكنْ ثمةَ صورةٌ في حجرتِها تتأملُني بدقّة أكثرٍ مما طلبتَهُ لقراءةِ حروفي بواسطةِ علبةِ مكياجٍ.

كانَ عليها أن توازي حركةَ المرآةِ بمرونةٍ، على عكس ما شدني إليها، فهي لمْ تنشغلْ بخدرِ السهو،
لأنني رأَيتُ جثثَ حروفي مقطعةً،
لكنها ما زالتْ تلثغُ أقلَ مما ترغبهُ، لذا، أجدُني أكثرَ رهبةً مما كنتُ عليهِ
حينما خلعتْ ثيابَها وهرتْ عيوني من اللوحة.

ما أغربَ المستطيلَ حينما تكسّرَ بأقلَّ من لمحةِ بصرٍ!!
مع ذلكَ أعادَ صديقي ترميمهُ،
لكنْ في هذهِ المرةِ لمْ يرسمني، أعتقدُ بأنهُ صفعَ وجههُ بقرميدٍ مسلحٍ بدلاً مني، ثمَّ وضعَ شاربيهِ على صفائح هواء فرّ من ذاتِ العلبِ،
وعلّقَ النعاسَ على كتفي، لكنهُ اضطربَ عندما حدثتهُ عن أمكنةٍ تحبلُ بخدرِ الوقتِ. معَ أنهُ حذرَني ألاّ أتمادى، لأنني صغتُ شكلاً يبينُ ذاتَ الخدرِ، لكنَّ الجبالَ خلافاً لشكلِها، فهي تنخفضُ بي على أقلِ منْ حيلةِ ثعلبٍ خجولٍ [...]

المستطيلُ مَرَّةً أخرى، أتوسَّدُ أضلاعه المتكسرةَ، تؤلمني أضلاعُهُ المرمدةُ، وأنا غربالٌ يتشبهُ بقوةٍ.

حينها فهمتُ سرَّ خوفي من نباهةِ الغيومِ التي تخفيها امرأةُ الباليه تحتَ سرَّتها فوراً.
نبهني المثلثُ بأنهُ يحتوي على ماءِ حياةٍ، ومنَ المفترضِ أنْ أكونَ ممدداً على ذاتِ الشكلِ، لكنني سأحاولُ النومَ خلافاً لما رسمهُ السوريالي منذُ أيامٍ، فليس لي معَ الماءِ غيرَ الجفافِ، إلا القليلَ القليلَ من الخدرِ، لذا،
سأهربُ مني وأضعُ فاصلةً تحددُ قدرتي،
ربما أنتهي عندما تفسِّرني حروفي، وقبلَ أنْ أتكسّرَ،

في حينِ غفوةٍ
ثمةَ خوفٌ يرجئُ كلَّ شيءٍ وصواب في ندمٍ أخمّنهُ.

- لكنْ، تؤلمني أحشائي المتآكلةُ،
وشكلُ الأضلاع لا يليقُ بما فينا من رحابةٍ،
كما أنَّ العالمَ ضيقٌ،
فهو لا يسعُ ملائكةَ لغةٍ وزئبقٍ !


وحدُهم شهداءُ وقديسون منذُ ألفي عامٍ،
يفككون الزمنَ، ومعهم أمسكُ جسدَ النارِ.
* عندما نزلوا محمّلين بالهراواتِ والخطوَ السريعِ، مثلَ رجالِ كوماندوس فتشوا الوقتَ والقصائدَ وموجةَ الإذاعةِ ثمَّ ضربوا الهواءَ والوقتَ المتهدِّمَ، ضربوهُ، كما لوْ أنهُ أنا، ثمَّ أخذوا شكلي الذي ما زالَ يتأملُ حجرَ عبادةٍ وفراغاً متيبساً على شفتي، تماماً، كما لوْ أنني أضربُ جسدَ اللوحةِ بالسكينِ، وأهوي في الثالثةِ إلاّ ربعاً، في الخامسةِ والستين بعدما لمستُ عقدي الأخير.

استامبول 1995

ذبول

قفا ناصعٌ، وغيرةُ مقودٍ لطابورٍ أَفلسَ من ورقةٍ مرميةٍ.

أنّبْ غيري...

ثم وضعَ نقاطاً ترمقُ خلسةً، تشيرُ كما لوْ أنها بي، انكتبَتْ عني، وما أجهلُهُ على مرمَى كتلةٍ تنبهني، تمسحُ صوتاً ناعساً مثلَ جهازٍ يستخبرُ. كمَنْ يصدُّ غيمةٍ، أحاولُ رصدَ جثةٍ تعترمُ فوق انحناءِ جثة، مركزُها رأسُ غيري...

كانَ زئبقاً عصيَّ الَّلمسِ، هو الذي كتبَ، أنّبني وأشارَ كما لو أنَّهُ بي، وأنني هو، لثغَ ما كانَ بظني وما سوفَ أكتبُهُ على ورقةٍ مستقلةٍ، تماماً كما هذهِ اللحظة.


عندما توضعُ نقطةٌ وتكمنُ للذي يؤنِّبني بينما لا يُبصرُ خربةً أحدثَها غيرُه خلسةً، حينَ لا ينتهي عندَ انحناءٍ،
يضاهي ورقةً تبدو لمنْ لا يدركُ بأنها لوثةٌ، لوثة الذي يفقهُ ولا ينتشي، على عجلٍ يهذب ورقةً، يمررُ عليها إبهامهُ، ذلكَ الذي مسحَ الحبرَ قُبيلَ مكالمةٍ تستحضرُ رغبةً..

كمنْ لا يكتفي بأخرى، انتظرَ نفسَاً أخيراً، مكانٌ ينامُ مبتلاً بكتلةٍ تتهدَّمُ كلما أدركَ ما أجهلُهُ عني..

نقطة...


أكبرُ مما رسمَهُ حبرٌ جفَّ، لوثةٌ ما ينوجدُ غفلةً، وتتحفُ لغةً تفرطُ زئبقَها، لغة ولا أحدَ يرتمي على جثّةِ ورقٍ مكوَّمٍ.. أيضاً هذي روحي على زمنٍ قصيرٍ،
على حيلةٍ تبررُ ما سوفَ ينكتبُ، عن وتدٍ عاقبتُ غيرتَهُ، وآخيتُ غيرَهُ، لأنني - لا يُترَكُ خلوةً عسكرٌ ينسى حراسةً ويتنزَّهُ بفاكهةِ نومٍ قليلٍ.
هوَ الذي لا يصلُني بأحدٍ، أناورُ على فطنةِ حروفٍ أكتشفُ مرارةَ من لا يمرُ بها،
يوازي الذي ينسى حراسةً ويتلذذُ بفاكهةِ نومٍ ولمْ يصلْ.

مَنْ يحتمِلُ انكتاباً على قفا ناصعِ العزلةِ
وروحُهُ جفَّتْ،
مَنْ يكونُ مقوداً لطابورٍ أفلسَ ذخيرةَ نسوةٍ ندبْنَ
حيرةَ نهرٍ نحيلٍ ،
مثلي أيضاً،
على جثةٍ من ترابٍ، غيرَ الذي وضعَتْهُ أمٌ بمشفى أصيلٍ،
لم تدخلهُ امرأةٌ إلاّ وفكوا رغْبتَها.
حيثُ الأزواجُ في ملهى يتلذذونَ بما تبعثُهُ عيادةٌ،
قربَ نساءٍ يلدْنَ بأحضانِ أمهاتِ الصدفِ.

لم يخرج الجميعُ حفاةً، لكنَّهم مشَوا دون توقُّفٍ على ترابٍ غير خجولٍ.
للغربانِ أيضاً ما ينوجدُ على تلكَ الجثةِ، غربانٌ صامتهٌ، على اعمدةِ نورٍ مطفأْ، أبسملُ وإذ بصوتي ينعبُ، مسني ذهولُهنَّ،

غربانٌ... غربانٌ.. لكني للتوِ أنهيْ

صعوداً إلى حفرةِ، والدقةُ أن تحددَ ما ترتَّبَ من صمتٍ على غرارِ لغةٍ خسرتْ غيركَ، عند مساربٍ تنفرُ هواءَ، وغرباناً تُبصرُ زولاً من أعلى..

ليسَ بي ما عهدتَ عنيِّ، شهدتُ عروةَ فخٍ لا يُفضيهِ وتدٌ، كأنني.. لكنَنا... من حياةٍ مدمّرةٍ إلى مساربِ لغةٍ تفكُ زئبقَها، تشاطرُ أقاليمَ وما بنا غيرَها.

موسكو 1995

صغائر كانَ

الذي امتشقَ الزهرةَ، تمنى وما ارتوى، لنْ نغفرَ إذْ عاشرَ النسيانَ... نلومهُ بقسوةٍ، صادرَ الأحزانَ وسحبَ الأغاني إلى الكرنفالِ. تناسى ربّنا القلمَ، حين تعالى شموخاً، وانهالَ بالإستجوابِ.

ما سجدَتْ حروفُنا، وما كانَت ميتتُنا المختارةُ.. لمْ ندركْ مقابرَ الكونِ، مقابرَ تُحرس، لها أَصحابٌ، يحاسبونَنا على تحيةِ الصباحِ، ونشيدِ بلادِكم الذي لمْ يتلَ، هي ميتةٌ أخرى، تسْحبُنا حيثُ هوَ الأعلى، تجعلُنا سعداءَ كلَّما دخلْنا التيهَ.
ووقتَ أتتنا الأشياءُ متبرجةً،
كنا لها نداً...

لم نبدأْ كوعولٍ رفقاءَ أحبابٍ،
بلْ أضحتْ خطواتُنا المغتالةَ،
دونَ جمهرةٍ مكلَّلةً... ولو كانتْ القدرةُ فارقتنا ؟
كنا حجراً، ينهمرُ فوقَ رؤوسنا،.. وحينَ قالوا : ماتَ ربنا، ما بكينا، لكنما تُهنا، وكانَ نحرُنا.. ما بكتِ


الجدرانُ.. انهدرَ كلامٌ لم يُكتبْ.. صلبنا على مهبلٍ مثلَ عودِ ثقابٍ..

قليلاً من الطلاءِ، كي تدهنَ ما رسمتهُ عن إنسانِ الزمنِ الآتي
وكوكبةِ النساءِ، تضعُ لوحتكَ المؤطَّرةَ بالشعاعِ، تكتبُ إلهاً بأنموذجٍ حديثٍ،

باركاً في وحدتهِ، مندثراً،
حولهُ ثلةٌ من الكوابيسِ وسوءُ الأحوالِ.. لمْ تكنْ امرأتهُ شقيةَ الوجدِ، عيناها متلهفتان.. دونما رصدٍ وتداركٍ أسرارهُ، كان باسترسالٍ مهيبٍ شاكياً طوالَ الوقتِ، كأنما المعني [هو الذي أنا] أهملهُ...
- دعوتُ الناسَ مراراً، منْ مئذنةِ الصوفي، وهوَ يؤكدُ لكَ "حيَّ على الصلاةِ" وأنتَ تحوّرُ كلامَ اللهِ...

سجلتُ تسابيحكَ على ذاتِ الجدرانِ، سحبتُ صلواتكَ، نسجتُ الحلم وأفزعتُ النهارَ،.

بعدَ عقدين ستأتي، كي تمسحَ جبينكَ وتغفو، ثمَّ تبادلكَ حواراً مؤنساً، لتذهبَ الى أفقٍ يتمحصكَ.
وتتمنى لكَ بأنْ تُشفى..

منغرقٌ بأزماتٍ عارمةٍ، تجتاحُ مدنكَ الوهميةَ، ورياحٍ.. رياحٍ تكادُ تقتلعُ أظافرهُم، موتٌ لا يأتي إلا بالأعيادِ، فهللووووا... وبكوا علينا..
لأنَّنا ماجثونا هكذا، تحتَ مراسمِ ممالكنا.. هذي جراحُنا فاغرةٌ، وسياطٌ تؤازرُنا، هذي أقلامُنا... حياتُنا.. هذي قلوبُنا المعطلةُ. فها قد متَّ يا ربَّنا...
يا منْ صلبَ الزمنَ على عنقه، ورفعَ راياتِهِ، إلى أعلى صهوةٍ، صوَّبَ قنابلَهُ المعطرةَ علينا...

جعلتْ من الطيورِ جيشَها، كي تحرسَ قمرَها الحزينَ، أنتَ الكائنُ البليدُ، القدرةُ التي غادرتْ أصلَها، كشفتَ نفسكَ بزمنٍ مقطعٍ،

زمنٍ ما ملكتَ بهِ سوى الكلامِ ؛ الكلامِ الذي داخَ من أحاديثنا المكررةِ باتَ يكرهُ طبيعةَ توزيعنا لهُ.. وبعدَ ذلكَ كيفَ أحوالُه ستكون ؟

- محرجٌ، ولست بمجيبٍ.

ثمةَ مسافةٌ بين أقاصيك والجنوبِ...

لستَ إلا منتظراً.. كأنما التساييحُ على بابكَ..
فلا شجرتي الزنزلخت ولا الكينةَ الباسقةَ تكفي كي تسكبَ روحكَ.
فهي في نبضٍ مسبقٍ مع الفلةِ، هيأتَ حليِّها وزينتَها القليلةَ،،، ستكونُ بانتظاركَ، كنْ أبلهاً.. واجعلْ منْ صدرِها قلادةً، ومن عينيها مرآتكَ، ارسمْ هاجسَكَ الأغبرَ

حصاناً وشوارعَ خاويةً

تذكّرْ حصاركَ الأزرقَ، وشاحكَ الملكوتيَّ،
وزيَّكَ المطرزَ بعشرينَ نيزكاً،
نيازكَ مربوطةً على قرني ثورٍ،
ونصفاً آخرَ من الشموعِ التي انطفأتْ،
فوقَ جثمانِ المملكةِ، فها أنتَ ترفعُها،
ليرتقي صداكَ نشيدَ الممالكِ،
الأيقونةَ الأبديةَ،
الحاضرةَ في كلِّ رسولٍ فينا.
أنتَ وسامُ مملكتنا، قلبُكَ الزنبقُ، الجوري، ورقصةُ الأبلهِ في عرسكَ الأبهى، شموعٌ لكَ وبخورٌ، فهاتوا، هاتوا لقديسنا الشموعَ.

حين وبختكَ أمكَ، حينَ غضبتَ، نعرفُ سيرتكَ،
هربتَ إلى حديقةٍ، اعتليتَ شجيراتِها، تلصصتَ بنظراتكَ الثابتةِ إلى أعشاشِ الدوري.. رحتَ تفصفصُ ثمارَ السرو، وتبصقهُ، على تلكَ الحالةِ بقيتَ، صعدتَ دراجةً.. ذهبتَ بولهٍ الى المنعطفِ، واختبأتَ، خشيةَ أن تراكَ أمكَ، لكنَّ أباك اعتادَ مكركَ.. وتغافلكَ عن دروسٍ، تكتبُ مذكراتٍ على دفترِ وظائفكَ، معَ ذلك يسألكَ

يذكرُ لكَ قصةَ الرسولِ، حينَ أتاهُ وحيُ ملاكٍ أمرهُ بأنْ يقرأ تخافُ من بقيةِ الحديثِ وتنامُ.. تسمعُ كلاماً يعنيكَ لا تفتحُ عينيكَ الذابلتين. تنفرجُ أذناكَ. يقتربُ الصوتُ، تتغافلُ أسماعُكَ لهُ.. لكنَّ الأهازيجَ والطبولَ ووقعَ أقدامِ الدبيّكةِ المهرةِ تخترقُ حاجزكَ فتنهضُ. تتكاثرُ الخيباتُ أمامكَ.. فلا نومَ يؤويك.. ولا دروسَ تحفظُها، أو صديقاً في سنكِ.. جميعُهم يكبرونَكَ، تستمعُ اليهم فتكونُ وديعاً، تُسمعُ ما كتمتهُ للذين يصغرونكَ، تطلبُ أن يثابروا، ليكونوا مثلكَ.. وخوفاً.. خوفاً بألاَّ تتزعَمهمْ بألعابكَ الشقيةِ، يصغونُ إليكَ.. يحفظونَ نصائحكَ.. بينما أنتَ تحتاجُ نصيحةً.

تغنجُ صغيرتكَ، تلوي بوزها.. تظنُّها تهواكَ، لكنها منْ شدةِ الخوفِ ارتعدتْ. فسبحانَ منْ جعلكَ تدافعُ عن حق العبادِ، وأنت طفلٌ، تراهقُ بتسلطكَ، غدوتَ ضجيجاً وتواريتَ.. ما خلفتَ سوى الغبارَ.. الغبارَ الذي ملأ السجلاتِ.. شغلتَ الدوائرَ، بحثتَ عن ذاتكَ،

جعلتَ منْ إبهامِكَ بصمةً ناقصةً، بعدَ أنْ قطعتهُ... أمسكتَ النصفَ الآخرَ وتأملتَهُ بذاتِ الولهِ، فما بكيتَ. بينما الألمُ يوخزكَ، ذهبتَ لتجالسَ الحسناءَ، لتحدثَها... شطبْتَ الفراغَ المتدلي، فراغٌ يداهمكَ... تمحصَّتَ طويلاً صوبَ أراجيحَ.. غيرَ التي لمْ تركبْها، أطلقتَ قصائدكَ على كوكبٍ انفصلَ، وسارَ بمدارٍ مزدحمٍ، بزمنٍ متقلبٍ، طقسٌ أهوجُ، يحملُ أرواحاً ببوتقةٍ منتظمةٍ..

ستغدو كتلاً منكمشة، تسيرُ بمدارٍ أوحدَ، تعاكسُ المجراتِ.. واختراقاً اخترقتَ ثغراتِ الأوزونِ، فيا منْ اختارَ قبرَها مأوىً لهُ.. نجدُكَ تراجعُ دفترَكَ السَّرِّي، لمْ ترَ عليهِ سوى بصماتٍ وهميةً، بصماتِ شخصٍ يدعى الظلَّ،
الظلَّ الذي يشبهكَ،
يذكرني بصفاتِ من أحبهُ الله إليه …
تعدُّ ترسانتكَ، فوقَ مدارِ المحطات،
خارجاً عنها … تشتدُ.. كما تعلو نسبُ الإطلاقِ،
تطلقُ عينيكَ الاثنتين، لتشخصَ صورَ محبيكَ،
تسمعُ صفيرَ الخريفِ،
الخريفِ الذي قطفَ ثمارَكَ، على مسرحٍ لمْ تحضرْهُ.. كنتَ بهِ. الكلُّ رآكَ، مثلَ ظلَّكَ المنهوبِ، مثلَ زيّكَ المبرقعِ بالرسومِ والكلماتِ، كلماتٍ ترتجيها من أفواهٍ (...) بينما عينان واسعتان تطوقانك، وأنتَ بأسوأ الأحوالِ... عينانِ مستسلمتانِ للحزنِ ولكَ، يا منْ صارعَ أضاريحَ الوثنيةِ، غلبتَ الشعاراتِ ورفعْتَها بنفسِ الغضبِ، غضبِ الوالدينِ عليكَ، غضبِكَ أنتَ على العبادِ، وتعودَ ؟
لِمَ عُدْتَ ؟.
تسترقُ أجوبةً منْ عينيها المتطلعتين. لأنكَ فعلْتَ ما لمْ يفعلْهُ الندمُ، لمْ تشرحْ غيرتكَ، كنتَ حملاً.. حملاً يتمرأى على جسدٍ يكفرُ، تخافُ عليكَ.. تبحرُ كجذعٍ أعوجٍ، فاسقِها دمَكَ المحببَّ،.. اسْقِها الضامرَ في عضوِكَ، لسوفَ تقرأُ شهوتكَ.. وتسحبُ كلَ ما ينتمي للكتابةِ... هي تخربشُ جيئةً وذهاباً، على دفترِ الاحصاءِ، تنتظرُ ما ستقولُهُ،... تتبعثرُ الفرحةُ وتنسى الذي دهاكَ... ترسمُ رفضها قطعةً قطعةً.
أنتَ الذي يزعجُهُ إبهامُهُ، تحاولُ دونما جدوى
أن تنام...
تصحو لتلبي رغبةَ حضرتِهِ فيكونُ مسروراً مثلكَ عليك..

مثلَ حمارٍ دلله خصمَهُ.. مثلَ جنديٍّ واقفٍ بعرضِ الشارعِ. يطالبكَ أوراقاً، أوراقاً لتثبت أنكَ حيوانٌ ينطقُ، لكنَّ الوقتَ تبخّرَ، اجتمعَ الناسُ، تكسوهم الدهشةُ والحيرةُ، وزجاجةُ نبيذٍ بيدِ المرأةِ الحبلى، المرأةِ التي اعتلتْ ضحكتُها بين الأبنيةِ المتصدعةِ وأكياسِ القمامةِ، مواءُ القططِ، قططٌ شاردةٌ وحزينةٌ... حيثُ كلُّ شيءٍ بانتظامٍ، إلاَّ موقفُكَ معَ ذلكَ الأرعنِ.

نذكرُ صراخَكَ المبجّلَ، على الحشدِ المتدافعِ، خططتَ ليومِ موتكَ. قاطعتَ أحاديثَ صحبٍ.. نسبتْ أفكارَهُم إليكَ.. راحوا يسألونَكَ، كنتَ أكثرَهمْ ثرثرةً، اتفقْتُم على حالةٍ اشرأبتْ بمفاصلِنا... غدتْ الحياةُ
سدى.. فلا تريّثَ يحدُ منْ خرابِها ولا فوضى تضبطُها.. كنتمْ عاجزينَ عنْ فكِ طلاسمِها، ما ندمتمْ... أوقفكمْ صراخُ أطفالٍ، كبيرُهم انتحبَ، وقلبهُ اضمحلَّ.. وقتها تكرمْتُمْ ببعضِ المنشوراتِ، واعترضوا عليها، بأنَّها مجردُ أصداءٍ سخّرتها الأنظمةُ، فسرّوا بعدَ برهةٍ سروراً.. لكونِ المنشورِ دعاهم للاضرابِ، بعدَ اغتيالِ وجودِهم وارتقاءِ الماريشلات، بعدَ أنْ غدا الصراخُ أدنى من كونشيرتو العودةِ وقفوا بصفٍ واحدٍ، انفردوا بالتراتيلِ.

" غدا وما سوفَ يلحقُهُ إضرابٌ "

الحريقُ الذي جعلوا من رمادِهِ طعاماً.. وتقاذفَهُ التجّارُ [هاكُم أحدثَ أنواع الأغذيةِ فاشبعوا] كانَ ذلكَ رداً على تكاثفِ فقراءِ العالمِ، أولئكَ الصعاليكُ أسسوا أنديةً ومنظماتٍ، الى أنْ كبرتْ أفكارُهم، تراءتْ ملامحُ أحلامِهم (هكذا ظنوا) وغدتْ أحزابٌ تنكحُ أحزاباً، كبرَ القادةُ وجروا طوابيرَ متدافعةً من الجيوش، لكنَّ الخيبةَ

باكتشافِهم، ثمرةَ اللهاثِ، حطَّتْ أجلَهمْ، ودفعتْ بهم الى سرابٍ لا حياةَ فيهِ..

تبصرُ مصائرُكم.. منْ لغةٍ فاتنةٍ.. تذكرُ عجوزَ الثمانين، بعدَ إصغائِكَ لحكمتِهِ، لخرافاتِهِ أحياناً..

إمسكْ ظلَّكَ، كرر وصفتَكَ، عليكَ بذات المرأةِ.. احكِ لها.. اكملْ دربَكَ والبسْ ثوبَ اللهِ.. الثوبَ الذي يشعُّ بالنورِ، تفترُ عيناك، وتبقى قابعاً، تتلذذُ بموتِكَ.. تترقبُ فرصَ العمرِ ولن تأتيكَ، هي تكيلُ المسافةَ الأقربَ.. داستْ على الفلةِ، الفلة التي اشتدَ أريجُها - لنْ تنفعَكَ اللمحةُ - تطلُّ إليها بدهشةٍ.. وجدْتَ لذةً أجملَ منْ سابقاتِ مآسيكَ، أبهى منْ حملٍ بكرٍ، خبأتِ الحيلةَ، متعمداً العثراتِ التي خلّفتْها... هدّئ منْ روعِكَ... لأنّها ترمقُ ما تصبو إليهِ، وأنتَ تفترشُ السماءَ.. يكونُ لديكَ الاستنتاجُ متناقضاً... تستفزُ فلاسفةً.. واضعي نظرياتٍ، تصحو من غفوةٍ.. وتطردُ، فورَ محاولتِكَ إقناعَ المرأةِ
بمفاهيمِ خارجةٍ عن الضوابطِ، عنْ جراحٍ مثلجةٍ، تتجاوزُ أقاليمَ الشغبِ.. وتقلبُ حديثَكَ [أي انكَ معارضٌ على سياسةِ القبيلةِ].

               لذا
               هربت
               منكَ...

وعرفوكَ، منْ توقيعِكَ المتعرجِ في صبوةِ الهذيان،
كأي مذعورٍ يدونُ سيرةً.
يهيمُ عليكَ المهزومون.. كرهوكَ..
بصقُوا على رسومِكَ.. قبلَ أنْ يلمحوا وجهَكَ سيِّدَ الخرائبِ
يدُهُ التي تمسكُ ريشةَ الموتيفِ، بعدَ أنْ فقدَ الربعَ الذي قذفَهُ، الى أبعدِ خطٍ وهمي، وبقوةٍ... مخالفاً كانَ وعرفَ كذلكَ.. الكلُّ يقبلُهُ في المؤتمراتِ.. لمْ يعدْ

يصلحُ للموتِ المفاجئِ.. لأنّهُ ممتلئٌ بهِ.. تخطّاه.. تمادى على نفسِهِ.. هيّأ عالمَهُ المتداخلَ..
وزّعَ صورَ محبيهِ على ذاتِ الجدرانِ، الجدرانِ التي تموضعتْ عليها هواجسُهُ المفرطةُ.. بعدَ أنْ جفتْ غددُهُ الدمعيةُ
[غددُهُ لمْ تعدُ تفرزُ سوى الأوراقِ]

حياتُهُ، موتُهُ الأولُ، معلَّقَةٌ بينَ حلمٍ وأكوامٍ مكدسةٍ منَ الخطايا.
حملَ قوافلَ نحيبِهِ. وكانَ جثةً منخورةً من التعبِ.

بيروت

هدأة الزئبق

مثلُ روحِهِ،
ساعةُ المتحفِ، وحزمةُ نورٍ ملطخةٌ ثمَّ علبةُ نومٍ هنا.
الآنَ،
بعدَ قليلٍ، ربما البارحةُ، بهدوءٍ فاقدٍ للوعي أقوى من السّحرِ الذي يلبسنا، بتواترٍ لمْ يلحظْهُ الزمنُ
أدنى منَ الوقتِ المدجّنِ، أعنفُ من النطقِ - وما برحْنا بهِ - كما لوْ أننا ننكتبُ على شاكلةِ العجزِ، إذْ كانَ الصمتُ سلاحَ المعجزةِ الفضلى.

وهنا ليس تماماً

حيثُ الساعةُ الناطقةُ لمْ تكنْ تعملُ
الدماءُ تنفرُ، النوتةُ لا تصلحُ لنعي المغني
لكنما الابواقُ تهتفُ
سقطَ المهرجون الأفذاذُ منْ صنابيرِ المياهِ.
وحيدون الآنَ، السماءُ تحتَنا، تهرُّ النجومُ من قبضاتِنا
وحدي أيضاً، أرتِّبُ اعوجاجي

منْ هدبي حتى العانةِ

لكم أيها الغاوون، حيثما الآنَ وحيدون في الأبديةِ ؛
الزمنِ المسحوبِ منْ أعناقِنا.
توافدوا ظلالاً وراءَ ظلٍّ، أَمسكُوا الوهمَ بقوةٍ
خُذِلوا فورَ خروجِهم منْ رأسِ الإبرةِ.

لمْ تعدْ بدايةٌ ترفو، إذْ نقولُها كفشلٍ ذريعٍ ووقفةِ تأنٍّ فورَ اكتشافِ خلودِنا، لسنا سوى بعض الرازحين، نعجنُ فلذاتِنا، لكنَّنا استعدْنا المثُلَ لكونِنا لمْ ندّونْ، بمشاريعٍ لمْ تبرحْ …


الآن، أعي ما لمْ أنشدْهُ، أبدأني منْ تاريخٍ آخرَ
لا تلمسْني عنقٌ مائلةٌ، تسحرُني العادةُ والنشوةُ الأزليةُ
كدْتُ أعيدُ الخطوةَ منْ حيثُ الثوارُ ندبوا، كانوا يقذفون الحلمَ، والعيونَ عندَ العتبةِ.

* لا زمنَ يضبطُ حزمةَ خوفٍ، بعدما وجدْنا الأوراقَ مطويةً والقصائدَ معلقةً كمرمى.
لمْ نكنْ حزانى، ولسْنا جبابرةً فرحين، غيرَ أَننَّا كلماتٌ متروكةٌ ووهمٌ ينعي جهةً أخرى..
وهمٌ يلمسُ أنثى اختفتْ والحكايةُ ممددةٌ على سريرٍ مكوّمٍ، وحينَ لا مكانَ يصلُنا حتى بهتافٍ أخرسَ نقضمُ الأيامَ والحيلةَ معَهُ..

راحَ يواسي جهاتٍ، ثمَّ تركَ السيرةَ ولمْ نشأْ سردَها.
حيثُ هوَ الآنَ، ترتفعُ المقبرةُ
ولا أحدَ يرمي جثتَهُ،
لمْ يقتنعْ بزوالِ الظلِّ
والبقيةِ على أكتافٍ تسوقُ الجهةَ والبريّةَ.
سنواتٌ وعربةٌ عزلاءُ
يحملُ نجوماً مطفأةً وتغتالُهُ ورقةٌ في مدينةٍ

نلفتُ بأنَّهُ لمْ يُقتلْ

كما أَنهُ لمْ يقدمْ على انتحارٍ
مجردُ قذيفةٍ أصابتْهُ
لنفترض أن الأشياءَ الآنفةَ لمْ تحدثْ
لكنْ ملعونةٌ تلكَ التلةُ قصفتْهُ...

لوحظتْ ورقةُ نعيهِ طائرةً، وثمةَ امرأةٌ لمْ تغادرْ،
تلتحفُ غرفةً وهواءً ناعساً، إمرأةٌ … وهي ذاتُها في ليلةٍ معطلةٍ، قربَ عامٍ لنْ يمرَ بهِ أحدٌ.

* يتحدثُ عنْ خريفٍ وينسى حياتَهُ معلبةً،
ثمَّ جاءَ الخبرُ عبرَ إذاعةٍ مجهزةٍ بطاقمٍ يرصدُ ظواهرَ ونزعاتٍ،
كانتْ مدافنَ للعزلةِ تمرُّ بنا وهو صامتٌ عنْ هدأةٍ ترمينا !

- مَنْ قتل الآخرَ، اللُّغةُ أم الزئبق ؟؟
لمْ تفلحِ المئذنةُ بذكرِ اسمهِ
كانَ على جرسِ الكنيسةِ أنْ تهيءَ عزلتَها، لمْ تفلحِ المئذنةُ.. وجرسُ الكنيسةِ ناعسٌ، مثل هواءِ الغرفةِ الملطخةِ،.

كما أوردتُ عنْ موتِكُمْ في هذهِ الوصيةِ.
ثمةَ نعشٌ وعلمٌ خجولٌ، على زاويتِهِ بقعةُ روحٍ،

لكنْ،
إلى أينَ نمضي ؟؟

بعضٌ ظلالٍ ومزارٌ، حروفٌ لمْ تملِ الرغبةَ،
وحدَها الريشةُ تخدشُ صورتَهُ وعيناهُ مسبلتان.
على طاولةٍ كسولةٍ،
مثلَ جرسِ كنيسةٍ ومئذنةٍ متأخرةٍ حيثُ الورقةُ والساعةُ الناطقةُ لمْ تكنْ تعملُ كرسيٌ أعرجٌ، ومسوداتٌ متآكلةٌ،
مثلَ روحِهِ الدائمةِ … يستمعُ إلينا ونحنُ نمازحُ موتانا،

وهمْ يرقبون الحياةَ وهدأة الزئبقِ.

بيروت 1994

بوارح العدم

حيثما الآنَ، لاقلاعَ،
ثمةَ أميرٌ، وجماجمُ حيتانٍ،
أسنانٌ مرصعةٌ على السّاحلِ
ما صدفْتُ أحبابي، لكنهم
أوصدُوا جدارَ الغيمِ والمراكبَ الطائرةَ
سحبوا الحياةَ الى جهةٍ أخرى

* لمْ يكنْ قنديلي المعلقَ مْن زمانٍ
لأَضَعَ قبضتي عليَّ..

- هَنايَ وأنتمْ تشرّونَ عرقاً
* خرجوا ليزجُوا أعناقَه

- أفرُّ دوماً ولا يطالني غيرُ العدمِ

* لتبقى الخوذةُ التي ورثَها جدي
* أسوقُ القطيعَ الذي يحْصي شؤوني

* ألامسُ هزالاً أصابني
وبعض المترنحينَ حولي.

* أشدُ الناسِ غربةً...

مذْ رأيْتُ تكورات مبهمةً
الحكيمُ والنساءُ اللواتي أبدينَ ملاطفتي
يحملْنَ صوراً داكنةً
أشدُّ الأمواتِ حاجةً لوحدتِهِ..

* عدْتُ أسألُ عن ميتةِ جدي
في القنيطرةَ..
قالَها أبي بأسىً
أسى الوحيدِ الفاقدِ
أما لي زهرةٌ ؟
لأشمَّ ما فاتَني منْ زهورٍ..
واحدةٌ..

تعيدُ لي أشكالاً نسيتُها
يكبرهُنَّ الذي يصغرُني
شاخَ مبكراً، بعدي..
زهرةٌ، تفكُّ الزكامَ، وأشمُّ مثلَ
جروٍ غريرٍ
كنْتُ المدللَ، وكنّا أجنةً في رحمٍ يؤاتيهِ
الموتُ، كلما هامَ جنينٌ بحجمِ التعبِ.

* التابوتُ الذي صنعتُهُ من خشبِ الجوزِ،
القبرُ الذي زنّرتُهُ بالرسومِ

* مَنْ يحلمُ بطيورٍ آدميةٍ، غيري
طيورٍ يحكينَ عنها
تقودُ كوكبةَ نساءٍ مزينةٍ بالزمّردِ والياقوتِ
ثمةَ عينٌ تنظرُ منَ الأعلى.

* شبانٌ بزهوٍ وفلتنةٍ

حيثُ أغنياتُهم أتتْ منْ بهوٍ عميقٍ
اجتمعُوا تحتَ صيحاتِ البريكْ
كانوا حاشيةً..
ركبوا أراجيحَ منْ غبارٍ
وعرباتٍ دونَ حبالٍ...

بيروت 1992

كواتم

* يلتحفون قبابَ البيضِ وعروفَ الديّكةِ

قالوا :
هذا عكازكَ
مددْتُ يدي وإذا بأصابعي تسقطُ
وضعْتُ عكازي على رأسي،
ثمَّ صاحتِ الديّكةُ :

أحمرُ شفاهٍ وعكازٌ يمشيْ.
كانتِ السّاعةُ إلا ربعاً وخمسةً وأربعينَ بعدَ النومِ
يحدثُ أيضاً أنْ تكونَ امرأةٌ في سنِّ اليأسِ
تذهبُ ليغفرَ لها اللهُ
وإذْ بها في حضنِ رجل دينٍ، لا أكثر...

وحدثَ أيضاً، ثمةَ رجلٌ ينتظرُ
ليجلسَهُ القرفصاءَ ويُلقِّنَهُ الدرسَ ذاتَهُ
فما جمعَ الأمرينِ معاً، خشخاشةٌ
في جزينِ.
* ثمةَ آخرٌ يتغزلُ ببقرةٍ،
تنتجُ في الشهرِ الواحدِ أربعةَ كتبٍ.
يتوافدُ آخرونَ الى بستانٍ في أعلى التلةِ

معَ الكلابِ السلوقيةِ كدمىً مترنحةٍ
في الخشخاشةِ، يسلقونَ الكلامَ والنُّبُوَّةَ
تبدو صلاتَهُمْ لكلٍ ذي دينه
يمضغونَ التبنَ والوردَ...
ينبتُ الشبابُ والهلاهيلُ تعلوْ

* أبي ليسَ كعادتِهِ،
لمْ يعاكس زوجتَهُ،
كانَ يصلي أربعينَ ركعةً،
عندما اقتربْتُ منهُ كانَ مجردَ جثةٍ
أمي تغارُ عليه
لم تكنْ تعرفُ سرَّ صمتي فجأةً،
لمْ تقتربْ مني،
لم تقلْ لزوجِها الراحلِ تقبَّلَ اللهُ،

كانا جثتين.
أدورُ حولَهما، أضحكُ..
لا أحدَ يدري عنْ طفلٍ بخواءِ دارِنا
هناكَ البدايةُ...
- كانا يعدان للاحتفالِ بعيدي
أحدُهم دسَّ الزرنيخَ معَ الحلوى
وصلَ الطبيبُ متأخراً على حمارِهِ
وسرجِهِ المائلِ
- مضى الطفلُ بخطىً متثائبةً
ولمْ يجدْ أحداً ليدسَّ الزرنيخَ لهُ..

بيروت 1995

من زمان

عندما أَسقطَ شكلي من فوهةِ شمعدانٍ،

خدعَني،

ثمَّ عابَني ظلُّهُ قُبيلَ الخطوِ
معَ أنَّهُ كانَ يمشيْ مخلفاً حيارى تهدّمُوا.

كنْتُ مثلَهم، تكسَّرْتُ بالقربِ منْ سيرةِ الجنِ والملاكِ
تصاحبْنا طويلاً..
ما إن تآخينا أُفرِجَ عني

كانَ ذلكَ منْ زمانٍ...
عندما هويتُ في سجنِ المليشياتِ
بعدما أكلْتُ اصابعي
ورماني الحبُّ منْ زمانٍ.

مجدليون 1991

أربعون الثلاثين

بعدَ أنْ حدثتُكمْ عنْ قتلِ الوردِ وضلالِ الحكايةِ، سأحدثُكمْ عنْ خوارجَ العمرِ الى الخسارةِ.

بعدما الإسفلتُ والمدينةُ، الحوافرُ ذابتْ، عمري مثلكم، وعيونٌ بيضٌ على دفترِ الروحِ، ثمَّ على خشبةِ مهرجينَ..

لمْ يكنْ تاجُها الموضوعُ، التاجُ الذي خلعَتْهُ، لكنَّ الزهورَ الزهورَ، ذابتِ الزهورُ والمدينةُ تنهضُ.

قلْتُ لعرافتي :
بعدَ اعتكافٍ مريرٍ عنْ جسدِ فلةٍ، قَلَبْتُ فنجاني ونامَتِ الأشياءُ حوْلي.. لمْ تكنْ في الثلاثين، لمْ تكنْ في أربعين الثلاثين، قلْتُ كيفَ لي أنْ أكونَ وعينيَ مغمضةٌ في الثلاثين الثلاثين... فكِّي العصابةَ في الاربعين
[الأربعون الآن في مرسيليا].
لا يشغلُها صوْتي،
أرتِّلُ عنْ رجلٍ يقفُ خلفَ منبرٍ،
مصفراً بنصفِ ذقنٍ،
أعني فريدي المدفونَ برأسي.

ما كنْتُ أنا...
لذا
سكّرْتُ القلبَ دونما رحمةٍ، تركتني بملءِ الصمتِ أهذي.

أَسألُ كمنْ قشرَ الغيمَ عنْ سقفِ الكونِ، يدي على معطفٍ غادرَتْهُ مدفأةٌ، على سماءٍ تَسيلُ لعابي.

لمْ أدنُ إلى شهدٍ وهو ينزُّ بكلِّ ما أوتينا منْ ذنوبٍ.

لمْ تذرفْ عيني وأنا أمدُّ يدي، خائبةٌ يدي على ملمسِ تاجٍ ينزُّ بعنفٍ،

كعادتي أفطنُ إلى مالا يناسبُ ولوجَ اللحظةِ مندهشاً،
أترصدُ دبقاً على تاجٍ،
لمْ يكنِ التاجُ حزيناً …

لكني كسّرْتُ النومَ على رأسي،
وهي بذاتِ النوبةِ تُلبسُني ثوبَ عريسٍ عتيدٍ.
مدديني على صوتِكِ.. ومضَتْ الى خواءٍ، ألامسُ عشرةَ أجسادٍ بنوْمي،

قدْ لا أكونُ ثملاً بما يكفي لأسكبَ روحي.
- هلْ أنا ثملة ؟

ثمَّ سكبَتُ ماءَ اللهِ عليّ، ولأنَّ اللهَ يرمقُنا تعثرْتُ، ولأنَّ الرغبةَ تختبئُ في كيسٍ أُدثّرهُ في وسطي كنْتُ خاسراً وأكيداً.
صدري نحوَ أسفلٍ، قدْ أمشي على أربعٍ، لكنَّ الخمرةَ.. لا أحبُّ الخمرةَ تلكَ، لكنَّها تفضلُهُ. أشربُ كما لوْ أنني أكتشفُ وجهي

أحشائي صيدليةٌ مناوبةٌ، لكنَّها تصرُّ على حبوبِ الرغبةِ، فلوْ تهدأْ رجفةُ عيني لأعطلَ التوبةَ في حلْقي

- روحي على كفٍّ ، ثم بكَتْ...
لمْ تذرفْ عيني، لكني ممددٌ
وهي تحدِّقُ بكلِّ ما تكمنُهُ دهشةً، مالا أفهمهُ ليلةً...
ليلةً وأبقى مأخوذاً بها.
أستحضرُ طيفاً رفيعاً يتصلُ بمقبرةٍ وصلاةٍ في كنيسةٍ..
هكذا همْ..
على ناصيةِ وقتٍ نغنيهِ ولا نصلُ..
أذكرُ جريمةَ حبٍ بعد سنواتٍ مضتْ، على مرأى ثلاثةَ عشرَ روحاً تتواثبُ.
ألاحظُ الجميعَ
أدورُ حولي، بقايا نشيدٍ
وكلامٌ يذبحُني...

لمْ تعدِ الحكايةُ كما بدأَتْ، لكنَّهم رقصُوا.. جميعهم رقصُوا، رائحةُ دبقٍ لفائفُ تبغٍ، وقلبي يفرفرُ ندماً …
أنا في حقيقةٍ أخرى طفولةٌ ممرغةٌ،
قربَ مدينةِ ملاهي في حيِّ الشراكسةِ

لوْ كنْتُ أكثرَ تهذيباً وأنا أراقبُ هيكلاً يشبهُ سيارةَ جيب تتأرجحُ على حبالٍ تصلُ تلالاً بعلوِ النظرِ تُدعى "تلفريك"

أتخبطُ على بلاطٍ، ولا ينسيني مالا أرغبُهُ
أسألُ ماءَ توبةٍ، وأنتِ لا تحبين النومَ كي لا أرمقكِ وأنتِ " سكرانةٌ " مني.

لأنَّ التاجَ دبقٌ، والنشوةَ ضلَّتْ،
حملتُكِ بكلتا يديَّ، ولأنَّ التوبةَ في علبةٍ خارجَ الحياةِ،
عليَّ أنْ أدرِكَ تسريحةَ شعركِ.

دمشق 2 حزيران 1995

قطاف

تمرّينَ عليّ ؟
وأمضي،

إلى ذاكَ الطريقِ، حيثُ العلمُ يرتجفُ، يدي لمْ تهدأْ، البحرُ يجرُّ مراكبَ غرقى، اللهُ يندبُ … كانَ الإزدحامُ على مصطبة الجسرِ الذي قصفَني، كانتْ آخرُ ورقةٍ قطفتُها، ربما صفصافةٌ، ربما نهرٌ، وأنا لمْ أكنْ أجري، أقايضُ كتباً ببريدٍ لا يصلُني،
أنحدرُ منْ تاريخٍ أجهلهُ، ثمَّ أصبُو.. ليس سوى امرأةً،
ثمَّ ذاك الرجلُّ ما زالَ يشتمُ.

معَ ذلك، أجدُني أمامَ حشدٍ متدافعٍ،
بعضهُم أضاعَ البلدةَ، وأنا لتوّي أهربُ، ظناً بأنني
-بُترت قدماه- باسمِ مِنْ خوّلَني،
أعاكسُ ظلِّي وكلامي العابرَ، أنسكبُ دفعةً واحدةً وقليلةً،
على فراغٍ يداهمُ ذُهولي، واختزالاتٍ...

من لهفةٍ ضاعتْ، إلى خوفٍ أعوجَ، ممنْ أفتقدَ ملاِمحَهُ
كفقاعةٍ تلاشَتْ.
- كانَ البابُ ينزُّ شبقاً، تمنيْتُ لوْ أنسلُّ منْ عينيهِ
المغمضتين.

لمْ أكنِ الذي قالَ،
لكنَّهم رأَوا مهزوماً يلبسُ تاجَ قيصرَ، زيَّنَ أسرةً وصبا بالذي سوّى الأجسادَ كهذا الانسكابِ.

لكن، دوماً مفاتيحُ العمرِ صدئهٌ، تشدينَ دونما رحمةً،
وأنا مزروعٌ هناكَ...

أهيِّئُ نفسي، كي أمررَ مأربَكِ، وهذهِ أخرى تنبطحُ الى قربي، أنتظرُ أياماً أُخرى، ربما العمرَ كلَّهُ، وأنتِ لنْ..


مسّكِ طيفي، وضقْتِ ذرعاً، تتنفسينَ كلاماً،
كما لوْ أننَّي صغْتُهُ..
أحايلُ شيبةً،
لمْ أعرفْ أَنهَّا تحفةٌ للزينةِ، كبلاهةِ قادمٍ منْ صحراءٍ، داهمْتكِ، شبّ شبابُكِ فجأةً، لمْ أقطفِ الشيبةَ، قطفْتُ الرغبةَ ورمشةَ الخجلِ - ما كنتِ تودينَ المثولَ أمامَ ضريحي
- كنْتُ أجولُ حوْلي، ثمَّ رأيْتُ الجنّةَ فيكِ، وبعدَما كانتِ الحياةُ ممرغةً أرخيتِ سرجَكِ، ودخلَ غيري، رحْتُ أشدُّ بيدينِ، أنفثُ منْ رئتيَّ دخاناً، وأنتِ بحضورٍ آخر، راحتْ أوراقي تؤلمني، وثمةَ كرسيٌ يتشيطنُ، ثمَّ الحكايةُ تؤرقُني، ما رأيتُ إلهاً يبتهجُ في موسمِ ذبحٍ، في كلِّ برهةٍ أطالبُكِ بترميمٍ خرابي،

هذا القطيعُ الفالحُ بالشرودِ، أطالبُهُ دوماً، ما كنت شاهدةً عليَّ، وأنا أترصَّدُ زفةً واكبتُها، كنْتِ ترمشينَ كلامي، ومطافٌ يغرزُ جثتي،
كما لو أنكِ لا تدرين، ما زلتْ أرددُ :
تمرِّينَ عليَّ ؟

صيدا 1994

نعاس التوبة

حشدُ كلامٍ..
بعضُهُ يجلسُ على طاولةٍ، وبعضُهُ يتناوبُ على رفوفِ مكتبٍ،
كما لو أنني أحددُ حياةً، كلَّما سقطَ حرفٌ منْ ذلكَ الرفِّ،
ووجدَ فرصةٌ ليتهامسَ معَ شقيقٍ عاقبْتُهُ.

يؤلمني كلامي …

حين يطالبك قراءة وجهي، وأنتِ أقرب إلى لثغ،
كلما تبين ما أخفيته وانبكِ جمهور بسببي.

يُريحُني العتبُ...

كمنْ يستحقُ زيارةً منَ القصرِ ذاكَ، أجدُني في غير لحظةٍ،
على فهرسٍ أعدُّهُ، وليسَ لي معَ العالمِ أدنى حكايةً،
غيرَ لحظةٍ أنسفُها كلَّما اتضحَتْ سوى مفرداتٍ تخرجُ
عنْ طوعي - لا حكاياتٍ هنا - أسردُ منْ حيثُ لا بدايةَ،
أختبرُ قدرَتي على الحيلةِ،
لأنني جمعٌ لا يلتقي إلا بمواسمِ ندبٍ،
مجردُ أفرادٍ يتشاطرونَ على توبةٍ،
وهمْ أبعدُ ما يكونون عن ندمٍ.

مجرد وهمٍ بصيغةِ جمعٍ،
لأننا بفعلهِ ندفعُ فظاعةَ الزمنِ وما يخبئُهُ منْ رهانٍ مطلقٍ.

عنْ وقتٍ غادرَني، صُلبَ على مدافنَ،
عنْ موتٍ في مطلقِ الأحوالِ يُنهي عزلتَهُ،
منْ حيثُ لا بدايةَ، حينما وضعْتُ آخرَ نقطةٍ،
أمامَ منْ قلّبَ أوراقيَ ورُوحي معَها،

تاهَتْ عيوني والحكايةُ دونَ راوٍ، حكايةٌ كتلكَ،
على طاولةٍ ليستْ إلى قُربي، تجلسينَ خلفَها،
تقرئينَ عزلةَ هذا النصِ وروحي ترتجفُ.

كما لو أنني حياةُ غيري،
كأَنَّ بي مسٌ، روحي تسبقُني،
أقبضٌ على انكتابِ، وحولي مسافةٌ لنْ أصلَها.
يُروى بأَنَّها مزحةٌ تنطوي على خداعٍ،
وأبدو لعثمةً.. كمنْ يسدلُ ستاراً على رجفةٍ،
كأنْ لا أزورُ الصرحَ ذاكَ، كمنْ يسيجُ مراميَ تائهينَ، يحاولُ إضافةَ نقطةٍ، يومَ كانَتْ أعوادُنا طريةً، وعيونُنا دقيقةً، بحجمِ النقطةِ التي يحاولُها ذاكَ.

كأنْ لا نملكُ سوى خساراتٍ، نحملُها بشهامةٍ مهدمةٍ، كأنَّ كل شيءٍ لا يبدأُ.

أودُّ لوْ أسردُ خاتمةً، في حينِ كانتِ الحواسُ بعيدةً. أربكَني كلامٌ.. وحدُهُ جعلَني أسقطُ دونَ ترددٍ.
مَزّقَني ذلكَ الصباحُ،
نهرَني صوتُ المنبهِ، شربْنا ما تيسَّرَ وأدركْتُ مجدداً بأنني لستُ أنا...

كمنْ يفقد أُماً، تهرولُ أمامَهُ الحياةُ واللغةُ، حملْتُ نعاساً وبعضاً مني، غدوْتُ مثلكِ عليّ

أخافَني منظرُ زجاجٍ فيما لو تكسّرَ، وددْتُ فعلَ غيرِ ذلكَ،
كي أزاوجَ بينَ رهافةِ المرأةِ ودقةِ الملمسِ على زجاجٍ لمْ يتكسّرْ.

في حينِ عائلةٌ وأصدقاءٌ يفهمونَ أبجديةَ خوْفي،
لمْ أخسرْ غيرَهم...
منْ أجلِ ظلالٍ تنتظرُ طيفاً قبيلَ العمرِ بكرةِ مضربٍ.

أتحسسُ نحولةَ أعضائي،
من وشايةٍ تدلُّني إلى عاصمةٍ تسكنُ مصحاً،
أفتكرُ بما قيلَ منذُ زمنٍ :
لنْ يتجاوزَ عقداً ثالثاً، سرقَ وجهَهُ...
ثمَّ أشاطرُكَ الرأيَ لشدةِ غروري،
مَنْ يكتبِ النعاسَ غيري ؟

اليومُ الأخيرُ مغادرةٌ لن أصلَها،
ثمةَ نزعةٌ جعلَتْني أمرغُكِ وأنتِ على أهبةِ الخروجِ،
قبضْنا على الموتِ من عنقِهِ،
كأنما لسْتُ أدري
أصغي لصوتٍ يتلعثمُ وطراوةِ مَنْ يباركهُ..
لمْ أرمقِ الساعةَ …

رهافةُ ملمسٍ ولغةٌ تحيلُني كي أتذكَّرَ،
أفترضُ شارعاً وأنتِ بصحبةِ لا أحدَ.. تدخلينَ مركزاً لا علاقةَ لهُ بشيءٍ تخرجينَ بصديقٍ وظلي يلهثُ خلفَكِ.

كيفَ لروحٍ أنْ لا ترتجفَ ؟

أنْ لا تغادرَ أصلَها..؟ ثيابٌ مرميةٌ،
وثمةَ ما أحالَتْهُ لغةٌ تنامُ بحجرةٍ،
كمنْ يعاندُ أمَهُ، هربتُ نحوَ أسفلٍ،
جسدي ليسَ معي،
ما زلتُ بذاتِ النوبةِ،

الذينَ مثلَ النعاسِ، بعضُ منْ دمَّرَ حياةَ آخرينَ، ليسُوا معي،
أفتكرُ ليلةً عندَ مدخلٍ،
أنتِ بالقربِ من ثيابِ رجلٍ فقدَ صورتَهُ وإبهامَهُ الأيسرَ،
نسيَ ملامحَ أهلٍ ومدينةٍ، يسعلُ أسىً وكراتِ ثلجٍ..
توبةٌ عن ندمٍ.. ندمٍ ولا طيفَ هنا، ولأنني هكذا عليكِ بأمي، على مشارفَ عنتاب تتكلَّمُ عن الحبِّ والإعتقالِ وتنسى الذي بي. ولأنكِ لستِ كذلك، أروِّضُ نفسي على دروسٍ، لأنني أبعدُ ما أكونُ عن لغةٍ [...].

رهنَ اعتقالِ توبةٍ، أحاولُ أقلَّ شيءٍ.. كلامٌ يترنحُ على رغبةٍ، على مرمى كرةِ نارٍ، إلى أسفلَ، حيثُ لا بشرَ منْ غيرِ كوكبٍ، كمنْ يمسكُ ظلهُ ويتوارى، أستوضعُ توائماً للفرجةِ...

أقبضُ على هواءِ غرفتي، أنتظرُ أحداً ليرمينَي سهواً..

موسكو 1995

صدر للمؤلف
غنائية الموتى فوق هامش الممالك منشورات كراس
خدر السهو م نشورات كراس
زهور النار  
من الألف الثاني … في الكومنولث تحديداً منشورات الاّن
الحفيد السري  
منشور غير موجه إلى سانتا روزيتا منشورات الاّن
أتشكل منشورات الاّن