عبد الرحمن عفيف (*)
(سوريا/ألمانيا)

يجبُ أن تهبي لي نفسك كلَّها، كي لا أتعذب، يجب أن لا يبقى لديك أيةُ إشارة لغيري.
يجب أنْ ينفتح وجهكِ، وتخرج الشمس التي تعذبني في اليقظة، حين تضحكين،
والقمرُ الأبيضُ الجميلُ القاعد تحت قدميك الرقيقتين بخوف. أنتِ مليئة بالارتعاش البارد.
قلبُكِ تحتَ يدي كأنه عصيرُُ، يأخذه فمي، مبكراً، أو متأخراً، وأنتِ تدرين أنَّ خوفك ينتشر على سهول "بريفا"، "موزا"، "سنجقي"، " سري كانيي".
تعرفين أن هاتين اليدين اللتين تقبلان أنفك، والغموض الناحل تحت جفنيك، هما يدا قشٍّ؟
أتدرين أنَّ جسدك الناحل القويَّ قليلاً، المرغوب فيه، المشتهى في الأبدية ضريحُُ ما؟؟
أنت تخافين حقاً، حين أتكلم عن الأضرحة، أنت لا تنظرين إليّ حين أبدو هكذا حزيناً، وأقول لك
إنني مشتاقُُ إلى أمي، وأنني أمتليء الآن بالدموع، بينما أنظرُ إلى صورك قبل عدة سنوات ، خبَّأتها بقوة كي تفجري قلبي تحت أرجل كراسي مطبخك الواسع كصالة رسم.
أنت جميلةُُ، كأنّكِ امرأة كردية، نسيتْ لغتها، وجاءت إلي لأعلمها الحب.
أنتِ غارقةُُ في أحلامي، كأنك في مستنقع من الأزهار والريح.
أنت واضحةُُ، وغبيةُُ، وجميلةُُ، لن تكفي السنوات كلها، أن تجعل مني بعيداً عنك،
وأنْ أنسى مستنقع الأزهار الذي غرقنا فيه مائة سنة.
أنت تتذكرين، كيف مرتِ الحُبارى والناقوسُ، والساعةُ تحت لغطنا المميت، مرري بلسانك
الفاتح تحت أسناني الصاخبة، وهي تعض الزمن، كي تبقي بجنبي، وحين تدق شجرة ما أو تدق نبتةُُ ما، وحين يحلُّ علينا الغرامُ بقوة، لا نعرف كيف نخبّيء زنابقنا وأيدينا ووجهينا في وجه واحد، في مشية واحدة مع الغابة، في ضحكةٍ واحدةٍ، تخرج عارية إلى الممر، كيف تضحكين؟ كيف تلقين بهذه الأشعة الفولاذية المتحركة على قلبي في الغيرة؟ هذا الولد المتراكض في حلم "عامودا"، وعلى طرقات يديكِ، الآن، تمسكينَه من قلبه بعنف قليلاً، وهو يأتي إليك، كأنّه يعرفك منذ عشرين عاماً، كما كتب إليك مرة، وكما أرسل إليك كلَّ رسله الطيور، التي كان يضربها البرد في كل اتجاه، وكما كان يتمسك بك، بفستانك، ويقبلك فجأة، كأنه رأى حلماً فيه يخسركِ خسراناً. كيف يفتح صندوق قلبه الزجاجي ذا المائة قفل والمئتي مفتاح؟ كيف يرمي ذكراك على الشارع، وينظر إلى الورود والشبابيك ودروب الغابات؟ كيف يمضي إليك ولا يجدك؟؟
أيتها العائلة، أيتها الغابة!
كيف يدنو منك مجازفاً وخائناً وكسولاً وعالماً أنك يجب أن تتركيه، عالماً أنه يفقدك كأنّما يفقد يديه وعينيه، ويجب أن يقف كبطل تحت صفوف من المشاريط؟؟
????
والشمعة الذاهبة في روحك غامضةُُ بعد الظهيرة، لسانك مفتاحُُ، وبقية دهن، ومخدةُُ، وقلبك مقهى الماء، وعيناك صاخبتان وكسولتان، والحب الذي يشرق منك هو أنت وكل جسدك غرام، وجسدك قبل شهر كان يأخذني بغفلة، وبغير غفلة، كان يأكل أنفاسي، وأنفاسي المتماوجة من ضغط السجائر، والوردة المضرجة بالرغبة تأكلني، أيضاً وحبك مخيف وحزين مرة ويناديني دائماً، كأنه موتي، وكأني ميت لا أسمعه، وأسمعه، وأبكي لأنه وحيدُُُ.
أنت وأنا، وأنت وأنا، وأنت وأنت...؟؟
كيف نمشي؟ يدي في يدك، أو عيناي على عينيك بقوة هذه الظهيرة، أيتها المرأة المجازفة بكل شهوتي إليها؟ كيف نمشي حين نرى أنفسنا عاريين، نقبض على أول وجع يمضي منا، ونحرك أنفسنا لنعلمَ أننا لم نفقدْ نفسينا إحداها في الأخرى، في بعضنا، وأننا في هذا السرير الليلي، طائران يبحثان عن قفص، كي يضربا بجناحيهما الممتلئين دماً بالقضبان، ويلتقيا، المنقاران ممتلئان دماً، الريش يضخّ دماً، والروح ممزقة إلى آلاف الآلام.
????
سُمُّك الدموي هذا الذي أشربه يومياً، ويكسر أحلامي، ونومي كأنّما عقوبتي أتلذذها، وأنت تتكاسلين أن تفتحي يديكِ اليوم.
أنت غائبةُُ في صفيح كآبتي، وأتنفسك كأنما كنتِ لي صنماً في كهف عميق، كأنما كنتُ أقبّل صنماً،
كأنما كنتُ أحضن صنماً جائعاً، وكأنما أنا ميت على ساقيك المسيحيتين المضمختين بالصلبان، المضمختين بآلاف الرجال الذين غرقوا... عندك
وأنا جريحُُ أبدي،
أنتِ قفصُُ أبدي،
وقضبانك أبدية، وجسدك باردُُ ومخيفُُ، وقلبك باردُُ ومخيفُُ، ويلعنني في الصمت الأعمق، وأنا أبتهل إليك، كأنما كنتِ كنيسةً، أو محراباً من اللحم البشري.
لستِ حجراً، أنت امرأة جميلة، لستِ طائراً، أو نبتة كما كنت تسمّين نفسك، أنتِ لبوة تفترس رأسي وقلبي. أنتِ أكلتِ قلبي... أنتِ أكلتِ قلبي، أيتها المرأة الجميلة،
ثم استدرت، ولم تعرفيني.
????
وها صمتك هو أجمل صمت، وها لعبتك هي أجمل لعبة، وفمك أجمل فم، ويداك أجمل يدين، وحسرتي أجمل إلى جانب حسرتك، وأمرّ بيدي على شعرك، لتبقي لي، وأقرأ الفاتحة على بطنك اللين، ليحبني بعمق أقوى، وأقرأ ثانية الفاتحة، أو شيئاً آخر، لنبقى جنبا إلى جنب ، طوال هذه الظهيرة القائظة، وتغطينني بفمك، بشفتيك، هذا كل ما تملكين تعطينه لي، تعطين ماضيك لي، والمستقبل....
وها كلامك أجمل كلام، واسمك أجمل اسم، وضحكتك ترافقني كمجزرة وربيع،
وفيما أمشي أصطدم بنفسي عند باب بيتك، فأفتح أكثر الجراح نشوةً، وألقي بي في الإرتعاشات
لأرى خيالك يودعني، ويبتسم في أول مرة..
أيتها الخائنة العظيمة!
????
لأرى المدمنين على الحب، يحفرون حناجرهم بالقرب من الجسور، بالقرب من وحوش عزلة الكراسي والنباتات المزروعة تلقائياً هنا، أراهم مثلي يضحكون، أو يقرأون خطوط جباههم التي اكتهلت قبل الأوان؛ يقرفصون هنا لآلاف الساعات، يدخنون الماضي، كأنّما ليسوا هم الذين أحبوا أمهاتهم بجنون، ثم أحبوا امرأة ما كان يجب أن يحبوها، أو كان يجب أن يرموا بأنفسهم في شهيق آخر، لكنهم فعلوا، لكنهم هكذا فرشوا مياه بواطنهم كمرآة ما، بغير خوف، وكانوا هكذا واسعين، ويشرقون، وكانوا هكذا غرباء، ويؤمنون بالضحية. قالوا نريد أن تعرفَ فينا النباتاتُ أسرارَها البشرية، البشر نريدهم أن يعرفوا جذورهم الشجرية، وقرابتهم إلى الطير، كانوا واسعين مثل سماء، بغير أن يزينوا قلوبهم بأي دواء، وصفاءٌ ما كان يرفرف على أيديهم، وهو يلوحون لغزالات دواخلهم أن ترعى في هذا الفضاء، مثل طفل أحبوا كل امرأة كانت تنظر إليهم ، وإذا ابتسمت إحداهنّ، كان غرامها يمزقهم لست سنوات طوال. نسوا أيديهم، ظنوها للتلويح والملامسة، وتقبيل الوجنات، نسوا عيونهم، ظنوها للترقب والترقرق في لحظات الحلم المخرب الجميل، وغنوا، ورقصوا بفمهم مثل ناي، ناموا وهم يتهامسون عن غد، عن شموع مرفرفة على الصور، كانوا شجعاناً كمثل فراشة، ربما ممتلئين بالخيال، مستعدين أن يختلقوا مائة شجار للدفاع عن مفهوم الوردة.
استيقظوا مبكرين جداً، أحياناً لينظروا في قلوبهم، صنعوا من أجفانهم صحوناً ملونة، ومن أصابعهم أوراقاً غائبةً، وتمددوا هكذا تحت الجسور، من يمر يحسبهم مأخوذين بطغيان المخدر وزبيبه، لكنهم يعرفون أنهم لن يستيقظوا أبداً، سيظلون ممددين وعيونهم مفتوحة، أياديهم مبسوطة وقلوبهم ملقاة هنا وهناك، عليها آثار غبرة ما، آثار كآبة لم يتصنعوها، إنما جاءت إليهم كضيف، هكذا، يلهج كل منهم باسم خاص به، يجده طائره، أو ربما أرضه، ربما بيته، ربما شيئا آخر غير هذه العزلة الفظيعة التي تمضغ قلوبهم، غير هذا الغبار البارد القليل الذي يملأ الآن جوانب روحهم، فلا يستطيعون النظر جيداً، إنهم علمُُ هناك، جمعهم شجرة قلوبهم ثورةُُ، غبارهم ماءُُ، عيونهم مرجُُ. كسالى قليلاً. لكنهم شبانٌ، لكنَّ أرجاء العالم كلِّه تدقُّ في بواطن أكفهم.

انهضوا أصدقائي.
????
تأخذينني وتجيئين بي إلى فمك الضعيف، كشمعة ونعيم، تتلونين بالغضب والحب، وأعرفك في غضبك كامرأة تحبني من عمقها، وفي الحب أيضاً أعرفك بجسدك المضيء، كغرفتك التي أشعلتها بالشموع ذات ليلة، ويلومونك، لأنهم لا يعرفونني، وأنت تلومينني لأنك تريدين أن تكوني في قميصي الليلي، بصمت تريدين أن تقضمي قلبي ورئتي، أن لا تبقي أية إلتفاتة لغيرك، في غضبك تصير اللحظات القليلة التي نملكها مستعبدة، وتصيرين سيدة في منتهى روحها، هل أشدّ على يد غضبك، وأقبّل فمك الجريح كثيراً كثيراً، وأصابعك التي تتوسل إليّ، حبك الذي يتوسل إلي، ولا أبالي به، كل منا يجري في زقاق؛ حبك الذي جرّحني بسكينه، وأنا الذي يقطر قلبي هنيهة هنيهة،
كيف نتصالح؟
أصابعك هي خيوط قوية، أتسلق إلى عينيك بها، وأبني هناك عشاً ما ومثل طائر ربما، أنقر قلبك حين ينام، لأقولَ أني لازلتُ أغني، وربما أنزل أحياناً إلى صدرك، لأمسح عنا الخجل، الذي لفّنا بحجارته لشهر، وربما خطر وداعٌ ما بالقرب من شفاهنا، فمضغنا شفاهنا، وحاولنا أن نبقيَ أثرا عليها، في الحقيقة أردنا لقاءً أكثر، جسداً أكثر، وربما في حفلة ما، أو فلم سينمائي ما، حاولنا أن نصمتَ، لنسمعَ إلى أي حد نحب بعضنا، وانتظرنا الآخرين أن يتحدثوا عنا، هل نستطيع أن نلغيَ الآخرين في حبنا؟ هل نستطيع أن نضربَ بحقد على يد حبنا الحزين بعد عدة أشهر، ونمنعه أن يسرقَنا؟ هل نستطيع أن نشهرَ أقوى ألم فينا؟ ونقول لبعضنا: وداعاً فجأة، وأن ينحنيَ كل منا على جرحه الكبير، يبحث له عن عشب؟ هل نستطيع هكذا أن لا ننام معا في سرير ضيق ، بحيث نتنفس بأجمل شهقات إلى ليل متأخر، ويسمعنا الحب ويضحك! أنستطيع أن نسببَ لجسدينا كل هذه الصحراء؟
أن نسبب لجسدينا سوقاً طويلاً من الفؤوس الحادة، قصّابين مهرة، سيوفاً تبرق، أيديَ تمتهن القتل والجريمة، أصوات دم أسود، يجري على أطراف الشارع، خيوطاً معدنية تشتد على عنقينا، خنجراً مثلوماً بطيئاً ينخر عظامنا الضعيفة، وغيوماً قاحلة ؟
أنستطيع أن نرميَ بأرقّ الجمل في أقصى نكران؟
أن نولدَ الحقدَ في قلبنا؟؟
????
أنا السحابة التي حطت على يديك، وطلبتْ منك الماء والعشب، أنا الزهرة التي وضعت نفسها على شفتيك، وطلبت أن تقبليها، أنا وقتك الذي ترمينه في الكسل والنسيان، أنا الشارع الأبدي الذي يمر أمام أدراج منزلك، أنا الصحوة واللهو، أنا حبك الأول والأخير، وحين تنامين، أنا الشمس التي وقفتْ في سريرك، ونامتْ سبعة أشهر على بطنك الألذ، أنا اليدان اللتان شدّتا الأزرار في قميصك الداخلي، وفي معطفك، وكنت ميتة من الابتسام والدهشة، أنا الذي شبهك بنفسه، ونام على يديك، واستيقظ على يديك، وجعلك شيئاً ما غامضاً يلهو بروحه، جعلك أدهى خسارة لنفسه، أنا من انشغل في مدّ وربط وحياكة كل هذه الأسرار، ووقف يتأمل، لم تعجبه كلها، كانت لا تناسب تماماً النار، فأشعل نفسه في أن يخسرك.
أنا حبُّك الأخير.
أنا حبك الأول.
أنا مرآتك الأصفى حين تحدقين إلى آلامك الأشد.
أنا ماؤك الذي كان يشربك.
ظلك الذي كان يمشي أمامك،
وينير أرجاءك الأنثوية،
وقبلتك، ويديك،
وخفقة ابتسامات، ورضى.
أنا الخارج للتو منك، لا يعجبك هذا بالتأكيد، أنت الخارجة مني للتو، لا يعجبك. أنت صيفُُ، أنت دراجة، أنت ورقة، أنت حبُُ، أنت شهوة، أنت طعام، أنت فاكهة.
أفتقد شفتيك بموت في هذه اللحظة، أفتقد بطنك وثدييك وظهرك بعظامه الظاهرة قليلاً، ساقيك البهيجين، ما تحت شفتيك، أنفك وأساه، غيوم وجنتيك وقدميك الفضيتين، أصابعك الخفيفة، أفتقد أن تقولي لي إنك تكرهينني، أو إنك لا يهمك كل هذا، أفتقدك كأني أُولد بدونك كل مرة، وكان ممكناً أن نولدَ سوية من بطن واحد، وروح شبيهة.
أفتقدك كأنك شمعة، أحرقت رقبتي، أحرقت أصابعي، وجعلتها شبيهة بالأحجار والنباتات، كأنك شمعةُُ أنارت صخبي وخوفي، وغنّتْ في سريري، وأدفأتني، أحرقت نفسها، وأحرقت قلبي في أسنانها، وأجدني هنا محترقاً بالتشبيهات التي أختلقها يومياً في سريري، وأجدني محترقاً جنب جسدك الذي كنتُ أحسبه ضعيفاً، وقلبكِ،
وأحتاج غطاء يُرمى على ماء جفوني،
وأحتاج رائحة الأزهار القديمة تنثر على كفي وجسدي الطويل،
وغمغمتك، وإستفاقتك صباحاً، وأحتاج جملة ما تذكرني أني عندك، وأن الهواء الذي نتقاسمه، هو الهواء الجميل الذي بقي في الغرفة من الليلة السابقة، أو من الشهر السابق، الهواء الذي مازالت ظلالُنا الماضية، ودهشتنا الماضية تتحرك فيه، وإقتراباتنا وحنيننا.
????
يأخذونني، ويأتون بي إليك، تنظرين إلى وجهي بخفة، يأخذوننا ويأتون بنا إلينا، يرى أحدنا الآخر عن قرب، نتشابه في الحب؛ يأخذوننا إلى المقهى، ويتفرجون على حبنا الذي اكتشفوه للتو.
هل يريدون أن يدمروه؟ هل يحبون حبنا؟ أم يلهون به؟ يكتشفونني في الغابة، ويتحدثون عن قلبي، قلبي المتبقي تحت الشمس، رئتي المتبقية على الطاولة، لن تكفيهم نظرةُُ سريعةُُ واحدةُُ، إنهم يدهشون، أنا لهم غابة، أنت لهم غابة، حبهم يشبه حبنا، وحبنا الذي خسرناهُ... كيف يعبّرون أنهم جرحى أيضاً؟ يريدون أحياناً أن يمروا سريعاً أيضاً، دون أن ينظروا، تضربهم الغيرةُ أيضاً، إنهم مساكين مثلنا، ربما أكثر منا، إنهم رجالُُ فقدوا الشجاعة ربما إلى الأبد.
إنهم رجالُُ أذكياء جداً، أريد فقط أن أضحكَ من ذكائهم، ومن آلامي.
????
يأخذونني ويأتون بي إليك، يضعون كفي على صدرك الأبيض، يدفعون رأسي لأقبلك، يجعلونني، أتنفس، لكنهم لا يفلحون، يقدمون لي كؤوساً من الخمر، وأطعمةً لذيذةً، يريدونني أن آ كلَ. إنهم يحبونني جداً، ويريدون أن نستمرَ نحن الاثنين في حبنا.
والأزهار! يبتاعون آلاف الباقات منها، ويدفعونها في يدي، لكنني أختنق بها، ولا أراك، وأراك قليلاً، فتخنقك أزهارهم الطائلة أيضاً، لا ييأسون، يجلبون المزيد من الأزهار، وينتظرون سنواتٍ مديدةً.
اللعنة... اللعنة
كيف أضرب بقلبي في عرض سكين أكثر ألماً من هذه؟ كيف أضرب بأصابعي في صفعة أكثر من هذه؟ وأركل أزهار خبثهم، واللعنة المترقرقة في أبدانهم ؟!
????
وأتأملك كأنّما خرجت اللحظة من الماء، ترمين بيدي عن يديك، فتنبتُ صخرةٌ بيننا، نجلس على الصخرة، ونقبل بعضنا البعض، لا يعرف بعضنا البعض، فقط شفاهنا تعرف الطريق السري، والرمز الدائم، والروح كمشعل صلب، يحفر يومياً في أعناقنا الثقب الهائل، والحزن المتخمّر يومياً.
فقط الشعلة التي تنير، ربما من كلمة واحدة، ربما من نظرة، ويتبعها الظلام والحيرة والندم، وقدماك تحوّلان طريقهما مني، ووجهك يحوّل وجهته مني، وأصابعك تستلقي في بُعْدٍ آخر، وثيابك تتبعثر، وحبي يتقمص، والطيور تضجُّ، والنوافذ تتلعثم، وشفتي تجفّ، ويدي لا تكتب، وسريري... بدونك.
أنت هذا الفضاء، أنت هذا القفص.
????
عصفوري بجناح واحد، أعطيه يدي كي يأكلها، أمسح على منقاره بليونة، أفتح فمه، وأضع أغنية فيه، الوحل العالق في ريشه ألحسه بلساني، أضمه، أقول أنت نبتةُُ ليستطيعَ النوم، أقول له أنت طريقُُ في الهواء، ليطيرَ، أقول أنت ابني ليعرفني؛ عصفوري الأبيض النحيل، الذي يضع منقاره على شفتي، كي أقبله، وأبعث فيه الدفء واليقظة، عصفوري الذي أقول له أنني أحتاجك دائماً بقربي، أعطيه أحياناً حليب جفوني، ونومي، أعطيه أحياناً سريري، ومخدتي، وأشم ريشَه المتعب، قلبَه الصامت، وعينيه الكسولتين.

عبد الرحمن عفيف
كردي مولود في عامودا في سنة 1971
دارس للادب والتاريخ في جامعة حلب في سورية
اكتب بالكردية والعربية واترجم من والى هاتين اللغتين الى الالمانية والانكليزية خاصة في مجلة حجلنامه اقيم في المانيا منذ سنة 1996 لي مجموعتان شعريتان
     1 نجوم مؤلمة تحت راسي سورية
     2 رنين الفجر على الارض السويد
ناشر في الكثير من المجلات والجرائد الكردية والعربية
العربية الناقد الزمان الشرق الاوسط تشرين القدس العربي
الكردية قنديل بنوس حجلنامه قلق مهنامه عامودة
مشرف على القسم العربي في الموقع الكردي الانترنتي لستة اعداد www.amude.de
ارجو ان اتلقى ردا على رسالتي هذه
اشكركم في حال الرد او عدمه