عقل العويط

من التذكر المستعاد بعد نسيان، تبدأ رواية رشيد الضعيف الجديدة، "إنسي السيارة". لحظة النسيان والتذكر تلك ستكون محض ذريعة درامية تقنية. وستكون بحسب الراوي ناجمة عن حادثة اصطدام سيارته، وهي من نوع سوبارو إمبريزا، بعمود، وتحطمها، والتي سينُقل الراوي على إثرها إلى المستشفى وهو في حال من الغيبوبة بسبب الصدمة، حيث تُجفصَن إحدى رجليه، ثم يعود إلى البيت. ستتناسل التذكرات بعضها من بعض، وستتراكم مقترحةً روايةً بلا مشاعر تجري حوادثها في أمكنة شبيهة بعالم الشقق السرية، حيث العلاقات الجنسية القائمة على الخدمات تنفتح على مداها. أبطالها، فضلاً عن السيارة، شخص الراوي وشخص صديقته ليلى وشخص أبيه ومشروع زواجه الجديد من فتاة ثلاثينية قبيحة، تدعى زاي، بعد وفاة زوجته بسنة. وهذه جميعها عناصر متكاملة لفيلم بورنوغرافي بلا مشاعر، طاغٍ ومُضنٍ، وأكاد أقول مَرَضياً، يقضّ مضاجع هذه الرواية طوال صفحاتها المئة والخمسين وما يزيد، من دون أن ينفّس عن كربها أو يصل بها إلى مبتغى.

في بساطة حيادية، باردة، غير منفعلة، وقد تكون مسلّية ومشوِّقة في آن واحد، يسلس رشيد الضعيف القياد للراوي كي يحكي قصته ويسرد الوقائع التي سيتوهم القارئ في البداية أن "بطلتها" وشخصيتها الرئيسية ستكون سيارة السوبارو المستوردة مستعملةً من أميركا والتي اشتراها الراوي من "صديقه" رفيق بعدما "تحسنت أحوال" هذا الأخير وأراد استبدالها بسيارة عالية "لأن قيادة السيارة من فوق غير شكل".

السيارة بطلةً؟

هل هو توهّم حقاً أم أن السيارة ستكون هي فعلاً بطلة الرواية؟ ولماذا يقع القارئ في هذا التوهم ما دام الضوء البورنوغرافي سيكون مشتعلاً بقسوة لا مشاعر لها ومضيئاً طوال صفحات هذه الرواية؟
قد يكون الجواب المحتمل ملتبساً هو الآخر، وبين بين، ربما لأن الراوي سيكون مشغولاً في صورة تكاد تكون "سكّر زيادة" وغير طبيعية، بالنتائج التقنية والعملانية المترتبة على حادثة الاصطدام، "فالمهم الآن أنني علمتُ بعد سنة من شرائها ما صفاتها (ف) قررتُ بيعها لأنني لم أعد أحسّ بالطمأنينة التي يحس بها من يملك سيارة يحبها، بل صارت مصدر قلق، وخلاّقة مشاكل. تحولت بالنسبة إليّ سيارة مفخخة"، وخصوصاً أن قطع غيارها غير متوافرة في السوق ولأنها أميركية الأصل، وينبغي استيراد هذه القطع من بلد المنشأ.

فهذه "المشكلة" سترافق القارئ وستكون حدثاً أساسياً في بنية السرد وتدرجاته. بل ستخلق نوعاً من الأزمة الدائمة في مجرى القصة. ورغم أن السيارة لن تتدخل كبطلة مفترضة في المنحى الذي ستشقه الرواية لنفسها، فإنه (أي القارئ) سيرى شبحها ماثلاً فوق السطح وتحت الأسطر وفي البواطن، وعلى مدى الوقت. وهي ستفرض نفسها فرضاً كعنصر فاعل في تطوّر الحوادث.

لكن القارئ ليس على يقين تام مما إذا كان يمكن تقنياً اعتبار حادثة الاصطدام وما آلت إليه أحوال الراوي المتكلم دائماً بضمير الأنا، مدخلاً روائياً آمناً للتسلل إلى حوادث الرواية وعالمها. صحيح أن مشروع بيع الراوي للسيارة سيتزامن مع مشروع والده بالزواج لأنه لم يعد يستطيع أن يتحمّل الوحدة بعد وفاة زوجته واستعداد ابنته الوحيدة لمغادرة البيت الوالدي للزواج، لكن هذا التزامن الذي يضعه الراوي تحت الضوء لن يكون ذا أهمية حقيقية وجوهرية، ما دامت الحوادث الفعلية ستتمحور فقط حول مشروع هذا الزواج من جهة، وحول علاقة الراوي بصديقته ليلى. بل حول المسألة الجنسية، فقط لا غير، وتظهيراتها البالغة "البرودة" والجرأة و"الحداثة".

وراء الجدران المكتومة

أكثر ما يلفت في هذا المجال أن الراوي يروي ويفبرك الخطط الجنسية بلا انفعال، كما لو أنها شيء متداول على المستوى العلني العام، وطبيعي وعادي. هذه "البرودة" في إتيان الموضوع ومعالجته، تفترض عالماً زمانياً ومكانياً يوازي عالم الواقع الفعلي. إنه عالم الحياة المكتومة التي تجري فعلاً وواقعاً في زمان ومكان حقيقيين وراء زمان الواقع المعلن ووراء مكانه. هو عالم الشقق السرية الغفل الذي لا يتحدث عنه أحد، وإذا انكشف يوماً فإن ذلك يحدث كفضيحة. هو عالم حيث الجنس لقاء خدمات يجري فردياً وأحياناً جماعياً. ولا بدّ أن الراوي يعرف تماماً هذا العالم، وبسبب ذلك يتعامل معه بهدوء وبطبعية واضحين كما لو أنه شربة ماء. ذلك لا يفترض الخروج بأحكام قيمية أخلاقية، البتة، ولا إسقاط أيّ "عيب" على الرواية، ولا بدّ أن هذا الإحساس هو الذي يمنح الراوي حرية أن يسترسل في نسج وقائع عالمه، وأن يكون طبيعياً وعادياً كما لو أن ذلك يحصل في الواقع وكل يوم. وهو يحصل حقاً كل يوم.

فالموضوع بأكمله يدور حول التفاصيل المرتبطة بهذين المحورين، محور الوالد الذي سيتزوج، ومحور الإبن ليلى، اللذين سيتداخلان تداخلاً غريباً بل سوريالياً، وسيمتزجان امتزاجاً حقيقياً ليصيرا محوراً واحداً، طبيعياً وعادياً إلى حدّ اللاتصديق. وسيكون القارئ أمام أبطال "حديثين" جداً بل "على الموضة"، وسيكتشف قلوبهم المشيّأة والبلا مشاعر، وعقلياتهم "المودرن" وقابلياتهم للانغماس في متطلبات محض بورنوغرافية. فلا عواطف ولا اندهاش البتة. ولا انصعاق. بل محض وقائع عادية. هذا ما تنبئنا به صفحات الرواية التي يرويها الراوي.

طبعاً، ليس للقارئ أن يمارس نقداً "أخلاقياً" على الراوي لأنه يفعل كذا، أو لأنه يخطط لكذا، فهو حرّ في ما يذهب إليه خصوصاً لكونه بطلاً روائياً، لكن هذا القارئ، لستُ أدري لماذا سيتوهم للحظة أنه ربما "رأى" هذه القصة تجري وقائعها أمامه في "مكان" ما. أو أنه سيقيم مقارنةً مفترضةً، لكن "معقولة"، بينها وبين ما قد يراه إذا جلس أمام قناة تلفزيونية تبث فيلماً جنسياً بورنوغرافياً، يتوسل نوعاً من الحبكة الدرامية والروائية تكون ذريعة "روائية" لإمرار الصور والجلسات الجنسية ووقائعها. حتى لكأن الهدف الروائي ليس الرواية بقدر ما هو الجنس ووقائعه. لستُ أدري!

بلا عيب بلا مشاعر

ربما يكون هناك نوع من المغالاة في هذا التوهم، لكن الكتاب برمته يدور حول جلسات من هذا النوع، ليس أعلاها الجلسة الجنسية الثلاثية بين الراوي وليلى وصديقتها. وقد يقول هذا القارئ: لِمَ لا وأين العيب في ذلك، ما دام الروائي يستخدم التفاصيل والحوادث لخدمة غرضه الروائي الذي سيظل يدور منذ حادث الاصطدام والنسيان والتذكر حول مشكلة السيارة وحول علاقة الراوي بصديقه رفيق، المالك الأول لسيارة السوبارو، منذ وقف هذا الأخير إلى جانبه يوم توفيت والدته حين لم يتركه في ساعات الشدة، ثم حول علاقة الراوي بليلى، ومشروع زواج الوالد. لكن، أين هو هذا الغرض الروائي حقاً؟ لستُ أدري.

ربما سيجد بعض القرّاء أنه لا حاجة حتى لمثل ذريعة التذكر والنسيان هذه للدخول تواً في صلب "الموضوع". ولأجل ذلك ربما تكون حادثة الاصطدام ومشروع بيع السيارة محض ذريعة مهلوسة، نسيانية تذكرية، ما دام الراوي بارداً البرود كله وغير مهتمّ البتة بإقناع القارئ بأنه يروي حكاية فعلية قابلة للحدوث وخصوصاً في هذا المجتمع بالذات. والأرجح أنه يروي لنفسه لأنه ليس مهموماً بإقناع أحد. إنه يروي ليتسلى، لأجل ذلك قد يقول القارئ إنها رواية للتسلية ما دام الراوي لن يكفّ عن الإمعان في "تصديق" نفسه إذ يروح يغرق في أحواله النفسية وهواجسه ومخاوفه وافتراضاته وتخيلاته وخططه، فيمخضها هلوسةً وافتراضاً، ويروح يحوك "الحوادث" حوكاً واقعياً افتراضياً، مشيِّداً بذلك عالماً قائماً بذاته هو عالم هذه الرواية بالذات: عالم الحياة الجنسية المكتومة التي تجري داخل جدران الشقق المسدلة الستائر بإحكام.
في حقيقة الأمر، ليس مهماً، على مستوى بناء الرواية، أن تكون المرويات قابلةً للتصديق أم لا، فالرواية تستطيع أن تكون روايةً أو كذبةً أو اختراعاً مختلقاً فحسب. أي قد تكون محض زعم واختلاق. لِمَ لا. لكن الإلحاح المضني على هذا المستوى، ربما من شأنه أن يوحي أن الفعل الجنسي ووقائعه النائمة في أحضان السرد، هو حالة مقصودة في ذاتها. ولأنها كذلك فهي ربما فجة وجارحة ووقحة و... باردة.

لستُ أدري لماذا سيضطر القارئ إلى "التواطوء" مع الراوي بهذه الطريقة والى هذا الحدّ. أي إلى الحدّ الذي يحمل روائياً على كتابة رواية على أساس هذا النوع من العلاقات الجنسية البورنوغرافية، وإقناع القارئ بها، فقط لأن بطله الراوي لا يستطيع تحمّل المتاعب الناجمة عن زواج والده.
لا مشكلة البتة لدّي في أن يكتب الروائي رواية بورنوغرافية، فشرطها أن تكون عملاً روائياً يتمتع بمواصفات روائية تمثل تحت سطح السرد ووراءه وفي بنيته الدرامية.

سيرى القارئ الراوي مشغولاً بأمر أبيه وبمشروع زواجه انشغالاً غير طبيعي البتة. فالأب يريد أن يتزوج، والإبن لا يريده أن يفعل ذلك، ولأجل هذه الغاية سيفعل المستحيل حتى وإن كان هذا المستحيل جنونياً للحؤول دون حصول هذا الزواج.
سيعرف القارئ أن الراوي الإبن سيدهن شعره بالزيت وسيخرج إلى الشرفة معرِّضاً نفسه لحرارة الشمس الحارقة، في خطة تهديدية انتحارية، من أجل أن يمارس الضغط على والده ليثنيه عن مشروعه هذا وليحمله على عدم الزواج من هذه الفتاة القبيحة. لماذا؟ لأن الراوي "على قدّ حاله" ولأن والده لا يستطيع أن يقوم بأود نفسه، فيكف يقوم بأود عائلة جديدة: زوجة وأولاد ومدارس وثياب ومصاريف ومستشفيات وهلمّ. يعتقد الراوي أن هذه الأحمال ستنزل على كتفيه المرهقتين أصلاً بمصاريف السيارة المعطلة وبقطع غيارها، لذا فإن عليه أن يفعل العجائب لكي يوقف هذا الجنون الوالدي.
الرواية بأكملها إذاً ستتمحور حول هذه الحبكة: ما هي الخطط الكفيلة منع هذا الزواج؟ كيف يقنع الراوي والده بعدم ضرورته، وما هي "المؤامرة" الرهيبة التي سيحوكها للحؤول دون تنفيذه؟ لأجل الجواب عن هذه الأسئلة، كان لا بدّ للراوي أن يقنع صديقته ليلى بالتقرب من والده وبإغوائه لإشغاله عن تلك الفتاة. وكان على ليلى أن تنفّذ رغبة الراوي لأنها تفعل كل شيء يرضيه ولأنها "تحبّه" فعلاً لا قولاً، وهي مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من أجل إسعاده ورفع هذا العبء عن صدره. وهي ستجتمع بالأب المتصابي وستحاوره محاورة "عميقة" وستنام معه وستضاجعه، لأجل أن ينسى مشروع الزواج، وهو سيكون مليحاً معها وسيشتري لها خليوياً ويعطيها المال. وستفعل ذلك بلا أزمات ضمير. هنا المسألة هي محض خدمات متبادلة. بالجنس. بالمال أو بدونه.

لكن هذه الخطة ستنحرف عن طريقها المرسوم وستتحوّل إلى غير غايتها المنشودة: ستكون ليلى "مبسوطة" مع الوالد، وستتغيّر علاقتها بابنه. فهي، بعد وقوع الواقعة، "جاءت كعادتها في أول المساء (إلى منزل صديقها الراوي) وذهبت كعادتها إلى البراد وأخرجت منه قنينة بيرة، لكنها جلست كضيفة، لا كما تجلس عادة كلما جاءت. لم تتصرف كأنها في بيتها بحرية تامة. لم تخلع حذاءها من قدميها وتتمدد على الكنبة الكبيرة، ساحبةً فستانها ما شاءت إلى فوق، واضعةً يدها بين فخذيها بعفوية مضيئة...". لقد انتقلت ليلى، بكل بساطة، إلى الموقع الآخر، وصارت جزءاً منه. وها هي تفلت من يد الراوي ومن "سلطته" لتصير صديقة لخطيبة أبيه: "غريب"!

حيادية "وقحة"

من جهته، سيجد الراوي نفسه محمولاً إلى استكمال خطته بالهجوم المحكم على الوكر الحقيقي لتسديد ضربته القاضية: سيتحرش بزوجة والده المستقبلية، في محاولة إغوائها وثنيها عن الزواج منه. وسيسيطر على انفعالاته ومشاعره حيال هذا الموضوع، حتى لو كلّفه الأمر النوم معها، هو الذي لا يستطيع أن يتحمل قباحة وجهها وخريطة جسمها. وسيطبّق هذه الخطة الجنسية حتى النفس الأخير، وسيحمل تلك الفتاة، بلا صعوبة تُذكر، على النوم معه في العتمة كي لا يرى بشاعتها وسيمارس الجنس معها بدون "كبّوت"، الأمر الذي سيدفع القصة دفعاً نحو هاوية المأزق الذي كان يريد الراوي الهرب منه منذ البداية: احتمال إنجاب الأولاد ورعايتهم وصرف المال عليهم. مع فارق واحد: بدل أن يكون الوالد هو الأب المنجب بعد زواجه، سيكون ابنه هو الذي ينجب ولداً من زوجة هذا الأب. ف"يا إلهي"! (وهذا تعبير لا ينفك الراوي يردده مدى مقاطع الكتاب).

لكن هذه الحوادث "غير الأخلاقية" لن تثني الأب عن الزواج. فإذا كان الراوي اعتقد في البداية أن تدمير صورة المرأة الآدمية المتمثلة في زاي، خطيبة والده، سيجبر والده على التخلي عن فكرة الزواج عندما يعرف بأنها نامت مع ابنه وربما حملت منه، فهو سيكتشف أن شيئاً لن يتغيّر، فالوالد مستمر في مشروعه حتى النهاية، غير عابئ البتة بالسبب الأخلاقي.

لن يكون للمعيار العاطفي أو الأخلاقي أيّ أهمية في هذه الرواية. هذا ما يريده الراوي حقاً. فلا آهة ولا عاطفة ولا مشاعر ولا لمعة قلب ولا أي إحساس إنساني. ولولا رغبة زاي في أن يبقي الراوي ضوءاً خافتاً يكشف وجهها وجسدها ليشعرها بأنها إنسانة، لما كنا نقع في هذه الرواية على أيّ شيء "إنساني". فالتشيؤ القوي والهائل للجسد، مروياً بهدوء ورباطة جأش وببرودة، يذكّر بأفعال القتلة الاختصاصيين الذين يرتكبون جرائمهم ثم يمسحون أفواههم بأكمام قمصانهم ويتابعون السير كأن شيئاً لم يجر.

حين تذكرتُ بيار روفايل و Nous Deux

سيكون السرد محمولاً على لغة نافلة، عادية ومتواضعة وبسيطة كي لا أقول مبسّطة ، تكاد تذكّر بما كنا نقرأه، ونحن أولاد، في سنّ المراهقة، وما قبل، من قصص بيار روفايل التي راجت في ذاك الزمن الستيني والسبعيني. فقد كان الأهل يستأجرون رواية من هذا القبيل من دكان أبو جورج بعشرة قروش، وكنا نتناوب على قراءة تلك الروايات التي تروي قصص الحب والتاريخ والحروب والقبائل والفروسية وغيرها، طبعاً من دون أن يتوصل الأبطال إلى تخطي حدود الانفعال الغرامي والرومنطيقي في حدوده البريئة والساذجة. فقد كان الروائيون، وخصوصاً بيار روفايل، يحجم عن القفز إلى ما يقفز إليه رشيد الضعيف، هنا، طوعاً وبأسلوب طبيعي وعادي. لقد ذكّرني السرد أيضاً، في "إنسي السيارة"، بذاك النوع من القصص والروايات، البسيطة، المشوِّقة، والقريبة المتناول، مثلما ذكّرني لستُ أدري لماذا بالحبكات الساذجة المرسومة أيضاً في قصص Nous Deux الفرنسية المصوَّرة، والمشوِّقة، والتي تدور بأسرها حول علاقات المحبّين والمنافسات الغرامية.

ليس في رواية رشيد الضعيف ما يجعلها على هذا القدر من التبسيط، لكن مزاجها الدرامي الجريء و"الوقح" ينقلني كقارئ إلى عالم يذكّر بتلك القراءات، على رغم التباين الجوهري في ما بينها.

بين حال الأب الذي ينام مع عشيقة الإبن، وحال الإبن الذي ينام مع زوجة والده وربما "يحبّلها"، سيظل القارئ مغموراً بأخبار الجنس القائم على التشيؤ والتسلية الخالية من المشاعر. هي أخبار حقيقية جداً وواقعية جداً تجري داخل جدران مكتومة وغفلة، لكنها صحيحة جداً وفعلاً. قد لا يكون العالم الداخلي لهذه الجدران معلناً ومحكياً عنه. و"فضل" رشيد الضعيف أنه يفعل هذا بالأسلوب العادي جداً، وبالبرودة "الوقحة" جداً. لكن، هل يستحق الزواج الثاني للوالد ورعب الإبن الراوي حيال هذا الاستحقاق، كل هذا القدر من الخطط الجنسية التي صنعت هذه الرواية؟ لستُ أدري!.

***

Telephone Casse
ريمون جبارة


للذين لا يعرفون هذه اللعبة التي كنا نلعبها في سهراتنا، نقول أنها تنبني على حلقة من الناس حيث يبدأ الأول بقول عبارة لجاره الجالس قربه وجاره ينقل العبارة كما فهمها أو كما يريد أن يفهمها إلى جاره، وهكذا دواليك حتى تصل العبارة إلى المشترك الأخير فلا يكون لها علاقة بالعبارة الأولى. سنستبدل الناس العاديين في هذه الحلقة بمجموعة من المسؤولين، و"نزيّنها" ببعض سياسيي الصدفة، كذاك البخّاخ الذي اشبع جمهور مشاهديه بصاقاً ونفاقاً. على القرّاء الأعزاء إذاً أن يحزروا من هم المشتركون لأن الكلمات التي سيقولونها لن تكون مسبوقة بالحروف الأولى لأسمائهم، لأنهم لا يحرزون. وبذلك نخفّف عن الزميل، صفّاف الأحرف في المطبعة، هذا العناء، هو الذي يعاني مثلكم من الوطن ما يكفيه ويكفي وِلد وِلدِه:
- باريس .2
- باريس وين؟
- عم بيقول رح تظبط.
- وليد بك قال رح تظبط.
- أيمتى قال؟
- مبارح.
- واليوم؟

***

- إن ما ظبطت بيكون الحق عا "قرنة شهوان".
- هيأتو مع "التشاوري".
- طبعاً، وأنا مع "التشاور".
- أبّاً عن جد نحنا مع "التشاور".
- وأمك؟
- شو بها إمّو؟
- تشاور معا؟
- لو ما تشاور، ما استرجا يلتحق.
- صبي قنوع.
- شو لكان متل "قرنة شهوان"؟
- دخلك، نسيب ما في حدا تشاور معو، عالقليلة بحكم الجوار والقربى.
- (لفتاة كانت جالسة قربه): قرّبي مسّكيني إيدك.

***

- عم بيقول كل المصيبة من لوس أنجلس.
- قال لوس أنجلس مصيبة.
- يا دلّي وين بدنا نتخبّا.
- سد بوزك وقول الحق عالوس أنجلس.
- قال سد بوزك.
- مينو؟
- دخلك لوس أنجلس بقضا كسروان يمّا بالنبطية؟
- كلّو الحق عا فارس سعيد اذا ما ظبطت معو.

***

- عم يسأل عن "الطائف".
- قال الطائف شي مِرتّ.
- هيدي وصفة أميركانية.
- قال الممرّض إقليمي.
- ويش لكان.
- فوّت إيدك بالكلابجات، أنا أجهزة مش عم بلعب.
- هوّي حكي معك مش أنا.
- مش مهم مين حكي، المهم العدالة بدّا مقبوض عليه.
- خود.

***

- قال علقولن بالحزب.
- عم بيقول طوّلولن بالحزب كتير.
- بدّو يكونو شالو دينو تا عمل هيك.
- مين، سمير فرنجيه؟
- قلتلك كلو الحق عا "قرنة شهوان".
تفاؤل لبناني: وقف أصلع أمام المرآة ولما لم يشاهد شعرة واحدة في قرعته، نده لإبنه وقال: نشكر الله ولا شعرة شايبة براسي.

النهار الثقافي-الأحد 8 كانون الأول 2002