كلاسيكية الوجدان الفوّار وعطر الأحاسيس

وضاح يوسف الحلو
(لبنان)

(kandisky)
(kandisky)

لو أردنا اختصار الشاعر يوسف عبد الصمد في مجموعته “السيف والسوسن”() في كلمات لقلنا: إنه شاعر وكفى. تمرّ بنا قصيدته كالسحاب، مبللة بعطر الإحساس. تسير في الخط الشعري العربي الذي توافق عليه بعض شعراء الموجة الكلاسيكية في معارضتهم قصيدة النثر او “قصيدة البياض”. قصيدة عبد الصمد غنيّة التعابير، ثرية المضمون، يريدها الشاعر طليقة فتحلّق مثل الطيور، موزونة الإيقاعات والأنغام، تأخذنا خارج المكان، على عكس قصيدة النثر التي يرى فيها الشاعر حالة جمالية لا تقوى على الطيران.

يرى الشاعر ان القصيدة العربية عند القدماء كانت لها شروطها وضوابطها وجوازاتها المأخوذة من ذائقة اللغة المرهفة والعروضية بعيداً عن الارتجال والافتعال، إذ قالت العرب: “يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره”، ولا يعني ذلك التجاوزات والفلتان والفوضى في الخلق الشعري كما هي الحال الآن. فعبارة “يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره” تعني الانضباط التأليفي وإخضاع الفلتان والفوضى للنظام الشعري الذي لا يقبل الخطأ. كان الشعر في عصوره المزدهرة يقتصر على النخب الموهوبة، لا يدخل محرابه الا الأذكياء، وكان لكل شاعر “شيطانه” الذي يلقنه او يملي عليه الشعر والإيقاع والهمسات الجمالية الموسيقية الجرس.

تأثر يوسف عبد الصمد بالشاعر العربي الذي بنى قصيدته على حادثة وقعت فصاغ تعبيره الشعري نافخاً فيه عمق معاناته. وفي سياق كلاسيكية الشعر العربي الذي وصلنا من الجاهلية يرى الشاعر أن لغات كثيرة اندثرت لخلوها من النصوص الشعرية. لكنه رأي للشاعر يدحضه زوال اللغة اليونانية التي كانت ولا تزال تملك أضخم ثروة شعرية.
يقول عبد الصمد: “وتسأل أهل الشعري، من منكم مثلي/ أنا بعض ظل الأرز، والدهر في ظلى/ ترعرعت بين الداهرات التي لنا/ تحمّلني هَمّ الفتوحات عن أهلي/ علقت في شعر النجوم قصائدي/ ولم أرَ نجما ًطاله شاعر قبلي”.  ينغرز الشاعر يوسف عميقاً في الشعر الفصيح مهاجماً شعراء الحداثة الذين جردوا جسد الشعر من المعايير والضوابط.

في مجموعة “السيف والسوسن” عصارة خمسين سنة من المشاعر والأحاسيس الجياشة، مع استثناء ما كتبه الشاعر بالعامية. والشاعر ابن بلدة رأس المتن الخضراء، الغنية بصنوبرها. هناك كبر الشاعر واغتنى بالوجدانيات، والإيحاءات. زار الشاعر العالم كله، لكن مواسم البركة التي اكتنز بها كانت من عطاء بلدته. والشاعر مقيم حالياً في نيويورك، لكن دفء قريته لا يعادله شيء في العالم. 

صدرت في منشورات “بيسان”، 2004

النهار" الخميس 11 تشرين الثاني 2004