علي مهدي الذهب
(اليمن)

علي مهدي الذهبضمن إصدارات وزارة الثقافة والسياحة للعام 2004م صدر الكتاب النقدي "حلم الفراشة" ، وهو عبارة عن دراسات في الإيقاع الداخلي والخصائص النصية في قصيدة النثر، للأديب والناقد العربي الدكتور /حاتم الصكر "أستاذ الأدب الحديث بجامعة صنعاء". ويتناول الدكتور الصكر في هذا الكتاب مفردات بالغة الأهمية بالنسبة لهذا النوع الشعري الجديد "قصيدة النثر" - وما نتج عن هذا النوع من معترك أدبي تمثل في تعدد وجهات النظر والآراء مبين الرفض والقبول لها- متحدثا في أولى مفردات الكتاب عن الإيقاع ..وخصوصا الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر ، وفي ثاني مفردات الكتاب يتحدث عن الخصائص النصية في قصيدة النثر، بينما تتحدث ثالث مفردات الكتاب عن الإنشاد والتلقي والمزايا الشفاهية في القصيدة العربية الحديثة ، ويناقش في الفصل الرابع بعض مشكلات توصيل الشعر وتلقيه في شبكة الاتصال المعاصر، وفي خاتمة كتابه يتحدث عن الشعرية العربية من القصد إلى الأثر.. وقبل هذا كان قد استهل الدكتور/الصكر حديثه في مقدم للكتاب أوضح فيها مايتضمنه الكتاب وسبب تسميته قائلا: "في قصيدة من الشعر الصيني القديم تستيقظ المرأة الحالمة فلا تعلم أن كانت فراشة حلمت أنها امرأة ، أم امرأة حلمت أنها فراشة ، وهكذا تتماهى المرأة في الفراشة ، فتغدوان كائنا واحدا بحلم مشترك". ومؤكدا أن ((بين الشعر وقصيدة النثر وشيجة حلمية شبيهة بذلك أيضا، حيث لا ندري هل أصبح الشعر نثرا أم النثر هو الذي حلم انه صار في القصيدة شعرا ، وهذا كان دافعي لاختيار عنوان الكتاب "حلم الفراشة" المخصص لقصيدة النثر، ولما يتصل بتقنياتها ...)). مضيفا أن ((الدراسات الأربع في الكتاب تجمع بين دراسة الإيقاع والإيقاع الداخلي دراسة علمية تستند على الفرضيات الموسيقية وتكشف بعض آليات انجاز النص وقراءاته والنظام المتخفي وراء فوضاه الظاهرية وبين التحليل النصي وتطبيق الفرضيات على نصوص مختارة لغرض الدراسة فحسب)).. ويمكن القول ان قصيدة النثر دخلت المستوى الذي تم التعامل فيه بصفتها مسلَّمةً غير خاضعة للجدل، أو أنها تجاوزت لحظة الجدال والدفوع النقدية باتجاه الاستقرار وشيوع النموذج. ومما لا شك فيه ان انتصارها الواسع عبر الانتشار والتأثير أضفى نوعاً من التسليم على نظامها الجمالي والتعبيري. وليس من الأكيد ان كان هذا "التسليم" مؤشراً على انتفاء أي إمكان لتكون قصيدة النثر مطالبة بدفوع نقدية جديدة. فهي - أي قصيدة النثر - إضافة إلى أنها تحوّل جوهريٌّ في نظرية الشعر, فهي في الوقت ذاته تحوّلٌ في نظرية المعرفة لما اشتملت عليه من مرجعيات مرتبطة بنظام التفكير. ق الناقد والأديب العراقي الدكتور/ حاتم الصكر أعاد مجدداً ثقافة قصيدة النثر إلى الواجهة، وما كان مسلّماً به يصبح معرفةً قابلةً لإعادة التعريف. ومن جهة أخرى يصبح الرجوع إلى هذه الثقافة مناسبةً لبسط أوليات هذا التحول الجوهري, وإضفاء مزيد من الحيوية والتنشيط على كل المسلّمات التي استقرت في العقدين الأخيرين. "حلم الفراشة/ الإيقاع الداخلي والخصائص النصية في قصيدة النثر" هو كتاب الناقد حاتم الصكر الذي صدر أخيراً عن وزارة الثقافة والسياحة 2004. ق موضوع الإيقاع يأخذ حيزاً أساساً في كتاب الصكر لما لهذا الموضوع من اتصال جوهري بفكرة قصيدة النثر. ومن خلال الإيقاع يعرف التحول الذي أحدثته هذه القصيدة، وكذلك يحدد الصكر أهمية موضوع الإيقاع بأنه: "يجب ألا يتم بعيداً من تغير القنوات الاتصالية وانتقال الشعر من الشفوية إلى الكتابة, الأمر الذي رتّب مزايا توصيلية لم تكن موجودة من قبل". وهو في هذا الشأن ينقل تشكيك البعض بعلم الخليل موسيقياً ويرد على هذا التشكيك بأن علم الخليل بالموسيقى واضح "في استنباط زمنية الصوت ومدته وطبيعته التكرارية في البيت الشعري". وانطلاقاً من هذه المعرفة بالموسيقى عند العرب يرى الناقد النتائج "الخطرة" المترتبة على مثل هذا "الأساس الموسيقي لنظم الشعر العربي" في حال انه مجرد "تردد ظاهرة صوتية على مسافات زمنية محددة النسب". فيجمل النتائج بأنها تدفع إلى فهم الموسيقى الشعرية "على أنها الموسيقى الخارجية" وكذلك تصبح "البحور نماذج يقاس بها الشعر، فما لم يكتب وفقها ليس شعراً" وهو ما يؤدي إلى توسع ظاهرة "التفاصيل الشفاهية" وكذلك "ربط المعاني النفسية بصور البحور". والأثر الذي يخلفه ربط الشعر بالوزن أدى به إلى أن "ينفصل عن النثر" ويبتعد - النثر - "عن أي مؤثرات". ومن النتائج أيضاً "الزهد بالمعنى أو بالمضامين" وشيوع "المباشرة" وتكريس "النظام ألبيتي الذي يؤطر القصيدة", وأخرا "تسفيه محاولات البحث عما يميز الشعر من النثر غير الموسيقي". ق يشير الناقد إلى الإطار العام الذي أدى إلى إبراز جانب "الإيقاعات الداخلية" والعوامل التي مهّدت لظهورها، ومنها الشعر المترجم عن اللغات الأجنبية. والخلط العروضي (الاختلاط بين تفعيلات أكثر من بحر). والتدوير, وهو تكريس السطر بديلاً للبيت. والنثر الفني, بالاعتماد على النفري وأنسي الحاج وأدونيس وجبران خليل جبران، والعامية الدارجة وما عكسته من دلالات جديدة لم يعرفها الشعر، وتغير البنى اللغوية، وكذلك تغيرات البنى الثقافية، وينتهي إلى أن الإيقاع أسبق من العروض ولا يمكن تحديده حصرياً لأنه شخصي ومتغير وبأن لكل قصيدة إيقاعها الذي تصنعه. وان الخلاف حول الإيقاع سيستمر طويلاً كونه مركز تقاطع لقضايا عدة. وفي العودة إلى مسألة الموسيقى الخارجية التي تمثلها العروض والتفعيلات وحلول السطر مكان البيت نجد أن الناقد ترك المسألتين على حالهما من دون المساس بهما كمسلَّمتين جديدتين لا تخضعان للفحص(!) فمن جهة يمكن قصيدة النثر التفاعل مع الموسيقى الخارجية، هي الأخرى، لا من خلال العروض أو التفعيلات بل من خلال المنطوق, وإلا ما هي المحددات التي تجعل من إمكان وجود السطر قابلاً للتحقق؟ اللبس الذي يرافق التقطيع السطري في قصيدة النثر مرجعه في الإفادة التي لا تتحقق دائماً من موسيقى خارجية، والمتتبع لقصائد النثر في الآونة الأخيرة يلمح شيوع ظاهرة التقطيع القسري للأسطر بحيث تبدو وكأنها لازمة خارجية بالكامل وكان يمكن نشرها بواسطة أسطر كاملة لا يقطعها إلا تغير المعنى أو تناول منعطف جديد في القصيدة. والحق يقال أنها مشكلة نقدية مستقلة بسبب عدم حسم معيارية السطر في قصيدة النثر. والسؤال البحثي الذي يمتلك الأسس المفهومية اللازمة يكون: ما هو مدى العلاقة الممكنة في قصيدة النثر بين الموسيقى الداخلية والموسيقى الخارجية؟ ستترك أي إجابة عن مثل هذا السؤال أثراً معيارياً فاعلاً في السطر بديلاً من البيت الشعري, التي لا يمكن أحداً الادعاء بأنها حسمت حتى الآن. ق في التطبيقات الناتجة من التمهيد السالف في الكتاب ومجموعة التعريفات نجد النفري مقروءاً, عبر مقطع محدد على خلفية "رؤية صراع الضمائر والأضداد لينبني بها عالم يقوم على التوازي بين الإرادة والاختيار ساهم إيقاع الفكر في تجسيده وتوصيله"، والملاحظة الجوهرية تكمن في مسألة إيقاع الفكر التي تأتي مكملةً لإشاراته حول النتائج الخطرة لمفهوم الإيقاع في الشعر العربي. ومنها خلوها من إيقاع الفكر السالف. وكذلك تستمر التطبيقات المقطعية فيقرأ الماغوط في قصيدة "أغنية لباب توما" فيشير الناقد إلى "المفارقة" التي تشطر النص نصفين منذ عنوانه, وحضور الجملة الاسمية في المدخل ويفرد الأسماء الواردة في القصيدة ليبرز ما سماه "إيقاع التناقض". والصكر يذكّر مرة إثر مرة عبر تسمياته الجديدة للإيقاع بما نوّه به في التأسيس من المشكلات الناتجة من معنى الموسيقى في الشعر العربي. ومن ديوان "لن" للشاعر أنسي الحاج يختار قصيدة "خطة" على خلفية ربط الجزء بالجزء والجزء بكلية النص. وكذلك المنطق الداخلي الذي يحكم هذا النص والمعتمد على التناظر والتتابع السببي, معتبراً أن هذه هي مفاتيح فهم الإيقاع في هذا المقطع. ومن مقطع لأدونيس يرى إيقاع العمل الموحّد وكذلك ما ينبثق عن صلة البؤرة، أي صلة الفكرة الرئيسة بتنويعاتها. ق فان كانت النتائج الخطرة تلك التي ترتبت على فهم الإيقاع موسيقى خارجية كما أشار في التأسيس, فكيف ستكون مزايا قصيدة النثر في المقابل؟ وهي من القضايا التي خضعت منذ مدة طويلة إلى التسليم المعرفي وصارت خارج التداول الثقافي وجاء كتاب الدكتور/ الصكر لينشطها ويعيدها مرة أخرى كنظرية معرفة كما هي نظرية شعر. وهنا لا يفوت الناقد فرصة الإشارة إلى أن قصيدة النثر بعد أن أفلتت من "التجنيس" قد أفادت من "الخصائص السردية" عبر لغة القص و"التسميات والحوار والحدث", وتلك المزية الأولى التي يشير إليها المؤلف. ولأن التأسيس- فضلاً عن عنوان الكتاب وجوهره البحثي- قام على كشف الإيقاع، فإنه من المنطقي اللازم أن يكون فهم الإيقاع, محدِّداً مفهومياً لقصيدة النثر, فيشير إلى المزية الثانية فيها وهي الإيقاع لكن على انه "إيقاع داخلي يعوض عن الموسيقى الخارجية الغائبة" ..أليس من المفروض ألا يفترض الصكر هنا افتراضاً انطلاقيا غياب الإيقاع الخارجي؟، مؤكداً أن الإيقاع "أشمل من الوزن والموسيقى الخارجية". ثم مشكلة المعنى كمحدد مسبق تقليدياً للشعرية، فيضيف النقيض كمزية جديدة لقصيدة النثر مستبدلاً المعنى بـ"الإيحاء" كونها "قصيدة دلالية". وينتهي إلى أن قصيدة النثر قصيدة كلية "لا جزء فيها يغني عن سواه" وهي "لا تعلن عن نفسها بل تترك للقارئ حرية اكتشاف منطقها الداخلي الخاص". ق يركز الصكر على مزايا وخصائص نص لأنسي الحاج في هذا القسم هو "فتاة فراشة فتاة" معتبراً أن قصيدة أنسي الحاج اشراقية وتناقض القصيدة الشكلية وتتعمد تغييب مرجعها الذي دخلت "في تناص تناسخي معه". هذا مع العلم أن الشاعر الحاج حذف هذه القصيدة من أعماله, وهي منشورة في أحد أعداد مجلة "شعر" اللبنانية. ويمنح الناقد هذه القصيدة مساحة واسعة من التحليل ألألسني منتهياً إلى أن السمة الإشراقية لقصيدة أنسي الحاج لا تتحقق كاملة, فهناك دلالات "زمنية لم يشأ الشاعر التصريح بها". ومن هنا فإن لغته تؤدي "خدمات نصية مزدوجة". ق يتضح مما سبق أن الاهتمام بالجانب الداخلي سواء للإيقاع أو للإيحاء يفقر الجانب الخارجي الذي بالغ بعض النقاد بربطه, تحديداً, بموسيقى التفعيلة والعروض. وكما أشرنا إلى ضرورة عودة خارجية الإيقاع إلى قصيدة النثر وعدم بقائه أسير التصنيف "الثوري" الذي استبعد فاعلية المنطوق في النثر بدعوى ارتباط الإيقاع الخارجي بالـ"المتمرَّد" عليه، ألا وهو الشعر العروضي، هنا يجد الناقد الفرصة مواتية للإشارة إلى مزايا الشفاهية في القصيدة العربية الحديثة. يشير إلى "الإنشاد" كواسطة تدل على مآزق منها التضحية بالفن الشعري وربط الشعر بالخارج وإضعاف أبنية الشعر اللغوية والتفريط بوحدة النص الشعري وتقليص مهمة التلقي الشعري وحصرها بالاستماع والتنازل عن مزايا الكتابة الشعرية وإلغاء الخبرة البصرية. مواصفات الإنشاد هذه مهّدت لتكون الأنماط الفنية للشفاهية الجديدة متمثلة بالنزوع الدرامي الذي يمثل حنيناً لمخاطبة الآخر, والتكرار كسمة تمتاز بها الملامح الشعرية القديمة, والتضمين بالتناص من خلال المفارقة أو تعديل النصوص المضمنة, ومنها تحسين الاستهلال والعناية بالخواتم, والتجنيس الداخلي وجناس القلب وسواها .
عن( رأي نيوز)

عن المشكاة-2005-06-21