للمتوكل طه

مع رسوم خالد الحوراني
تقديم: أحمد رفيق عوض

للمتوكل طهصدر في رام الله كتاب ( أحلام ابن النبي) للشاعر المتوكل طه بالتجاور مع أعمال فنية صممها الفنان خالد حوراني ، بالإضافة لدراسة حول العمل تحت باب : نص الدخول للروائي أحمد رفيق عوض.
الشاعر المتوكل طه من خلال هذا الكتاب حاول مقاربة حالة السجن في سياقها الفلسطيني والتحول من الخاص إلى العالم .. عبر سياق شعري استطاع الشاعر الدخول إلى جوانية الأسير وملامسة هواجسه والاقتراب من عوالمه الإنسانية وأسئلته العادية ..
الدراسة والتي قدّمت العمل حاول بواسطتها أحمد رفيق عوض أن يقدّم لنا تحليلاً عن السجن، السجين، ماهية الأسر، الحرية كاقتراح جمالي وفلسفي، كذلك اقترب أحمد من شخصية نزار التميمي وأبعادها وكذلك شخصية أحلام التميمي .. أما لماذا نزار وأحلام فلأنهما يمثلان حالة خاصة وفريدة ، كلاهما يقضي محكومية السجن المؤبد وتتم خطبتهما وهما داخل السجن ، ثمة انفتاح على البعد الإنساني هنا ، وهذه الحالة تنسحب على الوضع العام للأسرى في سجون الاحتلال فالأحلام والهواجس والرؤى والآلام والمعاناة تتشابك ، كذلك استشهدت الدراسة بغير عدد من المقاطع الشعرية في محاولة لتفكيك النص وكشف طبقاته.
ومما جاء في المقدمة :

"السجان الإسرائيلي مُضْحِك بشكل يدعو إلى الرثاء حقاً !
فما معنى أن يحكم على الفلسطيني بالسجن مدة عشرة مؤبدات مثلاً ومن ثم أربعين سنة ؟!
من أين لهذا السجين كل هذا العمر ؟!
ومن أين للسجان كل هذه الثقة بالزمن ؟!
وكيف يفي السجين بكل هذه الأعوام ؟!
ثم، هل سيشفي السجان غليله بأن يعتقل جثة السجين المحكوم بالمؤبد ؟!
السجان الإسرائيلي يعتقل الجثث ويحبس الموتى ؟! تخيّلوا !!! هل فعلها غير الاحتلال ؟
السجان الإسرائيلي ، ومنذ العام 1967 وحتى الآن، سجن الفلسطيني أكثر من 250 ألف سنة سجن ، أي حوالي 2500 قرن.
السجان الإسرائيلي - على شدة ما يدعي من السيطرة والقوة والمعرفة - فانتازي إلى أبعد الحدود، سريالي حتى النخاع.

***

السجين الذي ذهب إلى سجنه من أجلنا ، ومن أجل أفكارنا وصورتنا التي نعتقدها عن أنفسنا ، وهو أجملنا وأشجعنا ، وهو خندقنا المتقدم ، وهو ضميرنا الذي نفاخر به ونحتكم إليه ، هو ثمرة حركتنا الوطنية وزبدتها وطليعتها ، ومن حقه علينا أن نهتم به ونعتني بأسرته ، وأن نؤكد له يومياً أننا لم ولن نتنكر له . هو لم يذهب إلى سجنه لأنه مأزوم أو مهزوز أو مضطرب ، وهو لم يفعل ما فعله من أجل أن ينجو بشكل شخصي أو ينفرد بحل .
لقد ذهب وهو مفتوح العينين، مليء القلب، ثابت القدم.
إنه الأصل والأشجع !!
إن من حق هذا الجميل الشجاع علينا أن نُكرّمه وأن نتزّين به، وأن نحمي أسرته؛ زوجته وأولاده، شر السؤال وذلّ الحاجة.
يقاس المجتمع بمدى اهتمامه بفئاته الأضعف، أما الأسرى فهم فئته الأكثر غنى والأكثر خصباً. الأسرى هم الفئة الأكثر رؤى".
الأعمال الفنية التي قدمها الفنان خالد حوراني أضافت للكتاب ميزة أخرى، ومنحته بعداً جمالياً وبصرياً لافتاً.. ثمة القيد والعتمة، شبحية ما نراها في الرسومات وخلالها ، غموض المصير ، ربما ، أما على غلاف الكتاب فكتب الشاعر مراد السوداني :
"عندما تنفتح الزنزانة فتصير وطناً .. ويصمّم النقيض الوطن زنزانة تتسع بالقتل وإعادة إنتاج التعذيب الدهري .. يصبح الموت سياقاً يومياً يبدعه القتلة على الأجساد الحرّة ..
عبر هذا النّص استطاع الشاعر المتوكل طه أن يبقّع عباءة السجن السوداء بنقاط الضوء والكلام المنسرب من مرجل الحرية العظيم والطافح من زيتوننا العتيق المقدّس .. فيمنح التجربة رغم خصوصيتها في المكان والشخوص مساحة لإيقاع الهاجس الجمعي ووجع بلادنا المنذورة للمواجهة والبقاء على قيد الكرامة والحلم ..
الكلام هنا ، إشاريٌّ بامتياز ، يتقدّم بفيوضات التأمل والتحديق الفذّ في الحلكة الباردة لصياغة رنين بعيد يحمل الصورة على قرنين من مجاز كظيم وتدوير لافح مثل ليالي السجناء الباردة .. يتركنا النّص المنفتح على المقدّس والعوالم الجوّانية واقتراح العادي والطبيعي وملامسة البسيط في يوميات السجناء، ليغلي محمولاً على أنينهم الكلِّي ووسواسهم الجميل بغدٍ أفضل وزمنٍ أقلّ قبحاً وأكثر شفافية واخضراراً ..
يختلط نصّ الدخول بالمتن الباذخ وريشة الفنان ، .. في ثالوث متأزم الأضلاع يقدّم ما هو مختلف ورائق وجميل ..، لتعلو "أحلام أبناء الأنبياء" ".