محمد العشري
(مصر)

جمانة حداد وقّعت الطبعة المصرية من "عودة ليليت" وقّعت الشاعرة جمانة حداد الطبعة المصرية من مجموعتها الشعرية "عودة ليليت"، الصادرة حديثاً لدى "دار آفاق للنشر" في القاهرة، وهي الدار التي ستعنى بنشر مجموعات الشاعرة تباعاً في مصر. انعقدت الأمسية في مقهى "ريش"، في حفل جاء مواكباً لاحتفالية هذا المقهى التاريخي بمئوية تأسيسه في قلب العاصمة، وهو الذي كان ملتقى الكثير من كبار الأدباء والفنانين من أمثال نجيب محفوظ وأمل دنقل ومحمد عبد الوهاب...الخ. وقد اختار صاحبي "ريش" مجدي وميشال عبد الملك أن يكون هذا الحدث باكورة سلسلة من النشاطات الثقافية التي تتزامن مع بلوغ المقهى عامه المئة، اذ تأسس عام 1908. الجدير بالذكر أن هذه المرة الأولى يقام حفل ثقافي عام في قبو "ريش" الحجري، الذي كان مخبأ لمناضلي ثورة 1919. ويحتفظ القبو بمطبعة المنشورات الخاصة بهم والتي يرجع تاريخ صنعها الى بدايات القرن التاسع عشر. حضر الحفل عددٌ كبير من الكتّاب والشعراء والمثقفين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الأدبي من المصريين والعرب، منهم الكتّاب بهاء طاهر ومكاوي سعيد ويوسف أبو رية وأحمد الجمال وسهير المصادفة ومحمود عبد الفضيل وشعبان يوسف ونجوى شعبان وخالد مطاوع ولينا الطيبي ومحمد صلاح وياسر الزيات وبشير السباعي وحمدي أبو جليل وعفاف عبد المعطي وفاطمة ناعوت وحمدي الجزار وجيهان عمر ومحمد صلاح العزب وكثر آخرين، الى جانب الكاتبة اللبنانية املي نصرالله التي صودف وجودها في العاصمة المصرية في ذلك اليوم، فلبّت دعوة جمانة حداد الى وليمة الشعر.

بدأ اللقاء بكلمة ترحيب من الناشرة سوسن بشير، الشريكة المؤسسة (الى جانب مصطفى الشيخ) للدار ومستشارة النشر فيها، وهي كلمة عبرت فيها عن سعادتها الشخصية وسعادة القائمين على "آفاق" و"ريش" بصدور طبعة مصرية من "عودة ليليت"، وبقبول الشاعرة جمانة حداد الدعوة المصرية. وأكدت أن تلك السعادة تنبع من شعرية جمانة حداد المختلفة، وهي التي اختطت نهجاً خاصاً بين الأصوات الشعرية العربية، عبر حفر لغة جديدة ووجدان غير نمطي للأنوثة وترسيخهما. ثم افتتحت الشاعرة الأمسية بقراءة مقتطفات من المجموعة، رافقتها في ذلك مغنية دار الأوبرا رحاب مطاوع في دويتو لافت، مردّدةً بعض الجمل بشكل غنائي مميز، نال إعجاب الحاضرين. يذكر ان الفنانة رحاب مطاوع هي التي اختارها الموسيقي اللبناني السويسري محمود تركماني لترافق بصوتها الجميل موسقته لديوان "عودة ليليت" في السي دي الذي يصدر عشية السنة المقبلة.

ثم تلت القراءة مناقشة المجموعة نقدياً من جانب الناقدة الدكتورة شيرين أبو النجا والشاعر حلمي سالم، بإدارة الكاتب والصحافي سيد محمود، الذي أشار في مستهلّ كلمته إلى مدى صوابية وصف الكاتب الطاهر بن جلون لشعرية جمانة حداد، عندما قال إن "شعرها يقطع الأنفاس، ويذهب إلى الحدود القصوى". ثم دخلت الدكتورة شيرين أبو النجا إلى قلب المجموعة، متسلحةً ببحث موسع وموثق عنها (كان ديوان "عودة ليليت" مادة أحد ابحاث ترقيتها في كليّة الآداب في جامعة القاهرة حيث تدرّس)، فذكرت بداية بعض ابرز المبدعين الأجانب الذين تناولوا أسطورة ليليت في الكتابة الإبداعية، وهو التقاط كاشف لدلالات عديدة شكلت الأسطورة، أمسكت بها الناقدة بمهارة للتدليل على رؤيتها، وتوصلت منها إلى أن الأدب الأجنبي نزع الصفات السلبية عن ليليت، وأن الأدباء الغربيين الذين تناولوها سابقاً فضلوا فعل ذلك من منظور أبوي مجتزأ، وهو الأمر الذي تعتبره ابو النجا سجناً لليليت. بينما تميزت جمانة حداد، في تناولها لشخصية ليليت للمرة الأولى في الأدب واللغة العربيين، بأنها قاربتها مع كل صفاتها السيئة وحولتها إلى سمات إيجابية. واضافت ابو النجا ان "تناول جمانة حداد لهذه الاسطورة شعرياً هو بمثابة كشف لكل المسكوت عنه في شخصية ليليت التي لعنت على مدار قرون"، موضحة أن الحكي عنها من منظور ثقافي جديد وحديث ومختلف هو جزء من الأسطورة ذاتها، اذ انّ كل إعادة صوغ للأسطورة تضيف إليها وتساهم في تشكيلها. وأشارت الناقدة إلى أن مجموعة حداد هي مغامرة شعرية وأسلوبية في حد ذاتها، تكتنفها الجرأة في الطرح، لأنها تجمع الشعر والمسرح والنثر في تجاور هو في ذاته تجاوزٌ لكل الحدود، ويتعداها بامتياز، و"رغم ذلك يمكن قراءة المجموعة كاملة كما لو أنها قصيدة واحدة".

أما الشاعر حلمي سالم ففضل أن يدخل إلى المعنى الدلالي لصوت الشعر لدى الشاعرة وكيفية اختراقه الوجدان. ورأى أن صوت ليليت ليس صوتاً نسوياً في مواجهة الرجل بل صوت الكيان الإنساني الجامع الأنوثة والذكورة، مفصّلاً إلى ذكر وأنثى معاً، منصهرين في بوتقة الشعر". وأضاف أن المجموعة الشعرية جاءت حاملة خمس سمات أساسية، هي: الاحتفاء بالتاريخ، إرث المعرفة الإنسانية المتمثلة في الأساطير، الدراية العميقة باللغة والموسيقى المسكوت عنها فى النصوص، والحسية التى تتسم بها كل أعمال جمانة حداد، والتي تحمل خيطاً رفيعاً من الميتافيزيقا، ذلك الخيط الرهيف الذي ينقّيها من الوقوع في المادية الكاملة. واعتبر أن القصائد لا تحتفي بالفكر أو السياسة لكنها تمجد الجسد، باعتباره قبة الروح – كما يقول المتصوفة - وليس مجرد جسد حسي.

وختم سالم قراءته النقدية بالقول: "هناك شعراء يتمتعون بالموهبة، لكن الموهبة وحدها لا تصنع شاعراً متميزاً. وهناك شعراء يكدّون ويشتغلون على انفسهم وعلى تثقيف ذواتهم، لكن الشغل على الذات لا يصنع وحده شاعرا متميزا. ولكن هناك قلّة تتمتع في آن واحد بالموهبة وبشغف الشغل على الذات، وهؤلاء هم الشعراء المتميزون بحقّ. وجمانة حداد هي بامتياز واحدة من هؤلاء".

في الختام كان كوكتيل ودردشة وتوقيع للكتاب.