فاطمة ناعوت
(مصر)

لستُ مُلْهِمـةً

مائة شاعرة من أربعة وعشرين بلدًا حول العالم، هنّ متنُ الانطولوجيا الشعرية الإنجليزية الضخمة التي وقعت في 516 صفحة من الحجم المتوسط، واتخذت لنفسها عنوان Not A Muse "لستُ مُلْهِمةً." بلدان عربيان هما: لبنان: (سوزان عليوان، فادية فهد، رفقة مطر)، ومصر: (كاتبة السطور)، إضافةً إلى أميركا، كندا، أستراليا، كوبا، الدنمرك، إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، بلغاريا، جزيرة جوام، هونج كونج، كوريا، الهند، أندونسيا، نيوزيلاندا، النرويج، الفلبين، اسكتلندا، جنوب أفريقيا، ويلز. حررت الأنطولوجيا كلٌّ من كيت روجرز، وفيكي هولمز، وصدرت عن دار "هيفن" Haven Books في هونج كونج. وقد تعمدتِ الدارُ أن يتزامنَ طرحُ الكتاب في الأسواق مع يوم المرأة العالميّ في الثامن من آذار/ مارس 2009، وقد تعيّن أن يُعتمد الكتاب مرجعاً إنجلوفونياً أكاديمياً نسائيًّا في عدد من جامعات هونج كونج وبريطانيا وأميركا وغيرها.

1- الحياة اللندنية -22/5/2009

ولئن كانت ربّةُ الشعر امرأةً، في الحضارة الاغريقية القديمة، فكيف يكون الحال إن كان الشعرُ ذاتُه مكتوبًا بقلم امرأة؟ لا شك سيكون الأمرُ مختلفًا مدهشًا ومشاكسًا. هذا ما حاولتِ الانطولوجيا طرحَه عبر اختيارات القصائد التي كتبتها نساءٌ رفضن أن يستكنَّ في خانة المرأة التي كلُّ دورها في الحياة أن تكون مُلهمةً للرجل ومُحرّضةَ خياله.

بدأت كيت روجرز تصديرَها الكتابَ بعبارة لفرجينيا وولف: "عبر قارّة المرأة الواسعة تُسقطُ الحياةُ ظِلاًّ لسيف. على أحد جانبَيْ السيف، كلُّ شيء منضبط، محدّدٌ، منظّمٌ؛ الدروب مستقيمةٌ، الأشجار مُشذَّبةٌ، الشمسُ مظلّلةٌ؛ محميةٌ بالرجال، محروسةٌ بالشُّرطيين، متزوجةٌ ومدفونةٌ على يد الكهّان، عليها وحسب أن تمشي محتشمةً من المهد إلى الضريح دون أن يمسَّ أحدُهم شعرةً من جدائلها. لكن على الجانب الآخر كلُّ شيء مُرتبكٌ. لا شيء يتبع المسارَ النظاميّ. تنعطفُ الدروبُ بين المستنقع وبين الهاوية. الأشجارُ تزأرُ وتتأرجحُ وتهوي إلى حُطام."

عثرت روجرز على تلك العبارة في الجزء الثالث من كتاب "مقالات فرجينيا وولف"، وهو ما اعتبرته "إشارةً"، وفق تعبيرها، "لكي تبدأ في تدشين هذه الانطولوجيا النسائية العالمية التي جمعت فيها شاعرات من بلاد تعوزها حرية التعبير، إلى جوار أخريات نشأن في بلاد تنعم بتلك الحرية. على أن أولئك الأخريات قلن إنه ما زال أمامهن طريقٌ ليقطعنه رغم تلك الحريات المتاحة، إذ لم تزل كثيراتٌ جدًّا من "جوديث شكسبير"، كما تخيلتها وولف في كتابها "غرفة تخصُّ المرأة وحدها"، حينما قالت إن شقيقة وليم شكسبير كانت تمتلك موهبةً أكبر منه، لكن البطريركية وأدتها. ذاك أن التجارب التي تحركّنا وتدهشنا، نحن النساء، في حياتنا اليومية، في علاقاتنا بالآخر وبالعالم وبأجسادنا، ما تزال، من أسف، تُقيَّم باستخفاف وبغير احتفاء في تيار الشعرية الراهنة والأدب بعامة عما يكتبه الرجال. تطرحُ الشاعراتُ في هذه المختارات سؤالا وجوديًّا واسعًا: هل نحيا، نحن النساء، حيواتنا بصدق، حقيقييات تمامًا لأنفسنا؟ وإذا ما اخترنا أن نحيا حياة غير تقليدية، ماذا سيكون الثمن؟ تقدم هذه القصائد تلك الخيارات وتلك الأثمان، وكذا تطرح كيف نعيد تعريف أنفسنا كنساء وكشاعرات، ونعيد تعريف الحرية ذاتها. عكف الشعراءُ الرجال عبر قرون على اعتبار المرأة مُلهمةً وحافزًا للكتابة ونبعًا لا ينضب للإبداع، لكن ثمة الكثير فيها غير كونها مصدر إلهام. الآن، قد وجدتِ الملهمةُ صوتها الخاص. فالمرأة اليوم، تبحث عن مُلهماتِها الخاصة، عوض أن تكتفي بدور الملهم للآخر. تلك العبارة التي كتبتها وولف عام 1925، وكانت ملهمة لهذه الانطولوجيا، بوسعي الآن عام 2009، في عصر ما-بعد-النسوية أن أجادلها وأقول لا، ذاك أن معظم النساء، سواء في العالم المتحضر أم النامي، يكافحن من أجل حرية التعبير، ومن أجل بعض الوقت وبعض الاحترام اللازمين لأن يكتبن، من شركائنهن وأزواجهن وأطفالهن وآبائهن."

تشعّبَ الكتابُ عبر دروبٍ ومسالك اعتمرتِ المرأةُ الشاعرةُ عبرها أثوابًا عديدة، ليس من بينها عباءةُ "المُلْهِمَة". تلك الدروب اتخذت أحد عشر فصلا عناوينها: المرأةُ بوصفها مبدعةً، بوصفها عائلةً، بوصفها أصل الحياة، بوصفها مُستكشفة، بوصفها صانعةَ أسطورة، بوصفها ربّة بيت، بوصفها الطبيعةَ، بوصفها مُحبّةً، بوصفها مقاتلةً من أجل الحرية، بوصفها حافظةَ أسرارٍ، بواصفها وعاءَ ذكرياتٍ، وأخيرًا المرأة بوصفها مُسِنَّةً.

من باب: المرأةُ بوصفها مستكشفةً نقرأ لسوزان عليوان: "غير قادرةٍ على نسيان طميها تسقطُ الثلوجُ لا بداياتٍ بيضاءَ ثمة." ومن باب: المرأةُ بوصفها مُحبّةً، كتبت فادية فهد في قصيدة "الأسرار": "تتوقُ إلى الحب تتعلّقُ في مرآتي حيث آلافٌ مثلي يختبئن واحدةٌ وحسب من تلك الألف امرأة سوف تهبكَ الحبَّ. النساءُ ها هنا بغير أحمر شفاه ولا ظلال جفونٍ وخصلات شعرهن محلولةٌ في مياه النهر وصوتُ الرياح." ومن قصيدة "القوة" في باب: المرأةُ بوصفها مبدعةً، نقرأ للبنانية رافقة مطر: "أكتبُ وأكتبُ وأكتبُ وفيما بعد أفقدُ ذاتي في لُجّة الكلمات لا أجدُني ولا أجدُك." ومن باب: المرأة بوصفها الطبيعةَ، كتبت الصينية فيوبي تسانج: "تلويحةُ الوادعُ لكَ شيء يشبه بترَ يمناي: ظللتُ أنزفُ لأيامٍ قبل أن أجدَ طبيبًا يرأبُ الجَدْعَ بمئات الغُرَز البارعة حمراءَ وفجّةٍ مثل قُبلات البعوض." ومن باب: المرأةُ بوصفها مُسنّة، نقرأ البريطانية من ويلز سوزان ريتشاردسون من قصيدة "تيك تيك": "ساعتي البيولوجية لا تقبعُ تحت بلّورة فوق رفِّ المدفأة بل ترقبُ نفسَها تدورُ في قنوطٍ حزين ساعتي البيولوجية لا تُظهرُ نفسها على حائطٍ في ردهةٍ ولا تقذفُ صوتَها لتحاكي نداءات بيج بين ... بدلا من ذلك تضربُ الشمسُ وجهها بأصابعَ دافئةٍ مُحبّة فتجيبُ بظلِّ ابتسامةٍ زاوية." وفي المرأةِ بوصفها حافظةَ أسرار، تقول الصينيةُ آنّا شيرمان: "اتركْ اللوحةَ دون ألوان ودعْ الخوخةَ غير مقضومةٍ اتركْ نعلَ الحذاءِ دون ورنيش أسودَ واتركْ تاريخَنا وحواديتِنا غيرَ مكتوبةٍ." أما المرأةُ بوصفها مقاتلةً من أجل الحرية، فتقولُ فيها الكنديةُ آندريا جارما: "الحبُّ هو الذي أتى بي إلى تلك النهاية والحبُّ هو النهايةُ التي تُقتُ إليها. أن أنكسرَ أو أنحني تلك كانت الخيارات المطروحةُ لي بينما اخترتُ أنا أن أقفَ مُنتصبةً. وها أنا أقفُ الآن مكسورةً ضئيلةً عاريةً وشاحبةً على إنني مستقيمةٌ غيرُ منحنية."