زياد العناني
الأردن

زهو الفاعل بيروت ـ من جورج جحا: في "زهو الفاعل".. مجموعة الشاعر الاردني زياد العناني الاخيرة قصائد تفيض بسهولة وهدوء "متفجر" غالبا شعرا دافئا مصفى من كثير من الزوائد وحزنا وسخرية مرة.

وقصائد الشاعر التي كثيرا ما تأتي في بساطة مدروسة بدقة حتى انها تبدو اقرب الى فيض هاديء حتى في تناول المعقد الصعب هي ايضا حافلة بالرموز التي تعود فتجعل ـ وبالشكل المدروس نفسه- من بعض "بسيطها" اكثر تعقيدا مما قد يبدو لنا.

وفي كثير من قصائد زياد العناني ادانة لعالم هو في الغالب عالمنا الشرقي ولعصر بدا عنده حافلا بالآمال والآلام وبأنواع النضال والتضحيات ليتحول الى ما يشبه مكانا للخيبات ولإذلال الإنسان.

جاءت المجموعة في 159 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان التشكيلي العراقي علي طالب وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

دفة غلاف الكتاب الثانية حملت كلاما للناقد زهير ابو شايب قال فيه "اهم ما يميز نصوص هذه المجموعة الشعرية حرارتها. ان الشعرية في جوهرها ليست مواصفات ومقاييس بل هي هذه الحرارة التي نميز بها النص الحي من النص الميت.

"ان على النص لكي يكون شعريا ان يكون حيا اولا لأن النص الميت لا يصلح للشعرية مهما تكن مواصفاته. هكذا يذهب زياد العناني الى شعرية اقل زخرفا وانشغالا بذاتها لكنها اكثر شراسة وانشغالا بالعالم. شعرية تخمش السائد والراكد والمقدس... وهكذا ينهش الشاعر تعيّنات السلطة المختلفة بوصفها نقيض الحرية ونقيض الشعرية دون ان ينزلق الى مستوى الكتابة الاستعراضية التي توهم في الظاهر بانها تجابه السلطة فيما هي في الحقيقة امتداد طبيعي لها..".

تحت عنوان "نافذة" قدم زياد العناني لقصائده ببيت شعري لبشار بن برد هو "اقام في بلد حتى بكى ضجرا من بعضها وبكت من بعضه بلد".

وتحت عنوان "قصائد" اورد الشاعر قصائد تحت "ارقام" واقتصر في الاولى على القول " تخيلت كرسيا/ فسال دمي".

اما تحت الرقم الثاني فكانت القصيدة اطول من الاولى. قال "حين اعود/ الى بدء الجريمة/ الاولى/ أكره رأسي/ وأغرس كل مخالبي/ في وجه المحبة/ قاتلتهم دهرا/ ثم قتلوني/ فلماذا يا حزن الله/ لم تظهر في الوقت المناسب/ قبل ان تغرق الدنيا/ بدمنا/ ونموت مضطهدين/ في شبهة كرسي/ كلما رفعناه/ يسقط/ فوق رؤوسنا".

وتحت الرقم خمسة يقول بخيبة وحزن عميقين لا يتزحزحان "ماذا احكي عن بلاد/ ضيعتها/ مثل قرش الطفولة/ ضاع الحلم/ وضاعت قطعة الحلوى".

وفي الرقم السابع تتسع الادانة عنده فيقول "في الشرق/ يقف الرب مع الحكام/ ويتركنا/ غلابى/ ومعذبين/ نهتف/ ونركض في نشاطهم".

وتحت الرقم "9" يصور حالة "تاريخية" من الاستضعاف والظلم كأن الفقراء والطيبون المستوحدون في هذا العالم قد خصوا بها اكثر من غيرهم. قال "بدأوا/ بالضرب/ واحدا واحدا/ ليس جديدا ان يضربني عتاولة الوطن كي اعترف/ ليس جديدا فحينما كنت طفلا/ كان الاطفال يتمرسون في لطمي/ فأسقط مغشيا على رأسي/ من غير ان يعرفوا فضيحة/ انني قد جئت الى الدنيا/ اخرس ..".

وفي القصيدة التي حملت رقم عشرة وفي جو اشتداد للادانة قال زياد العناني "قلما يخطىء القائد/ في اطعام المقابر/ وهي تبتسم/ قلما كان يقلل من شأن الدم/ حين يتجمد/ او حين يسيل/ في حرب دمنا/ هيأنا عبر المذياع/ وذكرنا/ بالبطولة التي لا تقرن/ بتهمة الحياة/ فنلنا الشهادة مبتسمين/ ومشينا/ في جنازة مهيبة/ لم يقطعها احد/ حتى الرب الطيب كان حاضرا/ مثلما قالت امي التي رأته/ وهو يسير في المقدمة".

وفي الرقم 13 يتنقل الشاعر بين الشخصي والعام ليصور الخيبة والبؤس و"اليتم" الوطني. يقول "قضى العمر/ وهو يعب من نشواتها/ التي تذهب العقل/ وحين صحا/ تذكر ان الزوجة التي طلقها/ تزوجت/ وأن الابن/ صار ابا له/ وأن البيت مجرد زاوية/ عمياء/ وأن الدولة/ حرمته من التأمين الصحي/ فبكى/ ثم تبسم/ على هيئة جرح/ وطني".

وتحت عنوان "ذكريات" يرسم صورة للواقع الانساني والروابط الإنسانية لا تشديد فيها على الاقتصاد والسياسة والتقاليد وغير ذلك. انها عنده أبسط وأعمق من ذلك كله. يقول "ليست الأرض/ وليست اللغة ما يربط بيننا/ انها الذكريات التي تجعل من امي/ امي".

وفي "ركب من شبه لهم" قال زياد العناني في تكثيف للأحزان "كأن لا شاعر بلا شر/ يتبعه/ كأن بي حزن من خرجوا من الحرب/ وحزن من عادوا اليها/ كأنني الزلزال حين يضحك من علوم الهندسة/ كأنني طبق صورته/ كأنني بت أنفخ وأطرح كل مهاراتي في ليل الارض/ لكي تبكي".

القدس العربي
23-10-2009