إسكندر حبش (لبنان)

رشا حبال

«قليل منك، كثير من الملح»، مجموعة شعرية أولى للكاتبة السورية رشا حبال، صادرة حديثا عن «دار التكوين» في دمشق. قصائد تكتب الحب في زمن الحرب، لتبحث عن مكان له في ظلّ كلّ هذا الخوف. أكثر من مجموعة أولى، وإن كانت تجربة حبال في الكتابة، كما تقول، لا تتجاوز السنوات القليلة. حول الكتاب، هذا اللقاء.

«قليل منك، كثير من الملح» مجموعتك الشعرية الأولى. لا تبدو أولى بالمعنى المتعارف عليه، أقصد، فيها الكثير من النضج والتدبير. هل يمكن القول إنك تأخرت بالنشر، بانتظار أن تتبلور القصيدة؟
^ لم اتأخر بالنشر فتجربتي فعلياً لا يتجاوز عمرها أربع سنوات. سنة الحرب الأولى كانت الفاصلة، اردت أن أقول لقلبي لا تقلق أنا هنا أرتق ما تمزقه الحرب. حين كتبت لم أكن أفكر بأي جنس أدبي، كنت فقط أوسع لنفسي مكاناً في الفراغ الذي خلفه الخوف.
تجربتك الشعرية أم تجربتك في الكتابة ككل؟ ألم تكتبي شيئا قبل هذا الكتاب الأول؟
^ في مرحلة سابقة كتبت رسائل طويلة كانت أشبه بروايات صغيرة وكانت تلك الرسائل تمريني الأول على الكتابة. الفيسبوك تحديداً فتح لي نافذة حقيقية للقراءة والاحتكاك وصقل الذات بدون وعي واضح لما تتركه هذه القراءات فيَّ، فتغير شكل النص الذي أكتبه.
نشرت لي نصوص مترجمة للألمانية في صحيفة نمساوية نسوية ونصوص مترجمة لليونانية في كتاب جمع عدداً من الشعراء العرب، هذه الترجمات في حينها لم تكن نتيجة رغبة في النشر وإنما لثقة بعض الأصدقاء بأن هذا النص يستحق أن يُقرأ في البلاد ذات الهوية المختلفة. هذه الترجمات دفعتني بشكل خفي للتعامل مع الكتابة بجدية أكبر.
لا أعرف لِم شعرت وأنا أقرأ المجموعة، أن قصائد الحب في هذا الزمن وكأنها محاولة للحد من الحرب. هل كان هناك أي خيار في الذهاب بعيدا عن كتابة لحظة الحرب، وإن لم تكن غائبة (الحرب)؟
منحتني الحرب وقتاً طويلاً لاختبار الخدر والضياع في المتاهة كما أنها علمتني كيف أهرب منها بطريقة ما. الكتابة لا تترك لنا خيارات هي تقول عنا ما نرفض قوله أو الاعتراف به. الكتابة تشير بإصبعها للحرب وتقول: هذه النار باردة اخمدوها بقليل من الحب.
ربما حاولت الهرب لكنها حاضرة في بعض مقاطع النص وجمله؟
^ إنها الحرب ولا أحد ينجو منها أبداً. فأنت لا يمكنك نسيان وجه أول رجل قُتِل أمامك ولا نسيان خوفك حين انفجرت سيارة بالقرب من مدرسة أولادك.
إنها تحفر خنادق عميقة في قلبك لا يعود بإمكانك ردمها أبداً، أنت فقط تضع جسراً فوقها وتعبرها كأنها ليست خنادقك. في الحياة اليومية تحولت اللغة إلى لغة حرب (مهجرون، خيم، مساعدات، براميل، قذائف، خطف، فدية، شهيد، مقبرة). ولغتك في النهاية تنطق بلسان حالك ولذلك ستجد الحرب متربعة دائماً في النص.
الكتابة في لحظة الحرب، ماذا تعني لك؟ ما الذي يمكن للكلمات أن تفعله بعد؟
^ الحرب تأكلنا بشراهة كل يوم وتحصرنا في زوايا العيش الضيقة لهذا تجرب أن تعيش وكأنك تركض.. تركض لتصل إلى باب الحياة قبل أن تسبقك الحرب إليه.
قصائد الحب هذه لم تكن سوى مراوغة طويلة لإلهاء الحرب عن وجهتها.
هل نجحت في ذلك؟
^ في الحرب لا يمكنك أن تجزم بشيء فأنا بالتأكيد لا أشبه المرأة التي كانت قبل الحرب، الحرب تجعل منا كائنات هشة تجاه الحب والموت وتبقى الكتابة القشة الأخيرة التي امسكها حتى لا أغرق وأنجرف مع سيول الحرب التي غيرت كل الملامح الواضحة للحياة.
لو أحببنا أن نضع نصك في سياق ما، لنقل ما اصطلح على تسميته جيلا، إلى أي جيل شعري تجدين أنك تنتمين؟
^ الجيل الذي لا سياق له.
لأطرح السؤال بشكل مختلف، نأتي الى الكتابة لأننا قرأنا، ما هي مصادر الكتابة، بمعنى من الذين أثروا فيك؟
^ القراءة عالم لا حدود لتأثيره في تركيبتك الثقافية. أنت تقرأ للجميع لكن هناك من يسقط تلقائياً خارج سياق بنيانك وهناك من يبقى. ما زالت القراءات المفضلة لدي هي الكتابة الروائية. أحب غرقي الطويل في تلك العوالم كأنه يمنحني حيوات أخرى.
الذين يؤثرون فينا ليسوا هم فقط من نقرأ لهم، في هذه اللحظة يحضرني جداً وجه أمي وهي تغني بصوت عالٍ وهي تقود السيارة. ورقصها الصباحي الذي كانت تزعجنا به ونحن نيام، كانت تضحك من امتعاضنا وتقول «انتو ما بتعرفوا تعيشوا». في كلّ نص كتبته كنت استحضر هذه المرأة التي تعرف كيف تعيش من وجه أمي.
كتبت القصة والمقالة والشعر، هل هي وجوه لكتابة واحدة؟ لماذا نشعر أحيانا بأننا بحاجة إلى اكثر من لغة للتعبير؟
^ في دواخلنا غرف كثيرة لا يمكن أن تدخلها الشمس كلها بذات الطريقة ولهذا لا يمكن أن تتنقل في داخلك بذات الظل. والكتابة امتداد لظلك، في كل زاوية أنت صورة لا تشبه الأخرى، لكنك في كل مرة تكون أنت.

السفير- 24-01-2015