حسين مردانحسين مردان من الشعراء العراقيين الجذريين من جيل الخمسينات، وله الموقع المميز، على عتبة "الثورة الشعرية" المتمثلة بالشعر الحر وبقصيدة النثر. هو اتخذ عموماً العمودي سبيله، ومجرى لغته الشعرية، لكنه، جدد ضمن هذه الصيغة الكلاسيكية، سواء في إيقاع البيت والجملة والشطر أو في طبيعة العلاقة بين المقاطع ومجمل القصيدة.

في كتابه "قصائد عارية" (عن دار الجديد) يبدو حسين مردان في حريته الشاسعة في كسر التابوات العاطفية والرغبات المبوبة، والوصول الى كسر ما في السائد من قيم معلبة، جاهزة ميتة. انه بودليري حتى العظم، لكنه أيضاً متأثر تأثراً بالغاً بالشاعر اللبناني الياس أبي شبكة خصوصاً في "أفاعي الفردوس" المتأثر بدوره ببودلير.

تأثر حسين مردان بأبي شبكة يظهر في الجملة العصبية الملتهبة، وفي الايقاع المتوتر، وفي الغضب يسري في الكلمات، وفي الرغبات المتفجرة، وعندها تكون القصيدة بمفرداتها وجملها وحتى قوافيها وما خلفها وما توحيد رغبة حية، متفجرة في "جحيم" الكلام. لكن هذا التأثر (بدر شاكر السياب تأثر أيضاً في بداياته بالياس أبي شبكة وكذلك نزار قباني وخليل حاوي)، ولا يطمس خصوصية هذا الشاعر الكبير، الذي اخترق الجماليات المترفة، والمضامين العسفية، والتقاليد المتصلبة الى جماليات أخرى: موتورة، صادمة، عارية، كاسرة، لاطمة، مندفعة، ولكن أيضاً، بإيقاعات سلسلة (في بعض القصائد) وشفافيات وانسيابات في الموسيقى، وفي الجمل الشعرية.

ولا بد هنا من أن نلحظ لحسين مردان دوراً شعرياً آخر خارج العمودي التقليدي أو حتى الشعر الحر: هذا الدور متمثل بريادة قصيدة النثر. فهو من السباقين (قبله جبران وأمين الريحاني) مع توفيق الصايغ (المعنيون) الى استشفاف طاقات النثر العربي، وشحنه بمادة شعرية، مكثفة (ليس على طريقة الأخت سوزان برنار ولا من تبناها بطريقة آلية كأدونيس في تنظيراته المترجمة عنها من دون افصاح) وإنما على طريقة مروان.

وكتابه "صور مرعبة" عام 1951 يمثل هذه النصية النثرية بامتياز، وكان مروان يطلق عليها اسم "النثر المركز". هذا الرائد المغبون أيضاً وسط همروجة شعراء التفعيلة وثوراتهم، آن الأوان لإعادة الاعتبار إليه، وتقديم شعره الى القراء، أقصد أعماله الكاملة، باعتبار (ويا للغرابة) أن الشعراء الأحياء يطبعون أعماله الكاملة، والشعراء الراحلين... يبقون بلا أعمال ولا كاملة: كل شيء بالمقلوب!

المستقبل
17 كانون الثاني 2008