اجتمعت في مدينة فاس لجنة تحكيم جائزة «الأركانة» العالمية للشعر التي يمنحها بيت الشعر في المغرب، برئاسة الشاعر محمد الأشعري، وعضوية الشعراء المهدي أخريف، رشيد المومني، حسن نجمي، والناقدين عبدالرحمن طنكول وخالد بلقاسم، وقررت بالإجماع منح الجائزة في دورتها الثالثة للشاعر محمود درويش.

وسيتم تسليم درع الجائزة في حفلة تنظم في الرباط في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2008 تعقبه قراءات للشاعر في مسرح محمد الخامس.

وجائزة «الأركانة» العالمية للشعر التي تمنح هذه السنة بدعم من صندوق الإيداع والتدبير، سبق أن فاز بها الشاعر الصيني بي ضاو (2002)، والشاعر المغربي محمد السرغيني (2004).

ويرجع اختيار بيت الشعر في المغرب لشجرة «الأركانة» رمزاً لجائزته الشعرية العالمية، لكونها لا تنبت إلا في المغرب، وتحديداً في جنوبه، بين الأطلس الكبير وحوض ماسة. وجائزة «الأركانة» العالمية للشعر هي جائزة للصداقة الشعرية، تمنح لشاعر يتميز بتجربة في الحقل الشعري الإنساني، ويدافع عن قيم الاختلاف والحرية والسلم.

وجاء في حيثيات تقرير لجنة التحكيم أن: «الشاعر محمود درويش أرسى لتجربته الإبداعية وضعاً اعتبارياً خاصاً، في المشهد الشعري العربي والعالمي، بما جعل منها لحظة مضيئة في تاريخ الشعر الإنساني. في هذه التجربة، خطت قصيدته كونيتها وهي تنصت الى قيم الحب والحرية والحق في الحياة، من غير أن تتنكر لدمها الخاص. إنصات اكتسى ملمحه الشخصي من وعي الاستضافة المتفردة التي يهيئها الشعر لهذه القيم، من دون أن ينسى جوهره وسره.

من نبل هذه الاستضافة ووعورتها، جمالياً، رسخ الشاعر محمود درويش، ولا يزال القيم الخالدة، مؤكداً، في منجزه الكتابي وعبره، أن المادة الرئيسة لهذا الترسيخ لغة لا تتنازل عن جماليتها وبهائها واستنباط الجوهري فيها، الذي به ننفتح على الجوهري في الوجود ذاته. وهذا الوعي الجمالي هو ما جعل الحلم والمكان، في شعره، غير منفصل عن إرساء لغة تحتفي بمجهولها وتنشد أسراره.

انطوت تجربة الشاعر محمود درويش على أزمنة ثقافية متباينة. ولم تكن هذه الأزمنة تضمر معرفة عميقة بالشعر وجغرافياته وحسب، وإنما كانت تضمر، أيضاً، وعياً حيوياً بأن الشعر منذور للتحول والإبدال والتجدد، بما يجعله مشرعاً دوماً على المستقبل. ذلك ما تشهد عليه الإبدالات الشعرية في تجربة محمود درويش، بندوبها الممتدة لما يقارب نصف قرن.

لم يكفّ محمود درويش، منذ أن وعى أن الشعر مصيري، عن البحث عن القصيدة في الألم والفرح، في الحياة والموت، في الورد والشوك، في الكلي والجزئي، من غير أن يفرّط في شهوة الإيقاع، أي في الماء السري للقصيدة.

وفاء الشاعر محمود درويش للبحث عن الشعر ظل يوازيه حرص على خلخلة الحجب التي تولدت، في مرحلة معينة، عن قراءة اطمأنت الى الخارج في مقاربة شعره، ناسية الرهان الجمالي الذي ينهض به الداخل. بهذا الوفاء كما بهذا الحرص، أَمَّنَ محمود درويش لقصائده أن تنأى، باستمرار، عن نفسها، مستنداً في ذلك إلى معرفة بالشعر وإلى قدرة مذهلة على الارتقاء بالقضايا، التي تفاعل معها، إلى أعالي الكلام، تحصيناً للشعر. إن هذه الأعالي هي الوجه العميق للمقاومة، التي لا تنفصل في تجربته، عن الجمالي.

إقامة الإنساني، بألمه وحلمه ومفارقاته، في أعالي الكلام، مكنت الشاعر محمود درويش من الكشف عن تجذر اللغة وشموخها في مجابهة الاقتلاع في مختلف وجوهه؛ الاقتلاع من المكان ومن التاريخ ومن الوجود. مع الشاعر محمود درويش، نستوعب ممكن اللغة الشعرية وخطورتها، ممكن الانغراس في الأرض، سارياً في الصورة والإيقاع والجمالية المنسابة في مفاصل القصيدة. جمالية على عتباتها تتعرى مظاهر التوحش والدمار والقتل التي يتصدى لها شعر محمود درويش بأسراره الخاصة.

وكان محمود درويش حصل على جوائز عدة منها: جائزة لوتس، درع الثورة الفلسطينية، جائزة الأمير كلاوس، جائزة العويس الثقافية، جائزة فولدن ريت العالمية، جائزة الإكليل الذهبي.

الحياة
26/06/2008