السينوغرافيا والموسيقى تتداخلان في الاداء الشعري

سميرة عوض

عمان ـ "القدس العربي" عاينت أماسي "شعر في مسرح" الأربعة التي أقيمت في إطار أيام عمان المسرحية 16 ثيمات متباينة، أولها طرح العلاقة الجدلية بين الفنون الإنسانية وقدرتها في تحقيق التواصل، فيما ظهر الوجع الفلسطيني والعراقي أيضا في الأمسية الثانية، كما بدت أوجاع الوطن العربي و"الاغتراب الوجودي" في ثالث الأمسيات، وتختتم الأمسيات بلفتة لذات الإنسان ويومياته "المركونة" جانبا في ظل أوضاع حياتية مأزومة.
وكان "شعر في مسرح" في دورته الثالثة استضاف 12 شاعراً عربياً من المخضرمين، والأصوات الشابة، وقف إلى جانبهم 4 موسيقيين أردنيين، اعتمدوا جميعاً أسلوباً جمالياً مدروساً في تقديم الشعر والشاعر، أولفت الموسيقى للمرافقة، كما تم تصميم السينوغرافيا وإخراج الأمسيات مسرحياً بحيث أمست القراءات حالة جمالية متآلفة قدمت المشهد الشعري العربي ضمن أجواء خاصة تعمدت تقديم الشعر للمتلقي بوصفه "تجربة حياتية إنسانية" قابلة للاتحاد مع فنون أخرى، مجسدة ما جاء في كتيب المهرجان "من رحم واحد جاء الشعر وجاء المسرح/ يلتقيان مجددا/ وتثلثهما الموسيقى/ الخشبة تقدّس الشاعر/ وتبتسم القصيدة للحن/ أجمل الشعر أكذبه، وفي كذبة نيسان تبدأ ليال الشعر".

عمران: سينوغرافيا للتعبير شعريا عن القصائد

ويذهب المخرج نادر عمران إلى أنه اجتهد "لصياغة السينوغرافيا للتعبير شعريا عن القصائد"، مبينا أن منسقة "شعر في مسرح" عمدت لتوزيع الشعراء لـ "ثلاثات" بناء على أجواء القصائد التي كانت وصلتنا قبيل شهر من انطلاقة المهرجان، وهكذا توصلنا إلى أجواء أربع أمسيات متباينة، ضمن كل جو واحد لكل ثلاثة شعراء.
وزاد عمران في حديثه لـ"لقدس العربي": قمنا بإجراء بروفات قبل أربعة أيام من بدء "شعر في مسرح"، أي منذ لحظة وصول الشعراء، بحضور الموسيقي والشاعر، وكانت السينوغرافيا تجهز كل يوم بيوم بناء على "المفردات" المعدة "ذهنيا" والمنتقاة استنادا إلى فحوى القصائد المرسلة مسبقا. والتركيب بنفس اليوم.
كما أن الإضاءة جاءت تكميلية في السينوغرافيا التي لفتت الجمهور، كما وفرت أجواء "جديدة" للشعراء.
ويذهب عمران إلى أن المشروع "الشعري" صار أكثر وضوحا "بالنسبة للفوانيس"، مبينا أن التجربة فيه باتت تتم وفق منهجية مدروسة وليست ارتجالية.

مصطفى: احلم بانجاز عربي للتجربة"

وتعلن جمانة مصطفى صاحبة الفكرة "أنا محظوظة"، بسبب نجاح "الفكرة" الذي ما كان ليتم لولا "احتضانها على المستوى اللوجستي والمعنوي"، مبينة أن "التجربة" منحتها "فرصة الاطلاع على التجربة الشعرية في العالم العربي"، كونها تظل تمارس دورها كباحثة طوال العام، بهدف "اقتراح الشعراء المشاركين بالتشاور مع اللجنة الاستشارية"، فضلا عن "الاطلاع على التجارب الجديدة، والشابة منها خصوصا" بهدف "إتاحة الفرصة لها للمشاركة"، انسجاما مع سياسة المهرجان في أن يتيح دائما الفرص للشباب.
وتنوه مصطفى "تعلمت في هذه التجربة أن انحي أي شيء مقابل الشعر، المركز الاجتماعي، الاسم، الخ...
وتفخر مصطفى بالتجربة التي حظيت بالإعجاب على المستوى، معلنة أن المنشط المسرحي والكاتب الجزائري محمد بو كراس وكذلك المخرج ومدرب التمثيل الجزائري كمال يعيش أعجبا بالفكرة وسيقومان بتطبيقها في الجزائر، مؤكدة أنها تلقت دعوة منهما للمشاركة والاطلاع على تطبيق التجربة هناك، كذلك الشاعر اللبناني غسان جواد قال "لا بد أن تتواجد التجربة في بيروت"، مختتمة: "احلم بانجاز عربي في هذا المجال".
عمران ومصطفى عبرا عن شكرهما لكل من لبى الدعوة الشعرية، مقدرين ظروف من اعتذروا عن المشاركة -على أمل المشاركة في سنوات قادمة- ومنهم: ومنهم الشاعرة السورية عائشة ارناوؤط، والشاعر الأردني الزميل امجد ناصر، والشاعر البحريني قاسم حداد.

نجوم "شعر في مسرح"

وكانت أيام عمان الشعرية التي تقام بعنوان "شعر في مسرح" للعام الثالث على التوالي أقيمت على المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي، بمشاركة الشعراء طاهر رياض ويوسف عبد العزيز من الأردن، الصغير أولاد أحمد من تونس، خزعل الماجدي ورنا جعفر ياسين من العراق، سمر دياب وغسان جواد من لبنان، ربيعة الجلطي من الجزائر، مراد السوداني من فلسطين، عادل محمود وجولان حاجي من سورية، ثريا مجدولين من المغرب، أما الموسيقيون فجميعهم من الأردن وهم، فراس حتر على الفيولا، رانيا عجيلات على البيانو، آلاء التكروري على الفلوت، وطارق الجندي على العود.

الأمسية الأولى: أسئلة الراهن

تكاتف الشعر مع الموسيقى خلق أجواء مسرحية تؤكد وحدة الفنون الإنسانية وقدرتها على التواصل مع الجمهور، وأن الشعر "ابن المسرح الشرعي"، كما أن الإخراج وظف رؤى بصرية أنجحت الأمسية التي شارك فيها الشعراء: طاهر رياض، سمر دياب، ربيعة جلطي، والموسيقي فراس حتر، أخرجها نادر عمران وأدارتها الشاعرة جمانة مصطفى، استهلتها اللبنانية سمر ذياب، بثلة من قصائد تعاين خراب الراهن على غير صعيد، معلنة انحيازها لجوهر الذات الإنسانية، بقصائد تضج بالصور المعبرة المتأملة للبحر.
وكعادته حلق الشاعر طاهر رياض في فضاءات الصوفية، المنفتحة على الراهن، والقائمة على جماليات اللغة الباذخة، إذ يرصد العلاقات البكر بين الأشياء والكلمات، عبر قصائد صوفية منها "وما ينطق عن الهوى"، والمشحونة بالصور الصوفية المبتكرة المحتشدة بالمعنى.
واختتمت الشاعرة الجزائرية ربيعة جلطي الأمسية بنص بعنوان "تفاؤل" لتشرع أسئلة الراهن أيضا.تعالقها مع الحب والأمل تجاه تجربتها إلى التفاصيل الشائكة، والأسئلة الوجودية.

الأمسية الثانية: فجيعة الخسارات

الأمسية الثانية قرأت بشاعة الحرب، وخسارات المعاش، وكانت أمسية بكائية بامتياز، إذ امتزج فيها الوجع العراقي بالوجع الفلسطيني بمشاركة الشعراء رنا جعفر، مراد السوداني، وخزعل الماجدي، بمرافقة الفنان طارق الجندي على العود.
"كل حرب تأكل الانتظار" هكذا استهلت الشاعرة العراقية المقيمة في القاهرة رنا جعفر، الأمسية، مؤشرة على الخراب الراهن في المشهد العراقي، لتواصل صاحبة ديوان (طفولة تبكي على حجر)، بكائيتها على وطنها العراق، مصورة المدينة وهي تنهض من الموت.
ولم يغادر صاحب ديوان (رغبوت) مدير بيت الشعر الفلسطيني الشاعر مراد السوداني ساحة الحرب، إذ قدم قصائد من دفتر المعاناة الفلسطينية وعشق الأرض، معلنا انه "راسخّ في الخسارات والفقر، ضليعّ بهدْهَدة الريح للشيح، خطاه مدىً ساهمّ ورحيل".
واختتمت الأمسية بقراءة للشاعر العراقي خزعل الماجدي قرأ فيها "أحزان السنة العراقية" بكل ما فيها من موت وخسارات في أرض العراق، وفي التاريخ المستعاد، وفي حياة الشاعر، كاشفا الرعب الإنساني، فجاءت مرثية صاحب (أناشيد إسرافيل) إدانة لمن خطفوا العراق وخطفوا ابنه "النسيم الذي اسمه مروان" متسائلا بحرقة:
"لماذا لا تصافحني يا وطني/ يدك مجروحة أم يدي؟".

الأمسية الثالثة: الاغتراب عن الذات

استهل الأمسية الشاعر السوري جولان حاجي المولود عام 1977 صاحب ديوان (نادى في الظلمات) بقراءة وجودية، تكشف الاغتراب عن الذات... "لأنني وحدي، لن يرغمني أحد على تفسير وجودي هنا عارياً، هكذا، دون أي حياء..لأنني وحدي" نابشا في التفاصيل المهملة للكائن.
فيما قرأت الشاعرة المغربية ثريا مجدولين (أوراق الرماد) صاحبة قصيدة أكدت فيها حضور الذات نافرة عن السياق الجمعي، مستعينة بالبوح العاطفي: "لن تحتاج إلى ليل آخر لتصنع حلما وتسكنه/ لك القطف والعزف/ وما شعشع في عينيك من ضوء الجسد/ لك إمارة هذا الجسد".
واختتمت الأمسية بقراءة للشاعر يوسف عبد العزيز كان للصورة حضور مكثف في قصائده، ومن بينها قصيدة بعنوان "امرأة تسبب الهستيريا"، كما قرأ قصائد قصيرة تكشف ولعه بالكوميديا السوداء ومنها "يا حوذي الثلج/ إلى أين ستأخذني/ في هذي الليلة/ يا حوذي الثلج تمهل". وللشاعر عدد من المجموعات الشعرية منها "الخروج من مدينة الرماد"، و"حيفا تطير إلى الشقيف".

الأمسية الرابعة: خسارات الكائن

الأمسية الرابعة بمشاركة غسان جواد، عادل المحمود، الصغير أولاد أحمد، رافقهم على البيانو الفنانة رانيا عجيلات.
استهلت الأمسية بقصائد الشاعر اللبناني غسان جواد، صاحب المجموعة الشعرية (ضوء بين حياتين)، ثيمتها الرئيسية الموت المجاني للإنسان معلنا "الاسفلت قبو شرعي للموتى".
كما قرأ الشاعر السوري عادل محمود صاحب (قمصان زرقاء للجثث الفاخرة) مجموعة من القصائد القصيرة عاينت قوة الزمن المدمرة "شاعر يتقدم في الحرية وفي السن/ أكتب على ورق أصفر/ أسجل كل خسائري".
وكان الختام مع الشاعر التونسي الصغير أولاد أحمد صاحب (ليس لي مشكلة) بقصائد تصور نقده للناس السعداء بخضوعهم للسلطة بكافة أشكالها: "سعداء/ سعداء بما نحن فيه/ واسعد منا.. بياض الورق، سعداء بان أصابعنا بترت/ قبل صنع الربابة.. ثم البزق،
سعداء بأقلامنا ـ نشتريها ملونة ـ فإذا كتبت/ نز منها عرق، سعداء/ ويسعدنا أن جرداً صغير يرافقنا في سواد النفق/ سعداء بجيش يحاربنا/ وحدنا منذ خمسين عاماً/ إلى أين: لم نتفق".

القدس العربي
4/10/2010


أقرأ أيضاً: