فيلم تسجيلي سوري لنضال حسن وليليبث راسموسن «الحب والحياة والموت...» وثيقة بصرية بزوائد كثيرة

راشد عيسى

يبدأ فيلم «الحب والحياة والموت وأحياناً الثورة» لمخرجيه نضال حسن وليليبث راسموسن، من حكايتين استثنائيتين، الأولى حكاية انتحار سيدة كردية، حين تلقي بأولادها الثلاثة، ثم تلقي بنفسها وراءهم، والثانية حكاية مقتل فتاة درزية أحبت وتزوجت من خارج طائفتها، فاستدرجتها عائلتها بعد أن أعطتها الأمان، لتثأر من ثم لشرف العائلة بقتلها.

يعلن الفيلم موضوعه منذ البداية، لكنه يصطدم بموعد تاريخي غداة انطلاقه، هو اندلاع الثورة السورية، ما يأخذه إلى مواضيع لعلّه يعتبر أنها تصب في السياق ذاته. كأنما يرمي إلى القول إن نظام الاستبداد هو العلّة الحقيقية وراء كل انتحار، وراء كل جريمة مما يسمى بجرائم الشرف.

لذلك فإن الفيلم لا يجد حرجاً في مغادرة الموضوع الذي جاء من أجله، ليتحدث عن تجارب في الاعتقال معظمها هنا لنساء سوريات شاركن في تظاهرات مناوئة للنظام.

يحكي الفيلم أيضاً جانباً من حكاية الرقابة والمنع، فهو يذهب عشية النيروز إلى الشمال السوري من أجل تقصي حكاية انتحار السيدة الكردية، إلا أنه يستدعى من أحد فروع الأمن ليمنع من التصوير فيقفل راجعاً إلى دمشق.

الفيلم برمته تجربة مثيرة للاهتمام، إذ يندر أن يمرّ أحد في الفيلم من دون أن يكون مصيره الاعتقال لاحقاً، بمن فيهم مخرج الفيلم نضال حسن، ومنتجه شادي أبو فخر الذي تعرض للاعتقال أكثر من مرة. أثناء ذلك يعمد الفيلم إلى التغلغل شيئاً فشيئاً في واقع الحدث السوري المهيمن، مرة عبر نشرة أخبار في خلفية المشهد، وأخرى بالذهاب مباشرة إلى المظاهرات وتصوير ما أمكن منها، وصولاً للحديث من قرب مع نساء خرجن للتوّ من سجن، دخلنه بسبب معارضتهن للنظام.

يقترب الفيلم من الثورة بحيث تكاد تصبح هي موضوعه، على عكس ما يأتي في العنوان «.. وأحياناً الثورة». لكن لا سبيل إلى الإنكار أن زوائد كثيرة لحقت بالفيلم، بعضها يعدّ نوعاً من الاستسلام لجمال سينمائي لا يقاوَم، مثلاً أن تقوم بتصوير الأرض من الطائرة، تَلَوُّنِها، وتداخلها مع البحر والغيم والسماء، وصولاً إلى مدينة كوبنهاغن حيث يجري التحضير للفيلم، كما يجري تصوير شيء من شوارعها وأبنيتها وبحيراتها.. كل ذلك جميل حقاً، لكن نحسب أنه خارج الفيلم.

هذا الاستسلام للجمال يحدث أيضاً حين تغرق الكاميرا بتصوير وجه جميل وأخاذ لفتاة، تأخذ الصورة وقتاً مع وجه الفتاة، وشالها، وحركتها، من دون أن يكون لدى البنت حكاية تستحق إلى هذا الحد. لكن الفيلم يمرّ عابراً حيث كان ينبغي أن يقيم. فكل حكاية كانت تستحق نبشاً وتفصيلاً ومقاربة مختلفة، لم نعرف ما حكاية السيدة الكردية، كما لم نعرف شيئاً إضافياً عن البنت الدرزية المقتولة، وحين كلف الفيلم نفسه عناء السفر إلى بيئة تلك البنت كان مجرد مشهد سياحي لا يكشف، ولا يضيف إلى الحكاية.

قلنا لعل ذلك يأتي لمصلحة الكشف عن عالم غامض لدى المعتقلات، لكنه مرّ أيضاً على السطح، أُخذت المعتقلة تقريباً في لحظة تحررها، في لحظة تلذذها بطعم الخروج من قفص السجن، لا في تلك اللحظة القاتمة التي يصعب أن يُرى فيها المعتقل. هنا يجد المرء الفيلم مهادناً بعض الشيء، من دون أن يقصد بالطبع، لكنه بدا كسولاً في بحثه عن الحالات الأكثر قسوة، على الأقل بما يليق بقصة انتحار رهيب، وجريمة شرف لا تقل فظاعة، موضوع الفيلم الأساسي.

من الزوائد أيضاً ذلك التعليق الأدبي بصوت المخرج حسن، المكتوب بلغة الشاعر سليم بركات، ويبدو أنه للبوح الوجداني أكثر من أن يكون مكتوباً للصورة.

لا شك في أن الفيلم تجربة مذهلة، وهو كذلك سيُضاف إلى أرشيف السينما السورية الذي ستغدو كل لقطة منه عزيزة وثمينة، بسبب الدمار الذي لحق بكل شيء، لكن هذا لا يُعفينا من أن نقدم فيلماً، سينما، قبل أي شيء.

-------------------------------------------

السفير
29 -12-20