قراءة في ديوان " علاج المسافة" لقاسم حداد

بنعيسى بوحمالة
(المغرب)

بنعيسى بوحمالة بين " البشارة" (1970) و"المستحيل الأزرق" (2001), مرورا ب "النهروان" (1988) و "عزلة الملكات" (1992) و " علاج المسافة" (2000) و " له حصة في الولع" (2000), مسافة، فعلية ورمزية، قطعها الشاعر البحريني قاسم حداد، أحد أنضج الأصوات وأذكاها في الشعرية العربية المعاصرة، ملؤها الكدٌ التصٌوري والمثابرة التخييلية تعلٌقا منه بكتابة شعرية أرقى وأمثل. إن منجزه الشعري , المتحصٌل لحد الآن، ليعكس، من غير ما مواربة، مؤشرية اطرادية محسوسة كان أن انتقلت معها جملته الشعرية من تحرٌجات البدايات وانزلاقاتها أو، بالأولى، اندفاعاتها، 'إلى طور متقدم ينمٌ عن مراس ودربة، إن من زاوية ا?عمال المعرفي أو من حيث التصريف الجمالي للموضوعات والأخيلة و الاستبصارات. ولربٌما كان من أفضال قدره الحياتي عليه كونه خبر العمل السياسي، في أثناء ستينيات القرن الماضي، وفقه مفرداته واعتناقاته والتباساته، سوى أن الأكثر أهمية في سيرته المركبة والمغتنية هو ?دراكه، في لحظة حاسمة من هذه السيرة، أنه منذور للكتابة الشعرية، لاستغوار الأشياء وشعرنة الذوات وتكثيف التوضٌعات و، بالتالي، ترويض العالم وتقويله، توسلا بالقصيدة، لا بالوصفات ا?يديولوجية المسكوكة والجاهزة، وهو ما استرق قرائح واعدة انطلت عليها ?غواءات العمل السياسي و استيهاماته.
و?ذ استقر اختياره الجسيم على الضرب المكلٌف، والمجازف في آن معا، في فلاة الكتابة وأرجائها، على طيٌ مسافتها اللاٌنهائية، ?ن شئنا، فقد انضوى ?لى هذا الأفق مزوٌدا بخبراته الثمينة في تواريخ الجموع والأفراد مستشرفا، هكذا، " ...طرقات تترقٌب القدم الجسورة التي تبدأ الخطوة.. هي أشد وعورة ولكنها ترشد ?لى الجهة السليمة التي لا يفتحها سؤال آخر... ", (1) وبتعبير رديف فإن كان قدره الحياتي قد رتب له، في فترة باكرة من عمره، ذلك التٌماس ا?يجابي، المثمر على أي حال، مع السياسة، مقولات وممارسات، فإن ذات القدر سيجعل من الشعر، في فترة لاحقة، " الانهماك الأهمٌ والأكثر حيوية" (2) في ما تبقى من هذا العمر.
?ن الأمر يتعلق بتجربة شعرية "...تعلن في كل مرحلة ـ رغم تداخل المراحل ـ عن تمايزات وتغيٌرات وتطوٌرات لافتة وتنضج دائما بفوران الدم وا?بداع"، (3) وكما جلٌ الشعراء الأصيلين، النابهين، والممسوسين، حقاٌ، بجمرة الشعر، كان لزاما أن تشكل اللغة شغله الأدائي والتعبيري الشاغل لأنها، أي اللغة، هي النواة الصٌلبة لأيٌما كتابة شعرية خليقة بمعياريتها، المقنٌتة والمتحررة دفعة واحدة. و?ذن، ولكون"...?شكالية قاسم حداد الأولى تقع في العلاقة بينه وبين اللغة"، (4) فما من شك في أن الرهان الأقوى بروزا في مشروعه الشعري الحداثي هو رهان كسب الحرب الضروس مع الكلمة الشعرية، مغالبا، من خلال أعماله المتوالية، تمنٌعها و?كراهها حينا أونقصها والتباسها حينا آخر، لكن، عمقيا أو رمزيا، جماع الأنظمة والسٌلط والانحجازات المصادرة لحرية ا?نسان، مطلق ا?نسان، وجدارته وهو ما نذر نفسه لمغالبته، في الأوج من التزامه السياسي، لكن توسلا بلغة مغايرة ذات نبرة براغماتيه هي من صميم كل خطاب سياسي.

في هذا ا?طار لا بد من التوكيد على "...حالة التوتر بين الرؤية الحداثية في الشعر وأبنية المجتمع ومؤسساته، وما تضمره هذه الرؤية من احتجاج على واقع هذه الأبنية وهذه المؤسسات، ومن ثمٌ لن تكون الحداثة ـ ?ذا ـ مجرى موازيا لمجرى الحياة في المجتمع، بل تكون مجرى صادما، مجرى مشتبكا ومواجها، مجرى منقضا ومغيٌرا". (5) فاللغة الشعرية قوامها الكثافة والترميز والايهام، هي محفل تخييلي بامتياز، ولأنها كذلك فهي لا تتوانى عن اجتراح معادلات نصٌية لأشياء أو ذوات أو توضٌعات يتعالى بها الشاعر والنص الشعري والقارئ، ثلاثتهما، عن درك المجريات الأرضية، عن ابتئاسها التاريخي وانسدادها الروحي.
على أن تخويل اللغة الشعرية ميسم المحفل التخييلي يبقى موقوفا على المدى النٌصي الذي تطوله هذه اللغة ومنسوب انزياحها عن خلقتها الخام، الصماء، بفعل ما تخضع له من أسلبة ويهيأ لها من هندسات وتفضيات توليفية، ما يستحدث لها من اقتضاءات ?يقاعية وما تثمره من دلالات ومجازات انتهاء ?لى ما تتمخٌض عنه، جرٌاء المواظفة الشعرية، من رؤيات واستبصارات، أو لنقل موقوفا على مردودية الاقتصاد الشعري الناجز، على نجوعه وابتكاريته.
وفي المقام الذي يعنينا، نقصد ديوان " علاج المسافة " ,(6) نجدنا، حصرا، حيال واقعة شعرية متعيٌنة بقدر ما هي جزء لا يتجزأ من تراث الشاعر ورصيده الكتابي تتلامح، في نفس الآونة، تجربة كتابية فطنة ومتجاسرة، صادرة عن مراهنة كيانية، شعرية وروحية، بعيدة الشٌأو مرماها ليس فقط ?لى القبض على هيئة القصيدة المحلوم بها، العصية، بله المستحيلة، في أكمل وأسمى مراتب أيقونيتها، بل والاستيهام، أيضا، في عالم شعري قائم الذات تؤثٌثه عناصر وذوات وجموع وينفرز عن حالات وتوضٌعات، تتلاشى معه المسافة الفيزيائية، الضٌاغطة والمؤرٌقة، بين الواقع والحلم، القحط والتنعٌم، السٌديم والمعنى، وفي كلمة بين اللاٌشعر والشعر. ولأنٌ مسافة ضوئية على هذه اللاٌنهائية ليست محلٌ استصغار أو التفاف أو مساومة فإن الديوان ليأخذ على عاتقه تسديد الكلفة البنائية والتخييلية والرؤياوية المتطلبٌة كيما تنهض الأنا الشعرية، التي تنوب مناب الشاعر في فضاء الديوان، بتبديد هذه المسافة وا?عفاء عليها بالمرة وذلك بما يصب في مراهنة كيانية من هذا القبيل يركبها شاعر لا يضيره في شيء أن يجازف بالكلٌ من أجل الكلٌ.
الواقعة الشعرية ?يٌاها يمكن تدبٌرها، قرائيا وتأويليا، كوحدة نصية متكاملة ومتماسكة ولو أنها تتشكل من أربع وعشرين قصيدة. وباستدخال عنصر المواظفة العتبانية ـ الموازاتية نكون ملزمين بأن نأخذ بعين الاعتبار لا أناقة ومقصدية طباعة الديوان و?خراجه فقط، أو لوحة الغلاف و?رساليتها التجريدية التي تجد سندها التشكيلي ـ التٌلويني في تكوينات هلامية، غائمة، وتبقيعات مغموسة في خلفية بنٌية غامقة ـ مفتوحة تتناضد ـ تتفاعل في عرضها الألوان التالية: الأحمر والبنفسجي والأزرق والأسود، الشيء الذي يؤشر على سحنة عالم مريع، من توقيع الرسام البحريني ?براهيم بوسعد، لكن من الطراز الشٌائق الذي تستقصيه وتتحرى عنه المخيٌلات المقدامة وتوطٌن نفسها على مشاكسة جسده واختراق جغرافيته، أو العنوان المركزي، وفي هذا الصدد، وخلافا لما جرت عليه العادة لمٌا يصطفي الشاعر، أو الناشر في حالات أخرى، وذلك لاعتبارات تخصٌهما، عنوان واحدة من القصائد ويسحبه على كافة القصائد التي يأويها الديوان، فإن عنوان" علاج المسافة" لا يمتٌ بصلة ?لى أيٌ من قصائده، ومادام الأمر كذلك فما من مغزى
يمكن أن يستفاد من ?بدال قوي ولافت كهذا، فيما نرجٌح، من غير ا?زماع على توجيه نشاطية القراءة والتأويل، انطلاقا من ميثاقية عنوانية مفعمة دلالة و?شارية، واقتيادهما، اقتيادا فاعلا ومنتجا لا خاملا ومتقاعسا، ?لى الصميم من الأفق المجازي والرمزي لموضوع المسافة الذي تتشبٌع به، أو تكاد، تجربة الديوان على نحو شامل ويتمظهر، سافرا أو مستضمرا، هنا وهناك، في هذا الحيٌز النصٌي أو ذاك. لنكرٌر نكون ملزمين باحتساب جميع هذه المعطيات، ومعها أخرى لا تقل عنها أهمية، بل لعلها من صلب ا?نشاء الشعري وممٌا تستقيم أيٌما جملة شعرية.
في هذا المنحى ?ذن، ومن باب بلورة صنافة، ?ن وددنا، لحجوم قصائد الديوان ومساحاتها يبدو أن الهيمنة هي من نصيب القصائد المطولة( بمعدل12 قصيدة) وهي: " ظلام عليك أيها الجبل"، " زعفرانة البحر"، " مرارات "، " حكمة النساء " ، " مالا يسمىٌ" ، " سلٌة الأسلحة"، " فهدا..
فهدا"، " حصتنا في النساء"، " أخبار البحر"، " ذئب جائع يتعفٌف عن الجثث "، " كلٌما انتحرنا ", " شك الشمس ". تليها القصائد المتوسطة ( بمعدل9 قصائد) وهي: " السٌلال ذات الخفة "، " المرضى في الشرفة"، " الأسير "، " القبائل "، " الذٌخائر "، " الأسماء "، " حيوان الحكمة ", " كلام الشمس "، " رقصة الذئب ". ثم القصائد القصيرة ( بمعدل 3 قصائد) وهي : " شهوة الجسور"، " تراث السفر"، " تحولات الفحل ".
?ن الهيمنة الضاربة للقصائد المطولة, في مقابل الندرة الملموسة للقصائد المتقلصة نصّيا, لممّا يؤكد على نفس كتابي مديد, على حساسية مركبية في التلفظ الشعري لأن طول النفس الشعري هو بمثابة قرينة, من بين قرائن أخرى ?ضافية, للاقتدار على تقليب جل الممكنات الأدائية وا?بدالات التعبيرية ومد القصيدة, بالتالي, بقابلية أوفى للانفتاح الدّالي مثلما يشير ?لى ذلك أقطاب نظرية الدّالية أو التمعني, كرولان بارت وجوليا كريستيفا ومايكل ريفاتير, التي تبحث في أهلية النصوص, من عدمها, لانفتاح كتابي وقرائي وتأويلي لا تحده حدود. وحتى ما يلازم قصيدتي " ذئب جائع يتعفف عن الجثث" و " شك الشمس " المطّولتين, من تقنية ترقيمية للمقاطع فلا يمكن أن يستخلص منه, بأي حال من الأحوال, نوع من فتور النفس أو ارتخائه و?نما هو من قبيل استجماع هذا النفس وتركيزه لمواصلة الكتابة وتوسيع القابلية المذكورة وتصليبها.
من هذا الضوء يمكن الحديث عن جملة شعرية واحدة يؤطرها الديوان, باعتبار هذا الأخير وحدة نصّية متكاملة ومتماسكة كما ألمعنا آنفا, كل ما هنالك أنها تتمفصل ?لى ثلاث مراتب بنائية, واحدة نواتية والثانية تحفٌزيٌة بينما الثالثة انفجارية, اكتساحية, تشي باللاوعي البنائي المتنفذ في نسيج التجربة, كليات ومستدقّات.
على أن تحديث الملفوظ الشعري لا يعني البتة اُسترخاص المعجم أو الاستسهال اللفظي, وفي النماذج الساطعة للحداثة الشعرية ( شارل بودلير, ت. س. ?ليوت, بدر شاكر السياب, بوصفهم الآباء الروحيين للحداثات, على التوالي, الفرنسية وا?نجليزية والعربية) لم يحدث أن شّكل شاغل تحديث الملفوظ الشعري وتفجير اللغة وتعنيفها تعلّة للتنازل عن عتاقة المفردة اللغوية أحيانا, عن صفائها التراثي, عن امتلائها الدلالي ورونقها ا?يصاتي. بهذا المعنى لن نستغرب طبيعة المدونة اللفظية القائمة في قصائد الديوان, بحيث لا تني تموٌن التوليفات النصية بوحدات لفظية لا غبار على ?برائيتها الأدائية, و?ن كانت مسترفدة من الذاكرة اللغوية, في نطاق كتابي حداثي ما في ذلك شك. وسيان اتصلت المسألة بسطر شعري شذري أو بمقطع أو بقصيدة بأتمها..بمقامية نصية وزنية أو نثرية, سيميترية أو تدويرية, استجابة لهاجس الحكي الشعري وتمرير فائض المرويات ومتواتر التداعيات فإن هذه المدونة لا تبعث الانطباع بنشازية ما, بل نلفيها، على العكس, مستدمجة عضويا في عصب البناء الشعرية وفي أليافه معربة, هكذا, عن مواظفة فاعلة ومتراكبة الأوجه والمستويات.
من المحقق أننا "...عند الشروع في قراءة أي قصيدة جديدة لا نستطيع ـ مهما كانت خبراتنا الجمالية السابقة ـ أن نتنبأ بالتقنيات التي اصطنعها الشاعر في شكل ?طار هذه القصيدة",(7) فأحرى في رحاب تجربة شعرية وسيعة مطمحها, بأثر من سيرورة وعي الشاعر, ?لى اتخاذ معنى العمل الشعري, أو الصنيع الشعري, أو الأثر الشعري الأساسي و الفارق, ?ذ "مع الأثر,على نحو ما تفيده الكلمة, هناك مقولات مستجدة تندرج في حقل الخطاب, مقولات عملية في الجوهر, لها صلة با?نتاج والعمل",(8) لقد مر بنا قسط من هذه ا?عمالات لكن تفضل أخرى قد لا يعسر علينا التقاطها وتشخيصها, هذا رغما من صعوبة مسحها في شموليتها. من ذلك الملمح التكراري الذي يأخذ بزمام مفتتح أكثر من قصيدة, لكنه لا يتخذ صفة تزيينية أو يؤول ?لى معنى الفضلة الأسلوبية والتعبيرية و?نما هو نمط من عاملية توليدية وتبئيرية دالة تهندس الأفضية الدلالية والتخييلية, علاوة على تعضيدها لوحدة المتن الشعري, الناجز في رحاب الديوان, وتماسكه. ومن نماذج هذا الملمح: (مررنا بهم) في قصيدة "مرارات", (عندما) في قصيدة " ما لايسمى ",(قالت الشمس لي ) في قصيدة " كلام الشمس". (امتحان لنا) (نعمة) (فلتصغوا لها) في قصيدة " "حصتنا في النساء",(كلما انتحرنا) في قصيدة "كلما انتحرنا", (عندما تكون على مشارف الخمسين) في قصيدة " شك الشمس", (فانتظر) في قصيدة " رقصة الذئب".
وبموازاة من هذا الملمح يجدر ا?لماع ?لى عنصر آخر رافد لوحدة المتن الشعري وذي وثاقة بما اعتبرناه لاوعيا بنائيا ثاويا في قعر التجربة لكنه يطفو في أكثر من حين ويتخذ أكثر من كيفية, نعني عنصر التجاوب النصي والدلالي والتخييلي بين مقاطع بعينها من قصائد مخصوصة, أو بين قصائد برمتها, مما يفيد سريان مقصدية واحدة ناظمة لسيرورة تجربة الديوان, من حيث ثوابتها أو على مستوى متغيراتها, من ذلك استحثات المقطع الآتي:

ـ نخبيء أفئدتنا المرتعشة
تحت القمصان والأغطية وضراوة الثلج
مثل ذئاب متوحدة
نخفيها في آبار الذاكرة.
- " قصيدة زعفرانة البحر"، ص 11
لمقاطع من قصيدتي" رقصة الذئب" و " ذئب جائع يتعفف عن الجثث", والمقطع التالي:
ـ دعني أسميك ارتعاشا في الوتر
دعني أنادي فيك أسمائي
وأخبار الحجر.
ـ قصيدة " أخبار الحجر", ص 73
وهذا أيضا:
ـ لماذا تمنح الظلام أسماء أخرى
وتؤجل قهوتك انتظارا لكسرة الخبز.
ـ قصيدة " ذئب جائع يتعفف عن الجثث ", ص 75

لمقاطع من قصائد " ما لا يسمى" و " الأسماء " و " شك الشمس ", ناهينا عن درجة التجاوب المستحكمة بين هاتين القصيدتين أو بين قصيدتي " رقصة الذئب " و " ذئب جائع يتعفف عن الجثث", وبين هذه الأخيرة وقصيدة " أخبار الحجر", وبين قصيدتي " حكمة النساء" و " حصتنا في النساء" وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.
وكما أيٌ تجربة شعرية حريصة على ?شراك شجرة أنسابها المعرفية والشعرية والفنية والميثولوجية...في ?والية تخلٌقها كيانا نصيا كفؤا ودالا لم تزورٌ تجربة الديوان أو، بالأدق, لاوعيها عن استدراج العديد من الآفاق والمرجعيات و?دغامها في منتسجها, ?ن من خلال سرود شعرية أو عبر صور شعرية أو توسطا بمحض ?شارات وومضات تعبيرية تكون كفيلة باستنهاض هذا الأفق المعرفي والشعري أو ذاك, هذه المرجعية الفنية ـ تشكيلية أو سينمائية...ـ والميثولوجية أو تلك, ?دغامها عن طريق التحوير أو الامتصاص أو المحاورة... وحسبنا من مجمل هذه النشاطية التناصية, التي بدونها لا يمكن أن تقوم لأيٌما كتابة شعرية, بله أدبية, قائمة, بهذا النموذج الشعري:

ـ صخرة تنبثق من الأسطورة
مرة تصعد محمولة على الكتف
مرة ترتعش في هيئة خشبتين متقاطعتين
تأخذان شكل الجسد الآدمي
مرة تشرف على كبد تأكل منها الجوارح
أسطورة تقصر عن عبء الصخرة
وتفيض في قدح الذاكرة.
ـ قصيدة " أخبار الحجر", ص 72

ولعل ا?حالة, هنا, واضحة أشد الوضوح على أسطورتي سيزيف وبروميثيوس ا?غريقيتين, وما من مدعاة للعجب بشأن تماهي الأنا الشعرية مع هاتين الشخصيتين الرامزتين ?لى الجوهر العبثي للوجود, ?لى لامعنائية الأشياء والكينونات والمآلات, بالنسبة للأولى, و?لى الغيرة المأساوية على ا?نسان وا?شفاق من وضعه المتضائل, من جهله ونقصه, ثم محاولة تمكينه من النار ا?لهية, نار الجدارة والمعرفة والكمال, التي استأثر بها أرباب الأولمب لوحدهم وضمنوا بها سؤددهم السماوي المتأبد, بالنسبة الثانية, وهو ما يتردد صداه في رحاب التجربة ويرخي بظلاله على جنباتها.
لنقل ?ن الديوان يؤطر, كما أسلفنا, جملة شعرية واحدة كبرى تتبدى مستوياتها البنائية المتغايرة كحلقات في متوالية واحدة يأخذ بعضها برقاب البعض الآخر, وتواظف في مجموعها تحت ?مرة ذهن شعري صارم ومخيلة محككة نزوعهما ?لى التركيب وا?عضال وليس ?لى البساطة وا?سلاس. جملة توائم, وهي تخفر بنائيا وتخييليا ورؤياويا سفرة الأنا الشعرية في مكان وزمن متخيلين, بين وظيفتها الشعرية المتحصٌلة وبين ما أسماه اللساني الروسي رومان ياكبسون وظيفة ميتالغوية, أي نهوضها بمهمة تلقينية بخصوص ماهيات النص, القصيدة, اللغة, الكتابة...ولكأنما هي تستشرف سيماء ما اعتبرناه, قبل حين, قصيدة محلوما بها، و عصية, ?ن لم تكن مستحيلة, تضارع، شعرية وكثافة ومعنى، العالم المشتهى موئلا ?قامة متجوهرة, كما يقول مارتن هايدغر, في السويداء من روح الشعر وصميمه.
?ن أوفى ما يمكن أن نغنمه من النص الشعري هو الاقتراب من برنامجه الدلالي ومداناة استحقاقه الرؤياوي, وسنكون واهمين ?ن نحن ادعينا فهمه أو اننا وضعنا اليد على انتواءاته. فهو, أي النص الشعري," يمتلك تلك الفرادة الخالصة التي تجعله شيئا غير قابل للتفسير و?نما في متناول القراءة, والتأويل ?لى حد ما "،(9) ?ذن ما هوية العالم الذي تخصنا تجربة الديوان بمجرد الاقتراب منه ومداناته أو, على الأصح, الاستيهام في تضاريسه وقاطنيه, في اعتمالاته واختلاطاته؟ وما ?يقاع الخطوات التي توقعها أنا شعرية مأساوية في أرضيته وذلك ضمن سفرتها الرمزية فيه/منه/ ?ليه وبالتالي من سفول التواريخ واليوميات ?لى علياء الكلمة الشعرية وائتلاقها الذي لا يعدله أي ائتلاق؟
كذا تختار السينوغرافيا الموضبة لتجربة الديوان تأثيث العالم المشعرن بشموس وأراض و جبال وبحار وصحارى وغابات وأحجار ونخيل...متعمدة, في ذات الوقت, منحه جسدا زجاجيا تدليلا ليس فقط على عرائه الصاعق, على انفضاحه المدوي, بل و مغالاة أيضا في ا?بانة عن هشاشته, عن رخاوته, وقابليته للتهشم مستتبعا, هكذا, تهشم الذوات والحيوات, الرغائب والأشواق. فالزجاجية هي الحد المكثف, داخل المشهدية المبتناة, لجملة من ا?سقاطات والتلوينات و,بالتالي, التعنيفات, التي لا تخلو من تعاطف تبديه الأنا الشعرية في تفاعلها مع ?شارية العناصر المذكورة, في حين تستقيم رمزية الشرفة, في العديد من القصائد, كإمكانية لتأمل هذه العناصر والتحديق في هيئاتها وقسماتها واستبطان مقولها ولا مقولها دفعة واحدة.
فالجبل, الذي هو من معدن جبال ابن خفاجة وجان ـ جاك روسو و?رنست همنغواي, تتصالح في قامته الخرافية الفارعة معاني العتو والضعف, الصلادة والهشاشة, بحيث لا يمانع في ارتداء هيبةـ لزوجة البحر أو أبهةـ هزال النخيل:

ـ كان الجبل في أحداقنا
ينقل أقدامه الزجاجية من حلم في هيبة البحر
?لى حلم في أبهة النخيل.
ـ قصيدة " ظلام عليك أيها الجبل"، ص 7

وكما الجبل يستدرج البحر, هو الآخر, ?لى ذات ا?والية الكنائية, ?لى نفس التلوين المكثف الدال, فيتنازل, خضوعا لمشيئة المخيلة, عن غطرسته الكونية ويغدو مطهرا لمرارة الآدميين وبرحائهم, أو هو من يتطهر بهما, عينا أسطورية تسبل الدمع المدرار على بحارة فقراء يقامرون بحيواتهم بين فكيٌ كمٌاشته المفخخة كدا, عنتا, وموتا, في لججه المصطخبة, علامة صداقة
و?خاء:

ـ آخينا زعفرانة البحر
وهي تخرج عن خبيئة الجبل
تزخرف مخيلة الغابة
وتمنح الغريب وردة الليل
آخينا الماء بزرقته القانية
وهذيانه الناضج
نغسله بمراراتنا القديمة
فيتفجر في أعطافنا حنين الوحشة.
ـ قصيدة " زعفرانة البحر", ص11

أما الحجر فهو من جنس حجرت. س . ?ليوت وفريدريش هولدرلين وسان جون بيرس وأوكتافيو باث, يحايث بمنتهى اكتنازه الكنائي في رحاب القصائد سيان في شكله الطبيعي الخام, كمهاد هيراكليطي هائل, كفرش للعالم قيد التخييل, أو كأصداف ولآليء مكومة على بريقه،ا على ?غوائها الفاتن في القيعان البحرية اللامرئية القاتلة, لكنه يلوح, في الحالتين كلتيهما, صاحبا ودودا, قرينا أو ندا, يلازم الأنا الشعرية في سفرتها المضنية ويستأمن على فوران الدم واحتقان السؤال في حناياها:

ـ لا تستهن بالحجر
لديه أسرارك
وعن ظهر قلب
يحفظ تحولات الدم في قلبك
حجر يقف قربك
كأنه قرينك القديم.
ـ قصيدة " أخبار الحجر",ص68

ممٌا يتوجب على " المؤوٌل المثالي لمجاز ما أن يتموضع دوما في زاوية كمن يسمع به لأول مرة",
(10) و?ذ يدهمنا هنا مجاز الجبل والبحر والحجر...مفردات وصورا مركبة، مدجّحا بنسبة فائقة من النعوت والأوصاف المبتعثة للجدة والبكارة لا يمكننا ا?حجام عن التقاط العمق الجوهري لهذا العالم " لأنه, وكيما نعثر على جوهر فلسفة ما للعالم, يلزمنا أن نبحث عنها في النعوت" (11) الشعرية, بحيث, وعلى شاكلة ما ينتج عن ا?عمال الفلسفي لما " تتنصل وضعيات الموجودات من السديم الافتراضي في كنف اشتراطات يرسيها الحد (المرجع) وتنتقل ?لى وقائع محيٌنة" (12) تنفلت عناصر العالم, في غمار التدبٌر الشعري, من جاهزيتها الجوفاء لتكتسي صبغة واقعة رمزية لها أكثر من وجه.

هذا العالم, دائما, لا يحفل ما عدا بهذه العناصر بل تعمٌره ذوات وتدب فيه حيوات, ولأن الأمر كذلك كان لابد وأن تتواتر أصوات, هي بمثابة ?بدالات ضمائرية,(أنا, نحن,أنتم,أنتن,هم,هن), متناوبة على التلفظ الشعري, ?ما توسلا بصوت الأنا الشعرية, الضمير المركزي في تجربة الديوان, أو بكيفية مباشرة, أصوات تتموقع ضمن تقاطبية تنابذية دالة : قطب السلالة الصافية, التي تنتسب ?ليها هذه الأنا, لكن المغبونة, المتأففة, البرمة, والمتشوفة ?لى أفق أكثر صميمية ومعنى, وقطب مضاد, منافح عن قيم الثبات والرتوب والانصياع ?لى الواقع. في خضم هذه التقاطبية تتبلور حالات وتوضٌعات, ?نباءات ومحكيات, ضراوات ومواجع, يتوطد, عبر أجرأتها الدلالية والتخييلية, هوى كل قطب وينحسم معها ولاؤه لعالم قائم أو تطلعه ?لى عالم ممكن.
من فرط شراسة هذه التقاطبية واحتدادها لايمانع هذا العالم في اتخاذ ?هاب حديقة جيوراسية طاعنة في الزمن تنغل بالذئاب والنمور والفهود والضباع والفيلة, شبيه ما نلفيه في نصوص
?يسوب ا?غريقي وابن المقفع ولافونطين وأحمد شوقي وصلاح عبد الصبور وحسب الشيخ جعفر, لكن خارج تنويعات البهيمية والنهش وناموس الغلبة للأقوى التي تتلون بها الغابة الرمزية المستحضرة تصر المخيلة على تمجيد الحيز النيٌر, العجائبي، والخلاق في مستعارها الحيواني ولكأنما التقاطب المذكور هو بين هذا الحيز ونقيضه الظلامي في الكينونة ا?نسانية. فالفيل ليس فقط تلك الكتلة الضخمة التي تخبط خبط عشواء في مناكب الغابة بل هو أيضا تلك السجية المذهلة التي تتمثل في العودة الدورية ?لى حيث مدفن موتى الفصيلة, قرب المكان أو شطٌ في البعد, بينما الذئب لهو, هنا, فضلا عن طبائع الدهاء واللارأفة والعدوانية الطاغية ذئب ملوكي منبجس لتوه من سحر الميثولوجيا, توأم لذئب أبي عبادة البحتري أو ذئب هرمان هسه, شقيق أصيل, كما هو الشأن في قصيدة" رقصة الذئب", لذئب الشريط السينمائي الأمريكي الباذخ " لنرقص مع الذئاب", من بطولة كيفن كوسنر, وحيث ترتفع براري الغرب الأوسط الأمريكي ?لى مرتبة كون شعري فريد يكثف, أقوى تكثيف, حدٌية التٌماس بين ا?نساني والحيواني أو, بالأولى, بين الحيواني في ا?نسان وا?نساني في الحيوان.
وعليه فمن مرقى الكنائية في تصوير عناصر العالم ?لى مرقى الاستعارية في تصوير ذواته, استعارية الذئب:
ـ فلا تأخذك الرهبة ممٌا يبهج روحك
مثلما يبعت الذئب سهلا زاخرا بالكائنات المذعورة
فيرأف بها
ويستدير نحو منعطف آخر
كأن كل هذا الظلام لا يكفي لنحيب ذئب مثلك
ما أجملك أيها الذئب
جائع
وتتعفف عن الجثث.
ـ قصيدة " ذئب جائع يتعفف عن الجثث", ص77-76
أو استعارية الفهد:
ـ فهدا فهدا
كنا نظن أن الوحش
هو الحيوان فحسب.
ـ قصيدة " فهدا فهدا ",ص 55
أو استعارية الضٌبع :
ـ ما ?ن تغفو أجسادنا في شهوة الليل
حتى تستفرد بنا ضباع تتبع خطواتنا
تشم رائحة الدم وتمشي عليه مثل الخيط
تقتحم علينا غرفة القلب
منتهكة بكورة أحلامنا.

ـ قصيدة " زعفرانة البحر", ص16

عالم على هذه الدرجة من الاحتقان, يستلف من الغابة بلاغتها الاصطراعية المزمنة لا مفر للنساء أن يكن فيه عرضة للإقصاء والنبذ والتعنيف, المادي والرمزي. ولكون الأنوثة صمام أمان الاستغراق في وجود ذكوري مغبر, ركيك, يعمد الشاعر ?لى الاحتفاء بها, كما في قصيدة" الأسماء", ?لى تقويلها أو الحكي عنها:
ـ نساء مغدورات برجالهن
يغدرن بهم
ويكشفن لهم ذريعة الفتنة
كأن في ذلك حكمة.
ـ قصيدة " حكمة النساء ", ص 24
أو ?لى التماس متابتها, وكيف لا وهي الاستعارة الحية, الفذة, لذاكرة الرجال العدنيٌة قبل أن يطوٌح بهم, وبها, ?لى يباب العالم وتيبٌسه:
ـ تجتاحنا صرخة المرأة في مخاضها
مثل كلام الأعاصير
المرأة التي أمضينا العمر في خدمتها
ونسينا تأنيبها الفادح
رأينا في سريرها جنة التحولات.
ـ قصيدة " حصتنا في النساء ", ص 56
عالم بهذه المواصفات لا يبقي سوى على خيارين, ?ما الجنون أو الموت, لابد وأن يلقي في مواجد الذوات الرغبة في الاستقالة من لوازمه وتبعاته وذلك درءا لمزيد من المعاناة والألم والانتظار اللامجدي, أي التلفع بالمبدأ الرواقي العدمي, مبدأ احتمال فساد العالم والزهد في حطامه من أجل الفوز بالسلام الداخلي:
ـ كلما انتحرنا
لكي نتفرغ وحيدين للتمتع بحياتنا بمعزل عن الذين ظلوا
يفسدونها علينا طوال الوقت نجد أنفسنا محاطين بطقوس
تستوجب ا?صغاء لأكثر الأحاديث فجاجة, من كائنات لا
تحسن غير التأنيب المفرط في بلادته بحجة أن في الحياة ما
يوفر لنا المتعة وأن المتعة لا تكتمل بغير الناس...
ـ قصيدة " كلما انتحرنا ", ص81

من هذا المنطلق يصبح اليأس, الشعري طبعا, مرادفا أو صنوا لموات يتربص بأنا شعرية بلغت من قنوطها, من ارتطامها بجدار الزيف والخيبة, من تشبثها بسؤال: وماذا بعد؟ مبلغ ا?قرار بمأزقها الهاملتي المقضٌ, مأزق أن تكون أو لا تكون, من خلال نبرة تخومية لا تتحرج في التعرية عن بهتان معيش انتشل منها قرابة خمسة عقود. ولا يخفى ما لهذا ا?يهام من تواشج, بكيفية أو بأخرى, بالذات الكاتبة, بمأزقها الوجودي ـ الشعري, ?لى حد يمكننا معه احتساب الأبيات التالية جزءا, في الواقع, من نص شعري سير ـ ذاتي, قائم الذات, يتحرك بين الذاكري والراهن والآتي خالصا ?لى حسم قلق أنا شعرية تستعيد مقولة الفيلسوف الدانمركي سورين كييركيغارد حول أن الأصل في أي معيش ?نساني هو القلق أو اليأس, لا فرق:
ـ عندما تكون على مشارف الخمسين
بعد خمسة عشر كتابا وأسرتين وأحفاد وشيكين وجسد
معطوب وزنازن كثيرة ونصوص ملطخة بحبر القلب
ومخطوطات خمس في خزانة الروح وأصدقاء يهددونك
بالفقد وليال محتدمة بالكوابيس ومشاريع قيد الخرافة وأنت
لا تكاد تطمئن لما بعد الغد
كيف يتسنى لك أن تكون محسوبا على البشر دون أن
تصاب باليأس.
قصيدة " شك الشمس ", ص84
ومن باب الاستدراك لنقل ?نه, أي العالم, يبقي, في واقع الأمر, على خيارات عدة, على خليط من الانفعالات التي تتجاذب الكيانات. يبقي على الكلام والبوح والاستذكار والحب والحنين والرغبة والأمل والشهوة واللذة والبهجة والحلم والحكمة والصداقة.. ?بقاءه, في نفس الوقت, على الصمت والوحدة والفراغ والوحشة والغياب والهذيان والتيه واليأس والحزن والمرارة والجرح والنحيب والضغينة والحرب والخراب والجنون والموت..
وهكذا, ومن خلال انكباب أحفوري لافت على الجسد الخاص والجسد العام, على عوالم ميكروسكوبية وأخرى ماكروسكوبية تفلح تجربة الديوان, ضمن جمالية تصويرية أليغورية, في اجتراح مهبات وحافات رامزة تتلظى في جهنميتها الذوات شواظ المكابدات الفادحة وتسفر عن كنهها المأساوي الذي لا يمكن للإنتشاءات اللحظية البارقة أو حالات الصفاء الاستثنائية التي قد تغشى الأجساد والأرواح أن تمتص مفاعيله وتبدد عواقبه, هذا الكنه الذي قد يعلن عن نفسه, حينا, في شكل جنون مدمر:
ـ ماذا تعرف عنا
بذلنا لك جنون القلب
لئلا ينتابك ما لا يسمى
وقلنا لك هذا القلب لك
حصن يصونك
فاشمخ به
يتمجد بك وينهض.
ـ قصيدة " ما لا يسمى ", ص29
أو في شكل موت عارم يعتصر في مداره الطاحن ?شاريات الشهوة والحب والضغينة ويرفد بها حسابه الدلالي الخاص:
ـ حارسات الشهوة
تسهر على راحتهن ساحرات يشطرن الماء بالسكاكين
في مدينة يموت بها الناس والأشجار لفرط الحب
كل ذلك لا يجعل لهم العذر لاذٌخار الضغينة
لمن يفتح نسيانه على النساء.
ـ قصيدة " الذخائر ", ص41
كما اعتصاره ?شاريات المكان والتاريخ والمصير, وتخريبه للضمائر والأبصار سواء بسواء:
ـ من يكترث بخراب يأخذ المدن..
من يكترث بالمدن؟
ـ قصيدة " تحولات المدن " , ص63
بل من ذا الذي "يجرؤ على وصف المشهد العربي الراهن دون أن يتعثر بجثة من جثثنا. و أعني بالجثة ما هو أبعد من الجثمان ا?نساني المادي الذي يزخر به المكان المحلي والعربي والعالمي أيضا. ثمة جثث لا تحصى تتحكم فينا. لعل ثمة موتى بحب قتلهم كما يقال" (13) وعلى مدى ارتقاء الجملة الشعرية من صعيد الكنائية ?لى صعيد الاستعارية, منمٌية نواتها المجازية المتأصلة كانت الصورة الشعرية تتدرج, ضمنيا, من مستوى النواتية المجازية ?لى مستوى الهيمنة المجازية, أي من أفق التكنية ب/عن الأشياء, من معادلة المستعار/المستعار له, ?لى أفق الفعل المجازي الشامل. ف " الصورة الشعرية هي بمثابة فعل وليست شيئا, ?نها وعي بشيء ما "(14).
في موقف شعري كهذا لن يخرج هذا الوعي, بطبيعة الحال, عن نطاق الأوعاء الرؤياوية الشقية, ووعي من هذه الطينة يستحث, لزوما, ا?شاحة عن الواقع أو الغياب عن ضجته وبهرجه, عن تناقضاته ومفارقاته, كإعراب عن " فقدان القدرة على التكيف أو التصالح مع واقع ذي شرائح متجاورة ومتعاكسة القطبية في آن, أي مع واقع يلغي بعضه بعضا على نحو مشوش ومختلط دون أن يعطي نفسه أو يعطي من خارجه فرصة حقيقية أصيلة لاختيار ?حالاته أو تشكيل منطق لجدله. ?نه واقع مضطهد من ذاته ومن ما هو خارجه, واقع عشوائي مشذر, ومنفي ومشوه, وخاضع للحذف المطرد".(15).
وفي هذا الموقف, دائما, لن يتأخر هذا الغياب عن اتخاذ معنى السفرة الرمزية, بمعنى مبارحة المكانية ـ الزمانية القائمة والسير فيها/منها/ ?ليها, مبارحة طبقتها الناسوتية البراغماتية المتبلدة واللحاق بعنان ممكنها الشعري المتفلٌت أو, بالحري, بتخوم الموجودية الشعرية المشتهاة:
ـ نعرف في الحجر ذريعة الطريق
تأخذ أقدامنا بهجة المسافة
وطبيعة السفر.
ـ قصيدة " ظلام عليك أيها الجبل", ص9
على هذا النحو ?ذن لا تتورع الأنا الشعرية عن مصادقة الطريق, عن التودٌد ?لى المسافة, عن اعتناق السفر كعتبة ?لى حيث القصيدة المحلوم بها, اللامدونة بعد, ?لى المجهول المبهج/المؤلم, ?لى مستحيلها المأساوي. أو ليست الكتابة ذاتها سفرا خياليا في الأجساد والأرواح, في الجغرافيات والتواريخ, في الحالات والتوضٌعات, و?ن كانت تشق طريقها في الطبغرافيا الرهيبة للصفحة, في بياضها ـ خوائها الفاجع؟ ?نها دينامية ارتحال, انتقال, تحوٌل، وتجدد, أما الصفحة فهي البرزخ أو, على الأصح, الصراط الذي تختبر الذات الكاتبة في مضائه ومشقٌته سجايا التحمل والاقتدار وا?يثار والانفتاح.."حيث السفر هو بمثابة اكتساب المعرفة والحب, وحين تنتهي الطرق عندها يبدأ السفر (...) وفي السفر عدم الاحتفاء بكائنات الطريق احتقار مبالغ فيه لفكرة السفر",(16) أي كونه دراية وامتلاء, استكشاف للامرئي واللامتوقع, وكتابة للامقول واللامدوٌن في أرض ـ صفحة لن تكون, في أضعف الأحوال, أقل متاهية وأكثر رحمة من بريٌة التٌايغا الروسية أو صحراء هراري ا?ثيوبية وحيث فذاذة المكان و?غواؤه المزلزل.
?ن "النص الشعري ليتموقع دائما في الحد الفاصل بين العلامة والرمز" (17) لكن عندما يخوض في تلابيب دلالات متعالية كالسفر, أدنى ?لى التجريد والماورائية رغما من حمولتها المادية, يميل أكثر جهة الترميز, أي جهة منتهى الانزياح التخييلي, بوصفه المرقى الأكثر استصداء لذبذبة القصيدة الحقٌ:
ـ بين أن تختبر الجوع بأمعائك
وخمسين كتابا عن القمح
مسافة من التجربة التي تذيب الجلاميد
موغل في جحيم الطريق
فيما الدروب مكتظة بالأجساد المعروقة
والأرواح الشريدة
فلا تدع شعور الوحشة ينالك
ـ قصيدة " ذئب جائع يتعفف على الجثث ", ص74
بحيث في تصوير شعري من هذا العيار" يتاح للروح أن تقول حضورها",(18) المتجوهر في برزخية لحظة كتابية/ارتحالية شائقة ومجهدة, في آن معا, وتقول معه نسيانها, و?لا ما مسوٌغ تجشمها عناء سفرتها الدالة ?ن لم يكن غسل الروح من عوالقها وأدرانها, تصييرها بكرا لا تشوبها شائبة حتى تتزود من " تراث السفر" كما يرد في عنوان ?حدى قصائد الديوان:
ـ عندما تنسى
يسميك ما لا يسمى
سيف النسيان عندما تنسى
تحت قميصك المليك في حريته
تحته الطيور و الأجنحة.
ـ قصيدة " ما لا يسمى ", ص27
فالسفر سهو مزمن بديع, ومن غير السهو لا تكون هناك كتابة من الأصل لأنها, عمقيا, عبارة عن متوالية من الاستدراكات اللانهائية, من الترميمات, و, بالتالي, من التسميات. ?ن السفر قرينة للايقين وهذا الأخير هو محط جاذبية الكتابة الشعرية ما دام الشعر, برأي بول سيلان, طاقة روحية لتسمية الأشياء و تخصيص الكينونات. وعليه فأن تتخفف الأنا الشعرية من موروثها الذاكري لتحيا خبرة استدراك عليا, أن تباشر تسمية المجال الملغٌز لسفرها وتؤرخ لكائناته وحيواته, أن تهجس بوجهتها المتنائية مفاده تحرٌشها بغموضه, تعيين ما لا يتعين, واختراق المنطقة اللاموقنة في ماهية الشعر. حينما يصبح السفر معادلا للنسيان وتأهيلا لطاقة التسمية والتخصيص, التي تعتبر قصيدتا " ما لا يسمى " و " الأسماء " بؤرتها الأساسية في تجربة الديوان, تغدو:
ـ المسافة مكفولة برسائل الذهب
بالقباب التي تحرس الدم
كأن السفر لها بيت
والمسافة مكان.
ـ قصيدة " حيوان الحكمة ", ص50
في خفرها لسفرة الأنا الشعرية الرمزية, على نحو ما بيٌنا,, ينطبق عليها, أي الكتابة, ما ينطبق على هذه الأنا من ارتحال وانتقال وتحول وتجدد لكنها لا تغفل, رغما من مواظفتها المثنٌاة هذه, أن تعكف على التعريف بذاتها, على تعقيل أو مفهمة نفسها, على قول صميمها لا برٌانيتها وا?فضاء, بالتالي, بمطمحها المكين ?لى اتخاذ هوية علامة مؤيقنة، ?لى أقصى حدود الأيقنة، ساطعة في وحشة الورق ونصوعه المأساوي من جهة وشكل أثر دامغ منحفر في أديم الوجود من جهة ثانية. من هنا ?ذن ?رداف الجملة الشعرية في الديوان الوظيفة الميتا لغوية ?لى وظيفتها الشعرية المبدئية و?لحاحها, كنتيجة, على مفردات من قبيل النص,القصيدة, اللغة, الكتابة...لا ?معانا منها في ضبط ميثاقية تلقيها وتمثٌلها وكفى, بل وتجلية للجرح الغائر الذي لا تتوانى عن مفاقمته في روح الشاعر وتفكيره ما دام وجوده الحلمي أولى من معيشه الأرضي, مواطنته الرمزية أسبق على مواطنته المجتمعية, جرح مطاردة القصيدة التي لم تنكتب بعد, القصيدة التي تندثر معها المسافة بين الحلمي و الأرضي, بين الرمزي والمجتمعي:
ـ وها أنت تفقد المعدن الخفيف
تفقد حرية الهواء
كأنك تفقد النص.
ـ قصيدة " ما لا يسمى ", ص27
القصيدة التي تتلامح مقامية أونطولوجية مفصولة عن غبش الواقع واختلاطه, معافاة من أسقامه وأعطابه, بقدر ما هي مصونة من توقٌح أوباش الكتابة ومرتزقتها, من أشباه المبدعين أو أنصافهم, في أفضل الأحوال, على حرمتها ومهابتها:
ـ عندها تدرك صديقاتنا الغامضات
أنك لست ?لا مليكة الكتابة
تحرسين لنا السلالة من قراصنة النص
وتصدين كتائب الغبار عن أصابعنا
لاهية بموهبة الخلق
وأنك لست غير دليلنا في ليل المكابدة
وقنديلنا في ليل الناس.
ـ قصيدة " سلة الأسلحة ", ص32
?ن الكتابة بالنسبة ?ليه, مثلما هي لدى رفيق طريقه أمين صالح, "...متعة ذاتية. نأتي لنكتشف ما ي\هلنا.ليست لدينا مواعظ. نكتب لنتعلٌم, لا لنعلٌم, مهارات " ,(19) متعة تستثير, رأسا, اللعب النّيتشوي الخلاق المربك لثقافة الانتظام و المبلبل لمتخيّل الاستتباع، اللعب الذي لا يخشى مقارعة ترسانة اللغات و الأخلاقيات و القيم المكرسة. ولأنهما يصدران عن منظور متفتح للكتابة و يعتنقان مبدأ تداخل أشكال التعبير الأدبية و المعرفية والفنية و هجنتها ضدا على مقولة نقاوة النوع و خالصيّته فإن النص عندهما، اهتداء بهذا المنظور،" ...ليس متحفا، إنه متاهة(...) النص مدي مفتوح، مرن كالحرف، هائل كالحرية"، (20) لا يمكنه تخييب أفق انتظار القراءات والتّأولات المفتوحة هي الأخرى، المجازفة في تعشّقها للنصوص ومحاورتها، إتمام كتابتها و السفر برفقتها، النصوص التي تتمظهر فيها " السّمة الأجناسيّة كوظيفة نصّية" (21) غير قابلة للحدّ أو التّقنين:
يا كتاب النهر
نصّنا طاعن في السماء
مثلما شاحب
يمنح الليل مخطوطة حرة
حبرها في رحيل طويل
وأخبارها في الضّفاف.
- قصيدة " أخبار الحجر" ، ص 73
نص بهذه القسمات يستوجب، كواحد من بين أقسى الخيارات،" أن يتركني العالم و شأني" (22) كما يلتمس- يشترط الشاعر، ذلك أن قدر" الشعراء هو أن يكونوا وحيدين مع لغتهم، لكن وحدها اللغة من تقوى على إنقاذهم" (23)، حتى يمكنه الاختلاء بغريمه الرمزي و مقايضة و عورته تخيّلا و تفكيرا و حدسا، ألما و حرقة و غصّة، إذ " ...في الكتابة لا يد عليّ، و ليس ثمّة سلطة للآخرين سوى النص بعد أن أفرغ منه" (24).
إن مؤشرات هذا القلق المركب، قلق الكتابة على شأنها الخالص و قلق الذات الكتابة على لحظة الكتابة، مضمونا و حيثيات لمن الغزارة في فضاء الديوان، و لولا ضيق الحيز لما كنا أحجمنا عن إثبات كافة المقاطع و الأبيات التي تمرّر هذا الهاجس و تعطيه صفة شاغل مركزي بالغ الدلالة.
تدبير المسافة.. تعقيل الكتابة، تبديد المسافة.. مفهمة الكتابة، تلك هي المراهنة الكيانية، الشعرية و الروحية، كما سبق و أن قلنا بالحرف، التي تنعقد عليها تجربة هذا الديوان. إن " الفنان يواجه واقعه بتشكيل مقابل يقهر- رمزيا- التشكيل التاريخي و يعيد بناء الواقع الحقيقي" (25)، و لكي يوفٌق إلى ما يشبّه له، بلا انقطاع، أنه عين النص في هذا المعترك الجاذب و المكلّف عليه أن يتماهى مع فكرة المسافة المطوية أو المحروقة عن الواقع التاريخي المعطى و يدمن اعتناق حلم الكتابة الأقصى تلبية لطيّ- إحراق هذه المسافة و تشييد واقع آخر، شعري عن الآخر، طبعا لا مجال لكسب هذا المعترك و في هذا الإخفاق يكمن مغزى الكتابة الشعرية و يستفحل خطبها.
وإذن منتهى ما تثمره هذه التجربة، فضلا عن مكسبها الجمالي و التخييلي و الرؤياوي الوازن الذي يشكل قيمة مضافة إلى منجز الشاعر الكتابي و يكرّس مكانته في الشعرية العربية المعاصرة، هو إرجاء هذا التّشوّف الشعري المكين، هذه الرغبة القوية في تجاوز الكائن الى الممكن، إلى حين، إلى شوط آخر قادم من معترك رمزي مستديم استدامة الفعل الشعري نفسه.
و بصيغة أخرى فإن منتهى ما تسنح به التجربة، بما هي تحقّق لزمن كتابي لا مداه و لا طبيعته علمهما عند الشاعر وحده، هو ملاقاة صاحبها بالأساس، و إن لحظيا، لذاته الأصلية، الحرة، و التّجوهر في رحمها، ذلك أن هذه الذات " ... لا يمكنني اُختيارها، لأنها معطاة، ولكن يمكنني اُفتراضها، بأن أعتبرها ذاتي، فأنا الذي أوجد في الحرية. عندما أنفصل بوعي عن ذاتي التجريبية أتعايش مع كل ما يتصل بذاتي على نحو فريد"، (26) بأثر من ذلك الانبثاق الفذ الذي تفوز به ذوات المبدعين و الكتاب، كما يقول مارتن هايدغر، في فوضى الوجود وسديميته.
فعلا " لكأنٌ الشعر هو ما ينقصنا دائما عندما يتعلق الأمر بعلاقتنا الحاسمة بأشياء العالم من حولنا" (27) علاقتنا بها كذوات و كجموع، و في هذا المنحى ليس محتٌما أن يأخذ العالم مداه الكوني المتراحب، بل يكفي أن تكثف بقعة متناهية الضؤولة عالما في منتهى الشّسوع. بهذا المعنى تأخذ مدينة المحرّق، باعتبارها مسقط رأس وجوده و قصيدته دفعة واحدة، رمزية كبيرة لا يمكن تغييبها و نحن نقارب دلات السفر و الطريق و النسيان، فهذه الدلالات تتحدّر من صلب انمساس الشاعر بعالمه المصغّر/ المكبّر هذا و اُكتوائه، و يا للمطابقة، بذات النار العتيقة التي ما فتئت متأججة، لاهبة، في جسدها، و أجساد قاطنيها البسطاء، من نوع خطر في بال ذلك الملك الحيري أن يحرق، ليس المكان على شاكلة ما اقترفه نيرون لمّا أحرق روما، لؤلؤة العالم القديم، في لحظة جنون / شعر نادرة و مدوٌخة، بل الآدميين العاقُين، بينما على مرمى مسمع ترنٌ، و يا للمفارقة، مناداة دلمون، عدن السومرية الميثولوجية، عارضة بردها و سلامها المستحيلين على من يقتدر على ركوب أهوال مسافة / تهلكة/ مفازة يستعاض بهما تبدٌد جموع بنار اقتصاد ريعي يدرأ عن قلة قليلة غائلة البؤس و المسغبة و يستودع سطوة البحر أو خيلاء الصحراء كثرة كاثرة منذوبة لتغذية نار كان أن أوقدت في لحظة جنون/ شعر لا تقلٌ، هي الأخرى، ندرة و دوخة.
و الشاعر يعتبر ليل النص"…رغما من حضوره الحميمي، نصا مكانه على الهامش، أو لعله هامش لذاته يتم توفيره عساه يعضٌد مواجهة المركز و الهوامش " (28)، فالظاهر أنه بمجرد ما أوقعته خطاه التائهة، و هو لمٌا يزل صبيٌا غضٌا، في القلب من حميمية بيوت المحرٌق فشعر، كما يقرّ بذلك،"...لحظتها بأنها جميعها بيتي الافتراضي" (29)، لم يعد في حوزته، بينما عين النار العتيقة ما انفكت ناشبة سعيرها في أرواح ساكنيها الوديعين، سوى أن يتعهد سفرة ذاته/ الذات الجمعية من المحرٌق، المحرقة الكوسموبوليتية إلى دلمون، الجنة الكوسموبوليتية، و ضمنيا سفرة الكتابة، مرتدية ليلها المدلهم/ نهارها في الحقيقة، من صفاقة الأرض إلى دماثة الحلم، إلى حميميته، و، بالتالي، إلى مستحيله، مخترقا المركز و الهامش، الكلي و المنفصل.
إن الشاعر و هو " يشعرن وقائع المدينة و الذات و الأهل و التحولات السياسية التي قادته و آخرين إلى الاعتقال السياسي بسبب انخراطهم في مشاريع اتسمت بنشدان التغيير و الانعتاق من أسر الجمود و الاستلاب و انعدام الحرية و الاستقلال. و العدالة و التكافؤ" (30)، إنه و هو يورّط، توريطا، في رباعيته الإسمية : رمضان، جاسم، جعفر، قاسم، كان، في الحقيقة، يأخذ بتلابيب سفرته الفعلية في برّانية ذاته و جوانيٌتها، فيها/ منها/ إليها، تماما كما سفرة الأنا الشعرية الرمزية في رحاب عالمها/ منه/ إليه، من حضيضه الى عليائه، و سفرة الكتابة من أفق الهواية إلى أفق الاحتراف، تصوٌرا و ممارسة، من حدّ القناعة إلى حدّ البذح، غانما مرئيات الطريق ولامرئياتها، لغاتها وصموتاتها،محنها وانفراجاتها، و محوٌلا كل هذا لحساب الكتابة الخاص، و في مرحلة ثانية لحساب القراءة، أو ليس " يقول الشعراء ما لا نقوى على رؤيته أبدا" (31) و يبصرون ما لا قدرة لنا على قوله؟ أفليس اليأس الجميل و نفض الروح من مغريات تاريخ شخصي- موضوعي دون الطّموح الشعري العارم بوّابة ولوج البصيرة إلى حيث ترى ما لا قبل للآخرين بمجرد رمقه ليخالجها نفس ما خالج بصائر غلجامش و يوحنّا ودانتي أليّغيري و جيراردي نرفال و راينر ماريا ريلكه من دوّار يندٌ عن الوصف؟
عندما تكون على مشارف الخمسين
و تحاول أن تحصي أفراحك فلا يسعفك الوقت و لا يسعك
المكان تسند ظهرك في جحيم و تحدّق في جمرة و ينتابك
الدٌوار لفرط المسافة التي اختلج بها جسدك و تشظٌت بها
روحك و تاه القلب منك.
- قصيدة" شك الشمس" ،ص 85.

(*) قدمت هذه المداخلة في ندوة تكريم الشاعرالتي نظٌمها ، يوم 9غشت 2004، منتدى أصيلة ضمن فعاليات مهرجانه الثقافي والفني الدولي السادس و العشرين.