قاسم حداد القطيف ـ القدس العربي:
استضافت (جمعية سماورد ـ همزة وصل) الشاعر البحريني قاسم حداد في لقاء حول كتابه السيري (ورشة الأمل) مساء الخميس الماضي في القطيف، وابتدأ اللقاء بكلمة ترحيبية قدّم بها للأمسية خالد عبد الله تناول خلالها تعريفا مختصرا لمشروع سماورد وأهدافها.

كانت مشاركة أستاذ علم الجمال الدكتور معجب الزهراني بكلمة قرأت نيابة عنه بمناسبة اللقاء جاء فيها قاسم العزيز، مرحباً بك في لقاء محبة تليق بك وبهؤلاء الجميلين حين يحتفون بمبدع مثلك. كان بودي أن أكون معكم، سأحترم المسافة. لكني سأعالجها بما يتجاوز قوانينها. سأستعير ما تيسر من مخيلتك الرحبة كبحر القطيف، ومن ذاكرتي المزروعة بحقول القرى .

وأشار الدكتور الزهراني في كلمته الي اعتباره قاسم حداد شاعر تجربة لا شاعر نصوص، حينها كان يحاول استعمال لغة المفاهيم التي تعين علي مزيد من المعرفة، لي ولغيري. انها ظاهرة نادرة أن تستغرق اللعبة الإبداعية حياة صاحبها حتى تتحول الي رهان وجود ودليل حضور .. ولا يبالغ الزهراني حين ذهب في آخر قراءة لآخر منجزات قاسم الي أن كل ما يكتبه هو شعر ماثل أو شعر وشيك وأنه يكتب بهواء روحه ودماء جسده وقبس فكره واختتم كلمته القصيرة مخاطباً قاسم حداد كأنك أدركت مبكراً أن بين الفكر والشعر علاقة حب أصلية أصيلة في كل لسان فأصبحت رمزاً لهما .
تعقيباً علي كلمة الدكتور الزهراني، شكر قاسم حداد في البداية جمعية سماورد ذات الاسم الغامض الذي سيأخذنا الي المجاهيل ، وشكر الزهراني علي كلمته الحميمة، وأشار الي أن الكتاب (ورشة الأمل) محظوظ كونه يحظي بورشة عمل، وقدم للكتاب بأنه لم يكن مشروعاً لكتاب، فأكثره كتب علي هيئة مقالات، وأنه لم يفكر للآن بكتابة سيرته، فالشعر ـ علي حد قوله ـ كفيل بالتعبير وبلورة المشاعر والعواطف، مضيفاً بأنه لا يعرف كتابة السيرة، وأنه لن يكرر التجربة ثانية..
قرأ قاسم مقاطع مجتزأة من (ورشة الأمل)، ثم ابتدأ الحوار الذي أداره الشاعر هاشم العلوي والكاتب عباس الحايك، حيث دار الحوار حول قاسم حداد الشاعر والإنسان وولوجاً الي السيرة ومدينته المحرق، فعن إصدار الكتاب، يقول قاسم في الحقيقة لم أخطط لكتابة السيرة، الا أن نوري الجراح طلب مني انجاز كتاب عن المحرق، ضمن سلسلة ارتياد الآفاق التي يشرف عليها، فبدأت الاشتغال علي الفكرة ضمن مسودات كتبتها كنت بين الحين والآخر أطلع صديقي الدكتور إبراهيم غلوم عليها .

وأرجع قاسم حداد الشعرية التي تطغي علي لغة السيرة في معرض رده علي سؤال حول كتابته السيرة بنثر يوشك أن يكون شعراً، الي سببين تحكما في أسلوب الكتابة. السبب الأول اختلاف زمان كتابة الفصول والحالات الشعورية الدافعة لكتابتها، فتارة يكون التعبير نثراً وتارة شعراً، إذ كتب بعض الفصول في سياق تداعي مقال سردي، وبعضها شعري، فالموضوع هو الذي يقترح عليك نشاطاً للمخيلة لا يمكن تفاديه، والسبب الآخر الجوهري هو الكلام عن المدينة وليس عن الذات..
دارت النقاشات التي كانت تبحث عن إجابة في تجربة قاسم الحياتية والشعرية، أسئلة حول مفهوم الوطن عنده، وكيف يتماهى الإنسان مع وطنه، وحول المحرق المدينة التي بدت في سيرتها فردوساً مفقوداً، مدينة جمّلتها ذاكرة طفل عشقها، وحول التكوين المعرفي منذ سنوات الطفولة وكيف تعلم الكشف من صندوق جدته الخشبي، وعن حدود الكشف في السيرة، وعن علاقة قاسم الشاعر بشاعر مثل طرفة بن العبد الذي رأي في ذاته مكملة لحياة طرفة القصيرة.. وعن الأساطير التي حفلت بها الذاكرة وصار أميناً عليها، عن علاقته بالبحر وبضعف الإنسان الذي يخلق منها قوة، وأخيراً عن الأمل الذي يبدو قاسم يغرينا به في (ورشة الأمل) رغم فداحة اليأس الذي يلفنا جميعاً.
كان للمداخلات دور في رفد الحوارات التي أديرت حول (ورشة الأمل)، تلاها تعقيب للدكتور إبراهيم غلوم عميد كلية الآداب في جامعة البحرين وأحد أصدقاء قاسم حداد الحميمين الذي حل ضيفاً علي سماورد في لقائها الأول، مشيراً الي أن هذا اللقاء يثير كثيراً من الأسئلة حول تجربة قاسم، وأنا أحيي الأخوة في سماورد بالمبادرة التي وضعت ورشة الأمل بالتحديد علي منصة الحوار والنقاش، وهذه باكورة الأمل التي يعيشه قاسم، وأعتقد أن ورشة الأمل مثل (قبر قاسم) بعيدة عن القصدية لتسجيل سيرته، فهي انفجار الذات، لأن قاسم في الجزء الأخير من تجربته الشعرية تبين أن ذاته الشعرية هي التي تواجه العالم، وهي أكثر المراحل التي يمتلك فيها الأمل. فقبل (قبر قاسم) كانت ذات قاسم مكشوفة، لكنه في هذه المراحل أكثر قرباً من الأمل، ومن يقرأ (قبر قاسم) يري أنه أمام شاعر مختلف.. تجربة قاسم كلها عبارة عن ورشة أمل، وهو شخصية عملية وواقعية. ليس صدفة أن يصنع سيرة أو سجلاً شعرياً من أولئك الناس البسطاء الذين هم جوهر الحياة رغم هامشيتهم وهم يصنعون الأمل.. الأمل في اللغة ذلك الكائن الخرافي .

واختتم اللقاء بكلمة لقاسم حداد أعلن فيها غبطته لمشاركته في ورشة جميلة عن كتاب (ورشة الأمل)، فالحوارات هي ما تعرّفه علي عناصر القلق في تجربته الإبداعية، كما يقول قاسم.

القدس العربي
2006/02/02