حسين السماهيجي- (البحرين)

قاسم حدادما الذي يميز تجربة شعرية مثل تجربة قاسم حداد عن تجارب قريناتها والتجارب التي تناسلت عنها منذ لحظة السبعينات الشعرية حتى هذه اللحظة؟! إن أهمية هذا السؤال هي بحجم أهمية المشهد الشعري في البحرين.

.. هذا المشهد الذي استطاع تجاوز الإقليمية الضيقة ومحاولات التهميش والتهشيم المتعددة، ولكنه كان يخرج في كل طور بحلة أبهى وأجمل بما يختزنه من إمكانات غير اعتيادية تقدم وتضيف إلى الجوهري من حركة الشعر العربية المعاصرة. "سنأتي إلى هذا الجانب المهم فيما هو آت إن شاء الله تعالى".

لعل بعض ما يميز قاسم حداد هو انه يقدم نموذج الشاعر المخلص للشعر في حركته المعقدة والمتشعبة، كما يطرح إشكال مكونات الشاعر المعاصر بما يجعله متجاوزا للمجايلين له والمتناسلين عنه على حد سواء. يتبدى ذلك جليا من خلال كتاباته المتعددة وإبداعاته ومغامرته الشعرية المتعددة المستويات؛ فهو متمكن تمكنا هائلا من آليات الكتابة، ومستوعب لمفاهيم "الشعرية" بما تطرحه من تجاوز لا يمكن له أن يتحقق إلا عبر هاجس الإبداع والجمالية المغايرة. ثم انه يتكئ على ذخيرة إنسانية وحياتية ممتدة من القيم والطقوس والتجربة الفردية والجماعية استطاع تحويلها ببراعة منقطعة النظير إلى دالات نصية تحيل إليه هو بالمقام الأول. كما أن قاسم حداد منحاز انحيازا تاما وصارما إلى "الجمالي" في الكتابة والإبداع، ولعل ذلك هو ما حفظ نتاجاته من الارتهان إلى "العادية" والواقعية المباشرة، هذا مع الالتفات إلى أن ذلك لا يعني أبدا أنه ينكب على الذات بما هي مغادرة فجة للموضوع، وإنما بما هي قطب تنتهي إليه الدوال الشعرية، ومن ثم تعيد رسم حركتها الدائرية إلى الخارج. وذلك جانب في تجربة قاسم يحتاج إلى عناية ونظر. كما أن تجربة قاسم يمكن تلقيها من خلال كونها مغامرة دائبة في مختلف الأشكال الكتابية، ومحاولة دؤوبة - تكللت بالكثير من النجاحات - تتغيا معانقة تجارب أخرى كالفضاء التشكيلي، وهنا - بالذات- تحضر تجربته المتميزة مع ضياء العزاوي، ومن بعد مع الفنانين عباس يوسف وعبدالجبار الغضبان.
لم يكن قاسم حداد، إذا، مهووسا إلا بالشعر وفضاءاته. ما تقترحه علينا هذه التجربة عبر كل إشكالاتها وذهاباتها هو الشعر، وفقط. نلتفت، هنا، إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي ان تجربة قاسم حداد واقتراحاتها، تحيل إلى مشترك بين تجارب عربية عدة تتقاطع معها في الكثير من الجوانب، سواء على مستوى التنظير والكتابة أو على مستوى الإبداع.
ينبغي، أيضا، ألا ننسى أن قاسم حداد بمعية رفيقه الإبداعي "أمين صالح" استطاعا عبر "الجواشن" تقديم تجربة مشتركة متميزة، ولم تتكرر قط على مستوى المنطقة ككل.
هكذا يقترح علينا قاسم حداد أن نقرأه ضمن عدة قراءات قابلة للتحقق، وهو ما تتميز به أية تجربة شعرية جديرة بأن تضيف إلى الشعرية المعاصرة الكثير. إنه النموذج الذي يستحق التكريم على كل عطاءاته وإنجازاته ومعاناته العظيمة على المستويين الفردي والجماعي... ثم إنه، بكل ما سبق، العلامة الشعرية الأبرز والأجدر بالقراءة لمشهد إبداعي قدمته البحرين. ولاتزال هذه العلامة في طور تحولات ووعود بقادم هو الأبهى.
قاسم حداد المكرم في أصيلة، هو المغامرة الشعرية المرتهنة إلى الذات وهي تكرم عبر عطاء استمر أربعين عاما. وهو دال شعري عربي عبر نصف قرن من المغامرة التي مازالت تتقدم نحو مجهولها