عقل العويط
(لبنان)

سألتُ حكيمَ نومي: هل صحيح أنكَ تعرف؟
قال: أعرف ماذا؟
قلتُ: ماذا أنا في النوم وماذا يجري لي؟
قال: أعرف ولا أعرف.
قلتُ: ماذا وماذا؟
قال: أعرف ما إذا كنتَ تنزل الى تحت أو تظل فوق.
قلتُ: ما الفوق وما التحت؟
قال: الفوق يعني أنكَ تقيم في بياض الأكذوبة الواعية، والتحت يعني أنكَ تنزل الى البحر حيث تنام حقاً وجيداً.
قلتُ: وهل عرفتَ ما أنا وأين أنام؟
قال: مجنون بأتعاب الغيوم ينام في الفوق، وينبغي لي أن أجعلكَ تنام في طمأنينة التحت.
قلتُ: ماذا تقصد؟
لوحة لمارغو هوف.
قال: ألم تقرأ ما كتبه جان جينه عن الجنون؟
قلتُ: ماذا؟
قال: أعطِنا (يا الله) الجنون كخشبة خلاص.
قلتُ: ممّ الخلاص؟
قال: من وجع العقل.
قلتُ: لكن المجنون ليس الرجل الذي فقد عقله. إنه الذي فقد كل شيء باستثناء... العقل.
قال: البحر هو الحل، وعليكَ به.
قلتُ: أخافه. لكنْ كيف تتأكد من أني أنام في الفوق؟
قال: لقد تأكدتُ.
قلتُ: كيف؟
قال: بالآلة التي جعلتُ رأسكَ داخلها طول الليل الفائت.
قلتُ: وبِمَ أخبرتكَ؟
قال: بهذا وبذاك.
قلتُ: يعني؟
قال: يعني أنكَ تنام كثيراً في الفوق وقليلاً في التحت. وهذا الأمر سيثير مشكلة كبيرة عندما تتبدد الغيوم. فقد تسقط فجأةً في البحر الذي تريده لكنكَ تخشاه.
قلتُ: لم أفهم.
قال: كشفت الآلة أن دماغكَ يشتغل بانتباه وإخلاص، مدى الوقت وبالقوة نفسها. وهذا سيفضي بكَ ربما الى الجنون. ولئلا تقع فيه، عليكَ أن تريّحه لكي لا يظلّ متنبّهاً، وأيضاً لكي ينام ويحلم.
قلتُ: لكني لا أشتغل بعد منتصف الليل بل أنام هنا وهناك.
قال: يعني؟
قلتُ: أنام جالساً هنا وأنام نائماً هناك.
قال: الهنا، يعني أين؟
قلتُ: الهنا، يعني على الكنبة.
قال: والهناك؟
قلتُ: في الغرفتين، تحت وفوق.
قال: تحت يعني أين؟
قلتُ: بين الكتب.
قال: الكتب؟
قلتُ: يعني في الغرفة المكتبة حيث تحيا الكتب بغبارها وروائحها وظلالها.
قال: إنها شبيهتكَ في الجنون. بل هي السمّ الزعاف وخصوصاً إذا كانت مفتوحة.
قلتُ: طبعاً أنتَ تستخف بأندره بروتون الذي تحدث عن أسرار هؤلاء المجانين وحميمياتهم وكيف أنه أمضى عمره في استفزاز الكلمات.
قال: نولد جميعنا مجانين وبعضنا يحافظ على عدم الخروج من حال الولادة تلك.
جزء من لوحة لبول دلفو.
قلتُ: صحيح.
قال: صحيح ماذا؟
قلتُ: تظنني سجينَ ولادتي، ورهينَ هؤلاء المجانين، مجانين الغبار والروائح والظلال، أو مصطنعاً صورة الرجل المثقف.
قال: لا.
قلتُ: ماذا إذاً؟
قال: لا يجوز النوم مع الكتب.
قلتُ: لكني أنام على تخت من النحاس، عتيق وله ناموسية تفصلني عما يجري في داخل هذه الكتب وعلى الرفوف.
قال: هذا هو الكذب، فهي مفتوحة وتزوركَ بعد أن تدخل عليكَ من شبابيك دماغكَ.
قلتُ: أيّ كذب؟
قال: أنتَ تقرأ من دون أن تقرأ لأنكَ متنبّه حكماً في أكثر الليل ومصيخ الى وشوشات هؤلاء المجانين.
قلتُ: لكني أكون نائماً.
قال: بل وترى ظلال تلك الكتب وأشباحها، وقد أقول إن تلك الحال تجعلكَ أقرب بالقوة الى الكتابة منكَ الى النوم بالفعل. في حين أن عليكَ ألاّ تتنبّه.
قلتُ: لكني لا أستيقظ.
قال: أنتَ لا تستيقظ، عال، لكنْ من قال لكَ إنكَ تكون نائماً أوانذاك؟
قلتُ: مراراً، جاءتني صديقتي في الثانية والثالثة فجراً ووجدتني نائماً. أتأكدتَ الآن أني لم أكن في حال الكتابة بل في عزّ النوم؟
قال: هذا أيضاً يقع في باب بياض الأكذوبة الواعية.
قلتُ: أنا أعرف.
قال: ماذا تعرف؟
قلتُ: أعرف أني أنام.
قال: لكنك تستيقظ متعباً كمن عُذِّب، مدى ليله، بيقظة كوابيسه. ألا تتذكر كتاب سيمون دوبوفوار الذي أهديتنيه وخصوصاً كلامها عن الموت الذي يبدو لها أقلّ إرعاباً من حالها عندما تكون متعبة ومجهدة؟
قلتُ: عال. ما العمل؟
قال: ينبغي لكَ أن تنام كثيراً وفي مكان واحد. وأن تحمل نفسكَ على الاستلقاء كمن فوق بحيرة.
قلتُ: سأفعل الأول لكن الثاني صعب، فأنا لا أعرف السباحة.
قال: تتعلم.
قلتُ: أنا قرويّ.
قال: لكنكَ ساكنٌ البحرَ.
قلتُ: أخشى أن أُدخِل رأسي في الماء أو أن أرفع رجليَّ عن الرمل.
قال: هذا هو السبب.
قلتُ: سبب ماذا؟
قال: سبب العطل.
قلتُ: أيّ عطل؟
قال: العطل في النوم.
قلتُ: وماذا عليَّ أن أفعل؟
قال: أن تتعلم السباحة لتغرق كثيراً وتحلم كثيراً.
قلتُ: أنا أفعل لكنْ في الكتب وليس في الماء.
قال: لا يكفي، عليكَ بالبحر.
قلتُ: أليس من دواء؟
قال: بلى. أن تنام.
قلتُ: لكني أنام.
قال: المطلوب في التحت لا في الفوق.
قلتُ: كأنكَ تتناسى قول إيف بونفوا عن أن أحد شروط النوم أنه يشرّع بابه على الظلال. أرأىتَ أن لا مفرّ من الجنون؟!
قال: أن تكون شخصين في النوم يجعل نومكَ أقلّ حلكةً.
قلتُ: يعني؟
قال: أن تستعيد حياتكَ الجنينية التي توقفت بطريقة وحشية لدى الولادة.
قلتُ: تريدني أن أعود الى بطن أمي؟
قال: شيءٌ من هذا، لكن بالدواء.
قلتُ: هاتِهِ. قال: عليكَ أن تنقلب على نفسكَ، فهذا هو الدواء.
قلتُ: وكيف يكون ذلك؟
قال: أنتَ تحلم واضعاً رأسكَ على الرمل أو على قاعدة خشبية في حين ينبغي لكَ أن تجعله في الماء. وتحت الموج. أي في القعر.
قلتُ: وكيف أذهب به الى عرض البحر وأنا لا أعرف؟
قال: دع (رأسكَ) وشأنه، يسافر من تلقائه.
قلتُ: لكني لا ألجمه ولا أتنبّه.
قال: بل تلجمه وتتنبّه. ألا تلاحظ كم أنكَ مشدود العصب كوتر يتأهب للانطلاق؟
قلتُ: هذا في النهار أما في الليل فوالله العظيم...
قال: أنتَ صادق وصدقكَ بريء ويشبه الطفولة، لكنكَ لا تعرف. قلتُ: وكيف يكون لي أن أعرف؟
قال: بالتلاشي وعدم الرؤية.
قلتُ: لكني متلاشٍ.
قال: أن تتلاشى أكثر وأن لا ترى.
قلتُ: وكيف؟
قال: بالحب.
قلتُ: لكني في الوله حتى أذنيَّ.
قال: عليكَ بالمزيد.
قلتُ: ليس من أكثر ولا أقلّ، فأنا في الدرجة القصوى. ألا تراني أموت؟
قال: لكنكَ في صحة جيدة وتذهب يومياً الى الشغل وتأكل وتشرب وتتعاطى العلاقات العامة و... السياسة.
قلتُ: وما دخل هذه كلّها؟
قال: لا تتهرّب.
قلتُ: أريد أن أنام كسمكة عمياء تطلع من الأعماق. كعصفور يحطّ على قلبي.
قال: لا شيء يجعلكَ متصالحاً مع الحياة مثل النوم الذي هو نقيضها.
قلتُ: إجعلني نائماً، عميقاً وطويلاً.
قال: أترك هذه القذارة فهي تخرّب نومكَ والبيوت.
قلتُ: لكني تاركها. فأنا أحتقر السياسة وأنظر إليها من فوق وأدعو الشعراء والكتّاب والمثقفين وزملائي في المهنة والناس أجمعين الى أن يحتقروها ويفعلوا مثلي.
قال: مدينتكَ الفاضلة لا تنوجد إلاّ في الشعر وبه. أنسيتَ نظرية رامبو حول تغيير الحياة لا العالم؟! لن تستطيع أن تصنع مدينة فاضلة في هذه البلاد لأن جميع الذين يُفترض أن يكونوا صالحين هم فاسدون وفي مقدّمهم أهل القلم، جماعتكَ.
قلتُ: صحيح، وجماعتكَ فاسدة أيضاً. أعني عدداً لا بأس به من أهل الطب، بل وأهل المهن كلها والمواطنين.
قال: هوِّنها تهن.
قلتُ: كيف؟ قال: دع الموتى يدفنون موتاهم.
قلتُ: جرّبتُ وتألمتُ، وهذا يجعلني شديد التأرّق لأن الموتى نفسي وبلادي وأقربائي وأقرباء أقربائي.
قال: وبلادي وأقربائي أيضاً، لكني جرّبتُ واستطعتُ.
قلتُ: لم أستطع لأني رأيتُ ضميري ينبّهني ويؤرّقني. قال لي إنه لن يسامح. ولا موتايَ سيسامحونني.
قال: وما شأن الضمير؟
قلتُ: الضمير هو الضمير. عليكَ أن تتذكر جورج باتاي يا صديقي، فالضمير إذا كان بلا فضيحة فهو ضمير مستلب.
قال: يعني مثل الحبّ؟
قلتُ: مثل فضيحة الحب. فإما أن تدخل فيه حتى النفس الأخير لتصيره ويصيركَ ولتجعله فوق قبة الحياة وإما تبقى على الشاطىء أو فوق السطح. يعني فوق جبل من النفايات.
قال: شأن النوم أيضاً؟
قلتُ: شأن النوم.
قال: لِمَ لا تنام إذاً؟
قلتُ: لأن ضميري يدخل عليَّ.
قال: الضمير السياسي؟
قلتُ: الضمير هو الضمير. كلٌّ متكامل. ذاتي وموضوعي. فردي وجماعي. سياسي ومهني ووجداني وشعري وفني واجتماعي وواقعي وافتراضي.
قال: إذن تخسرَ النوم ولن تستطيع أن تصنع مدينة فاضلة.
قلتُ: بل أريد النوم.
قال: أترك المدينة الفاضلة.
قلتُ: أنا تاركها. لكني مريض غابات أحلامي وضميري وأحاول فقط أن أراضيها وأطيّب خاطرها لكي لا تنقلب عليَّ.
قال: خذ هذا الدواء، يُنزلكَ قليلاً الى تحت وينسّيكَ الأرضَ في الليل وما عليها ويجعلكَ ترى شيئاً يشبه الفردوس.
قلتُ: فردوس أين؟
قال: فردوس الهنا.
قلتُ: ألتغيير حياتي؟
قال: لا. فهذه مسألة أخرى.
قلتُ: ما المسألة الأخرى؟
قال: أنتَ تتذكر رامبو الذي ترك الشعر وصار تاجراً ومدمناً ماجناً. أرثور رامبو الذي أراد تغيير الحياة لأنه قال باستحالة تغيير العالم.
قلتُ: وهو كذلك. لكنكَ صرتَ الآن في الشعر والجنون ونسيتَ النوم والدواء؟
قال: لأنكَ ستستطيع تغيير حياتكَ بالشعر والجنون وهما الحب. نومكَ أيضاً ستتمكن من تصحيح مساره بهذا الدواء.
قلتُ: ها قد عدتَ بي الى القذارة.
قال: أيّ قذارة؟
قلتُ: المسار وتصحيحه.
قال: دعني من تأويلاتك. أنا نفسي أحبّ أن أتعلّم الشعر لأغيّر حياتي.
قلتُ: لن تتعلّمه ولن تغيّر شيئاً إلاّ بالدواء. تستطيع فقط أن تعيش الشعر.
قال: كيف؟
قلتُ: مثل النوم.
قال: ماذا عليَّ أن أفعل؟
قلتُ: أأنا المريض أم أنت؟!
قال: كلانا مريض. أنتَ مريض ضميركَ الشعري وأنا مريض اختراعات النوم.
قلتُ: ألا تتذكر ليلةَ جئتَني بالدواء وجرّعتنيه لكنكَ أنتَ الذي نمتَ بدل أن أنام أنا.
قال: كنتُ متعباً بالضمير المهني.
قلتُ: أنا متعب على الدوام وتزعم أن ذلك بسبب ضميري.
قال: ضميركَ الشعري شيء أما الضمير الذي أتحدث عنه فشيء آخر.
قلتُ: وما الشيء الآخر؟
قال: ضميركَ حيّ أكثر من اللزوم وينبغي لكَ أن تنوّمه ليظل قوياً وخلاّقاً. صاحبكَ هذا مجهد لأنه لا ينام. لا ينام حتى في أحلامه وكوابيسه.
قلتُ: كيف يكون لكَ أن تتأكد من أن الضمير يتعب بسبب اللانوم؟
قال: يتعب ولا يتعب.
قلتُ: كيف؟
قال: لقد فحصتُهُ بالآلة.
قلتُ: فحصتَ الضمير؟
قال: نعم.
قلتُ: وهل رأيتَه؟
قال: ودائماً.
قلتُ: أريد أن أعرف.
قال: تعرف ماذا؟
قلتُ: أريد أن أعرف أحوال ضميري وهل أنا الرجل نفسه في النوم وفي اليقظة؟
قال: طبعاً أنتَ إياه، لكنكما تختلفان.
قلتُ: يعني؟
قال: يعني أنكَ في اليقظة غيرك في المنام.
قلتُ: وكيف يكون ذلك؟
قال: شيءٌ هائلٌ ما، يخرج في الليل من وجار نفسكَ ليسهر عليكَ. قلتُ: ما هو؟
قال: ظلالٌ مطلقة تقيم في طيّات نفسكَ التحتية المخبّأة. أنتَ ترى قليلها لكنْ بطريقة انفجارية وينقصكَ أن ترى كثيرها، لكنْ بتؤدة.
قلتُ: هذا ما أفعله الآن، لكني متعب.
قال: لأنكَ تريد رؤية كل شيء مرةً واحدة.
قلتُ: إذاً؟
قال: عليكَ أن تنام في التحت لتحلم بظلالكَ عميقاً لا لتراها؟
قلتُ: ما الفائدة؟
قال: لكي تتعارفا وتتلاقحا، فلا تعذّبكَ ولا تعذّبها، كما هي حالكما الآن وأمس.
قلتُ: وكيف أفعل؟
قال: لن تعرف.
قلتُ: وما نفع هذه الآلة؟
قال: لكي أعرف ما إذا كنتَ تنام جيداً أو لا تنام.
قلتُ: وماذا كانت النتيجة؟
قال: النتيجة معروفة.
قلتُ: ماذا؟
قال: تنام ولا تنام.
قلتُ: ما الذي أنامه وما الذي لا أنامه؟
قال: تنام لأنه وقت النوم، لكنكَ لا تنام النوم. يعني بما يجعله متحققاً في النزول الكامل الى القعر، أي الى حيث تقيم كفاءاتكَ الجسدية والنفسية والذهنية.
قلتُ: والنتيجة؟
قال: عليَّ أن أجعلكَ تنام النومَ كلّه. أوانذاك ترى الشعر كله وتحلمه في يقظتكَ ونومكَ. أي، بما يجعلكَ تستيقظ متفتح الحواس جميعها وصاحب موهبة مطلقة لالتقاط الرؤى.
قلتُ: لكني ألتقط.
قال: القليل من ذاك الكثير الذي ينتظر دوره بنهم شديد.
قلتُ: وما أدراكَ؟
قال: أعرف.
قلتُ: لن تستطيع أن تعرف لأنكَ لا تعرف إلاّ بالآلة.
قال: لكن شيئاً هائلاً يسيل من رأسكَ في الليل، حين تكون هي يعني الآلة ساهرة على هذا الرأس ومتربصة به.
قلتُ: ساهرة ومتربصة، طيّب، لكنها لا تعرف ماذا أنا في النوم وماذا...؟
قال: تعرف ولا تعرف. أولاً لأنها تحلمكَ وتراكَ في قعركَ وهي تسجل ما تحلمه وتراه، شأن المخابرات. أوانذاك يتأكد لها أنكَ يجب أن تنام هذا النوم كله الذي حدّثتُكَ عنه، في حين أنكَ لا تنام سوى في بياض الأكذوبة الواعية.
قلتُ: والأدوية التي ذكرْتَ لي أنها ستغيّر مجرى حياتي ونومي؟
قال: صحيح، ولكن!
قلتُ: ولكن ماذا؟
قال: ولكنكَ صعب.
قلتُ: صعب، كيف؟
قال: عليكَ أن تتلاشى لتلتقط أكثر.
قلتُ: وكيف يكون لي ذلك؟
قال: بهذه الآلة، فقط إذا أتحتَ لها أن تنساب في مياه الدماغ.
قلتُ: لكني أريد أن أنام متلاشياً وعميقاً في حين أن آلتكَ ستدخل الى مناطق الانتباه والتنبّه، فكيف أستطيع أن أتحمّل؟
قال: لن تعرف بشيء من هذا كله. لكنكَ لن تستطيع تحقيق النوم إلاّ إذا ذهبتَ الى هناك بواسطة تلك الآلة.

قلتُ: الى أين؟
قال: الى آخر النوم.
قلتُ: لكنه الموت. وأنا أريد فقط أن أنام.

قال: ضع آلتكَ على رأسكَ هذا الليل، نرَ غداً كيف سيطلع الضوء عليكَ.
قلتُ: لكني سأكون مدى الليل في الضوء، فكيف أنتظره؟
قال: هناك ضوءان، هذا وذاك.
قلتُ: أريد فقط أن أنام مثل الضمير الآخر.

قال: ينام الديكتاتور مشغول الذهن أما الشاعر فذهنه لا ينام.
قلتُ: أيهما أفضل لتحقيق رغبات رامبو بتغيير الحياة، ضميري أم الضمير الآخر؟
قال: الآلة ستجعلكَ في مكان ثالث.
قلتُ: أين؟
قال: في النوم. في النوم كلّه.
قلت: في آخره تماماً؟
قال: نعم، في آخره تماماً. كالحل الذي اقترحه صاحبي.
قلتُ: وكيف يكون ذلك؟
قال: بتشجير عتمة الخيال بالظلال المطلقة. ويكون ذلك بتطبيق نصيحة صديقي الذي يدعو الى تشجير الجبال الجرداء بنوع من الشجر يرتفع باسقاً وسريعاً ويباع خشبه بأثمان كثيرة ونتغلب على الدين العام. ولن يكون خوف على تلك الأحراج عندما تُقطع لأنها ستولد كما في الأحلام وتعود الى تظليل الجبال. وسيكون تشجير عتمة الخيال في نومكَ شبيهاً بذلك.
قلتُ...:.

ملحق النهار الثقافي 
الاحد 8 حزيران 2003