لدهوك...
لديرك التي في دهوك.
" لم يكن بالإمكان تدارك الأمر
كثيرون كانوا ينتظرون
هكذا بمبررٍ كبير ويبدو حقيقياً جداً, كان يجب أن أذهب. كل نوروزٍ آخر سيبدو محتملاً على نحوٍ ما, فمنذ الآن لن تلتفتي إلى أية جهةٍ قد تتوقعين أني أسعى إليك منها, وهكذا فأنا واثقٌ تماماً أني لم أترك لكِ أي تذكارٍ قد تشعرين أنك يجب أن تضغطي عليه في كفك كنوع ٍ من التأكد أني قلت لكِ " وداعاً " واضحة.
بإمكاني أيضاً أن أمرّ بالرفاق وأخبط الأرض قوياً وأردد اسمكِ صحيحاً لا ارتباك فيه, واثقاً من أن قلبك ينبض في الأمكنة التي لا تؤكد غيابي.
سلاماً يا خميلة الورد.
لم يكن بالإمكان تدارك الأمر........."
منذ قليل تنفستُ رسالتكَ وأدركتُ ما تضمره لي.
منذ الآن سيكون للموت نكهة الحب.
لقد هزتني رسالتك من الأعماق, ولطمت بي أمواج الذكريات. لم أعد قادرةً على التماسك أمام انهيالات الأسئلة والخيالات.أنا ورسالتك وكنيسة " دوم ", أنا ورسالتك والشيخ " معشوق " في الضوء الخافت لكنيسة " دوم" . أسراب قطا تطير من جوانحي في ابتهالات الزجاج المعشق ولهفة يده النور تدون اسمي.
الغرباء على قلب المدينة وأنا منذ الأمس أحتشد. ينهض " فرحان " ابن عمي من تراب" ديرك ", ينفض السرطان عن شبابه عتمة ًعتمة, يغشاني من أقطار البيت, يأخذني صوته من كل مكان,
يخلي بيني وبين الشعر لأدور على نفسي في وابل صفاتك وأخرج للنوروز بمحض رغبتي, لأسمع الشيخ في كورديته المُكَسَّرة, واقفاً على دم "صوريا " يقول :
- يا وحدنا...... يا وحدنا الذي لنا. سبعةٌ وتسعون حياتاُ هم كل سكان " صوريا " ذبحهم عسكر البعث ورموا بمهود الرضّع للخابور.
يذكرني " فرحان ":
- لازالت أمك تفاخر بأن مهدك من طيبة " زاخو " و " خابور " الغرقى. لازال الغرق وبكاءٌ خفي نديم صوتها كلما ترنمت لصغاركِ.
تمرق فيّ كالهواء,أحادث نفسي بك,أقول قد تمر من هنا, تبث اللحن سيرتي, تختزنني في صوتك وأنت تنحني على الطنبور لينفلت جسدي من أصابعك لحناً يحمله نوروز "عين ديوار" على الأكتاف
" والقمر يكاد يكمل دورته وفي دمي ألف hey lê gulê gula minê ;?érîna li ber dilê minê "
شيطانة تنصب لك دوائرها.
سأنشد لك نشيداً, إلهي نشيداً بأكمله سأنشده لك, فأنا في الشعر منذ أول الخمر,هاته على خلخلته ليدوخ الليل أكثر, علني أنضج في نوبة حزن.
آه
لو أن السرد يترك لي صدوعي!؟
كنتُ منهكمة ً في الكتابة إليكَ بحرارة, وقبل أن أنتهي هبّت نسمة ريح طيرت كل أوراقي فلم أعد أعرف إن كانت الرسالة وصلت إليك أم لا ؟ أصلاً لا أعرف ما الذي كتبته لك,أعرف فقط
- بالكاد انزاحت تويجاتي عني - أني أرسلت إليكَ وردة......
رسالتكَ هزتني من الأعماق, حتى لم أعد قادرة على التماسك أمام انهيالات الأسئلة والخيالات, أنا ورسالتك وإبراهيم الخليل, أنا ورسالتك و" أورديخان جليل " في بوابة إبراهيم الخليل نشم التين في جدائل "دلال".
- على صدري ملكٌ طاووسٌ وخفقة حلم,وفي أصابعي لوعةٌ لغبطة الألوان في خاتمكَ.
قال وريث التراث الكوردي ل "علي عوني" وهو يحرك رنين الشاي في ظهيرة إبراهيم الخليل الساهرة على فسق الحدود. قالها في مكرٍ حبيب وهو يضمر أن يهديه "علي " خاتمه المزين بالعلم الكوردي. قدم "علي" الخاتم إليه وهو يستدرجه إلى جدائل " دلال ".
- يقولون أن أشجار تين ٍ نبتت في الحجر القديم, دلني إلى الخرافة في جدائلها أيها الجليل
- كان الجرو يتقدمها فيلهج قلب الأب بالعرفان, تعود تسابقه فتسبقه, يذبل قلبه للفقدان, وطأت قدمها أول الفجر قبل شقاوة جروها فكان حتماً على البنائين أن يوصدوا على قامتها جسارة الحجر في اجتياز الماء.
" دلال " ابنة والي " زاخو" وقربان الجسر في تعويذة العرافين ليتوقف الحجر عن الحمى كلما رفعه البناؤون قامة.أول خطوة ٍ تصله في انبلاج الفجر يكون صاحبها أول عامودٍ في هذيان الجسر.ويح قلبه الذبيح والدها. ويح قلبه الذبيح فتاها.
لقد احترت في أمري, فمنذ قليل كنتُ منهمكةً في الكتابة إليكَ بحرارة - لقد تفتحت بتلاتي بشكلٍ ملفت وصار بإمكاني ان أتأمل لوني بزهو - وقبل أن أنتهي هبت نسمة ريح طيرت كل أوراقي فلم أعد أعرف إن كانت رسالتي وصلت إليك أم لا ؟ أصلاً لا أعرف ما الذي كتبته لك, أعرف فقط أني أرسلت إليك وردة......
لقد هزتني رسالتك من الأعماق, حتى لم أعد قادرة على التماسك أمام انهيالات الأسئلة والخيالات,
ليس الأمر أني متوجسةٌ جداً, لكن الأمور تبدو في مواضعها تماماً, وليس من عادة الوقت أن يمّر على احتشادي بكل هذا الانتظام. ومع أن الغرباء على قلب المدينة, إلا أن آذار هذا العام مرّ باحتفاء كامل وكان بإمكاني أن أماطل الأرق وأنام قليلاً, قبل أن أعلم أن " قامشلو " وحدها تذكرت شهدائها.
منذ أكثر من عامين وأطياف ثلاثة أطفال ٍ مدهوسين واقفةٌ في مدخل انتفاضة " قامشلو", ينتظرون أن أردّ إليهم أسمائهم التي ضاعت في جنازات شهداء ٍكبار. تقيحت طفولتهم , تخثر الدم في أجوافهم الصغيرة المهتوكة.
أنجدني بأسمائهم لأضم طفولتهم إلى قلبي الأم.
لا تتوجس كثيراً من سكينتي المفاجئة.إن أنا إلا عادةٌ كورديةٌ قديمة في طرق الحجر حتى تنبجس الشمس وليس للأمر علاقةُ بأني متوجسة من اختفاء الشيخ " معشوق " منذ عشرة أيام, وأن ثلاثاء المشفى العسكري في" دمشق " كان مكتظاً بالأمن, ولا بأن أشجار الزيتون تستعد لعلمٍ كبيرٍ مخنوق والطوفان أغرق " الجودي " ولا حمام.........
في الحقيقة لم أعد أعرف, لقد كنتُ منهمكةً في الكتابة إليكَ بحرارة - لقد صرتُ ناضجة ً الآن وبإمكاني أن أتحسس أعضائي - فرسالتك هزتني من الأعماق وقد أرسلتُ إليك وردة, لكن الريح طيرت كل أوراقي. لم أعد قادرةً على التماسك أمام انهيالات الأسئلة والخيالات.
أنا ورسالتك وليل "زيورخ ", أنا ورسالتك في لجة الألعاب النارية لعيد الربيع في نيسان " زيورخ ", ورائحةٌ عنيفة لحريق عظام "هو يري عيسى" الثمانيني وتسع وعشرون امرأة وسبعة وثلاثون طفلاً أحرقهم البعث أحياءً في قرية " داكا" في نواحي " الموصل.
كان الصباح لايزال رياناً, تدحرجت قطرة ندى إلى فمي - صار لغيابكَ هيئةٌ كاملة _, للحال تذكرت المرأة التي قلتَ أنك تحبها وأدهشك أنها تحب التعرق في رائحتي.
" حريق, حريقٌ تنهمك ساعة الأوكاليبتوس في عد دقائقه الخمس عشر بينما أراقب قطرات العرق وهي تسيل على صدري,تملأ سرتي وتسيل.....
في تتالي التعرق إزددتُ يقيناً بأن لي صلة ما بتكوين الورد, ثمة صفحةٌ مشتركة بيننا في الغيب البعيد,أعجبني أني أبدو كبتلة ورد حين يتدحرج عليها ندى الصباح. ليست بشرتي هي التي أعجبتني, لكن المنظر ذاته, أعني بتلة الورد حين تتقطر في الندى الصباحي. كانت الحرارة مرتفعة جداً وصراخ "داكا" يلهب أحشائي وأنا أحاول إلتقاط الهواء من السخونة الحارقة التي تفوح بالأوكاليبتوس. لم يكن سهلاً تذكركَ هناك, ولا مراقبة القطر يسيل على جلدي دون أن أعتقد ان لي صلة ما بتكوين الورد. هل تعتقد أني أهذي ؟
وماذا إذاً ؟
لم أستطع الاحتمال ريثما تنهي الساعة الرملية المعلقة على جدار الأوكاليبتوس عد دقائقها الخمس عشر, خرجتُ كأنما من حريق ٍ سعيتُ إليه. اللمسة الأولى للماء البارد! سالت الدهشة على جسدي, سرى خدرٌ يشبه الموت, كان بإمكاني أن أسمعكَ بوضوحٍ تام, أن أسمع قلبي نبضةً نبضة, لخمس دقائق كاملة, إنه أنت إذاً ثانيةً.
خمس دقائق أخرى وتنجلي الدهشة, يستعيد دمي سماكته فأستعد لدورة أخرى من الحريق, منك.
لم أسألك قط,هل ثمة قرابةٌ بينك وبين الأوكاليبتوس ؟ أقصد هل مررت من هناك حين كنتُ, أنا فيه ؟ "
تماماً هكذا جاء في رسالتها التي مررتها إلي.
هو المساء إذاً يحتضنني برفقٍ وحنو, وأنت من مكان ٍ بعيد............
كيف أدلكَ إلى الغور مني ؟
لقد طيرت الريح أوراقي.لكني لم أعد قادرةً على التماسك أمام انهيالات الأسئلة والخيالات - أعتقد أن ثمة تغييرات كبيرة تحدث في تكويني, أستطيع أن أشعر بالشهد يتقطر في داخلي - وقد أرسلت إليكَ وردة, فرسالتك هزتني من الأعماق ولطمت بي أمواج الذكريات. أنا الآن في بيتكم,أنام إلى جانبك,لا أنا لست نائمة, نحن لسنا نائمين,أنا وأنت نتحدث, كلماتنا غير مترابطة, كلمة من " ديرك " ,كلمة من " دهوك " وأخرى من " زيورخ ", ول " ناهد الحسيني " حصةٌ في حديثنا. هي تنشد القصائد لليل "دهوك", تغني: قبلني, قبلني يا حبيبي. تكسر زجاج الشرف, تشرب عين الشيطان, فهذه ليلة الشعر والعشق والشراب. أستمع لأنفاسك خلفي......
كأنكَ السحاب يغمرني وحبور الحكاية في خيطها الرهيف,لأعماقي طقوس الزهور في تفتحها ولعشقكَ براعة الربيع في بث الفَراش, والرمان فاكهة الخريف ينضج على صدري ممهلاً الريح نشوة العبور, تأنى على الورد , أغدقه عليّ مسكاً وتهادى في تألقك, أمهلني بعض الموج , لأنوّر كزهر اللوز.
سأبقى معك حتى الصباح - نأكل الشعر,نناقش النبيذ, نقيس أركان الليل بالشوق ونرميه بحصانٍ على شكل مكعب الزهر - أترقبك حتى الصباح, وأنت ترتدي قميصك وتوزع هواء الحوش المنعش عن بعضه, أهشُّ ينابيعي لقلبك, أشرع حقولي لتتبعك أشجاري, أشَفُ لكَ وعليكَ حد التهمة, فلا تغلق من خلفك بهاء الغياب.
أنت لن تتركني في البكاء هذه المرة أيضاً وتمضي, أليس كذلك ؟
لقد أختلط علي الأمر يا أبي,فقد كنتُ أكتب لكَ بحرارة وقبل أن أنتهي طيرت الريح أوراقي, لم أعد أعرف هل وصلتك الرسالة أم لا ؟
منذ وقتٍ طويل لم تصلني رسالةٌ منك.منذ آخر ضيوف ٍ وصلوا إليك من اغترابي, وغدروا. هاهي صورهم.
هؤلاء ضيوفك يا أبي, أضمرتَ لهم محبتي وسَقَيتهم حكايات التوت. هكذا لفرط كرامتك أجازوا لأنفسهم النكران وتوعدوني إن أنا حزنت على حنانك المسفوح للطفهم المداور.
شيوخٌ تدوخ الدفوف في تكياتهم وأدوخ يا أبي من غدرهم, فلا رضاعة التين واتت طيبتي ولا نمنمة التوت أجارت إستسلام قلبي للمدائح.
هؤلاء ضيوفك يا أبي, قدّوا من جموح الحنين بعض مساءاتي, ونصبوا لرمان الحوش حيلة الصور,أضمرتَ من كلماتهم لوعة اغترابي ونضحتَ لهم بكل ما في دارنا من هديل وحكايا, فبذلوا لي النكران وذبحوا كل عصافيري قبل أن يجف كرمك عن شواربهم.
قدمت أمي لهم معقود المشمش وبيض دجاجتنا المدللة, وقدموا لي تصنيفات مبتذلة عن مراتب الحب وأنذروني بالخيانة, فبكيت يا أبي ولازال إهدائك السلام إلي رطباً في أحداقهم ولازالت نبرتك الشوق في آذانهم ندية.
هؤلاء كانوا ضيوفي يا أبي, لا أخجلهم سيط آبائهم ولا نفور الهواء من رائحة الغدر في مهاتفاتهم إلي.
لا تأبه لألمي كثيراً, ولا تشعر بالخيبة والخسران أن خبزكَ نزل جوفاً غدر بروح الله فيه. الغدر كان دائماً كثيراً في تاريخنا.ومن يخن الخبز يخن الوطن أيضاً يا أبي.
أظن أنني البارحة وبسبب انهيالات الأسئلة والخيالات بعد رسالتك التي هزتني من الأعماق, تركت أوراقي للريح, فطارت الوردة التي كنت سأرسلها إليك. ويبدو أني بكيتُ كثيراً وكتبتُ رسالة لأبي لهذا لم تصلك وردتي............
سأتحدث إليك متكئة ً فأنا متعبة
البارحة مرّت بي نحلة, لم تُسلِم علي,انهمكت في لثم بتلاتي لفرط اللون المنهمر,كانت عطشى وتفوح من وبرها رائحة الميموزا.الميموزا تنمو على ضفتي "صابلاخ " الذي يمر قرب مهاباد حسب سليم بركات في أنقاض الجمهورية المنحورة. وأنا رأيت من الأعلى - حين كنتُ بذرة - نَهْدَ بحيرة أورمية وأمواج ملحها المتمرد على منح الحياة في مكانٍ له هذا الجرح الكبير. كاد الأفق يقلب خيال البحيرة علينا_ كنا نطير جماعة_.ملحٌ كبير لجرحٍ كبير, هكذا تكون المعادلة صحيحة لمكان ٍ لازال منذ أنقاض
" دمدم " يغسل قلبه في النبع الفخور بأن " الخان ذو الكف الذهبية " غرف منه وعيناه تتخيران مكان القلعة- دون توقفٍ نمتحن الجبال_. نبعٌ آخر لازال يغسل الخديعة عن حجارته منذ حصار الروم لرسالة الخان إلى العشائر الكوردية بالغوث.كتابةٌ مسمارية في الطور الأعلى تتقصدها يد التخريب والحجر الأزرق الناطق بالميدين هُجّرَ إلى المجهول المعمم بالجبروت.
كان بإمكاني أيضاً أن أرى في فسيفساء عينيها هيبة " كودو". كودو الأسطورة والخيال المرئي الذي تسعني ذراعاه في إغماء شوق.
_ ستغيب ثانية إذاً _.
منذ قليل حطت عليّ فراشة قالت أنها قادمة من مفرق " شيف شيرين" حيث توزع كوردستان جهاتها. ومع أنك قلت لي مرةً " لم أحرثك ِ, فلماذا تصرين على أخذي بجريرة حبي عليكِ, ولم أملأ مياسمك لتكيلي إليّ بهاءك " إلا أنه خطر لي أن أسألها عن السمسم الذي يزرعه لحلوى عرسنا ألف بيتٍ يزيدي في " مهتا ". هذا ما قاله لي الحاج " عبد الله " البيشمركة منذ العام 1968 في تلك الشمس الطازجة بين دهوك وديانا - كنت ُ لا أزال شتلة - في ما بعد أشار إلى الجانب الأيسر من الطريق وقال :هناك تنمو " آلقوش " وقرى الأب " حنا قاشا " المذبوح في " صوريا " الدم الكوردستاني.
كنتُ لا أزال حائرةً في الأجزاء الخضراء التي يتفتق عنها غصني, أفرحني في ما بعد أني أستطيع بها ملامسة الجهات التي تأتي بها الريح. يومها تحدث الحاج كثيراً عن الأشجار البرية التي تنمو في جبال كوردستان, كل نوع بعينه وفائدته, أسهب في الحديث عن شجر يشبه الحلم اسمه " ديندار" قال أنه يحترق جيداً. حلم يحترق جيداً. كان في حديثه عن شجر " الجنار" بريقٌ شهي, توقٌ إلى أنثى فاتنة وخصبة,هي تنمو حيث يكون الماء, قال الحاج ودندن لحناً عن " الجنار " والماء.
جسر " الحسينية " الذي مرت عليه سيارتنا كان يقوم على قاعٍ جاف من الحصى.كيف ينمو هذا الجسر بدون ماء قلت لنفسي وأنا أتحسس رطوبة التراب المحيط بجذوري.
- إنهم يزرعون الرز هناك في الأعلى, في الشتاء يكون الماء هداراً هنا, يجرف كل ظلٍ يسقط فيه.
و" ديرك" التي تنام في صوت أمي سهلاً - حيث نفضتني بذرة - هي هنا واد ٍ يُزرع فيه الرز وبساتين الخضار. " ديرك " هنا إذاً ؟!
إذا رشفتني الفراشة في رفق سأسمح لها بقضاء الليل بين بتلاتي ...............
مع أنني منهكةٌ جداً من انهيالات الأسئلة والخيالات ولم أعد أعرف ما الذي كتبته لك حقاً في الرسالة التي تركتُ الريح تطيرها إلا أن هناك ما هو من الجدير قوله لك بعد رسالتك التي هزتني من الأعماق.
إنه الخريف - هاهي يرقة تزحف على غصني,أكاد أرى ألوان أجنحتها غداً. إن مسدت رطوبتها كياني وهزّ ملمسها مكامن الغبطة فيّ, فسأهبها بعضاً من طلع " هلكورد" الذي تركه يعسوب
البارحة - لم يكن بإمكاني تحسس لهفة خرطومه الدقيق وهو يندس بين مياسمي, لقد أمتص رحيقي فوراً, وفي دفعةٍ واحدةٍ قوية كادت أن تفقدني صوابي قبل أن أتمكن من تخمين الحقول التي مرّ بها _ ليكون لأجنحتها شكيمة الكورد وأول استعادة الغابة لعافيتها في الجبل الأب.
من الصوت الحاد للطائر الذي حط على فرع جارتي شجرة اللوز, بدا لي واضحاً أنه التقط حباتٍ من السماق الذي ينمو في جبل " شيرين" المحيط ب "بارزان ", ومن الغبار الأحمر الخفيف على ريشه عرفتُ مؤكداً أنه قادمٌ من هناك. يا الله كم قادم ٍ من تلك الأنحاء حدثني عن " آميدي " التي في الأعلى, "آميدي" التي نبتت في عش الرخ " كارا". ماتمنيت يوماً أن أكون غير زهرة إلا لأستطيع رؤية بيضة المستحيل هذه. وربما أيضاً لأرى " رواندوز" التي انفلقت الأرض من حولها لترتفع بيوتها على حافة الفلق. "رواندوز" التي تنام مستكينة ً إلى حِمى الهاوية _ وقد تساقطت بتلاتي كلها , لكني لست حزينة مطلقاً, فقد نَضَجَتْ في مكامني أكثر من بذرة لها نكهة أكثر من جهةٍ بعيدة, وهكذا حين أبدأ بالكتابة إليك في الربيع القادم سأكون أغنى ذاكرة ً وأذكى عطراً. الآن - أعلم أنك ذاهب - وقبل أن أخلد للعتمة التي ستأهبني للإثمار
سأهديك بذرة................
كما يليق بأيلول ٍ ينضح بالحب.
أنتَ.