حسين المحروس
(البحرين)
hmahroos@gmail.com

فوتوكينا 2008.. نتحدث صوراً

فوتوكينا 2008المطعم الصغير في مدينة ''برقش جلودباخ'' الألمانية، تديره امرأة تركية في عقدها الخامس لا تملّ الابتسامة. سألها موظف بيت البحرين للتصوير فيتشواز روات قال: ''قبل ستة أعوام تركت لك صورة طفلتك الصغيرة. كان الوقت متأخراً وباب المطعم مغلقاً فدسستها أسفل الباب ليلة رحيلنا من فوتوكينا .2002 هل استلمت الصورة؟''

ابتسمت المرأة، طلبت إعادة الكلام. في المرّة الثانية أشارت إلى صورة طفلة معلقة على جدار المطعم قالت: ها هي؟ رحبت المرأة بنا، أشارت بيدها بأن الطفلة كبرت، فكبرت ابتسامة فيتشواز.
بعد مسافة زمنية وبُعد الأرض، والذاكرة نعود للمكان ذاته - هكذا نظن- نبدأ تواصلنا بالصورة ونتحدث صوراً. هل هذا هو أحد أهم أهداف معرض فوتوكينا الدولي الذي يعقد في ألمانيا كل عامين؟

في العام 1950 أقيم معرض حول التصوير بعنوان ''معرض الصور والسينما''(Photo- und Kino-Ausstellung) في مدينة كولن بألمانيا. وفي العام 1951 أقيم مرة ثانية لكن تحت اسم ''فوتوكينا'' (Photokina)، وصار يقام كل عامين منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ويضمّ كلّ ما يتعلق بالتصوير الفوتوغرافي، وقليل منه حول التصوير السينمائي الشخصي في أغلبه. المعرض الصغير صار تظاهرة عالمية يتمّ الترتيب لها طوال عامين كاملين. منذ الآن يبدأ الترتيب لفوتوكينا .2010
فوتوكينا هذا العام افتتح يوم الثلثاء 23 سبتمبر/ أيلول في مدينة كولن غربي ألمانيا، شارك فيه 1500 عارض من 49 دولة، في 16 قاعة كبيرة بينها زوايا وجسور شغلت بعشرات المعارض الفنية والتوثيقية. وقد اهتم معرض هذا العام بالكاميرات الرقمية التي حققت مبيعات واسعة في أسواق التصوير في العام .2007 كانت إحدى هذه الكاميرات تتعرف على حركات الوجه ولا تسمح بالتصوير إلا عندما يضحك الجميع! سيكون الكذب فيها مركباً!!

المصور الفوتوغرافي الذي يزور هذا المعرض لأوّل مرة سيشعر بإحباط شديد، وتفاؤل لذيذ. الإحباط من أنّه جاء من مكان لا يحدث فيه كلّ هذا التقدير للصورة، وأن ثقافة التصوير محصورة في الكاميرا وصورها، مقطوعةً عن كلّ وشائجها، وحيواتها. والتفاؤل من هذا الاهتمام العالمي لفن يحسب المصور أنّه ينتمي إليه، ومن أنّه سيصبح جديداً عندما يغادر هذا المكان، ولا يحدث الناس إلاّ صوراً.
هنا في هذه الحلقات الخاصة عن فوتوكينا 2008 وكل ما اقترب منها، نحاول أن نتحدث صوراً قدر الإمكان، ونرى سعة فوتوكينا في الأشخاص أيضاً.

الطريق إلى فوتوكينا
الفوتوغـرافي بـلومـن.. طفـل جــبال بلـــغاريا

من اليمين: فتشواز، يوسف تلفت، حسين المحروس، ألكسندر جون - أمام فوتوكينا 2008''لم يكن في عائلتنا مصور فوتوغرافي، إنّما هو مرح الطفل بين الجبال...''
كنا نعرف الساكن الجديد ساعة وجبة الإفطار في النزل الصغير في مدينة ''برقش جلودباخ '' الصغيرة، القريبة جداً من مدينة كولن الألمانية. الرجل الجديد في صباح اليوم الثاني من افتتاح معرض فوتوكينا الدولي رجل كلّه حيوية، سريع الالتفاتة، لا يجد صعوبة في التواصل مع الآخرين. يعرف البحرين من دبي! هذه الطريقة الناجحة لتعريف كثيرين ممن يسألون: من أين أنتم؟
لم يمض عليه كثير حتى قال: هل أنتم مصورون؟ قلت له: أحياناً. ضحك ثم قال: ما رأيكم لو أطلعكم على صوري، ثم تطلعونني على صوركم؟ رحبنا بالفكرة. حالة الألفة هذه لا تحدث في الفنادق الكبيرة. وقبل أن ينتهي الإفطار أحضر ألبوماً لصور مشاهد طبيعية فائقة الجمال، كأنها لا تحدث! ثمّ قال: أنا من بلغاريا.
في صباح يوم الاثنين الثاني والعشرين من سبتمبر 2008 خرج الفوتوغرافي ''بلومن تروشيف'' من مدنيته ''كازانلك'' في بلغاريا يقود سيارته نحو معرض فوتوكينيا، قال ''هذه المرة الثالثة التي أحضر فيها هذه المعرض، ولكنها المرة الأولى التي أحضر بالسيارة. قدت السيارة مدة يومين كاملين حتى وصلت إلى هنا. توقفت كثيراً، وصورت كثيراً، وثقت رحلتي بالصور. المواصلات الأخرى لا تريك الطريق''.
ولد بلومن في العام 1968 في مدينة ''كازانلك'' في بلغاريا. المدينة كلها جبال، صنعت النظرة لديه في أشد اتساعها، وهي التي أخذته للتصوير الفوتوغرافي. يقول ''كنت الطفل الذي يعشق تسلق الجبال، ويجلس بينها. يبدو هي السبب في عشقي للتصوير. لا أحد في العائلة له علاقة بالتصوير الفوتوغرافي فأبي يعمل في مصنع أسلحة ''كلاشنكوف''، وأمي ربّة بيت انفصلت عنه قبل ثلاث سنوات تقريباً. قلت مرّة في نفسي لماذا لا أشتري كاميرا وأصور الجبال التي أجلس بجوارها؟ تأكدت الرغبة فيّ فاشتريت كاميرا فيلم متواضعة اسمها ''Smiana''. كان عمري حينها عشر سنوات. فرح أهلي بالصور كثيراً فواصلت التصوير. بدأت أتطور قليلا قليلاً دون الحاجة إلى أحد. هكذا أنا لا أحتاج إلى أحد كثيراً. لقد تعلمت أن أصنع كلّ شيء بنفسي.
يضيف بلومن ''اشتريت بعدها كاميرا من نوع '' Zorkii-4''. وعندما صار عمري ست عشرة سنة أقمت معرضي الفوتوغرافي الأول في مدينتي عن الطبيعة. لقد اندهشت من كثرة الحاضرين. تمّ شراء كلّ صوري. كان تلك مفاجأة حقاً. بدأ اسمي يخرج للناس''.
في المساء أطلعنا بلومن على ألبوم صوره الثاني: نساء لا يتيسرن لكاميرا مصور عربي خجول! لم يضع جسد امرأة واحدة في وسط الصورة في ألبومه كله.
- نساؤك جميلات يا بلومن.
- ههههه.. هن موديلات.
- هل تدفع لهن؟
- لا.. يعشقن التصوير.. أعطي كل واحدة صورها.
- منْ يساعدك؟ تصوير كهذا يحتاج إلى معدات إضاءة، ومساعدين؟
- لا أحد. أنا أفعل كلّ شيء لوحدي، ليس في التصوير فحسب. بل في حياتي كلها.
أقام المهندس المعماري ''بلومن'' ثمانية معارض شخصية موضوعها الطبيعة والعري (Nude)، اثنان منهم في ميونخ وفرنسا. أحد أعضاء فرق الإنقاذ المتطوعة في جبال بلغاريا، وشارك في أكثر من عملية إنقاذ من الزلازل. قال ''ذلك يجعلني أقرب إلى الناس. لقدت درست طرق الإنقاذ''.
يرى بلومن أن الجانب المضيء في الحياة أن تتواصل مع الناس والعالم. قال ''تماما كما حدث بيني وبينكم بهذه السرعة''.
- لماذا تصر على حضور فوتوكينا؟
- فوتوكينا مدرسة تصوير.. أرى الجديد في عالم التصوير وألتقي بمصورين من كل مكان. ستشعر بالفخر لأنك مصور وأنك اخترت الجانب الصحيح. صعب أن لا أحضر فوتوكينا.

الفوتوكينيات من النساء

تصوير: بلومنفي اليوم الأخير من فوتوكينا سألت المصور الألماني الشاب رولف بايور، الذي قدم اثنتي عشرة ورشة في التصوير داخل الاستوديو: ما موضوع ورشة اليوم؟ فقال «نساء. نساء.. نساء». قلت له مازحاً «أنت لا تصور إلا النساء.. لكن ما التقنية اليوم؟» فقال «تصوير البورتريه أيضاً».
حضور نسائي طاغ للفوتوكينيات من النساء طيلة أيام المعرض! الموديلات على اختلاف أشكالهن انحصرت في النساء، المستقبلات والشارحات في أغلب الأجنحة من النساء أيضاً. جناح «فوجي» الأخضر امتلأ بفتيات صغيرات ارتدين الأخضر علامة الصغر والنمو والطموح أيضاً. مصور بيت البحرين للتصوير ألكسندر جون يضحك كلما تحدث عن الفتوكينيات في جناح فوجي، يشير بيده، يقول: الأخضر علامة النمو والحيوية، فكيف إذا صار في امرأة؟
عندما عدت أتصفح صور سنوات مختلفة من فوتوكينا في أرشيف المصور القدير عبدالله الخان قلت له: ألاّ تلاحظ أن حركة الفوتوكينات من الموديلات قد تغيّرت كثيراً؟ فهذا العام لم يسجل ظهور امرأة موديل عارية طيلة أيام المعرض! هل هذا تابع للموجة الدينية في العالم كله؟ الخوف من الإرهاب؟ أم أنني أبالغ؟ فقبل أيام قليلة جداً من افتتاح معرض فوتوكينا 2008 تطور موضوع بناء أكبر مسجد في ألمانيا في مدنية كولن إلى مسيرات احتجاج في شوارع كولن، وجمعت تواقيع سبعة آلاف شخص معارض لقيام الرابطة الإسلامية التركية ببناء هذا المسجد. هذه المسيرات تخلل بعضها أعمال عنف «على غير العادة» في ألمانيا التي تكفل حرية الأديان.
هل كان هذا الغياب للموديلات العارية مقصوداً؟ عندما كنت في إحدى ورش التصوير في جناح كاميرا الهزلبلود (Hasselblad) الألمانية كاد نهد الموديل يخرج فتكاثرت عليه كاميرات الرجال والنساء المحيطين بمنصة الورشة، وتتابعت أصوات غوالق الكاميرات، واضطرب المكان كلّه! بمَ تفسرّ ذلك؟
نفى الخان أن يكون للموجة الدينية علاقة بغياب الفوتوكينات، وأرجعه إلى مسائل تتعلق بالتنظيم هذا الموسم. قلت له ربّما، خصوصاً أن إحدى ورش تصوير الفوتوكينيات العاريات ستكون في إحدى الصالات في مدنية كولن، بعد انتهاء المعرض باثني عشر يوماً. أي بعد أن يسافر جميع زوّار المعرض!
فعلها جناح كاميرات «Nikon» مرّة واحدة عندما جعل زوّار المعرض يختبرون إحدى الكاميرات الصغيرة الجديدة بتصوير موديلين جوار بعضهما بعضاً. كانا شابين صغيرين. وغير ذلك ندر استضافة غير الفوتوكينيات من النساء

***

الفوتوغرافي رالف باليور
أنا مصور ولست محاضراً

ملأ الفوتوغرافي الألماني الشاب والمحترف Ralf Bauer جناح كانون بالحماس والحيوية عندما قدم اثنتي عشرة (12) ورشة حيّة في التصوير الفوتوغرافي طيلة أيام المعرض. وعلى الرغم من صغر سنّه نرى مصورين محترفين ينتظرون بدء ورشه قبل خمس عشرة دقيقة بمعداتهم الثقيلة. احترام متبادل بين الطرفين.
قدم Ralf Bauer موضوعات كثيرة، تقنيات مختلفة في التصوير داخل الأستوديو إلاّ أنّه ركز أكثر على تصوير البورتريه. سألته في اليوم الأخير:

  • ما موضوع ورشة اليوم؟
  • نساء. نساء.. نساء.
  • أنت لا تصور إلا النساء.. لكن ما التقنية اليوم؟
  • تصوير البورتريه أيضاً.

خلال ورشة الاثنتي عشر استخدم Bauer كاميرا كانون واحدة هي (MarkIII) الحديثة وعدستين فقط هما (200) وعدسة (50) الحديثة التي تفتخر كانون بوجودها لأوّل مرة في فوتوكينا .2008
في هذه الورشات يساعده مصور محترف من شركة أبل - بالقميص الأسود وشعار التفاحة - في استقبال الصور بطريقة لاسلكية حديثة من كانون، وطباعة الصور، وفريق آخر من العاملات في ضبط الإضاءة وإعداد الفتاة الموديل لموضوع التصوير.

الجناح الأحمر.. «كانون» في المطلع

تصوير: رالفإذا كانت مفردة (canon) تعني في أحد معانيها العمل الفني عالي الجودة والذكاء، فإنّ اختيار ''كانون'' أن يكون مكانها في مطلع البوابة الرئيسة للمعرض، وأوّل من يستقبل عشرات آلاف الزوار يومياً فعل ذكي أيضاً فالزائر لا ينسى الصورة الأوّلى للمكان.
كان جناحاً حيوياً للغاية، ومنافساً لا يدانيه إلا الأصفر ''نيكون'' فيما بدا جناح ''كودك'' هادئاً، وأحاديث بين التجار والموزعين عن خسارات عظيمة في ''كودك''، وأن الشركة تحتضر، خصوصاً بعد ظهور التصوير الرقمي وهي في انحدار. لم يحدث ذلك في الأخضر ''فوجي'' على الرغم من تعرضها لخسرات مشابهة ''لكودك'' لكنها عرفت منافذ السوق، واعتمدت على ابتكارت جديدة في عالم الصورة التجارية والفنّية.
كانون عرضت كل العدسات الحديثة التي أنتجتها في الأعوام السابقة وصولا إلى العدسات الجديدة مثل (EF 70 - 3000) و(EF 50mm)، وطابعات شخصية تطبع صوراً عالية الجودة، كاميرات التصوير السينمائي، وطابعات صغيرة حديثة يمكن حملها في حقيبة السفر الصغيرة. كاميرا (5D) الجديدة للمحترفين تلتقط الصور بجودة عالية وبها تقنية التصوير السنمائي أيضا. منصة مرتفعة في الجناح الأحمر نصبت فيه ثماني كاميرات فوتوغرافية وواحدة سينمائية ثُبّت عليها عدسات كبيرة، تناوب عليها الزوار يصطادون بها أي شخص في الجناح الكبير. لكن منظمي هذه المنصة لم يأخذوا في الاعتبار أطوال الجنسيات غير الألمانية مما اضطر كثيرين للاستعانة بما يرفعهم لمستوى الكاميرات! الصديقات استعن بأصدقائهم للوصول ولم يكن ذلك صعباً!!
إذا كانت مفردة (canon) تعني في أحد معانيها العمل الفني عالي الجودة والذكاء، فإنّ اختيار ''كانون'' أن يكون مكانها في مطلع البوابة الرئيسة للمعرض، وأوّل من يستقبل عشرات آلاف الزوار يومياً فعل ذكي أيضاً فالزائر لا ينسى الصورة الأوّلى للمكان.
كان جناحاً حيوياً للغاية، ومنافساً لا يدانيه إلا الأصفر ''نيكون'' فيما بدا جناح ''كودك'' هادئاً، وأحاديث بين التجار والموزعين عن خسارات عظيمة في ''كودك''، وأن الشركة تحتضر، خصوصاً بعد ظهور التصوير الرقمي وهي في انحدار. لم يحدث ذلك في الأخضر ''فوجي'' على الرغم من تعرضها لخسرات مشابهة ''لكودك'' لكنها عرفت منافذ السوق، واعتمدت على ابتكارت جديدة في عالم الصورة التجارية والفنّية.
كانون عرضت كل العدسات الحديثة التي أنتجتها في الأعوام السابقة وصولا إلى العدسات الجديدة مثل (EF 70 - 3000) و(EF 50mm)، وطابعات شخصية تطبع صوراً عالية الجودة، كاميرات التصوير السينمائي، وطابعات صغيرة حديثة يمكن حملها في حقيبة السفر الصغيرة. كاميرا (5D) الجديدة للمحترفين تلتقط الصور بجودة عالية وبها تقنية التصوير السنمائي أيضا. منصة مرتفعة في الجناح الأحمر نصبت فيه ثماني كاميرات فوتوغرافية وواحدة سينمائية ثُبّت عليها عدسات كبيرة، تناوب عليها الزوار يصطادون بها أي شخص في الجناح الكبير. لكن منظمي هذه المنصة لم يأخذوا في الاعتبار أطوال الجنسيات غير الألمانية مما اضطر كثيرين للاستعانة بما يرفعهم لمستوى الكاميرات! الصديقات استعن بأصدقائهم للوصول ولم يكن ذلك صعباً!!

***

زينة المعارض.. الصورة

لم تكتف شركات التصوير في معرض فوتوكينا بعرض تقنياتها الجديدة. أنشأت معارض لمصورين محترفين في العالم، واهتمت كثيراً بابتكار أشكال جديدة في العرض بدءاً من اختيار إطارات الصور إلى مجاورة الصور لبعضها بعضاً..
في الجناح الأصفر الصاخب، أقامت شركة «Nikon» مجموعة معارض فردية لا تزيد عدد الصور في المعرض الواحد على تسع صور، كُتب في أحد جوانبه العليا مقولة للمصور يشير فيها إلى أهمية كاميرا «نيكون» في حياته، أو إبداعه. طبعاً كانت هناك جوائز قيّمة لأفضل الصور. ليس هذا مهماً أمام صور عالية الجودة في موضوعاتها وطباعتها وورقها، وشكل عرضها. فهذه الوسائل هي منافذ الوصول إلى الناس.
«كانون» أقامت مجموعة معارض فوتوغرافية دعائية وأخرى لمستخدمي «كانون» حول العالم. وزعت صور المعارض الدعائية فائقة الجودة في الطباعة وبحجم كبير في الجناح الأحمر.
المعرض الآخر لـ «كانون» أقيم في قاعة المعارض الفوتوغرافية، وهي قاعة رقم (1). في هذا المعرض عرضت المشروعات الفائزة للمصورين المحترفين الجدد حول العالم ضمن ما يعرف بجائزة «CPTA» وهي اختصار لعبارة «Canon Profifoto Talent Award».
المعرض قدم عشرين مشروعاً لمصورين شباب لا تتجاوز أعمارهم ثلاثين سنة - وهو أحد شروط الجائزة - هم في ظن «كانون» شباب صاعدون سيحققون إنجازات قريبة في عالم الصورة حول العالم.
كان متوسط أعمار المتقدمين 26 سنة قدموا ستة آلاف صورة، مع تساوي عدد المتقدمين من ذكور وإناث إلى حد ما، كان أغلبهم طلبة من ألمانيا، استرا، سوزلاند. قليلون جاؤوا من نيوزلندا، أميركا، والصين، وغيرها من الدول. يختار الفائزون من معدات «كانون» ما قيمته 10 آلاف يورو (15 ألف دولار تقريباً)، وفرصاً للقاء مصورين محترفين وعرض أعمالهم عليهم، أو التنسيق لبيع صورهم على بعض المجلات، أو طبعها في أرقى مطابع الصور في العالم.
في الجناح الأسود الهادئ جداً. والجاد جداً لكاميرا «لايكا» عُرضت صوراً كبيرة الحجم في شكل معرض رزين يشبه رزانة سمعة هذه الكاميرا، والبرستيج غير العادي الذي سيصاحب مستخدمي هذه الكاميرا غير العادية.
الفوتوغرافي عبدالرحمن عثمان الذي سنعرف شيئاً من سيرته قريباً في هذا الملحق قال لي: «سيهمّك أكثر لو جئت قبل المعرض بأيام حيث تحولت مدي

التقِ بالمحترفين
التصوير بالأسود والأبيض.. الفيلمي والرقمي

مدنية كولن: تصوير ألسكندر جونتحت عنوان '' التصوير الاحترافي: ماذا جنيء الفيلم من استخدامنا له؟'' أقامت منصة ''التقِ بالمحترفين'' في معرض فوتوكينا ندوة شارك فيها أربعة مصورين فوتوغرافيين هم: (Pep Bonet) من اسبانيا، (Det Kempke) من ألمانيا، وكل من (Amy Postle) و(Eddie Soloway) من أمريكا. أدار الندوة البرفسور الدكتور (Rolf Sachse) فصنف المنتدين - بخفة دمه- إلى فيلميين ورقميين. وعلى الرغم من هذا التصنيف المغرض، وكون اثنين من المنتدين شابين عاصرا التقنيتين معا، إلا أن المنتدين الأربعة انتصروا للفيلم على التصوير الرقمي وفضلوه عليه، واتفقوا أيضاً على أهمية تحويل السلبيات إلى صور رقمية بعد مسحها ضوئياً.
المنتدون استهجنوا أن يقوم المصور بالتصوير الفيلمي ثمّ يطبع صوره بعد تحويلها إلى صور رقمية، وليس من السلبيات نفسها. المصوران الشابان أكدا أهمية ما يشعران به عندما يقومان بتحميض الأفلام، وأنهما قريبا من الصورة أكثر، وأنّ هذا الشعور لا يحدث في التصوير الرقمي.
المصور (Pep Bonet) بالغ في الانتصار للتصوير الفيلمي، وقال ''لا يمكن أن تكون قيمة الصورة بالأسود والأبيض المصورة بالفيلم مثل المصورة بالتقنية الرقمية. لذا من الصعب عليّ إنتاج ذلك بالتصوير الرقمي. انظروا إلى صعلتي؟ لقد فقدت شعر رأسي بسبب المواد الكيميائية أثناء التحميض ولن أتوقف. إنه يحتاج إلى وقت طويل، وأنا أتمنى أن أعطي المزيد من الوقت لهذا النوع من التصوير''، وأضاف ساخراً '' بعضهم يسألني: ماذا سوف تصور اليوم: فيلمي أم رقمي؟ لا أعرف لماذا يسألوني.. كل ما أعرفه أن التصوير الرقمي مؤلم''.
المصور (Det Kempke) من ألمانيا قال ''التصوير الفيلمي عندي أسهل بكثير من الرقمي. عندما ألتقط صورة بتقنية الفيلم أكون قد انتهيت من الصورة بمجرد الضغط على زر الكاميرا. لماذا أنفق وقتاً طويلاً أمام الفوتوشوب أعالج صورة رقمية؟ لا أحتاج إلى ذلك''.
المصوران الشابان - في الختام - تمنيا أن يقوم المصورون الشباب باستخدام الطريقتين في التصوير. كما تمنيا أن تستمر الشركات في إنتاج الأفلام، وأن نية توقف بعضها عن ذلك سيسبب كارثة على حدّ تعبيرهما.
أقامت منصة ''التقِ بالمحترفين'' خمسة عشر نشاطاً في الأيام الثلاثة الأخيرة من معرض فوتوكينا، التقت فيها بمجموع كبيرة من محترفي التصوير والنقاد العاملين في مجال الصورة.

قلوب أرجوانية.. عائدون من العراق

في ندوة: الفيلمي والرقمي.حضر العرب في فوتوكينا 2008 مرّة واحدة، ولكن في شكل كارثة.. أعني العراق.
استحضرت حينها الحضور المتميز للعراق في مجال التصوير الفوتوغرافي في الوطن العربي كلّه. كانت صور الناس (البورتريه) نادرة في البحرين، ولمن يرغب في تصوير نفسه خياران: الهند، أو العراق. الفوتوغرافي الراحل أحمد عبدالله الماضي (توفي 1976) تعلم التصوير في الهند، وأحضر أدواته منها، ومن العراق أيضاً. الأراشيف الفردية العراقية للصورة تؤكد ذلك. توقعاتي باستخدام فاتحة عمل الشيطان (لو)، وبسيرة التصوير في العراق تدعم: لو لم تتعرض العراق لكل هذه الكوارث لكانت وحدها الدولة العربية الحاضرة في فوتوكينا.

كانت تلك هلوساتي في قاعة رقم (1) من معرض فوتوكينا وأنا أقف مكتوف اليدين عند أكثر معارض الصور إيلاماً وإحباطاً: معرض ''قلوب أرجوانية.. عائدون من العراق'' للمصورة التوثيقية الأميركية ''ناينا بيرمان'' - ولدت في العام 1966- تعرض فيه بوضوح كم على الإنسان أن يدفع، ويخسر في الحرب، خصوصاً أولئك الذين يتعرضون لإصابات مباشرة فيها.. الجنود بامتياز.

صورها تتنقل حياة جنود تعرضوا لإصابات بالغة. كيف يعيشون الآن في بيوتهم، في المستشفيات، كيف تتمّ محاولات إعادة تأهيل بعضهم في الثكنات العسكرية. صورها المعبرة بقوة عن حقيقة الحروب، ترينا أيضاً كيف تتمّ عمليات تجاهل تقارير الحروب اليومية، وتجاهل بشاعتها في أقوال وتجارب المحاربين.

الجندي الأميركي ''سام روز'' (21 سنة) الذي فقد بصره وإحدى رجليه قال '' لا أملك أيّ اعتذار. الحرب كانت أعظم تجربة في حياتي''. لكن صور بيرمان الأكثر بشاعة صورها تحت عنوان ''زواج جندي من البحرية'' تغطي فيه فعاليات زواج العريف ''تاي زيجيل'' الذي أصيب بإصابات بالغة في انفجار قنبلة في العراق.

كان المعرض الوحيد الذي يدخله الناس بصمت، يشاهدون صوره بلوعة وأسىً، يغادرونه بوجوم تام. الصورة توقف حروباً. هذا مـؤكد ومفخرة لها.. لكنها غير قادرة على فعل ذلك قبل الحرب.. هي تأتي لاحقاً.

بهذا الشكل الكارثي حضرت صورة العرب في فوتوكينا 2008 في مدينة كولن بألمانيا. آمل لا يفهم من ذلك أن أدعو الدول العربية إلى المشاركة بالشكل التافه، المستعجل: لقد شاركنا! أعني أن تكون المشاركة نتيجة لفعل جاد ومستطيل في مجال الصورة يحتم المشاركة في معرض غير عادي كهذا. أن يكون لدينا شيء تراكم بذكاء فاستحق العرض. ما فعلته المصورة بيرمان لم يكن مستعجلاً. إنّما فكرة استوت على مهل وصبر نافذين، فنفذت أعمالها في قلوب الزوار، وحرضت ضد الحروب.

المصورة إستر هاس
لحظات نادرة للحقيقة «الحلقة الرابع»

حرصت المرأة المسنة على مشاهدة جميع صور المعرض الذي أعدّته المصورة ''استر هاس''. شاهدت الصور بإمعان وضحكت كثيراً وعلا ضحكها وزاد عندما توقفت عند صورة فيها ثلاثة شبان وامرأة مسنة كتب على لسانها أسفل الصورة ''أنا أفضل الشباب من الرجال. هم لا يعلمون بأني أحتاج ما يفعلونه. لكنه يفعلونه كلّ ليلة''. انتقل زوجها إلى الصورة التالية بينما ظلت هي تضحك. مدّ يده يخبرها بضرورة التحرك دون فائدة. لقدت شاهت الصور كلُها بإمعان شديد وقرأت كل نص كتب أسفل الصورة.

زوّار المعرض حرصوا على التوقف عند كل صورة مثل حرص المرأة المسنة. فماذا فعلت هذا المصورة والمصممة الفنية الألمانية ''إستر هاس'' في هذا المعرض؟ ما الفكرة في هذه المعرض الذي ظلت استر تعمل فيه طيلة عشر سنوات؟

عندما مدخل المعرض عُلقت لوحة كتب فيها ''الذين يظنون أن تصوير الأزياء فاشل وسطحي لم يشاهدوه بمثل ما شهادته عينا استر هاس، مصورة الأزياء الدولية الناجحة، التي كانت - في الأصل - ترغب في أن تكون راقصة''.

قامت استر بعمل شاق للغاية على الرغم من أنّه ضمن تخصصها، تصوير الأزياء وعارضيها. لكنه مشروع مختلف في جهة تتعلق بالزمن. اختارت استر مجموعة من كبار السن أصغرهم ولد في الثلاثينيات! وأعدت ملابس جديدة لهم. طلبت منهم أن يعرضوها بينما تقوم هي بتصويرهم. لم يكن الهدف لبس الأزياء فقط إنما تلك اللحظة التي يعيشها مسن يقوم بعمل لم يقم به من قبل. لم تكتف استر بذلك، ووضعت أسفل كل صورة مقولة للمسن عارض الأزياء من تجربته في الحياة تكون لها علاقة بهذه الصورة. هل قام المسن باختيار مقولته بعد أن شاهد صورته التي أنتجتها له استر أم خلال التصوير؟ أيّا كانت الطريقة فقد وفقت استر في انتزاع مقولات من التجربة ذات علاقة قوية وعميقة جداً بالصورة، جعلت المشاهد مشدوداً لهذا المشروع الجديد في عالمي التصوير والأزياء.

تقول استر ''يفترض في عارض الأزياء أن يكون شاباً، متدرباً، محترفاً في عمله، لديه تجربة غير قصيرة في ذلك. العمل مع كبار السن في مشروع كهذا لا يصدق. لكني وخلال هذا المشروع وجدت لحظات نادرة للحقيقة تضيء فجأة مثل مفاجأة كبرى. من هذا كلّه بدأت هذا المشروع منذ دخولي في عالم التصوير حتى الآن. ليس مهماً أن نرى ما يمكن عدّه ولمسه، لكن الذي يأتي من العمق. بعد كل ذلك الأحاسيس لا عمر لها''.

ولدت المصورة الألمانية استر هاس في العام 1966 في مدينة برمن. عضوة جمعية العدسة الحرة للتصوير الألمانية. أجيزت في التصميم والتصوير من جامعة الفنون في برمن، شاركت العديد المعارض المحلية والعالمية، وأقامت معارض شخصية في ألمانيا ولندن، وباريس. صممت وصورت للعديد من الشركات التجارية العالمية. أستاذة زائرة في كل من هامبورغ، برلين، وبرمن.

الفوتوغرافي عبدالرحمن عثمان
مصور الحَمَام والنساء..

تصوير: استر هاسأخذتني إليه البهارات! وليس في بالي أن ألتقيه، وكدت لا ألتقيه أصلا. لكنها البهارات سفيرة الذوق، سيدة المذاق، وسرّ النكهة، سحر التعارف!
خرجت في القطار الذي لا يخطئ ميقاته إلى منطقة ''هنزرينك'' في مدينة ''كولن''. وجدت الكاتب والمذيع أحمد بن حسّو في انتظاري، قال: ثمّة مصور ينتظرنا في البيت، اسمه عبدالرحمن عثمان هل سمعت به؟ قلت له: لا.. لكني مستعد للتعّرف عليه. هذا ذوق منك أن تجمعني بمصور أيضاً.
في الممر المؤدي إلى غرف البيت ومرافقه علقت زوجة بن حسّو ''لاريسا'' مجموعة من الصور قال عنها: إنها معرض زوجتي الدائم. هي مصورة أيضاً.
على طاولة العشاء سألني الفوتوغرافي الفلسطيني عبدالرحمن عثمان عن البحرين، قال:

  • لقد درست في جامعة الكويت في السبعينات. كان معي الكثير من البحرين. درسنا معاً.
  • هل تذكر أحداً منهم؟
  • لا .. لا أذكر منهم ولا واحداً.
  • النساء على الأقل!
  • لا.. ولا واحدة.
  • الجميلات منهن على أقل تقدير!
  • قلت لك لا. ذاكرتي لا شيء فيها منهن ومنهم.
  • طيب، أنا سوف أسرد بعض الأسماء علّك تذكر!
  • لا تحاول.. الحمد لله أني لا أذكر أحداً لكني أذكر جيداً أنهم مختلفون عن بقية الطلاب في التنظيم وإقامة الفعاليات والحوارات. حضرت بعض فعالياتهم، فوجدت فيهم ما لم أجده في البعثات الأخرى. لديهم قدرة عجيبة على الإصغاء للآخرين، ثم محاورة ومناقشة المحاضرين. لن تسمع صوت أحدهم حتى تنتهي الفعالية.

بعد العشاء اللذيذ الذي تعاون بن حسّو وزوجته على انجاز طبخه في يوم عيد الفطر، جلسنا نستمع لاختيارات ''لاريسا'' من الموسيقى الصوفية، المطر الناعم مستمر في الهطول، بينما نمعن النظر إلى صور عبدالرحمن بالأسود والأبيض. كان مبدعاً جداً في كلّ صورة بالأسود والأبيض عرضها علينا. صوره تخبر عن الجهد النفسي، الفني، والحركي المبذول في كلّ صورة. ضوء صوره له الحركة في القلب. كان في بالي أسئلة كثيرة. كيف تمّت صياغة مصور لذيذ بهذا الشكل؟ لكن لا يمكن توجيه السؤال بهذا الشكل أيضاً.

تصوير عبد الرحمن- عبدالرحمن.. من أين أتيت إلى التصوير؟
- كنت أعمل في شركة طيران كلما نزلت في دولة التقطت بعض المشاهد بكاميرتي الصغيرة العادية. أصور حَمام لندن، فأعرضها على بيتنا في غزّة فيفرحون. وليس أكثر من ذلك. تزوجت فنانة تشكيلية فاستهوتني الشخابيط التي سرعان ما كنت جاداً فيها، والبقاء في المرسم لساعات طويلة. بدأت أرسم، وتخطيت مرحلة ''الشخابيط''. عدت إلى التصوير ودخلت فيه هذه المرّة من الرسم لا من الطيران والحمام.

قاطعه بن حسّو مازحاً: يعني أنا زوجتي ''لاريسا'' مصورة فوتوغرافية، فهل هذا يعني أنّي سأصبح مصوراً مثلها في المستقبل؟

- في هذه الفترة الجادة من التصوير رأيت من الضروري أن أتخصص في تصوير موضوع واحد. اخترت تصوير النساء. لا أعني بذلك تصوير الموديلات من النساء فلا رغبة عندي في تصويرهم.. إنهنّ متصنعات غير عفويات؛ لذا ألجأ إلى تصوير الصديقات بدلاً منهن.
- ماذا عن فوتوكينا 2008؟ كيف تذهب إليه؟
- مررت به قبل الافتتاح بيومين وعملت تقريراً مدته عشر دقائق للإذاعة الألمانية، تحدثت فيه عمّا هو جديد من تقنيات التصوير. لكن الذي يهمّك أنت ليس فوتوكينا هذا بقدر ما يهمّك من المعارض الفوتوغرافية التي تقام في مدينة كولن قبل افتتاح المعرض بأيام. هنا تتحول كولن إلى ما يشبه العرس الفوتوغرافي. معارض شخصية وجماعية مختلفة تقام بحيوية تستحقها الصورة، وتستمر إلى ما بعد المعرض أيضاً.

قبل توديعه عند محطة القطار قال: صدقني أنا لا أخشى أن يقول أحد على صوري أنها تافهة. تعرف لماذا؟ هذه طبيعة الذوق مع كل ما هو فن.

ماذا تفعل بكاميرتك يا عبدالرحمن وأنت تقلّبها على أجسادهن، حركة الظل والضوء، نفسياتهن، نظرات عيونهن، أمزجتهن، أطراف ملابسهن؟ ماذا تفعل بك؟ رأيت تقلّب كاميرتك بين القندات، فقلت هذا مصور على مقربة من سرّ الحياة.

صحيفة الوقت
www.alwaqt.com/scat.php?cid=62

أقرأ أيضاً: