156 لقطة من الأرشيف الفوتوغرافي الألماني في القاهرة

أشرف إبراهيم
(مصر)

أشرف إبراهيمبعد معرض الصور الفوتوغرافية التاريخية لمدرسة «الباوهاوس»، أشهر مدارس الفن التشكيلي المعاصر في العالم الذي استضافته القاهرة قبل عامين، تقدم ألمانيا للمصريين حاليا, معرضا وثائقيا يضم 165 صورة لكبار مصوريها من مؤسسي اتجاه التصوير الفوتوغرافي ذي الرؤية الذي بدأت إرهاصاته في العشرينات من القرن الماضي، ونضج مع نهاية الأربعينات كرد فعل على الحرب العالمية الثانية ومآسيها الدامية. لقطات أقل ما يقال فيها إنها فتحت أبواباً فنية، وشكلت جسراً باتجاه صور فاتنة وشديدة البلاغة.
يقام المعرض في «مركز الجزيرة للفنون» في القاهرة، وينظمه «معهد العلاقات الخارجية» بشتوتجارت و«المعهد الثقافي الألماني»، ويضم أعمالا من أرشيف 25 فنانا بالأبيض والأسود، غلبت عليها اللقطات الإنسانية والرؤية المبتكرة لفن البورتريه، في محاولة من الفنانين المعروضة أعمالهم، لإضفاء نوع من الإبداع يتجاوز فكرة التصوير الحرفي لشيء موجود في الواقع. وتعد صورة «قطرات وانعكاس» الموجودة في المعرض للفنان أدولف لاتسي، النحات ومحترف التصوير الضوئي، التي التقطها عام 1947، نموذجا للتصوير ذي الرؤية الذاتية. فهذه الصورة المعروضة مركبة، وتبدو فيها قطرات ماء على ما يشبه لوحا زجاجيا تنعكس عليه بقعة دائرية من مصدر مضيء في الثلث الأسفل من المشهد، بينما تعلوها مربعات مضيئة مائلة قادمة من أعلى الزاوية اليسرى للوحة. تلك الصور لم يكن بالإمكان عرضها عند التقاطها، على الرغم من أنه سبقتها تحضيرات كثيرة من أعمال بناء، وجهود من أساتذة التصوير التجريبي في عصر ما بين الحربين.
وكذلك هي أعمال الفنان «كارل شتروفه»، رائد التصوير الميكروسكوبي الذي كرس فنه للرصد الفوتوغرافي للظواهر الصغيرة الحجم والكائنات الدقيقة، فيما استطاع «شتروفه» أن يمتلك تقنية مبتكرة على درجة فنية عالية، بواسطة استخدام جهاز مزدوج يتكون من الميكروسكوب والكاميرا قام بتركيبه بنفسه. وبعد عام 1930 بدأ شتروفه في تشكيل بعض التكوينات التجريدية التي تعتبر ابتكارا فنيا خاصا به، ويستخدم في بعضها المونتاج والطباعة والنيجاتيف وتقنيات أخرى. وهناك أيضا أعمال للفنانة مارتا هويبفنير التي تنتمي لجيل طلائع مصورين الألمان، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتمثل الحلقة المفقودة بين المصورين التجريبيين، بين عامي 1919 و1933، وتبدو أعمالها التشكيلية أقرب إلى الرسم منها إلى التصوير الفوتوغرافي.
وبشكل عام يطرح المعرض تساؤلات حول مشاعر وانفعالات المصور الفوتوغرافي حين يقف خلف عدسته؟ وهل عليه أن يتجاوز رؤيته الذاتية حين يتعامل مع آلة تسجيلية فاضحة كالكاميرا؟ هذه الأسئلة وغيرها لم تكن في أذهان المصورين الأوائل قبل أن تسود حركة التصوير الذاتية في الأربعينات من القرن الماضي. ويوضح معرض المصورين الألمان، الذي يستمر حتى نهاية هذا الشهر كيفية تطبيق المعيار الأسلوبي للتصوير الذاتي، في الصور الصحافية والإعلانية بالأبيض والأسود. ويمكن الربط بين إعادة إحياء إنتاج تيار «التصوير الفوتوغرافي الجديد» الذي ظهر في العشرينات من القرن الماضي، مثل إنتاج مدرسة الباوهاوس، ورواد التصوير، وقد ركز أصحاب تيار التصوير الفوتوغرافي ذي الرؤية الذاتية على تركيباتهم القوية للقطاتهم غير المألوفة وتجاريبهم الفنية، وطرح وجود الإنسان والتكنولوجيا للتساؤل. كما بدت في صور هؤلاء التأثيرات السوريالية، وتجسيم الحركات السريعة والتجريدات، كل ذلك لمواجهة استمرار اتجاه التصوير الفوتوغرافي النازي الذي كان يسيطر على الساحة من جوانب كثيرة وقتها.
ويكشف مصطلح «التصوير ذو الرؤية الذاتية» أن الإبداع ليس في نقل الواقع المادي كما هو إعمال لمفهوم الفوتوغرافيا الموضوعية أو انعكاس الأصل لمفردات الطبيعة، سواء كانت مناظر أو منشآت معمارية أو بورتريهات أو أجهزة ومعدات صناعية وغيرها، بل في إنتاج قطع فنية فريدة تنطق بالقدرة الخلاقة، وبذلك تتكون رؤية مختلفة تماما للتصوير التقليدي، الذي يعتمد على النقل الحرفي.
ولذلك يمكن اعتبار هذا الاتجاه، اتجاه الصفوة الهارب من الحاضر آنذاك بمشاكله السياسية والاجتماعية. فالصور التي تسجل لقطات من الحياة الاجتماعية، كانت تمثل جزءا من معارض التصوير ذي الرؤية الذاتية وقتها، ليس فقط من الألمان ولكن أيضا من غيرهم خاصة الأميركيين والفرنسيين والإنجليز وإن اختلفت نسبة وجودهم في المعارض.

الشرق الأوسط
18 أكتوبر 2006 العدد 10186