الفوتغرفي الذي ترك عينيه تتشمم

حاوره في بغداد: خالد جمعة

فؤاد شاكردائما أطول منك وشعره ابيض، يدخل الأماكن المغلقة كالأعمى فلا يراك، هكذا كمن ترك عينة في الخارج، تركها تتشمم بحثا عن تفاصيل مخبأه، حين يقف قبالتك ستكتشف ان عينيه موجودتان، أما حين يكون فؤاد شاكر محدقا فيك،
فسترى وجهك وحتما.

* أرى أن الفوتغرافي صياد فرائسه الدسمة لحظات حارة، هي قدحات أبدية نتجت من تصادم كل بكل، ذات رائية بمحيط متمتع!. في عملية الفوتغراف من يستدرج من، الفوتغرافي بحبسة أم اللحظة بغوايتها؟

- لاشك في ان الفوتغرافي وبالأخص الذي يشتغل فوتغرافا هادفاً هو غالبا ما يطارد اللحظة المتفجرة بالإيحاء والإثارة الجدلية، كما ان وقبل كل شيء يتعامل مع أداة الإبصار كروح وهو يحملها كمن يحمل قلبه على راحة يديه .. انه هنا إنما يستفيد استفادة قصوى من إمكاناتها التعبيرية وخصائصها التقنية حين ينظر من خلالها لعالمه بكل ذلك الفوران والتعاطف مع حقائق الحياة، والصورة الهادفة هي وبكل الأحوال ناتج استحضار مكثف للذات، أما من يستدرج من ؟ فانا أرى ان اللحظة الاستثنائية السانحة هي التي تجر الفوتغرافي لإيقاف الزمن المسرع أبدا، والذي غالبا ما يتآمر علينا على أشيائنا، وكل الذي علينا ان نحد من سلطته على أشيائنا القائمة.
استطيع ان اتذكر مقولة لأنطوان تشيخوف مفادها، ان الجسد وحده يحتاج إلى ثلاثة أمتار من الأرض، أما الروح فلا يسعها هذا الكون برمته.

* الطوفان الرقمي قادم كما يرى وسيكتسح الكل دون هوادة، برأيك ما الذي سيبقيك صامدا بوجه هذا المد الهائج ؟ بودي ان أعيد السؤال بطريقة أخرى، ما الذي أخذته أو إضافته التقنيات الرقمية من والى الفوتغراف؟ فوتغرافكم انتم؟.

- ان أدوات الإبصار الرقمية وفرت على الفوتغرافي مسألة الخلاص، والأصح الهرب من الغرف المظلمة وأبخرتها الكيميائية المتصاعدة وغير ذلك، فهي أتاحت له إمكانية تداول الصورة على أوسع نطاق ممكن وبالسرعة المذهلة وتلك إحدى مفاجئات عصرنا الساطع الحافل بالانجازات العظيمة على مستوى إيجاد البدائل والمبتكرات الخلاقة.

فؤاد شاكر* سأفترض باني لم افهم ايجابيتك لأعيد السؤال مرة أخرى ! أنت عشت بين عصرين، عصر الآلة المتجسد بكاميرتك التقليية، وعصر المعلوماتية المتجسد الديجيتال التي تحملها على كتفك الآن، فوتغرافكم الذي تنتمون إليه انتم على أية عصر ينتمي؟

- ما من شك في إنني قد عشت عقود ومراحل مختلفة من مراحل تطور التصوير الفوتغرافي في العراق، وتابعت الكثير من المفردات بهذا المعنى، على الأقل منذ ستينات القرن الماضي، بداية دخولي لهذا اليدان، في الفترة التي شاع فيها استخدام السوالب الزجاجية وكاميرا المنفاخ الصندوقية الكبيرة المحمولة على ثلاثة ركائز تجنبا للاهتزاز ... إلى ان دخلت عصر التحولات في بداية الألفية الثالثة، حيث الكاميرا الديجيتال، التي تفضل في حال الانجاز السريع وميزتها هنا انها ذات بعد بؤري لا يتعدى الخمسة إلى ستة مليمات وهذه الخاصية تغطي كافة جوانب المشهد وتدفعه إلى الوضوح التام، أما أنا فقد استخدم الكاميرا الديجيتال وفقا لمبدأ استخدامي للكاميرا التقليدية، بحيث انك لا تستطيع ان تفرق ما بين ناتج الاثنين حتى وكنت خبيرا بأسرار هذا الفن وطرائق تطبيقاته الميدانية والمختبرية، الصورة بالكاميرا التقليدية تدوم لمدة مئتي عاما قادمة، لتصبح وثيقة من وثائق التأريخ الممتد، بينما صورة الديجيتال وفي أحسن الأحوال لا تدوم أكثر من خمسة وعشرين عاما، آلة الإبصار في كاميرات الديجيتال غالبا ما تقود مستخدمها وتضعف ذاكرته، مثلما تبعثر حواس الشعورية والبصرية. هل قلت ؛ إني انتمي إلى العصرين، على كتفي الديجيتال، وفي حقيبتي هذه الكاميرا التقليدية.

* في الفوتغراف الناجح تظهر لمسات الصانع ولن تظهر إصبعه أبدا، عن المسافة الجمالية اسأل ؛ ما الذي يجعل من هذا الفوتغراف مفتعل وذاك تلقائي؟

- لنتفق أولا ان الضوء بمختلف كثافاته الساطعة والمتطرفة هو سر النجاح الذي لا بد ان، وعلى الفوتغراف ان يدرك هذه الحقيقة وهو يتابع مداراته مثلما عليه ان يدرك في السياق انه الثروة العظيمة التي لا تعوض قط، فمنه نؤسس على حدث الحياة وننتزع الصورة من صميم المشهد الحي، وهذا هو في ظني الفارق ما بين العابر بالمشهد وما بين من يتأمله بفوران وتحسس عاليين، يعنيني التأكيد لاحقاً؛ بأن الخبرة هي التي تقود إلى النتائج الباهرة دائما والانجازات العظيمة كذلك، كثيرون حملو الكاميرا، منم من استطاع ان يسقط أحاسيسه على السطح الحساس للفلم، ومنهم من كان يمتلك ستايل محدد، لا سيما وان الفوتغراف قد أصبح وبفضل التقنيات الحديثة من الفنون المشاعة والهوايات المحببة إلى النفس، أنا الآن أتكلم عن الخبرة هنا ونحيت الموهبة جانباً، فما بالك لو اجتمع الاثنان في العملية الفوتوغرافية.

فؤاد شاكر* تعاملك بالأبيض والأسود بدا لي وكأنه إصرار المتشبث بتقنية التعارض السهلة، التي تجعل من عناصر الفوتوغراف - أي فوتوغراف- يبدوا وكأنه في وحدة عضوية متماسكة، أم ان هنالك سببا آخرا؟.

- ميلي للتصوير بالأبيض والأسود ناتج عن قناعة راسخة في كونه فن اكتشاف الملكات الإبداعية ؛ التأكيد على جانب تسيير الضوء على مساحات الظلمة والذوبان الكلي بالمشهد المقترح .

أخيرا فؤاد، اكتب شيئا تريد فيه، ان يصفك الآخرون به؟

- فؤاد شاكر تناول في حياته شتى ضروب الإبداع الفوتوغرافي، لكنه بقى ميالا للفوتوغرافيا الهادفة وحدث الحياة، ويصر على انه الصورة هي ابنة الواقع ويجب ان تنتزع منه.

فؤاد شاكر

****

فؤاد شاكر في سطور

  • فوتغرافي محترف
  • ولد ببغداد عام 1949
  • بدأ رحلته الفوتغرافية عام 1962
  • أقام خلال مسيرته الطويلة ثلاثة وعشرين معرضا شخصيا، وحصد العديد من الجوائز

من معارضه:

  • غرف الأمكنة .. بغداد / مركز الفنون 1991
  • مدارات الضوء... بغداد/ المتحف الوطني للفن الحديث 1992
  • صور عراقية... باريس / معهد العالم العربي
  • معرض الصور الفوتغرافية والكرافيكية - المركز الثقافي الملكي / عمان 1995
  • نهارات المدن العراقية ... قاعةMPX 3133- 2001/ الولايات المتحدة الأمريكية - أوهايو .

إيلاف
21 إبريل 2005