عبد الرحيم الخصار
المغرب
khassar@gmail.com

عبد الرحيم الخصارفي قاعة الحبيب الفرقاني بمعرض الكتاب مساء السبت الأخير كنت جالسا على كرسي في الصفوف الأخيرة أصغي إلى الشاعر اللبناني عقل العويط و هو يتوجه بالخطاب عبر نصه الشعري إلى الراحل بسام حجار، كانت كلمات عقل تغمر المكان بالحنان و الرقة، تنساب بين الصفوف و تغير طلاء الجدران، حتى أني رأيت بسام حجار يبتسم في الصورة الكبيرة على المنصة، الصورة التي كان العويط يرفع عينيه من حين لآخر ليتأكد إن كان صاحبها يصغي إليه.

كان عقل يقف رزينا، خجولا و هادئا، كانت كلماته بسيطة و مؤثرة، و صوته حانيا و خفيضا، يخترق الكراسي و المعاطف و يستقر في القلب.
بسام حجار هو واحد من الشعراء الذين عاشوا من أجل كتابة الشعر، و علموا الآخرين معنى أن تكون شاعرا بدون مكبرات صوت و صورة، لذلك أحببته، مثلما أحببت محمد الماغوط و سركون بولص و محمد خير الدين.

كان مروضا بارعا لكلماته، عطوفا على الأشياء الصغيرة و رحيما باللغة، لذلك لم تتكسر الجرار في يده، ولم تسقط الأعشاب الكثيرة التي نمت في راحتيه، هو الذي كان يغبط الباب نعمة الخشب، لأنه سوف يحيا من بعده.
لم يغبط الباب وحده:" أيها الضوء، سوف تحيا من بعدي ، و سوف تنير الغرفة التي لن أكون فيها ، و الكرسي الخالي من جسمي القليل ، و السرير الخلو من أرقي ، و الورقة التي لم تكتب عليها قصيدتي".

بسام حجار الذي كتب"انشغالات رجل هادئ جدا" هادئ بالفعل، إذ لم يكن معنيا بالضجيج الذي يعتمل خارج عالمه، أبطال نصوصه الكراسي و الولاعات و أعقابُ السجائر و المشاجب و الدواليب و الكؤوس و الطاولات و الأسرّة و العباءةُ الصيفيّة و الخفّان و علبة الدواء و الساعة والنظّارة والريموت و الكوب والمناديل وصورُ الأبناءِ وقارورة العطر و الفساتينُ المهملة في الخزانة".
طلب مني صديقي أن أكتب شيئا عن حجار و هو العارف بولعي و حبي الكبير له و عشقي الخاص لقصيدته الرائعة "لا تذهبي إلى الجوار المخيف" التي كتبها عن أخته الراحلة دلال، فقلت لهذا الصديق: "نحن يجب أن نصمت و أن نصغي لرفاقه الشعراء الذين تقاسموا معه حياته و ذكرياته و هواجسه، القمم يجب أن تتحدث عن بعضها".
و يبدو أنني لم أقو على الصمت، و ها أنا أقول كلمة صغيرة عن شاعر كبير، ربما بسبب النص الطويل و الجارح لعقل العويط، ربما.
بكلمات قليلة خلق بسام حجار قصائد عالية و شاسعة، إنه أكثر الشعراء العرب التصاقا بالأشياء القريبة منه، فعالمه يبدأ من الباب و ينتهي عند النافذة، أليس هو الذي قال :" اذهبوا إلى الحرب أو إلى الجحيم، فقط أغلقوا الباب وراءكم"؟