(رسائل جولييت دراوت إلى فيكتور هوجو)

علي الزيبق

فيكتورتمهيد*

شاعر، شاعرٌ عظيم، يحبُ أميرةَ مسرحٍ. هوَ غيور. يجبرها على أن تتخلى عن المسرحِ و الغرفة الخضراء، أن تتنكرَ لمديحِ المجتمعِ و المدينة، يسجنها مع خادمةٍ واحدة، إثنينِ أو ثلاثةٍ من بورتريهاته، و كتبٍ لا حصرَ لها، بقدرِ ما تتحملهُ شقتها الممتدة لبضعة أذرع. عندما تشتكي لهُ بأنها لا تملك أي شئٍ تفعلهُ سوى انتظارِهِا له، يجيبها:

"اكتبي لي، اكتبي لي كل شئٍ يمكنُ أن يخطرَ على بالِك، كلَ شئٍ يمكنُ أن يخفقَ له قلبُك."

كانتْ النتيجة عشرينَ ألفَ رسالةٍ كتبتها جوليت إلى حبيبها "توتو"!

* من مقدمة كتاب "رسائل حب جولييت دراوت لفيكتور هوغو" بترجمة ثيودوا ديفدسون من الفرنسية إلى الإنجليزية، بتصرفٍ بسيط
* توتو هو اسم التحبب الذي كانت تستخدمه جولييت عند نداء حبيبها هوغو

إهداء

إلى جولييت دراوت،

تلكَ الآنسةُ التي سكنت ملامحُ وجههَا الحزينة مخيلتي منذ اللحظة الأولى التي شاهدتُ فيها البورتريه الخاص بها في بيوغرافيا فيكتور هوغو..
إلى التي أحبت، فجعلت حياتها كلها هامشا في حياة حبيبها الشهير..
إلى تلك التي هربّت حبيبها المطلوب من قبل نابليون الثالث إلى بلجيكا، عندما عزّ الصديقُ و عجزَ الأهلُ..

إلى التي أفنت شبابها النضر، و ضحت بمستقبلها الباهر، لا لشئ سوى من أجل عشقها الذي أخلصته لحبيبها الذي لم يخلص لها..
إلى التي تمنتْ في آخر حياتها أن تُكتب إحدى قصائد حبيبها الشهير على شاهد قبرِها، لتموت و تُدفن من دون اسمٍ أو قصيدة..
أهدي هذه الترجمات التي قمتُ بها من الإنجليزية إلى العربية، ليكونَ هوغو و لو لمرةٍ واحدة الهامشَ، و تكونُ جوليت الموضوع!

رسالة

فيكتورالساعةُ الآنَ تشارفُ السادسةَ مساءً. انتهيتُ بالتوِ من نسخِ القصائد التي أعطيتني إياها بالأمس. أنا لستُ مطلعةً على أنواع الثناء الشائعة في الصالونات الأدبية هذه الأيام. كلُ ما أستطيعُ أن أخبركَ إياه هوَ أني بكيتُ و صليتُ عندما سمعتكَ تقرأها، و أنني بكيتُ و صليتُ عندما قرأتها على نفسي، و أنني بكيتُ و صليتُ مرةً أخرى عندما عاودتُ استرجاعها. أشكركَ من أعماقِ قلبي لأنكَ فكرتَ بي عند كتابتِها. شكراً يا حبيبي على العاطفةِ الجميلة التي أوحت لكَ بهذا الشعر. سطوركَ الحلوة كانت تمتلكُ التأثيرَ الذي ارتقبتَه، إذ أنها اشتغلت كترياقٍ و مُخدّرٍ لروحي العليلة. شكراً لك! شكراً لك! و مرةً ثالثةً شكراً لك! أنتَ لستَ عظيماً و حسب، أنتَ طيب، و الأفضلُ من هذا كله أنكَ مسؤول و معنيّ، أنتَ الذي تملك كلَ الحقِ كي تكونَ صارماً.
أُحِبك. قلبي يذوبُ بسببِ تقديرِهِ و شغفِه. هناكَ مزيدٌ من فرحِ الحبِ لا يستطيعُ قلبي المسكين أن يتسعَ له. تعالَ إذن، و استقبل فيّاضَ نشوتي.
لو علمتَ فقط عن مقدار الشوقِ الذي أكنه لكَ و عن مقدار الرغبة! و لو علمت أكثرَ أيضاً، سوفَ تأتي، أنا متأكدة! تعالَ، تعال، أرجوكَ، تعال! سوف تتلقى قبلةً عن كلِ خطوة تخطوها لي، سوفَ أعوضكَ عن أيّ جهد تبذله، سوفَ تلقى من البسمات و الأفراح ما يفوق ما تلقاه من زمهريرٍ و ضباب.

جولييت

ترجمة: علي الزيبق
ستتوالى الرسائل تباعاً..

رسالة

عدتُ للتوِ حزينةً و مكتئبة. أنا أتألم، أبكي، أُعوِل بصوتٍ عالٍ و أئنُ من تحتِ أنفاسي إلى اللهِ و إليك. أتمنى أن أموتَ كي أضعَ نهايةً لكل هذا العذاب و هذه الخيبة و هذا الحزن. يبدو أنَّ سعادتي تلاشت على الحقيقة بتلاشي الطقس الجيد. إنّ من الحماقةِ أن أتوقعَ قدوم أحدهما مرةً أخرى. الفصلُ متأخرٌ جداً لرجوعِ الطقس الجيد أو الأيام السعيدة. أيها المغفلُ المسكين، تقولُ أنّ من الأحرى أن أتوجعَ بحسرةٍ على ضياعِ بهجةِ كل يومٍ ماضٍ، من السهلِ أن يُرى أنهُ لم يتأتى عليك أن تنتظرَ كي تحظى بامتيازِ أن تُحِبَ و أن تُحَبَّ حتى بلوغك السادسة و العشرين. أنتَ يا شاعر، يا من كتبتَ les feuilles d'automne* في جوٍ من الحبِ و ضحكِ الأطفال، و عيون لازوردية و سوداء، و خصلِ بنيةٍ و ذهبية، سعادة بكاملِ المقاييس! ليسَ لديكَ سببٌ كي تلاحظَ كيفَ أنّ يوماً واحداً من الكآبةِ و المطرِ مثل هذا، يمكنُ أن يجعلَ أكثرَ الأوراقِ خضرةً تذبلُ و تقعُ على الأرض. من أجل هذا لا تستطيعُ أن تعرفَ كيفَ يمكنُ لأربعٍ و عشرينَ ساعةٍ منزوعةِ البهجة أن تهمّش ثقةَ الشخصِ بنفسِه و أن تحطّم قوته المذخورة للمستقبل. من الواضحِ أنكَ لا تفعلُ، إذ أنكَ تتساءلُ حينما أبكي؛ تكادُ تنزعجُ بسببِ حزني. لذلك، هل ترى أنكَ لا تلاحظُ مقدار التضحية التي أبذلها لك. بالتأكيد لدي كل الحقِ كي أندم على حبي لك بهذا الشكل الجارف، عندما أرى حبي غير مطلوبٍ و غيرِ مرحبٍ به؟ أوه، نعم، أنا أحبك، إنها حقيقة! أحبكَ رغماً عني، رغماً عنك، رغما عن كل هذا العالم، رغماً عن الإله، رغماً عن حتى الشيطان الذي يحاول أن يُدخل نفسه بالأمر.

أحبك، أحبك، أحبك، سعيدةً أو غيرَ سعيدة، فرحةً أو ترِحة.أحبك! افعل بي ما تشاء، رغمَ ذلك سأحبك.

01:50 am ، الأثنين، 1833

*أوراقُ الخريف: من أوائل دواوين فيكتور هوغو الشعرية

الثانية صباحاً، 1833

يا فيكتور الخاص بي:
أحبكَ صدقاً، و لا أعرفُ، و لا يمكنُ أن أتخيلَ، شخصاً أكثرَ استحقاقاً لهذه العبادة منك. أتطلعُ إليكَ كصديقٍ مخلصٍ و صادق، كالأكثر نبلاً و استحقاقاً للتقديرِ بين الرجال.

يؤلمني أن أحسّ بأنَّ حياتي الماضية تأبي إلا أن تكونَ عائقاً بيني و بين ثقتِك. قبلَ أن أهتمَّ بك، لم أكن أشعرُ بأي خجلٍ منها، لم أقم بأي محاولةٍ كي أخفيها أو أغيّرها؛ لكن و منذ عرفتُك، هذا المسلكُ العقلي تغيّرَ تماماً. أحمرُّ خجلاً من نفسي، و أرتجفُ هلعاً من أن يعجزِ حبي عن امتلاك القوة التي تلزمهُ لمسحِ لطخاتِ الماضي. و أخافُ أكثر، عندما تشكُ بي على غير وجهِ حق.

يا فيكتور الخاصَ بي، إنهُ حبُكَ هوَ الذي سيُطهرَني، تقديرُكَ هو الذي سيجددُ كلَ ما كانَ جيداً و طاهراً فيني.
أنا أحفلُ بكَ لدرجةِ أنَّ جميعَ هذا يمكنُ أن يحدث. سوفَ أكونُ جديرةً بك، فقط ساعدني.

وداعاً. أنتَ روحي، حياتي، و ديني؛ أحبك.

جولييت

(احتفاؤك برسائلي هو أحد أفضل اثباتات الحب التي أعطيتني حتى الآن. سوفَ أبدأ الاشتغال على إعادةِ صياغتها. لا شئ حدثَ منذ تركتني بالأمس عدا أنّ حبي ازدادَ لك.)

الأثنين، الثانية إلا عشر دقائق صباحاً، 1833

لا زلتُ أقفُ بجوارِ النافذة طوالَ هذا الوقت، روحي مبسوطةٌ نحوَك، أذني مصغيةٌ لأي صوت، خائفةً دوماً من أن تخذلكَ قوتُكَ قبل نهايةِ طريقِكَ المُرهق. مضتْ نصفُ ساعةٍ منذ غادرتْ؛ كنتُ أصغي بانتباهٍ، لكن لم يصلني أي صوتٍ يشعرني أنكَ لم تملك القوة الكافية للوصول إلى بيتِك. أنا واثقةٌ أنكَ الآنَ -أثناءَ تحبيري لهذه السطور- تنعمُ بالراحةِ التي سيجلبها المرقدُ و الاستلقاءُ بعدَ عذابِك. لا أجدُ أية كلمةٍ تكفي كي أعبرَ لك عن مدى ندمي، حزني، و يأسي، لما حدثَ الليلة. لا أعفيكَ تماماً من الذنب، و لكني أسألكَ أن تصفحَ عن نفسِكَ و عني. سامحني أن سلمتُ نفسي لك بعدَ ما جرى بيننا. كان يتوجبُ عليّ أن أرى ما سيحدثُ و ما حدث. يعلمُ الله، لقد قاومتُ طوال ما أمكنني ذلك، و استسلمتُ فقط بعدَ أن وعدتني أن لا تتحدث عن لطخاتِ حياتي السابقة طالما بقيت علاقتي معكَ أمينةً و نقية.
الشهورُ السبعةُ الأخيرة من حياتي كانت أمينةً و نقية! و مع ذلك، هل حافظتَ على وعدِك؟ لو كنتُ أنا الوحيدةُ التي ستعاني لتعزيتُ، و لكنكَ أيضاً، تبلغُ من اللاسعادةِ ما أبلغه، أنتَ خَجِلٌ من الإهاناتِ التي تقذفها فوقي كخجلي لسماعِها.

الآنَ وقد استبنتُ الثألولَ الذي يقع في جذرِ وضعنا، إنه دوري كي أوقفَ تقدمَ الشرِ باستئصالِ روحي و حياتي كي أحفظ ما يمكن إنقاذه منكَ و مني.

اسمع يا فيكتور، أتوسلُ إليكَ أن لا ترفضَ مساعدتي في تنفيذِ الخطةِ الضرورية لشرفِ كلٍ منا.

لو أنَّ أيّ شئ كان بمقدورهِ أن يعطيكَ الشجاعةَ لكان ذلك هو علمكَ بإخلاصي لك طوال هذه الشهور السبعة. آه، صدقاً، لم أخدعْكَ يوماً! صدقاً! صدقاً! و مع ذلك، في غضونِ هذه الشهور السبعة نفسِها، كم مرةً حصلتْ مشاهدُ مروّعة كمثل ما حصلَ الليلة!

بالتأكيد، يمكنك أن ترى أنه لم يعد بإمكاننا أن نتردد. سوف أرحلُ مع أول قاطرة. صحةُ طفلتي الصغيرة تصلحُ أن تُستخدم كمبرر. عندما أصبحُ معَها، سوف يمكنني أن أتأملَ وضعي و أن أرى ماذا يتوجب عليّ أن أفعلهُ كي أجعلهُ محتملاً. لو تَوَجبَ عليّ تركُ المسرح، سوف يغطي الأثاثُ ديوني مع جوردين، و لو كنتَ غير مستعدٍ لأن تحفلَ، أستطيعُ أن أكلّفَ أيّ رجلَ أعمالٍ كي يبيع الأثاث، حتى أغطي فاتورتي مع جوردين، تلك الوحيدة التي جعلتكَ مسؤولاً عنها.
يجبُ أن أرحل إلى الخارج. هكذا أنا، لا زلتُ قادرةً على تحصيل لقمة عيشي، و هو كل ما يلزمني.

و لكن كل هذه مسائل جانبية. المهمُ هو أن أبدأَ حالاً قدر الإمكان،
اليومَ حتى، كي أحمينا من نفسينا.

قبلَ أن أذهب، آملُ أن أراكَ لمرة أخيرة، إلا لو ساءتْ حالتُك، و هي فكرةٌ مهلعة، خصوصاً عندما أتذكر أنني سبب ذلك.
و لكن، سواء أرأيتكَ أم لم أرك، سواءَ أكنتَ ضحيةَ غضبي أم لا، أتركُ معكَ كل حبي و كل سعادتي. لن أحتفظ حتى بالأمل؛ أتركُ روحي في رعايتِك، أفكاري، و حياتي. لن آخذَ معي سوى جسدي الذي لا تملك سبباً للحسرةِ عليه.

جولييت

صباح السبت، 1834

إلى مونسيور فيكتور هوغو.

في المدينة:
إنها الواحدة إلا ربعاً. كنتُ في أعمالِ الطباعة رقمي 16 و 19؛ لم يركَ أحدٌ هناك. ذهبتُ إلى بيتِك؛ لم ترجع إليه. كتبتُ لكَ سطراً، انتظرتك ... في الأخير، عدتُ إلى شقتي أملاً أن أعثرَ عليكَ فيها؛ و لكنكَ لم تكن هنا. أشكركَ على معاملتي ككلبٍ ضال. لقد أخبرتني أنكَ ذاهبٌ إلى أعمالِ الطباعة، أنكَ ربما تعودُ إلى منزلِك، أنكَ بالتأكيد سوفَ تذهبُ إلى شقتي...

لقد نسيتَ وعودَكَ مرةً واحدة، و يظهرُ أنكَ تعدُ حبي رخيصاً جداً.
لو كان باستطاعتِك -رغمَ عدمِ مبالاتِك- أن تراني في خيالِك، كما أجلسُ الآن و أنا أكتب لك، لأصبتَ بالذعرِ بسبب الحالةِ التي أوصلني إليها ظلمُكَ و احتقارُك.

من الواضحِ أنكَ لم تعدْ تحبني، و أنكَ فقط مربوطٌ بي بسبب خوفكَ من أن تسبب لي جرحاً عظيماً لو هجرتني. إنهُ لمن المحزنِ فعلاً أن تكونَ هذه العاطفة الوحيدة التي تربطكَ بي، و أنا غير مستعدةٍ لأن أقبل بمثل هذه العلاقة الجوفاء و المُزرية. أنني أهبكَ حريتك، أعيدها لك. منذ هذه اللحظة، ليس عليكَ أي مسؤولية تجاهي. رغمَ أن قلبي مكسور، رغمَ أن روحي لا زالت أكثر امتلاءً بحبٍ بالكادِ تحتويه، رغمَ أن عيوني -وأنا أكتبُ- تمتلئُ بدمعٍ مر. يجبُ أن أبقى ممتلكةً للشجاعة اللازمة كي أحتملَ حياتي عندما تكون خاليةً من السعادةِ و الضحكة.

كنتَ قاسياً جداً بحقي. اسامِحُك. سامحْ أيضاً موجاتِ غضبي. أنا خَجِلةٌ منها، و مسكينة للغاية. أقسمُ لكَ بذاكَ الذي اعتبرهُ أقدسَ الأقداسِ في حياتي -طفلتي تحديداً- أنني غيرُ قادرةٍ على أن أشرحَ لكَ كيف يمكنُ أن أكونّ مذنبةً بالأمسِ عن شئٍ أنكرهُ بشدةِ و يظهرُ كسببٍ رئيسٍ للخلاف. أقسمُ أنني لم أرَ في حياتي هؤلاء الرجال. أنا بريئة من أي جريمة. لا أستطيعُ أن أقولَ شيئاً آخرَ. لقد سحقتني بحديثكَ ثانيةً عن حياتي الماضية، و حتى أثناء تأكيدي للحب الذي أضمرهُ لك، أثناء أملي بتسويةٍ بيننا، أرتعدُ لفكرةِ أنّ بإمكانِك أن تشكّ بي بلا حقّ. قلبي يضمرُ من حزنٍ لا زالَ مخزوناً له... قلمي يخذلني...
وداعاً! عسى أن تهنأ بطمأنينةٍ و سعادةٍ يفوقانِ القدرَ المخبوءَ لي. لا تنسى أبداً أننا لعامٍ كاملٍ كنا سعيدين بواسطة حبِنا.
مع - السلامة! لقد تلقيتُ فعلاً عقابي الكامل على جريمةِ أمسِ المُتخيلة.
وداعاً. اذكرني في أفكارِك دونَ مراراة.

جولييت

الواحدة و النصف ظهراً، السبت، 11 أبريل، 1835

لماذا كنتَ تتوهجُ ذكاءً قبلَ قليل؟ هذا يجعلني أرتجفُ فرَقاً، خصوصاً مع جولاتِك الصباحية إلى المسرح. توتو.. توتو.. أنتَ لا تعلمُ ما أنا قادرةٌ عليه، خذْ حِذرك! أنا لا أحبكَ من أجلِ لا شئ. لو خنتني بأقل قدرٍ ممكنٍ في هذا العالم سأقتلُك. و لكن لا، لنتحدث جدياً، أنا أغارُ حينما أراكَ فتّاناً هكذا. لا أشعرُ بالاطمئنانِ الذي تتمنى مني أن أشعرَه. في الحقيقة، أنا أصرُ على حضورِ هذه العروض التحضيرية لمسرحياتِك. أنا لا أختارُ أن أتركَ حبيبي العاشقَ لضميرِ من لا أعلم ما يضمر. أريدُ أن أبقيَ حبيبي لنفسي، هكذا، في وجهِ كلِ الأمة، و كل الممثلات الفرنسيات.

هذا هو قراري السياسي و الأدبي: سوفَ أضعهُ في إطارِ التنفيذِ منَ الغد.
على فكرة، هذا هو يومُ ميلادي. لم تعرفْ حتى ذلك. أو على وجهٍ أصح، أتجرأُ أن أقولَ أنكَ لا تحفلُ إن كنتُ قد وُلدتُ أم لم أولد. أهوَ صحيح، أنكَ لا تحفلُ ألبتة؟ هل هذه هي الأهمية التي تعلّقها على حبي! و رغمَ ذلك، هناكَ شئً واحدٌ أكيد: أنني خُلِقتُ و وُضِعتُ في هذا العالمِ فقط كي أحبَك، و يعلمُ اللهُ بأيّ اخلاصٍ أقومُ بتنفيذِ هذه المَهمّة.
أحبك، آه، صحيح، بالفعلِ أحبك، أحبك يا فيكتور الخاص بي!

جولييت

منتصف الليل، الخميس، 28 أبريل، 1835

ساعة بعد انتهاء "آنجلو" ] مسرحية لهوغو[

كأسي فائض. برافو! برافو!! برافو!!! برافو!!!! برافو!!!!! للمرةِ الأولى كان بمقدوري أن أصفقَ لكَ كما يحلو لي، إذ لم تكن هناكَ كي تمنعني.
شكراً، يا حبيبي! شكراً من أجلي، من أجلِ نفسي التي تزيدُ سعادتَها كلَ ثانيةٍ بوجوِدك، و شكراً من أجلِ الحضور الذين كانوا متواجدين، مُعجبين، مستمعين، و مُقدرين لك.

لقد رأيتُ و سمعتُ كلَ شئ، و سوفَ أخبركَ كلَ شئٍ من ذلك؛ لو أنَّ الهتافَ و الحماسَ و الجنونَ تُقاسُ بالوزنِ فقط، لأصبحَ حملي ثقيلاً. سوفَ أنقلُ لكَ التفاصيلَ كاملةً عن الأداءِ غداً، إذ أني لا أجرؤ أن أراكَ الليلة؛ هذا فرحٌ كثيرٌ بالنسبة لي في يومٍ واحد، و أنتَ لا تريدني أن أفقدَ صوابي و أغدو بلهاءَ من الفرح!

حتى الغدِ إذن. لو تعلمُ فقط عن مقدار الحماس الذي صفقتُ فيه لمدام دورفال، لترددتَ عن قولِ أو فعلِ أي شئٍ يمكنُ أن يضيفَ إلى الحسرةِ التي أشعرُ بها بسبب فكرةِ أنّ امرأةً أخرى غيري قد اُختيرت كي تمثلَ عواطفكَ النبيلة. ها أنا ذا، استسلمُ للحزنِ ثانيةً، لأنكَ معَ تلكَ المرأة!
تصبحْ على خيرٍ يا حبيبي. نمْ جيداً، يا شاعري، طالما لم يمنعكَ صوتُ التصفيقِ الحار من النوم. إلى زهورِ غارِكَ أضيفُ عناقاتٍ رقيقةُ و آلافاً من القُبل.

جولييت

الأربعاء، الثامنة و النصف مساءً، 1835

أنا نصفُ خائفةٍ من اتباعِ ما طلبتني إياه حرفياً في شأن الرسالة اليومية: قل لي بصراحةٍ، كيفَ لي أن أفسّرَ طلبَك حتى لا أظهِر نفسي سخيفةً لو غمرتُكَ بفيضِ رسائلَ لا تريدُها. أخبرني الحقيقةَ مرةً و للأبد، حتى أعرفَ أين أنا، و لكي أرمي نفسي بالكاملِ و دون قيود للذةِ الكتابةِ لكَ و إخبارِكَ بأني أحبكَ من كلِ قلبي، و أنكَ الوحيد الذي تشكلُ جميعَ بهجتي، جميع فرحي، و جميع مستقبلي. لو كان بإمكانِك فقط أن تجربَ ربعَ بهجتي بالقراءة، تلك البهجة التي أحسها عندما أخطُ خربشاتي، لأرسلتُ لكَ بعضاً من نثري كلَ يومٍ، لكن في كمياتٍ محدودةٍ و مُقاسة كي لا تفتَّ أو توهنَ صبرَك.
و لكي أدللَ على قواي في كبح جماحي، سوفَ أحصرُ نفسي في ستة تريليونات قبلةٍ على فمِك الجميل. بالإضافةِ إلى.. ها أنتَ هنا! أحبك.

جولييت

السابعة و خمس و أربعون دقيقة مساءً، الأثنين، الثاني من مايو، 1836

عزيزي الحبيبَ الصغير:

أنا أشعرُ بالأسفِ إذ أجدُكَ غيرَ مقتنعٍ مثلي بأحقيةِ إعطائي البورتريه الخاص بك.

أعترفُ أني أشعرُ بأكبرِ الخيباتِ عندما ألحظُ من تهربكَ اليومي أنهُ لا يمكنُ أن أصبحَ أبدأً مالكةً لتلك الصورةِ التي تشبهكَ كثيراً، و لا حتى نسخةً من الأصل. أنا حزينةُ و أشعرُ بالرفض. أعتقدُ أنكَ لا تحفلُ كفايةً بي، أنا المخلوقة المسكينة المرفوضة، أن تسديَ لي ذاك المعروفَ الذي أغدقتهُ على أخرىً تملكُ ما يكفيها لحياةٍ كاملة. لذلكَ أنا مصابةٌ بالخيبةِ بشدة. لقد عوّلتُ كثيراً على امتلاكِ البورتريه، و أخذتُ أترقبُ سعادةً غامرةً بامتلاكِه؛ تأملي ذاك كان جديراً بأن يزيد من شجاعتي و تصميمي، إنهُ لمنَ المحزنِ جداً أن أضطرَ إلى تنكرِ كل ذلكَ فجأةً و دونَ تعويض.

لو أردتُ أن أتحدثَ عن أشياءَ أخرىً الآن لما أمكنني؛ قلبي ثقيل، و عيوني تفيضُ دمعاً، أستطيعُ فقط أن أجدَ كلماتٍ مريرةً للتعبيرِ عن حبي المجروح.

أحبكَ اليومَ أكثرَ من أيِّ يومٍ سبق، و معَ ذلك لستُ سعيدة.

جولييت

العاشرة صباحاً، الجمعة، الأول من نوفمبر، 1839

صباحُ الخيرِ، يا عزيزي الصغيرَ الحبيب، يا رجلي الصغيرَ الغالي. قلتَ لي بكل تأكيدٍ بالأمسِ أنَّ خطي كان بشعاً، أنّ ما أكتبهُ لا يعدو أن يكونَ مجردَ متاهاتٍ مروّعةٍ تفقدُ فيها صبرَكَ و حبَّك، إلى درجةِ أنني اليومَ بالكادِ أتجرأ أن أكتبَ لك، و لن يأخذَ الأمرُ إلا قلياً حتى يجعلي أتوقفُ عن مراسلاتِنا نهائياً. يجبُ أن نتناقشَ عن هذا الموضوع، إذ أنها وحشيةٌ منكَ حينَ تجبرني على أن أغدوَ مضحكةً و بلهاءَ صباحَ مساء، لا لشئٍ إلا لأني أحبُكَ و لأني الأكثرُ حزناً و وحدةً بين النساء. لو كان واجباً إغراقُ حبي في لجةِ جهلي و غبائي، على الأقل لا تجبرني على أن أقومَ بالقفزةِ بنفسي. كان هناكَ وقتٌ مضى، عندما لم تكن تستطيعُ أن تلاحظَ فيه قبحَ خطي؛ كنتَ حينها تقرأُ فقط معنايَ و تغدو سعيداً و شاكراً. الآنَ صرتَ تضحك، و هو شئٌ رخيصٌ و شريرٌ منك. يبدو أنّ هذا هو قدرُ جميع كوازيمودوات* العالم، أخلاقياً و شكلياً؛ أن يُكشّرُ في وجوههِم، إذ أنّ الشكلَ هو كلُ شئ، و الروحُ لا شئ. حتى لو أنا استطعتُ أن أكبحَ خطي الأعوجَ لأقول: "روحي جميلة،" لن تُصابَ بأي نوعٍ من دهشة. لذلك، يا رجلي الصغير الحبيب، في انتظارِ اللحظةِ التي أستطيعُ فيها أن أنضمَ لأشارككَ الضحكَ على نفسي، أعتقدُ أنهُ من الأفضلِ أن نعلّق هذه المراسلاتِ المُرهقة. كما أنهُ قد أتتْ اللحظةُ التي يتوجبُ عليّ فيها أن أسخّرَ وقتي و جهدي في صنعِ وضعٍ آمنٍ لي. لا شئَ في هذا العالمِ يستطيعُ أن يشتتني عن هذا الهدف، إذ أنهُ لي مسألة حياةٍ أو موت، و اللهُ يعلمُ أنني طوالَ كلِ هذه السنواتِ السبع لم أفشلْ في إخبارِك الشئ نفسه كلما سنحتْ الفرصة. أنا أعتمدُ عليكَ لتساعدَني، يا حبيبي. أنا أسألُكَ أكثرَ من الحياةِ نفسِها- أسألكَ تعميدَ زواجِ العشقِ معنوياً. دعني أذهبُ معكَ حيثما سعادتي مهددة؛ دعني أصبحُ زوجةَ عقلِكَ و قلبِكَ إن لم يمكني أن أغدوَ زوجتكَ في القانون. لو عبرتُ عن نفسي بشكلٍ سئ، لا تتضجر، لكن افهمْ أنني أملكُ حقاً لأن اضعَ ككلماتٍ ما شعرتَ أنتَ بهِ بنفسِك، و أنني أصرُ على حمايةِ نفسي ضدَ كل النساءِ اللواتي يحاولنَ الوصولَ إليكَ بحجةِ خدمتِك. سوفَ أحصلُ على دوري، إذ أني أحبُكَ و أشعرُ بالغيرة.

ج

* كوازيمودو: بطل رواية أحدب نوتردام القبيح الشكل، الجميل الروح

الخامسة و النصف مساءً، الثالث من يونيو، 1841

بعد انتخاب فيكتور هوغو كقنصل للأكاديمية الفرنسية

من أينَ يجبُ أن أبدأَ يا حبي؟ أأبدأُ من قدميك الإلهيتين، أم من حاجبكَ الكوني؟ ما الذي أعبرُ عنهُ أولاً؟ أتبجيلي أم افتتاني اللذين يفيضان من قلبي كعبقريتِك الهائلة التي فاقت تلك المخلوقات المنافقة التي استمعتْ إليك دونَ أن تفهمَ شيئاً، و حدقت بكَ دونَ أن تخرَّ على ركبِها خضوعا! آه، دعني اخلطُ هاتين العاطفتين اللتين ابهرتا عقلي و احرقتا قلبي. أنا أحبُك! أبجلُك! أعشقُك! أنتَ رائعٌ بحق، نبيل، و هائل، يا شاعري، يا معشوقي، نورَ عيني، نارَ قلبي، حياةَ حياتي! يا معشوقي الحبيبَ المسكين؛ عندما رأيتُكَ تدخُل، شاحباً جداً و مرتعشاً، أحسستُ أنني سيُغمى عليّ، لولا مساعدةُ مدام ديموسي و مدام بيركي لسقطتُ على الأرض. لحسنِ الحظِ لم يلحظْ أحدٌ عاطفتي، و عندما تمالكتُ نفسي و رأيتُ ابتسامتَكَ الحلوةَ التي تجيبُ ابتسامتي و تشجعني، شعرتُ كما لو أنني استيقظُ من حلمٍ طويلٍ مؤلم، رغمَ أنّ ثانيةً فقط مرت.

شكراً، يا واحدي الغالي، على تفكيرِكَ بهذه المرأةِ المسكينة التي تحبُك، في تلكَ اللحظةِ المهمة- كانَ يتوجبُ عليّ أن أقولَ تلكَ اللحظةَ العلوية، لو أنّ الجموعَ لم تكنْ مكونةً على الأغلبِ من رؤوسِ صفيحٍ و جبناءَ حاقدين.

شكراً لك، يا ملاكي الطيب، يا هوغو الذي لي، هوغو العظيم، يا طفلي المُبجل. رأيتُ جميعَ أفرادِ عائلتِك الغالية؛ ديدين الحلوة، و تشارلوت الجذّاب، و توتو الصغير العزيز الذي بدا شاحباً و رقيقاً. قبلتهمْ جميعأً في روحي، كما فعلتُ مع والدِهم المقدّس.
أحبك.

جولييت

الثانية و النصف ظهراً، الخميس، الثامن من يوليو، 1841

بينما أنتَ تحتفلُ بالأكاديمية، أنا أبكي و أتألمُ في البيت. كان الأحرى بكَ أن تجنبني هذا الألمَ بدعوتي لحضور الحفل، و إلا أن تبقى أنتَ بعيداً أيضاً. يجبُ أن أحذرَكَ، توتو، هذا النوعُ من التضحيةِ و العذاب لا يُطاق، و لو حصلَ مرةً أخرى، لا أعلمُ ماذا سأفعلُ عدا أن استسلمَ لهُ كما الآن.

نحنُ لا نعيشُ في الشرق، و أنتَ لم تشتريني، حمداً لله! أنا حرةٌ في اطّراحِ هذه المجرياتِ التي ليستْ عادلةً و لا راحمةً و لا مُحبة. أنا أقسمُ بكلِ ما أعدهُ مقدساً في هذا العالمِ، حبي تحديداً، أنني لن أخضعَ مرةً ثالثةً و اُستبعدَ بهذا الشكل. لو علمتَ كم أنا غاضبةٌ و بائسة في لحظةِ الكتابةِ هذه، لما تجرأتَ على أن تلحقَ بي هذا النوعُ من الامتحانِ لمرةٍ ثالثة. على كلِ حال، أتمنى أن تجعلَ رسالتي هذه اعلاناً مؤكداً عن ما أنا قادرةُ عليه لو كنتَ من القساوةِ بمكان بحيثُ تستمرُ في معاملتِك الحاليةِ لي. و أثناء ذلك، سأعملُ جهدي على تجنبِ أخذِ أي خطوةٍ قاتلة، و لكني أحذرُكَ أنني لم أعدْ قادرةً أكثر على التحكمِ بنفسي.

جولييت

الواحدة فجراً

الجحيمُ في قلبي ظهراً، و الجنةُ فيه منتصفَ الليل، يا توتو الحبيب. أنا أحبُكَ و أثقُ بكَ بدونِ قيود.

التاسعة صباحاً، الجمعة، الثالث من ديسمبر، 1852

جيرنسي، بريطانيا

صباحُ الخير يا حياتي، يا روحي، فرحي، و سعادتي.
عزيزي المفتونة به، منذُ الأمسِ و حتى الرابع عشر من هذا الشهر، لا توجدُ لحظةٌ تمرُ دونَ أن تذكرني بالأخطارِ التي كنتَ معرّضاً لها قبل عامٍ فائت، الأهوالِ و الرعبِ الهائل اللذينِ تحملتهُما خلالَ تلك الأيام العشرة الفظيعة. قبل عام، في هذه الساعة تماماً في الصباح، كنتَ واقفاً في ساحة القديس أنطوان في فابورغ، متحدياً و موقفاً زحفَ حشودٍ ثائرةٍ فقدت كل ما تملكه من صوابٍ و تحكم. أستطيعُ أن أراكَ الآنَ، يا حبيبي المسكين، صائحاً بالجنودِ كي يذكروا واجبَهم و كرامتَهم، مهدداً الجنرالات، ملوحاً لهم بواسطةِ غضبِك. كنتَ مُرعباً و عظيماً. كانَ من الممكنِ أن تصبحَ عبقريَ فرنسا الذي يشهدُ بحسرةٍ و يأسٍ شديد المرارةِ تنفيذَ الجريمةِ الأكثر جُبناً و خزياً. لقد كانت معجزةً إلهيةً أنكَ نجوتَ حياً من ذاك المكان الذي أخذ يسترجعُ صدى صيحتِك البطولية. عندما أتذكرُ كلَ ذلك، أشعرُ دائماً بالخوفِ و الانبهار.

جولييت

الثامنة صباحاً، السبت، السابع و العشرين من نوفمبر، 1852
جيرنسي، بريطانيا

جماعة من الممثلين الجوالة يصرون على تمثيل مسرحية "آنجلو" أمام هوغو

صباحُ الخير، يا عزيزي المسكين، المجلودَ، المُمزق. كم أشفقتُ عليكَ بالأمسِ أثناءَ المذبحةَ التي امتدت طويلاً لرائعتكَ آنجلو، و التي رغمَ ذلك، خرجتْ بعدَ ذاك البلاء بشكلٍ أحسن و مجدٍ أكبر. بالنسبةِ لي، يا كنزي، لا أملكُ إلا أن أقدّرَ و أحسدَ قدرتكَ البطولية على التحملِ في وجهِ ذاكَ الانتهاكِ المروّع. كانَ بالكادِ بإمكاني الجلوس، متحسسةً و ضائقة و أنا أرى غرابات هؤلاء الجوالين المساكين. رغمَ ذلك، تعلمُ السماءُ بمقدارِ كدحِ المساكين و نَصَبِهم كي تخرجَ بالأخير بهذا الشكل المضحك. المرءُ لا يمكنهُ أن يغضبَ عليهم، و لكن من المستحيلِ أيضاً أن أتذكرهم فرداً فرداً دونَ أن أغرقَ بالضحكِ حتى تسيلُ الدموعُ على خدّي. هذا هو ما كنتُ أفعلهُ إلى الآن، منذ خرجتُ من ذاك المسرحِ الصغيرر المروّع، إذ أني لم أنم كفايةً. أفكاري كانت مشغولة بك، يا عزيزي الغالي؛ كنتُ أراكَ ثانيةً في خيالي: وسيماً، شاباً، منتصراً، كما كنتَ في أول عرضٍ لآنجلو. أحسُ بكلِ حنانِ وحبِ تلك الأيام الخالية يرجعُ ثانية إلى قلبي.

جولييت

الثامنة صباحاً، الأربعاء، الأول من يناير،
1868
جيرنسي

أشكركَ، أيُها الأعزّ، لإشراكي في صلواتِك عندما تبتهلُ إلى الله أن لا يفرّقنا لا في الحياةِ و لا في الموت. هذا ما أصلي له، طوالَ اليوم؛ إنهُ طموحُ قلبي و إيمانُ روحي. أنا لستُ امرأةً صالحة، يا حبيي العظيم، أنا فقط امرأةٌ تُحبكَ و تقدّركَ و تقدسك. أن أعيشَ بجانبِك هو الجنة؛ أن أموتَ معَكَ هو تعميدُ حبِنا للأبدية. أريدُ أن أحيا و أن أموتَ معَك. عسى اللهُ أن يستجيبَ صلواتِنا المشتركة!
أحسُ مثلَكَ، يا حبيبي، أنّ هاتين الروحين تخفقانِ فوقَنا و تتأكدانِ من سلامتنا و تباركانا. أنا أربطهما بكل أفكاري و أتراحي و أفراحي، و أضعُ صلواتي تحتَ حمايتِهما، عسى أن يوصلانها تحتَ عرشِ الرحمنِ الأبيض مباشرة. أنا أباركهما كما يباركاني، بكلِ ما هوَ مقدّسٌ و سامٍ و مباركٌ في روحي. أنا أتوقفُ تقريباً عندَ كلِ سطرٍ من هذه الرسالة، كي أقرأ صلاتَكَ المحبوبةَ مرةً ثانية، رغمَ أني أحفظها عن ظهرِ قلب. أنا أقبلُها، أحادثُها، أستمعُ إليها، و من ثمّ أبدأ من جديدٍ ثانية. أحبُك.

ج.

الثامنة صباحاً، الجمعة، الثامن و العشرون من أغسطس، 1868
بروسل
مدام فيكتور هوغو ماتتْ

لقد وَكِلتُ نومَكَ ليلةَ البارحة و وضعتهُ تحتَ حمايةِ غاليتِك أيها الحبيب، و رجوتُها أن تزيلَ من أحلامِكَ كلَ الذكرياتِ الأليمةِ للأيامِ الحزينةِ التي مضت. أرجو أنها سمعتني، و أنكَ نمتَ جيداً. منذُ الآن، إليها، إلى هذه الشاهدةِ الرقيقةِ و المُباركة على حياتِك في هذا العالم، أوجهُ ابتهالي من أجلِ الاطمئنانِ و السعادةِ اللذين تحتاجهما كي تتمَّ مهمتكَ الانسانية التي نذرتَ لها نفسَك. عسى اللهُ أن يباركَها و يباركَك، كما أدعو لها و أدعو لك.
كلما فكرتُ بمشوارِ الليلةِ الأليم أكثر، كلما ازددتُ قناعةً أنهُ من الأحرى بي أن لا أشاركَ به. شعورُ الامتنانِ الذي أحملهُ في قلبي لتلكَ الامرأة الكريمةَ يجبُ أن لا يُعرّى تحتَ أنظارِ أناسٍ غير مبالين و منتقدين. يجبُ أن نتمَّ هذه التضحيةَ الأخيرة في وجهِ الشرِ الانساني كي نملكَ الحقَّ لكي نحبَ بعضنا بكل وضوحٍ في حياتنا التالية؛ ألا توافقني أيها الحبيب؟ بعدَ ذلك، عسى أبداً أن لا يحولَ شئٌ بيننا، لا هنا، و لا بالأعالي- هذه هي رغبتي الحارة!

ج.

فيكتورالأثنين، الأول من يناير،

1883

يا عزيزي الأثير المُحبب، لا أدري أينَ سأكونُ السنةَ المُقبلة، و لكني فخورةٌ و سعيدة بأن أوقّعَ شهادةَ حياتي لعام 1883 بهذه الكلمة: أُحبُك

جولييت*

*آخر رسالة عُثرَ عليها في أوراق جولييت دراوت بعدَ موتِها

Sep 30 / 08