جدة: أحمد ردة

القصيبي وإلى يمينه الغفيص يقدمان طلبا لأحد الزبائن بمشاركة بائعين سعوديين في أحد المطاعم

كشف محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتور علي بن ناصر الغفيص عن بعض السجايا والسمات الإدارية وسعة الأفق التي لمسها في الدكتور غازي القصيبي.

وأوضح الغفيص في تصريح إلى "الوطن" أن القصيبي كان حريصا على بناء الشراكات الاستراتيجية وتوسيعها مع القطاع الخاص والتي أثمرت العديد من الاتفاقيات مع كبريات الشركات الوطنية والعالمية في المملكة الأمر الذي مكن من تدريب وتوظيف آلاف من الشباب من الجنسين والعمل على دعم نموهم الوظيفي والمهني في تلك الشركات.

وأضاف الغفيص "كان الفقيد يحرص على حضور مثل تلك الاتفاقيات ويتأكد دائما بل ويطالب بضمانات وظيفية إضافية للمتدربين ويزداد حرصه أيضا على حضور حفلات تخرجهم ليقف عن كثب على طبيعة أعمالهم بل ويشاركهم عملهم فتارة نجده يشارك "نادل" المطعم السعودي عمله معتمرا قبعة الشيف الشهيرة وتارة يمارس عمل بائعي التجزئة فيشاركهم وزن "الجبن" و"الزيتون" وخدمة الزبائن إيمانا منه بشرف المهنة فقد كان يردد دائما مقولته الشهيرة :أنا فخور بأن أرتدي رداء العمل الشريف، فخور بأن أكون مع الشباب الشرفاء في عمل شريف لخدمة وطن نبيل.. يجب أن نكف عن الإشارة إلى أن هناك مهنا دونية ومهنا غير دونية".
وبين الغفيص أن الدكتور القصيبي أمضى في إحدى جولاته 3 ساعات في خدمة زبائن مطعم للوجبات السريعة بمدينة جدة، وذلك خلال رعايته ليوم الضيافة السعودي الأول عام 2008 وأعلن القصيبي تحديد يوم 22 يونيو من كل عام "يوما للضيافة السعودي"، حيث تبنى فكرته التي يقوم صاحب العمل خلاله بخدمة الزبائن من خلال المنشأة التي يمتلكها مرتديا زي العاملين بها.

وأضاف الغفيص "وفي جولة أخرى منح القصيبي نفسه منصب "مضيف فخري"، مشددا على شرف هذه الوظيفة وقيمتها بقوله: إن البداية دائما تكون متعبة وصعبة، ولكن بالمثابرة والاجتهاد والطموح ستتحقق للشباب أهدافهم، مثيرا تصفيق الحضور وهو يقبل رأس شاب سعودي يعمل مقدم طعام بمطعم في جدة، وهنأه على مثابرته وشجعه على هذا العمل".
وأضاف الغفيص "والعبرة تغالبه" لا أنسى ذلك اليوم حين أعرب الفقيد لنا ولخريجي إحدى دورات التدريب المشترك مع القطاع الخاص عن اعتزازه بارتداء زي النادل وقال "إنه رداء لا يستحقه إلا من سعى لدراسته، وأنا أعتبره نوعا من الدكتوراه الفخرية".

إلى ذلك وصف مدير توظيف السعوديين بمكتب العمل بجدة محمد إبراهيم جلال الفقيد القصيبي برائد "السعودة" وأحد قادتها ومحاربيها الأشاوس، مشيرا إلى أنه لا أحد ينكر الدور الكبير والبارز الذي قام به الفقيد تجاه الرفع من نسبة عدد الملتحقين السعوديين بوظائف القطاع الخاص.
وأضاف جلال :أن القصيبي كان محاربا غيورا على أبناء بلده في سبيل الحصول على مصادر الرزق، فهو حارب بكل ما يملك من أسلحة في سبيل ذلك الهدف وهو القضاء على البطالة مستخدما قوة النظام القانونية التي يمتلكها كوزير تارة وبوجاهته وشهرته ومكانته المجتمعية تارة أخرى، فقد كان يلجأ إلى "المناشدات" الحبية عندما لا تسعفه قوة النظام تجاه أصحاب الأعمال فكان لها الأثر الأكبر في نفوسهم لفتح مجالات مختلفة أمام الشباب السعودي للعمل.

واختتم جلال أنه بوفاته رحمه الله خسر منسوبو وزارة العمل زميلا وقائدا إداريا محنكا امتلك خبرته الواسعة وفلسفته في الإدارة من واقع المهام المختلفة التي أوكلت إليه من قادة بلادنا عن قناعة بأنه الرجل المناسب دائما.

2010-08-16

* * *

مواطن غاضب يطالب القصيبي بترك الشعر والاهتمام بالعمل فيجيبه : شكراً .. وصلت الرسالة!

الرياض- محمدالغنيم

القصيبي

يعد د.غازي القصيبي رجلا استثنائيا بحق وهو من أوائل الوزراء الذين يحرصون على النزول للميدان بأنفسهم لمتابعة أمور الجهات التي أشرف عليها إما بشخصيته العادية أو يضطر أحياناً للتخفي على هيئة مراجع ليكتشف بنفسه مكامن الخلل والقصور في العمل.

ويرى كثيرون أن الفقيد كان يتعب ويحرج من يتولى العمل من بعده في أي جهة تقلد زمام المسئولية فيها حيث يصعب القيام بحجم ماكان يقوم به من جهد ومتابعة وإصلاح في تلك الجهات إذ كان مثالاً يحتذى به ويجمع كثيرون أنه كان رمزاً للتفاني والإخلاص في العمل على الرغم من الصعوبات العديدة التي واجهته خلال عمله في تلك الجهات آنذاك ، ويؤكد من تعامل مع القصيبي أنه كان لايعرف المحسوبيات في العمل وكان يسبق مسئولي الوزارات التي عمل بها في النزول للميدان والتقاء المراجعين ومتابعة إنجاز المشاريع بنفسه . ومن المواقف الطريفة التي تعكس جانباً من اهتمامه بالعمل ماحدث إبان عمله وزيرا للكهرباء والصناعة عندما انقطعت الكهرباء عن أحد أحياء الرياض، فقام د. القصيبي بالذهاب إلى مقر الشركة لتلقي الشكاوى الهاتفية من المواطنين مع موظفي السنترال كماهي عادته وأثناء تلقيه للاتصالات على سنترال الشركة، تلقى اتصالاً من مواطن غاضب قائلا: "قل لوزيركم الشاعر لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء عن الرياض"، فقال د. القصيبي بكل بساطة:( شكرا.. وصلت الرسالة!) فقال: ماذا تعني؟ فرد د.القصيبي قائلاً: أنا الوزير ! فقال المتصل: أحلف بالله! فقال : والله. ثم كانت هناك لحظة صمت واستغراب من المتصل قبل أن تهوي السماعة".

غازي القصيبي

غازي القصيبي

غازي القصيبي

* * *

أستاذ تتلمذ على يديه الدبلوماسيون.. ورجل بمجموعة رجال..السفير القحطاني ينعى الدكتور غازي القصيبي

طه حسين:
نعى السفير السعودي بالدوحة سعادة السيد أحمد بن علي القحطاني، الدكتور غازي القصيبي، مؤكداً أننا إذ ننعي القصيبي فإننا ننعي أستاذاً ومثقفاً ودبلوماسياً وفارساً في العلم العام، ورجلاً كان مجموعة رجال، وهو من رجالات الدولة الذين خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاص، وتقلّد عدة مناصب كان آخرها وزيراً للعمل بالمملكة.

وقال القحطاني: إنه "فضلا عن شخصية الدكتور غازي القصيبي العامة، فقد كان يمثل لي رمزاً كبيراً حيث تتلمذتُ على يديه، ودرس لي العلاقات الدولية، وكانت تربطني به علاقات خلقتها مجالات العمل واكتست بعداً اجتماعياً يصعب وصفه، فقد كان متميزاً في كل شيء، وكان له حضور في كافة المناسبات، وكان حريصاً على العلاقات الاجتماعية مع من يعرفهم: يودهم ويرسل برقياته الراقية بأسلوبه الرائع العميق."
ونوه السفير القحطاني بمسيرة الدكتور القصيبي العلمية والدبلوماسية، حيث عمل محاضراً في كلية التجارة بجامعة الرياض، جامعة الملك سعود حالياً من عام 1965م إلى عام 1970م ثم أستاذاً مساعداً رئيساً لقسم العلوم السياسية بالكلية لمدة عام، ثم عميداً للكلية من عام 1971م‌ 1973م، وعين في عام 1974 مديراً عاماً للسكة الحديد إلى عام 1975م عندما عين وزيراً للصناعة والكهرباء، وفي عام 1982م عين وزيراً للصحة بالنيابة، ومن ثم وزيراً للصحة عام 1983م، وبعدها عين سفيراً للمملكة لدى البحرين حتى عام 1992م حيث عين سفيراً للمملكة لدى بريطانيا، وصدر أمر ملكي كريم بتعيينه وزيرا للمياه عام 2002م، وفي عام 2004م صدر أمر ملكي كريم بتعيينه وزيراً للعمل.

وبرز نشاط الدكتور غازي القصيبي في الشعر والأدب فكان مبدعاً له عدة دواوين شعر بالعربية والانجليزية، وكتب بالعربية، وكتاب مقالات بالانجليزية، ومجموعة مقالات ومحاضرات في الأدب والسياسة والإدارة والقانون.

وللراحل نحو 20 كتاباً ورواية، فضلاً عن كم كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها. ومن أشهر رواياته "شقة الحرية"، وتحكي قصة مجموعة من الشبان المختلفي التوجهات والأفكار يسكنون معاً في القاهرة أثناء دراستهم الجامعية هناك، لتفصل الرواية حالة التيارات الفكرية لدى الشباب العرب في الفترة الملتهبة من التاريخ العربي 1948 — 1967. وهذه القصة مستوحاة من التجربة الذاتية للكاتب نفسه أثناء فترة دراسته للقانون في جامعة القاهرة، وصفها بأنها فترة غنية جداً.

ومن أبرز الأعمال الأخرى للقصيبي "العصفورية"، "سبعة"، "هما"، "سعادة السفير"، "سلمى"، "أبو شلاخ البرمائي" ومن مؤلفاته في الشعر "صوت من الخليج"، "الأشج"، "اللون عن الأوراد"، "أشعار من جزائر اللؤلؤ"، "سحيم"، و"للشهداء".. رحمه الله.. وأسكنه فسيح جناته.

2010-08-16

* * *

وفاة غازي القصيبي.. المبدع والسياسي خسارة كبيرة للثقافة العربية

الرياض - د ب أ:

غازي القصيبيتوفي وزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي صباح امس الأحد عن عمر (70 عاما)، بعد معاناة طويلة مع المرض.
والدكتور القصيبي، علاوة على مهامه الرسمية وزيرا للعمل السعودي، هو أديب وقاص وشاعر وله منشورات عديدة.
وقضى القصيبي أيامه الأخيرة في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض قبل أن توافيه المنية إثر تدهور حالته خلال اليومين الماضيين.
وعانى الوزير غازي القصيبي المرض وسافر للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية وعاد مؤخرا ومكث فترة في البحرين في قصره إلا انه عاد إلى المملكة وتدهورت حالته وادخل مؤخرا مستشفى الملك فيصل التخصصي.
وكان من المقرر خروج القصيبي قبل شهر رمضان والعودة الى منزله ولكن الفريق الطبي أجل ذلك لمتابعة حالته الصحية عن قرب، وأبقى الفريق الطبي على قرار منع الزيارة عن القصيبي خلال الأيام الماضية.
وتقلد القصيبي مناصب حكومية عديدة، منها وزارة الصحة والمياه والكهرباء والعمل، إضافة إلى عمله سفيرا للمملكة العربية السعودية في عدد من الدول.
وكان وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة قد قال نهاية الشهر الماضي إنه أصدر توجيها بإتاحة جميع مؤلفات وزير العمل السعودي الأديب الدكتور غازي القصيبي، موضحا أن القصيبي صاحب إسهامات كبيرة في
خدمة الوطن وليس من اللائق ألا يتوافر نتاجه الفكري في المكتبات السعودية.
يشار إلى أن الكثير من كتب القصيبي لم تتم إجازتها من قبل رقابة المطبوعات لدخول السعودية، فيما عرف عنه تندره بذلك وترديده الدائم أن المنع يخدم العمل الأدبي ويزيد شهرته.
ولغازي نحو 20 كتابا ورواية، فضلا عن كم كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها.
ومن مؤلفات الدكتور غازي القصيبي في الشعر: "صوت من الخليج"، "الأشج"، "اللون عن الأوراد"، "أشعار من جزائر اللؤلؤ"، "سحيم"، و"للشهداء"، وفي الرواية: "شقة الحرية"، "العصفورية"، "سبعة"، "هما"، "سعادة السفير"، "دنسكو"، "سلمى"، "أبو شلاخ البرمائي"، "الجنية".
وفي الفكر: "التنمية"، "الأسئلة الكبرى"، "الغزو الثقافي"، "أمريكا والسعودية"، "ثورة في السنة النبوية"، "حياة في الإدارة".
ورغم أن كثيرا من كتب القصيبي أحدثت ضجة أوقات صدورها فإن الروايات هي التي حظيت بالنصيب الأكبر من الضجيج والمنع.
وكانت أولى رواياته "شقة الحرية" التي صدرت عام 1994، وتحكي واقع الشباب العربي خلال الفترة (1948 - 1967)، حيث يعيش أبطال الرواية في شقة في مدينة القاهرة، وسط أجواء فكرية وسياسية عاصفة بتوجهات فكرية مختلفة لكل منهم وتكون لهم بطولاتهم الخاصة مع تلك الأحداث. وكانت الرواية ممنوعة في السعودية إلى وقت قريب.
وأما روايته "دنسكو" فقد كتبها بعد فشله في الفوز بمنصب مدير منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم "اليونسكو" عام 1999، وتتناول قصصا لعدة مرشحين للمنظمة من قارات مختلفة، حيث وعد القصيبي، أثناء ترشحه للمنصب بكتابة رواية إذا لم يفز، وهو الأمر الذي أوفى به.
وترسم روايته "سبعة" التي صدرت في عام 2003 صورة ساخرة للواقع العربي، ممثلة في سبع شخصيات يختلفون في أفكارهم وأعمالهم ويتشابهون في الركض خلف سيدة واحدة تعمل مقدمة لبرنامج تلفزيوني، حيث يقعون ضحية لها في نهاية المطاف.

* * *

رحلة القصيبي
المثـــــــيرة في عالم الأدب

كتب: الفضل القاضي وزهرة أزاهير

قطع الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحلة تعليمه النظامي بدءاً من الابتدائية وانتهاءً بالدكتوراه عبر أربعة بلدان مختلفة هي: البحرين.. مصر.. أمريكا.. بريطانيا، فأتاح له ذلك معايشة نماذج مختلفة من الأمم والشعوب والتعرف على أنماط متعددة من العادات والتقاليد والوقوف على ألوان متباينة من القيم والمثل.
أتقن بالاضافة إلى لغته العربية الأم: اللغة الانجليزية فأتاح له ذلك الاطلاع على قدر طيب من الانتاج الادبي والفكري لأهل هذه اللغة.. ومن دون أن تترك الترجمة أثرها عليه.. كما أتاح له ذلك الترجمة منها وإليها.
وشغف صاحبنا بالقراءة والاطلاع فضرب بسهم وافر من التراث والموروث، والمعاصر والحديث، والقديم الغابر والجديد الحاضر، ووصل البعيد بالقريب، وربط العربي بالأعجمي، فكان من مجموع هذا كله تكوينه الثقافي والفكري.
وأوتي حساً رقيقا وعاطفةً نبيلة وشعوراً حياً متقداً، ينفعل بقضايا أمته العامة وتشتغل به تجاربه الخاصة فاكسب ذلك انتاجه الفكري والأدبي ألقاً ناصعاً ووهجاً ساطعا وأضفى عليه روحاً خاصة ومذاقاً مميزاً.
ورزق براعة فذة في الحوار وتجاذب الأفكار، فتميزت أطروحاته بالاستيعاب والاستقصاء والشمول واتسمت آراؤه بالجرأة والثقة والحسم.
وكان قبل وبعد ومع هذا كله شاعراً وناثراً معا، فاختزل شعره ونثره كل هذه الروافد الفنية: من المعارف والخبرات والمواهب فجاء شعره ونثره ممثلين لقمة عطائه وفائق قدراته، وكانا معاً عشقه الدائم وحبه الخالد وأثره الباقي، ومن خلالهما أكثر من غيرهما سافر إلى أفئدة وأذهان عشاق الأدب والشعر والفكر في العالم العربي عبر مؤلفاته، بل تجاوز حدود وطنه العربي وطرق العالم الخارجي.
ومن هذا كله وأشياء أخرى تكونت الشخصية الأدبية والفكرية للدكتور غازي القصيبي، ولهذا كله استطاع القصيبي أن يحتل مكانه المرموق بين أبرز نجوم الفكر والأدب والشعر في العالم العربي.

* * *

القصيبي .. المبدع المتعدد المواهب

غيب الموت الكاتب ووزير العمل السعودي غازي القصيبي في العاصمة السعودية الرياض عن عمر (70 عاماً).
وكان "القصيبي" قد نقل إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي منذ حوالي شهر للعلاج من مضاعفات مرض السرطان.
وشغل القصيبي عدة مناصب حكومية حيث كان سفير السعودية في بريطانيا من عام 1992 حتى عام 2002 حين أبعد عن هذا المنصب بعد نشره قصيدة أشاد فيها بالانتحارية الفلسطينية آيات الأخرس التي فجرت نفسها في سوق بالقدس ما أدى إلى مقتل اثنين من الإسرائيليين.
وكان "القصيبي" قد تعرض لمشكلة مشابهة في عام 1984 حين كان وزيراً للصحة، ونقل القصيبي بعد ذلك للعمل سفيرا للسعودية في البحرين حيث عمل حتى عام .1992
وخلال توليه وزارة العمل كان من أبرز المسؤولين الذين عملوا على تطبيق سياسة منح الأولوية للسعوديين في التوظيف أو ما سمي "سعودة الوظائف".
وقاد في هذا السياق حملة لتشجيع الشباب السعودي على تقلد الوظائف الشاقة ذات الأجور المنخفضة، وفي سبيل ذلك تطوع للعمل لثلاث ساعات في أحد مطاعم الوجبات السريعة في جدة عام .2008
ولد القصيبي في عام 1940 لعائلة ثرية من التجار في الهفوف شرقي السعودية. وقد تخرج في كلية الحقوق في جامعة القاهرة في عام1961، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة جنوب كاليفورنيا والدكتوراه من جامعة لندن في عام .1970
وقد عمل في البداية مديراً للسكك الحديد في السبعينيات قبل أن يصبح وزيراً للصناعة، وينهض بقطاع الصناعات البتروكيماوية السعودية.
وتقلد القصيبي مناصب حكومية أخرى منها وزارة المياه والكهرباء إضافة إلى عمله سفيراً للمملكة العربية السعودية في عدد من الدول.
وللوزير الراحل نحو 20 كتاباً ورواية، فضلاً عن كم كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها حيث اشتهر مبدعا متعدد المواهب. ويحوز القصيبي احترام الإصلاحيين في بلده بسبب جرأته في تصوير مشاكل المجتمع السعودي.
ومن أبرز كتاباته السياسية الحملة التي شنها بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 ضد بعض الدول العربية والجماعات الإسلامية التي عارضت التحالف السعودي مع أمريكا.
ومن أشهر كتبه أيضاً "أمريكا والسعودية حملة إعلامية أم مواجهة سياسية" ويتناول فيه العلاقات السعودية الأمريكية بعد هجمات سبتمبر عام .2001

* * *

غازي عبدالرحمن القصيبي.. في سطور

ولد في عام 1359 الموافق 1940م بالاحساء وأنهى دراسته الأولية كلها في البحرين، نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وحاز ماجستير علاقات دولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، وايضا دكتوراه علاقات من جامعة لندن.
عمل محاضراً بجامعة الملك سعود (الرياض سابقاً)، ثم عميداً لكلية التجارة، ثم مديراً لسكة الحديد في الدمام، ثم صدر الأمر الملكي ليكون وزيراً للصناعة والكهرباء، ثم وزيراً للصحة، ثم سفيراً للمملكة في البحرين وفي منتصف عام 1992م عين سفيراً للمملكة في بريطانيا.

من مؤلفاته:

أشعار من جزائر اللؤلؤ - شعر - 1960م / قطرات من ظمأ - شعر - 1965م / معركة بلا راية - شعر - 1975م / أبيات غزل - شعر - 1977م / عن هذا وذاك - مقالات - 1976م / قصائد مختارة - شعر - 1980م / سيرة شعرية - سيرة مع دراسة - 1980م / الحُمي - شعر - 1982م / التنمية وجهاً لوجه - مقالات - 1981م / العودة إلى الأماكن القديمة - شعر - 1985م / العلاقات الدولية - مترجم - 1979م / وردة على ضفائر سناء - شعر - 1989م / في رأيي المتواضع - مقالات - 1983م / في خيمة شاعر - مختارات شعرية باللغة الإنجليزية - 1988/1991م / مرثية فارس قديم - شعر - 1410هـ / عقد من الحجارة - شعر - 1412هـ /1991م / هل للشعر مكان في القرن العشرين - 1976م / خواطر في التنمية - 1977م / قصائد أعجبتني - 1983م / 100 ورقة ورد - 1986م / المجموعة الشعرية الكاملة - 1987م / من هم الشعراء الذي يتبعهم الغاوون - 1990م / المزيد من رأيي المتواضع - 1990م / حتى لا تكون فتنة - 1990م / الغزو الثقافي ومقالات أخرى - 1991م / التنمية الأسئلة الكبرى - 1991م / شقة الحرية - رواية - 1993م / أزمة الخليج محاولة الفهم - مقالات - 1991م .

وحصل على عدد من الأوسمة والجوائز.

* * *

غازي القصيبي.. مثقف متنوع
الخبرات والابداعات المثيرة للجدل

يعد الدكتور غازي القصيبي أبرز الوزراء السعوديين، فقد تقلد مناصب حكومية عديدة، منها وزارات الصحة والمياه والكهرباء والعمل، إضافة إلى عمله سفيرا للمملكة العربية السعودية في عدد من الدول.
كما يعد الدكتور القصيبي من أبرز الأدباء السعوديين الذين كتبوا الرواية السعودية والدواوين الشعرية البارزة.
ويعد الراحل، من أبرز الأدباء السعوديين الذين كتبوا الدواوين الشعرية والرواية السعودية المثيرة للجدل، والتي واجه بسببها نقداً واسعاً، وخصوصاً من التيار المحافظ.
قضى القصيبي سنوات عمره الأولى في الاحساء، ثم انتقل إلى البحرين ليدرس فيها مراحل التعليم حتى المرحلة الثانوية. ثم نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة وتحصل على الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا ودرس الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن.

عين أستاذا مساعدا في كلية التجارة، جامعة الملك سعود، الرياض، .1965 ثم مستشارا قانونيا في عدة مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
وبعد حصوله على الدكتوراه، عين عميد كلية العلوم الإدارية، جامعة الملك سعود، 1971، ثم مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية، 1973، فوزيرا للصناعة والكهرباء، 1976، ثم وزيرا للصحة، .1982
ثم اختير بعد ذلك سفيرا للسعودية في البحرين، 1984، ثم سفيرا للسعودية في بريطانيا، .1992 وعاد مجددا للسعودية وزيرا للمياه والكهرباء، 2003، ووزيرا للعمل، 2005 حتى وافته المنية.
تميز الروائي القصيبي بنهاياته المؤثرة في رواياته ومن ذلك أنه جاء في نهاية (رواية سبعة) "أوضح تقرير الطبيب الشرعي أن الرجال السبعة ماتوا غرقا، وقد تبين من التحليل أنهم تعاطوا كميات كبيرة من المخدرات والكحول. أما المرأة، التي وجدت على الشاطئ عارية، فلم يتضح للطبيب الشرعي، بعد، سبب موتها، ولم يعثر في دمها على أي آثار لمخدرات أو كحول، ولم تظهر في جسمها أي إصابات. كما ظهر من الفحص أنها عذراء...". وأما روايته "العصفورية" الصادرة في عام 1996، فقد جاءت مرة أخرى لرسم مشهد ساخر للواقع العربي، ولكن هذه المرة على لسان بروفيسور يرقد في مشفى ويقص على طبيبه بطولات وحكايات ساخرة تخفي في طياتها هزلا فكريا بصيغة كوميدية، تقمص خلالها القصيبي شخصية البروفيسور ليشرح الواقع العربي على طريقة "خذوا الحكمة من أفواه المجانين". وتبلغ السخرية من الواقع العربي مداها في رواية "أبوشلاخ البرمائي" الصادرة في عام 2002، حيث يسخر القصيبي من الناس والزعماء في العالم العربي، الذين يدعون امتلاك القدرات الخارقة ومعرفة كل شيء.
وتطوف الرواية حول العالم في أزمنة مختلفة بقالب فكاهي ساخر، حيث يصبح العربي بطل الرواية، هو المستشار الأول للزعماء والسياسيين وصاحب القدرة على الاتصال بالجن، وهو من اخترع الهاتف ومد أنابيب النفط وغيرها من البطولات الوهمية.

أما روايته "الجنية" الصادرة في عام 2006 فهي أشبه ما تكون ببحث علمي عن الجن، ذيله القصيبي بعشرات المراجع، ورفض أن يطلق عليها مسمى رواية، مكتفيا بوصفها بالحكاية. إلا أنها في الوقت ذاته أنموذج معاصر لحكايات ألف ليلة وليلة، حيث يقع بطل الرواية "ض.ض.ض" في حب امرأة من الجن ويدخل معها إلى عالم الجن ليكتشف هذا العالم المجهول.

اخبار الخليج- البحرين

***

وزير مشاغب شَغَلَ الرقابة وسخر من الزعماء العرب

غازي القصيبيغيّب الموت صباح الأحد الماضي (أول من أمس) الأديب والشاعر ووزير العمل السعودي غازي القصيبي عن عمر ناهز 70 عاماً، بعد معاناة طويلة مع المرض. ويعتبر القصيبي، إلى جانب مهامه الرسمية كوزير للعمل السعودي، أحد أبرز وأشهر الأدباء في السعودية، كما أنه قاص وروائي وشاعر وله العديد من الاصدارت والمقالات الصحافية. وكان قضى أيامه الأخيرة في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض قبل أن توافيه المنيّة إثر تدهور حالته خلال الأيام القليلة الماضية.
وبالرغم من أن عدداً من كتب القصيبي أحدثت ضجة أوقات صدورها فإن الروايات هي التي حظيت بالنصيب الأكبر من الضجيج والمنع.

وكانت أولى رواياته «شقة الحرية» التي صدرت في العام 1994، وتحكي واقع الشباب العربي خلال الفترة (1948 ـ 1967)، حيث يعيش أبطال الرواية في شقة في مدينة القاهرة، وسط أجواء فكرية وسياسية عاصفة بتوجهات فكرية مختلفة لكل منهم وتكون لهم بطولاتهم الخاصة مع تلك الأحداث. وكانت الرواية ممنوعة في السعودية إلى وقت قريب. أما روايته «دنسكو» فقد كتبها بعد فشله في الفوز بمنصب مدير منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم «اليونسكو» في العام 1999، وتتناول قصصا لعدة مرشحين للمنظمة من قارات مختلفة، حيث وعد القصيبي، أثناء ترشحه للمنصب بكتابة رواية إذا لم يفز، وهو الأمر الذي أوفى به.

كوميديا

وترسم روايته «سبعة» التي صدرت في العام 2003 صورة ساخرة للواقع العربي، ممثلة في سبع شخصيات يختلفون في أفكارهم وأعمالهم ويتشابهون في الركض خلف سيدة واحدة تعمل مقدمة لبرنامج تلفزيوني، حيث يقعون ضحية لها في نهاية المطاف. وجاء في نهاية الرواية «أوضح تقرير الطبيب الشرعي أن الرجال السبعة ماتوا غرقا، وقد تبيّن من التحليل أنهم تعاطوا كميات كبيرة من المخدرات والكحول. أما المرأة، التي وجدت على الشاطئ عارية، فلم يتضح للطبيب الشرعي، بعد، سبب موتها، ولم يعثر في دمها على أيّ آثار لمخدرات أو كحول، ولم تظهر في جسمها أي إصابات. كما ظهر من الفحص أنها عذراء».
وأما روايته «العصفورية» الصادرة في العام 1996، فقد جاءت مرة أخرى لرسم مشهد ساخر للواقع العربي، ولكن هذه المرة على لسان بروفسور يرقد في مشفى ويقص على طبيبه بطولات وحكايات ساخرة تخفي في طياتها هزلا فكريا بصيغة كوميدية، تقمص خلالها القصيبي شخصية البروفسور ليشرح الواقع العربي على طريقة «خذوا الحكمة من أفواه المجانين».
وتبلغ السخرية من الواقع العربي مداها في رواية «أبو شلاخ البرمائي» الصادرة في العام 2002، حيث يسخر القصيبي من الناس والزعماء في العالم العربي، الذين يدعون امتلاك القدرات الخارقة ومعرفة كل شيء. وتطوف الرواية حول العالم في أزمنة مختلفة بقالب فكاهي ساخر، حيث يصبح العربي بطل الرواية، هو المستشار الأول للزعماء والسياسيين وصاحب القدرة على الاتصال بالجن، وهو من اخترع الهاتف ومدّ أنابيب النفط وغيرها من البطولات الوهمية.
أما روايته «الجنيّة» الصادرة في العام 2006 فهي أشبه ما تكون ببحث علمي عن الجنّ، ذيله القصيبي بعشرات المراجع، ورفض أن يطلق عليها مسمى رواية، مكتفيا بوصفها بالحكاية، إلا أنها في الوقت ذاته أنموذج معاصر لحكايات «ألف ليلة وليلة»، حيث يقع بطل الرواية «ض.ض.ض» في حبّ امرأة من الجن ويدخل معها إلى عالم الجن ليكتشف هذا العالم المجهول.
وكانت للوزير والكاتب الراحل مواقف مشهورة منها زاويته الشهيرة «في عين العاصفة» التي دأب على كتابتها أثناء أزمة حرب الخليج، اثر الغزو العراقي للكويت، حيث انتقد بشراسة مواقف عدد من زعماء الدول العربية الذين لم يؤيدوا الحل الدولي ـ الأميركي للأزمة، كما أثار نقاشا في الصحافة العربية والبريطانية إثر نشر قصيدة له تتعاطف مع منفذي العمليات الانتحارية في إسرائيل. وفي العموم كانت للوزير والكاتب الراحل مواقف تقدمية بخصوص الموقف المحافظ لبلاده في قضايا عديدة منها المرأة وحرية التعبير والنشر.

المنع

عانى القصيبي من مرض السرطان وسافر للعلاج في الولايات المتحدة الأميركية وعاد أخيرا ومكث فترة في البحرين في قصره، إلا انه رجع إلى المملكة إثر تدهور حالته الصحيّة فتمّ إدخاله مستشفى الملك فيصل التخصصي. وكان من المقرر خروج القصيبي قبل شهر رمضان لمنزله، لكن الفريق الطبي أجل ذلك لمتابعة حالته الصحيّة من قرب. وأبقى الفريق الطبّي على قرار منع الزيارة عن القصيبي خلال الأيام الماضية.
ولد القصيبي في الثاني من مارس العام 1940 وقضى في الإحساء سنوات عمره الأولى ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم. نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ثم تحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها بل كان يريد دراسة «القانون الدولي» في جامعة أخرى من جامعات أميركا، وبالفعل حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة ولكن لمرض أخيه نبيل اضطر إلى الانتقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا، وبالتحديد في لوس أنجلوس، ولم يجد التخصص المطلوب فيها فاضطر إلى دراسة «العلاقات الدولية» أما الدكتوراه في العلاقات الدولية فقد حازها من جامعة لندن، التي كانت رسالته فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه الشهير «حياةٌ في الإدارة».

في حياته العملية تولى المناصب التالية: أستاذ مساعد في كليّة التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض عام 1965. عمل مستشارا قانونيا في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة، وعميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود عام 1971 ومدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية عام 1973 ووزير الصناعة والكهرباء عام 1976 ووزير الصحة عام 1982 وسفير السعودية لدى البحرين 1984، وسفير السعودية لدى بريطانيا 1992 ووزير المياه والكهرباء 2003 ووزير العمل 2005 حتى رحيله.

وكان وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة قال نهاية الشهر الماضي إنه أصدر توجيهاً بإتاحة جميع مؤلفات وزير العمل السعودي الأديب الدكتور غازي القصيبي، موضحاً أن الأخير صاحب إسهامات كبيرة في خدمة الوطن، وليس من اللائق أن لا يتوفر نتاجه الفكري في المكتبات السعودية.

يُشار إلى أن الكثير من كتب القصيبي لم تتم إجازتها من قبل رقابة المطبوعات لدخول السعودية، فيما عُرف عنه تندره بذلك وترديده الدائم بأن المنع يخدم العمل الأدبي ويزيد شهرته. وللوزير الراحل ما يقارب ستين كتابا توزعت على مختلف الأنواع الأدبية، فضلا عن كمّ كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها. من مؤلفاته الشعرية نذكر «صوت من الخليج»، «الأشج»، «اللون عن الأوراد»، «أشعار من جزائر اللؤلؤ»، ‘«سحيم»، و«للشهداء». وفي الرواية: «شقة الحريّة»، «العصفورية»، «سبعة»، «هما»، «سعادة السفير»، «دنسكو»، «سلمى»، «أبو شلاخ البرمائي»، «الجنية». وفي الفكر: «التنمية»، «الأسئلة الكبرى»، «الغزو الثقافي»، «أمريكا والسعودية»، «ثورة في السنة النبوية»، «حياة في الإدارة».

جريدة السفير

* * *

غازي القصيبي ترك ساحة المعركة
أحد الوجوه الرائدة في الثقافة السعوديّة


لم يكن صاحب «شقة الحريّة» أفضل روائيي السعودية ولا أعظم شعرائها، لكنه كان الأكثر حضوراً وإثارةً للجدل. الدبلوماسي والوزير والكاتب الذي رحل يوم الأحد بعد صراع مع المرض، خاض معارك لا تحصى، وترك وراءه إنتاجاً أدبياً غزيراً

الرياض ــ بدر الإبراهيم

غازي القصيبي (1940 - 2010) ليس رجلاً عادياً. لذلك لا يمكن أن يكون غيابه عن المشهد السعودي عادياً. صاحب المواهب المتعددة أغمض عينيه للمرّة الأخيرة أول من أمس، بعد رحلة طويلة ترك فيها أثراً مهماً في مجالات عدة، من الشعر والرواية إلى الدبلوماسية والوزارات المتعددة التي تقلّدها في حياته.
لم يكن أفضل الروائيين ولا أعظم الشعراء الذين أنجبتهم السعودية، لكنه كان أكثرهم إثارةً للجدل. وقد سمح له عمله العام، وإنجازاته الوزارية في نهاية السبعينيات، باكتساب شعبيةٍ إضافية جعلت حصر شهرته في الإطار الأدبي أمراً صعباً.
لقد كان ذكاؤه في التعاطي مع الإعلام سبباً لبروزه على حساب آخرين يفوقونه موهبة ربما، إضافةً إلى غزارة إنتاجه وتعرّض الكثير من أعماله للمنع الرقابي. كذلك، كان دخوله في صراعاتٍ شرسة مع تيار الصحوة الدينية عاملاً إضافياً لإثارة المزيد من الجدل حول شعره ورواياته.
صاحب «العصفورية» الذي تجاوز السبعين، رحل بعد صراع مع المرض استمر عاماً لم يتوقف خلاله عن الكتابة. وكان لرحيله أثر بالغ في الوسط الثقافي السعودي، هو الذي كان يُعدُّ من أهم من يذكرون عند استعادة الأدب السعودي المعاصر.
اشتُهِرَ في بداياته شاعراً، وصدرت له دواوين عدة: «اللون عن الأوراد»، و«أشعار من جزائر اللؤلؤ»... لكن ديوان «معركة بلا راية» يبقى الأشهر بالنظر إلى الضجة التي أثارها عند صدوره في بداية السبعينيات، إذ توافد المعترضون من المتدينين والمحافظين إلى الملك فيصل لحثّه على معاقبة الشاعر، وأُلّفت لجنة وزارية لمحاكمة الديوان انتهت إلى عدم وجود ما «يتعارض» مع الدين والخلق.
كذلك، كان للشعر أثر كبير في حياة غازي الوزارية. بعد نشر قصيدته الشهيرة «رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة» التي عاتب فيها الملك فهد لاستماعه إلى «الوشاة»، أُعفي من منصبه الوزاري قبل أن يصبح سفيراً في البحرين.

وخلال الانتفاضة الثانية في الأراضي المحتلّة، كتب قصيدة امتدح فيها العمليات الاستشهادية في فلسطين، ذاكراً بالاسم الاستشهادية آيات الأخرس. وكانت النتيجة أن طالبت بريطانيا بإقالته من منصبه سفيراً للملكة السعوديّة فيها... هكذا عاد إلى الرياض معرباً عن عدم دهشته: «ما من موقف يمرّ بلا ثمن».
في منتصف التسعينيات، أصدر باكورته الروائية «شقة الحرية» (الريس ـــ 1994) التي تحكي قصة أربعة شبان من البحرين يكملون دراستهم الجامعية في القاهرة. وعزز القصيبي في هذه الرواية صورة «الناصري التائب» التي اكتسبها بكتاباته السابقة وبسلوكه السياسي. وكانت الرواية نسخة سعودية عن أدب «عودة الوعي» الذي انتشر في العالم العربي بعد النكسة، ويُدين «الحلم الخادع» الذي عاشه الجمهور العربي في فترة الستينيات، ويكرّس ثقافة الهزيمة.
هذه الرواية نالت شهرةً واسعة، وطُبعت مراراً، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني. ورغم أنها تحاكم الناصرية وتمجّد خصومها (بطريقة غير منطقية وساذجة أحياناً)، فإنها ظلت ممنوعة لفترة طويلة في السعودية قبل السماح بها في السنوات الأخيرة.
ثم توالت الأعمال الروائية، فكانت «العصفورية» و«أبو شلاخ البرمائي»، وقد جنح فيهما إلى السخرية اللاذعة من الأوضاع العربية، وأصدر رواية «دنسكو» التي ينتقد فيها الأونيسكو بعد فشله في الوصول إلى منصب مدير هذه المنظمة الدولية. كذلك أصدر «سبعة»، و«سعادة السفير»، و«الجنية».

في «شقّة الحريّة» عزّز صورة «الناصري التائب» التي اكتسبها بسلوكه السياسي

إلى جانب الشعر والرواية، كتب مجموعة كتب ضَمَّنها مقالات متنوعة، بعضها نُشر في الصحف، أشهرها «في عين العاصفة» وهي سلسلة مقالات كتبها أثناء حرب الخليج الثانية. كذلك دخل في جدل فكري مع مجموعة من مشايخ الصحوة الدينية مثل ناصر العمر وسلمان العودة في كتاب «حتى لا تكون فتنة» الذي أثار نقاشاً واسعاً في السعودية. نشر القصيبي أيضاً جوانب من حياته الإدارية التي تنقّل فيها بين الجامعة والوزارة والسفارة في كتابه «حياة في الإدارة». وأحياناً كان ينشر خواطر في كتيّبات صغيرة، ما جعل إنتاجه شبه سنوي.
كانت للقصيبي قدرة عجيبة على تنظيم الوقت. إلى جانب مسؤولياته المتعددة، لم يترك الكتابة والشعر. وقد نجح نجاحاً ملحوظاً في معظم المجالات التي دخلها، بغض النظر عن قيمة أعماله الكتابية والإدارية. وكان أذكى من تعاطى مع الإعلام، فتحوّل ظاهرةً على المستوى السعودي. مهما اختلفت الآراء بشأن الرجل، يبقى الإقرار واجباً بكونه ترك بصمةً حقيقية في التاريخ السعودي، شعراً ونثراً وحياةً إدارية.
رحل القصيبي، وترك ما كتبه إرثاً. هكذا أراد، وعبّر عن إرادته هذه في قصيدته الوداعية «حديقة الغروب»: «لا تتبعيني... دعيني... واقرئي كتبي، فبين أوراقها تلقاكِ أخباري». غيابه سيترك بلا شك فراغاً على الساحة السعوديّة والعربيّة...

* * *

المثقف الإشكالي بين الأدب والإدارة

شقة الحريةولد غازي القصيبي في الثالث من آذار (مارس) 1940 في الهفوف (محافظة الأحساء) لأسرة تجّار ميسورة. وبعدما قضى في الأحساء (شرق) سنواته الأولى، انتقل إلى المنامة في البحرين ليتابع دراسته. نال إجازة في الحقوق من «جامعة القاهرة»، ثم الماجستير في العلاقات الدولية. أما الدكتوراه في العلاقات الدولية، فنالها من «جامعة لندن» وكانت رسالته فيها عن اليمن، كما أوضح ذلك في كتابه الشهير «حياة في الإدارة». عمل القصيبي مديراً للمؤسسة العامة لسكك الحديد في السبعينيات، قبل أن يتولى وزارة الصناعة ويطلق قطاع الصناعات البتروكيماوية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن صراحته جلبت له الكثير من المتاعب، على امتداد مسيرته السياسيّة والإداريّة والدبلوماسيّة. خلال عمله سفيراً للسعودية في البحرين عند غزو العراق للكويت عام 1990، كتب القصيبي مقالات ينتقد فيها الحكومات العربية، والمجموعات الإسلامية التي تأخذ على السعودية تحالفها مع الولايات المتحدة، متسائلاً كيف يمكن أحداً الدفاع عن صدام حسين. ويُعدّ كتابه «أزمة الخليج: محاولة للفهم» دراسة لمعرفة أسباب هذه الحرب، ودوافعها، وسياساتها، وصنع قراراتها والنتائج التي تمخّضت عنها.

ولوزير العمل الراحل نحو 20 كتاباً ورواية، فضلاً عن كمّ كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها. ومن أشهر رواياته «شقة الحرية» التي كانت ممنوعة من التداول في السعودية، وتحكي قصة مجموعة من الشبان المختلفي التوجهات والأفكار يسكنون معاً في القاهرة أثناء دراستهم الجامعية هناك. وتفصّل الرواية حالة التيارات الفكرية لدى الشباب العرب في فترة متوتّرة من التاريخ العربي 1948 ـــــ 1967. وهذه القصة مستوحاة من التجربة الذاتية للكاتب نفسه أثناء دراسته للقانون في «جامعة القاهرة» التي وصفها بأنّها فترة غنية جداً.

بعد أحداث 11 أيلول حذّر من «حرب غربيّة على الإسلام»

وبعد فشل القصيبي في الوصول الى رئاسة «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (الأونيسكو) عام 1999 أمام المرشح الياباني كوشيرو ماتسورا، أصدر روايته «دنسكو» التي ينتقد فيها هذه المنظمة الدولية من خلال قصة مرشحين من قارات عدة يتنافسون للفوز برئاسة منظمة تسمى «دنسكو». وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، حذّر الراحل من «صراع حضارات»، مديناً في الوقت نفسه زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي وصفه بأنّه «إرهابي» و«وحش بشري».
وقال يومها في حديث إلى bbc: «نخشى أن تتحول هذه الحرب على الإرهاب التي ندعمها بلا أي تحفّظ، إلى حرب لأميركا والغرب على الإسلام».
من أبرز أعماله: «العصفورية»، و«سبعة»، و«هما»، و«سعادة السفير»، و«سلمى»، و«أبو شلاخ البرمائي». ومن مؤلفاته في الشعر «صوت من الخليج»، و«الاشج»، و«اللون عن الأوراد»، و«أشعار من جزائر اللؤلؤ»، و«سحيم»، و«للشهداء».

* * *

عن تلك الهوّة بين وزارة الـ «فايسبوك» والثقافة

عبد العزيز خوجةقبل أيام من رحيل غازي القصيبي، سمحت وزارة الثقافة والإعلام السعودية بنشر أعماله الممنوعة في المملكة، وهي قليلة... لكن ماذا عن الأدباء الآخرين؟

بدر الإبراهيم

إذاً، تمخّض الجبل فولد فأراً. هكذا صدر القرار «التاريخي» أخيراً من وزارة الثقافة والإعلام السعودية، ونُشِرَ على صفحة الوزير عبد العزيز خوجة على «فايسبوك»: «فسح جميع كتب غازي القصيبي». تنبّه الوزير متأخراً إلى كتب زميله الممنوعة، فقرّر أنّه «ليس لائقاً ألا تتوافر نتاجاته الفكرية والأدبية في مكتباتنا». جاء القرار والقصيبي على فراش المرض... قبل أيام فقط من رحيله.
الفرقعة الإعلامية عقيدة تتمسك بها وزارة الثقافة والإعلام في السعودية، وتجد فيها مخرجاً لفشلها في توفير مناخ ثقافي صحي. وطبعاً، كان لا بدّ لتلك القنبلة الصوتية الجديدة أن تجد مَن ينبهر بها، ويثني على تاريخيتها...

لكنّ قرار وزير الإعلام عبد العزيز خوجة ينثر علامات الاستفهام في كل اتجاه: لماذا اختار السماح بكتب القصيبي تحديداً دون سواه من الروائيّين السعوديين الممنوعين؟ هل لأنّه كان وزيراً؟ أم أنّ فسح كتبه أسهل على الرقابة من فسح كتب أخرى؟ ألا يوجد أدباء وكتّاب سعوديون آخرون يستحقون قرارات «تاريخية» من هذا النوع؟ ولماذا لم يتذكّر أحد القصيبي إلا بعد وصوله إلى ذلك الظرف الصحي الحرج؟
إذا عدنا قليلاً إلى الوراء، فسنتذكّر أنّ كتب القصيبي لم تكن كلّها ممنوعة. في السنوات الأخيرة، سُمح بالعديد منها، وبقي عدد بسيط منها محاصراً. لذلك، لا يبدو القرار تاريخياً كما رُوّج له. كما أنّ قراراً كهذا لم يلقَ استحسان أدباء عانوا الأمرّين من الرقابة، ولم يكن لهم حظ في قرارات الوزارة التاريخية. عبده خال مثلاً علّق على الأمر ساخراً: «غازي ليس «خياراً» ونحن لسنا «فقّوساً».

المسألة الأساسيّة هي أنّ قرار وزارة الإعلام لا يعالج أساس المشكلة المتمثّلة في آليات عمل الرقابة في السعوديّة. من المعروف أنّ على الكتّاب السعوديين الراغبين في فسح كتبهم من جانب الوزارة أن يدخلوا في عملية بيروقراطية قاتلة. فلماذا لا تسأل الوزارة نفسها عن سبب الهروب الجماعي من الرقابة المحلية المتخلّفة، إلى دور النشر في بيروت ولندن (والقصيبي رحمه الله كان أحد الهاربين)؟
التخبّط هو السمة الأبرز لوزارة الثقافة. الوزير خوجة الذي يسمح بكتب القصيبي، يصرّح بأنَّه لن يفسح عن دواوينه الشخصيّة الممنوعة، تعفّفاً عن استخدام المنصب لمنافع شخصية. وهو هنا يقر بأن مسألة الفسح والمنع مسألة مزاجية لا علاقة لها بسياسات واضحة. إذاً ما زالت المكتبات السعودية تخلو من كتب عديدة تدخل معرض الكتاب السنوي استثناءً، وما زالت الوزارة تنصب نقاط التفتيش في المنافذ الحدودية لتصادر الكتب.

رحل القصيبي وبقي السؤال معلّقاً: من يتّخذ القرار بتحرير الثقافة؟

لا تقتصر قضية فشل الوزارة على فسح الكتب ومنعها، وعلى الفشل في تشجيع صناعة النشر في الداخل... المسرح والسينما يُذبحان من دون أن تحرّك الوزارة ساكناً. والفعاليات الثقافية غائبة، والأندية الأدبية تعج بالمشاكل، والحصيلة استمرارٌ لشكوى المثقفين واستمرارٌ لإهمال الوزارة لهم، واستمرارٌ لخوفها، أو مجاملتها للتيار المحافظ المعادي للثقافة، وتجميدها للأنشطة الثقافية تجنّباً لاستفزازه.
هكذا يواصل الوزير/ الشاعر عملية تجميل فشل وزارته، عبر قرارات بلا قيمة فعلية. هو الذي كانت الآمال معلقة عليه، بعد توليه الوزارة ليخرج الثقافة من ركودها الطويل، والإعلام من تقليديته القاتلة. لكنّه استعاض عن ذلك بالاستعراض على «فايسبوك» وبتصريحات جميلة الشكل، فارغة المضمون، على طريقة «كلّو تمام».

رحل القصيبي وبقي السؤال معلّقاً: من سيتخذ القرار الشجاع بتحرير الثقافة والمثقفين من قيود الرقابة البدائية؟ ومتى يجد أهل الفكر والإبداع في المملكة، وزارةً تدعمهم ضد التطرف والقمع الفكري؟ في وقت لا تزال فيه مختلف الكتب والأعمال الإبداعيّة محاصرة في السعوديّة، ترسم قرارات وزارة الـ«فايسبوك» مسافة شاسعةً جداً بينها وبين الثقافة

الاخبار- ١٧ آب ٢٠١٠

* * *

* * *

غازي القصيبي

مشاهدات - عصمت الموسوي

في اعوام الثمانينات وكنت وقتها صحفية صغيرة اعد التحقيقات والمقابلات الصحفية، كنا نعرف غازي القصيبي الشاعر والاديب والوزير من بعيد، ومن خلال اعماله فقط وادواره ومقالاته وتصريحاته، وفي المناسبات كموسم الاعياد او رمضان كانت تصلنا من غازي هدية معتادة هي علبة التمر السعودي الفاخرة الممهور بختم وتوقيع السفير، اذ كان غازي وقتها سفيرا لبلده في البحرين، الملف الذي كان بيدي هو ملف الصناعة في البحرين والخليج، وسألت الدكتور غازي الذي شغل منصب وزير الصناعة والكهرباء في منتصف السبيعنات ان يشارك معنا في هذا الملف وكان من ضمن المشاركين، يوسف الشيرواي وحسن فخرو وجاسم مراد وهشام الشهابي وعلي ربيعة، بيد انه طلب الاسئلة مكتوبة وجائتنا اجابات دقيقة ومختصرة جدا وتعذر اللقاء الاول، ثم لاحقا سألته عبر الهاتف ان يرتب لي لقاءا خاصا اجتمع فيه بصفوة المجتمع النسوي في السعودية من قيادات تعليمية ومهنية وغيرها على اثر العلاقة التي نشأت بيني وبين بعضهن عبر الكتابة الصحفية في مجلة « بانوراما الخليج « فقال : يا عصمت « اضربي سلف « انطلقي بسيارتك وحدك في هذه المهمة بدون مساعدتنا كي لا تحول البيروقراطية التي نمثلها نحن في الحؤول دون تحقيق رغبتك، وهكذا تعذر اللقاء الثاني

« اوف ذا ريكورد « او خارج التسجيل او لغير النشر هي الهدية التي يحظى بها اي صحفي حين يلتقي مسؤولا رسميا كبيرا على شاكلة غازي الذي عيَن سفيرا لبلده بعد واقعة دراماتيكية، الهدية الثانية هي ان اللقاء الشخصي يتيح للصحفي معرفة الشخص مباشرة وعن قرب شديد جدا بدون رتوش او وسائط، على اثر هاتين الحادثتين سأتوصل الى حقيقة ان هذا الرجل بقدر كان ما يبدو جريئا في كتاباته واعماله ومسلكياته الادارية فإنه حذر جدا في التعاطي مع الصحافة التي جربها وكثيرا ما لسعته بسمومها

ستمر سنوات طويلة وسأقرا كل اعمال غازي من شعر ورواية ونقد وسياسة وسيظل السؤال الذي طالما تمنيت ان اسأله عن علاقة المثقف والسلطة، وهل بامكان المثقف ان يقترب من السلطة ويهادنها ويعبر عنها ويشتغل معها ويستفيد من وجوده فيها دون ان تبتلعه وتطويه بين جناحيها فيخسر نفسه وحريته وابداعه ؟ يقول الشاعر « ومعاشر السلطان مثل سفينة في البحر ترجف دائما من خوفه / ان ادخلت من مائه في جوفها / يغتالها مع مائها في جوفه .

انه المحك الذي عركه الفلاسفة والادباء والكتاب على مر التاريخ والذين طمعوا في ذهب المعز دون سيفه، وكثير منهم سقط في هذا الاختبار وما استطاع التوفيق في هذه المعادلة الدقيقة والشائكة، ان غازي في كتابه الجميل « حياة في الادارة « يعترف ويقر بفرحه وغبطته لاستلام الحقيبة الوزارية والمشي على السجاد الاحمر والتنعم بالنفوذ وسطوة الجاه والتسيد والامر والنهي، بيد انني وجدت غازي احد المثقفين القلائل في عالمنا العربي الذين استفادوا من قربهم من السلطة وجيَروا هذا القرب لصالح الابداع، وقد اتاحت له المناصب القيادية الرسمية فرصة التحصل على المعلومة والمعرفة والتفاصيل والاسرار المهمة، فكل تجربة حياتية شخصية او مهنية عاشها غازي خرج منها بكتاب او رواية ملتزما «الكلام المباح ضمن المتاح» ومحلقا بالادب والخيال خارج النص وخارج المنظومات السلطوية بكل اشكالها السياسية والدينية والاجتماعية، لقد اقام لنفسه مكانة مرموقة على خارطة العالم الاممي وهو الانسان السعودي اصلا وانتماء، ان عبقرية غازي هي التي مكنته من ان يحتفظ برأسه ويحفظ رأسه في الوقت ذاته، انه غازي القصيبي الذي خرج من كل مناصبه ومعاركه منتصرا وغانما صيدا ابداعيا جديدا .

رحم الله غازي القصيبي واسكنه فسيح جناته .

اخبار الخليج- البحرين

* * *

عن غازي القصيبي رحمه الله

رجاء الصانع

رجاء الصانعكنت في الثامنة من عمري عندما دخلت أمي إلي المنزل وهي تبكي على كتف أخي الأكبر، وعندما سألت أخي الثاني عن سبب دموعها التي لم أرها قبل ذلك اليوم قال لي: بابا توفى الله يرحمه، قد يقول الناس أن طفلة في الثامنة لاتفهم معنى الموت، إلا أنني التفت إلى أصغر إخوتي والذي يكبرني بثلاثة أعوام والتقت أعيننا للحظة وكأننا نسأل بعضنا عن التصرف اللائق في مثل هذا الموقف، اندفعنا بعدها أنا وهو نبكي كما بقية الأسرة ونحن لا نعي تماماً مقدار الألم الذي يحيط بنا.

اليوم وبعد عشرين عام، دخلت أمي إلى غرفتي لتوقظني من نومي وتقول لي: غازي القصيبي توفى الله يرحمه. هذه المرة لم أحتج لمن يشرح لي حجم الفجيعة، أو أن يعلمني كيف علي أن أتصرف في مثل هذا الموقف، أنا الخبيرة في شؤون الفقد منذ الصغر.

بكيت ومازلت أبكي وسأظل أبكيه مع الباكين طويلاً. وجدت نفسي أدعو له بالشفاء وأنا ممسكة بتمرتي عند الإفطار مثل كل يوم فبكيت أكثر. تذكرت وقتها دعائي اليومي وأنا في أمريكا أن لا يفجعني الله بفقدانه وأنا في الغربة لا حول لي ولا قوة، وكأنما استجاب الله دعائي وتوفاه بعد أربع أيام فقط من عودتي للرياض بعد إنهائي دراستي في أمريكا، ليمحو حزن فقدانه كل فرحة بالتخرج والعودة إلى الوطن.

كنت أستعد لامتحان مهم في نوفمبر الماضي عندما جاءني خبر مرض أبي الروحي معالي الدكتور غازي القصيبي، فخانني تركيزي ولم أوفق في امتحاني من شدة خوفي عليه. ولم أخبر أحداً سواه فيما بعد بهذا الأمر. ولأنني أعرف حسرة المشاعر التي تتأخر عن الوصول في وقتها، صرت أكتب له أثناء رحلة علاجه الطويلة والصعبة لأنقل له محبة جيل ووطن وأمة، عل ذلك يخفف من آلامه، هو الذي لم يكن يشكو ولم يتوقف يوماً عن ذكر الله وحمده. كنت أستمد من صوته المبهج الرخيم الذي يهطل علي مطمئناً بين الحين والآخر القوة والصبر والمرح في أحلك الأوقات وأشدها ألماً.

غازي القصيبي الذي أشاع كثيرون أنه خالي أو قريبي أو كاتب روايتي الحقيقي لم يسمع باسمي قبل أن تصله مسودة روايتي يوم الخميس الثالث والعشرين من نوفمبر عام ٢٠٠٤. عندها اتصل بي على الرقم المكتوب على المسودة لأجيبه ببرود (كنت مشغولة حينها بالتجهيز لمحاضرة طبية): نعم مين معي؟ وعندما قال معك غازي القصيبي توقف الكون عند تلك اللحظة، سكتتُ لثوانٍ ثم طلبت منه بكل هدوء أن يتصل بعد خمس دقائق لأنني بحاجة لأن أصرخ فرحاً، أيقن عندها معاليه أنه بصدد (مرجوجة) وبالفعل أقفل الخط وذهبت للقفز على سرير الوالدة وأنا أبكي فرحاً باتصال قدوتي ومثلي الأعلى ومن سعيت سنيناً للوصول إليه قبل أن أعرف بأنه يقرأ كل بريده الخاص في الوزارة بنفسه! واتصل بي الدكتور بعد دقائق ليسألني من أنا وكم عمري ومتى بدأت الكتابة، وهل ماكتبته يحدث في الواقع في الرياض.

سجلت في ذلك اليوم التاريخي شريطاً صوتياً (آنذاك كنت أسجل أفكار الرواية صوتياً عندما لا أجد الوقت لتدوينها) عندما فاق الرضا والسعادة بعد اتصال معاليه حدود الكتابة. في ذلك اليوم وأثناء ذلك الاتصال أخذت على نفسي عهداً بأن أتذكر سعادتي تلك في أي يوم تعيس يمر بي فيما بعد، وهأنا أتذكرها الآن وأتوقف عن البكاء.

أتذكر تفاصيل تلك المكالمة بحذافيرها وأتذكر كل ما تلاها من حلم. أتذكر كيف قرأ معاليه أول مائة صفحة من الرواية في ساعة وكيف أنهى الرواية رغم مشاغله آنذاك في أسبوعين، ثم كيف قرأها مرة ثانية ليضع ملاحظاته مؤكداً أنه لم يفعل ذلك لأحد من قبل إلا أنه أعجب بالرواية وتوسم في كاتبتها الخير. أتذكر أنني اختلفت معه حول أجزاء أشار علي بحذفها فعملت برأيي في النهاية لا برأيه ولم أحذفها فغضب من عنادي لكنه نسي أو تناسى الأمر كالأب الحنون بعد انتشار الرواية.

قلت له في رسالة فاكس بتاريخ ٤/٣/٢٠١٠: بالنسبة لي، أن نصبح أصدقاءً، وأنتَ أنت! وأنا أنا الطالبة "اللي ماحيلتهاش حاجة" كان ومايزال أروع مافي حياتي.. إيمانك بي عندما كنتُ "لاشيء" يضعك في مرتبة تقف فيها وحدك. فأهلي يؤمنون بي لأنهم أهلي، وأصدقائي لأنهم أصدقائي.. أما أنت.. أنت! لماذا وكيف؟ وهل كنتَ أكيداً مما سأفعل؟ هل رأيت في علم الغيب أن روايتي ستُتَرجم إلى ثلاثين لغة؟ أنا لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه لولا عاملين مهمين.. إلهامك لي قبل أن أعرفك عن قرب.. بسبب نجاحاتك وشخصيتك وانبهاري بكل ما أنت عليه حتى أنني كنت أقول لمن يسألني ماذا تريدين أن تكوني عندما تكبرين؟: أبغى أصير غازي القصيبي "بس ربك ستر!".. والعامل الثاني هو قربك مني منذ 23-11-2004 وحتى صدور الرواية في سبتمبر ٢٠٠٥ قبل أن أصبح شيئاً يُذكر..

أحمل بداخلي الكثير عن غازي القلوب، غازيها بالبهجة الخالصة في حياته وبالحزن الموجع جداً بعد وفاته. الرجل الحلم بالنسبة لجيلي بأكمله، الإنسان الذي لايعرفه الكل كما يستحق أن يُعرَف. الرجل الخدوم فاعل الخير الذي تعلمت من أخلاقه أكثر مما علمتني حياته في الإدارة والوزارة والسفارة، ورواياته وأشعاره، وهي علمتني الكثير. عندما أتذكر الآن كيف كان الدكتور يكتب عن رحيل أصدقائه الذين اختارهم الله إلى جواره قبل أن يختاره، كيف كنا نقرأ مايكتب ولا نشعر بما يشعر به من ألم وهو يرثي أصحابه ورفاق دربه، أشعر بأن من واجبي أن أكتب عنه حتى وإن لم أكن بقوته وصلابته التي تجعلني أتمالك نفسي في مثل هذا الموقف الصعب لأكتب بهدوء في رثاء أبي الذي أعرفه وتيتمت بوفاته للمرة الثانية في حياتي.

عزائي الحار لحرم معاليه ورفيقة دربه، واخوانه وأخواته، ولأبنائه سهيل ويارا وفارس ونجاد، وأسرهم. تعجز الكلمات عن مواساتكم في فقيدكم وفقيدنا الغازي الغالي، الذي رحل إلى جوار ربه الكريم في أفضل الشهور وترك القلوب مكلومة والألسنة تلهج له بالدعاء.. أنتم عزاؤنا ونحن مدينون لكم بكل وقت قضاه والدكم رحمه الله في خدمتنا في مناصبه العديدة عبر السنين وبكل سطر خطه في كتاب وبكل عطاءاته التي شاركناكم فيها، مدينون لكم حتى في الحزن الذي سمحتم لنا بأن نتقاسم بعضه وإياكم مدعين بأننا نشعر بما تشعرون به لفراق الوالد الغالي ومعزين بعضنا بعضا" فيه.

عزائي موصول لأسرة القصيبي كافة، ولأبي غازي الأستاذ هزاع العاصمي مدير مكتب معاليه، وللأخ نواف المواش سكرتيره الخاص، ولمنسوبي وزارته وأصدقائه ولكل من حظي بالقرب من معاليه في حياته ولكل من دمعت عيناه لفراقه، لكل من تألم لألمه على سرير المرض وابتهل لله بالدعاء في جوف الليل وآناء النهار حتى يكشف بأسه، ربي إن لي والدَين اليوم تحت الثرى، ارحمهما يا واسع الرحمة وأكرم نزلهما واجعل قبريهما روضتان من رياض الجنة وأسكنهما الفردوس الأعلى يامن وسعت رحمته كل شيء.

وددت لو أني سبقت الردى
إليك. لو أني حرست السريرا
لو أني قبلت ذاك الجبين
يرش ضياءً ويندي عبيرا
لو أني لثمت يديكَ. انحنيت
عليكَ شهدت الوداع الأخيرا

غازي القصيبي - قصيدة أبي - ١٩٧٦ - ديوان أنتِ الرياض

*الرياض في ١٥ أغسطس ٢٠١٠

* * *

القصيبي يكتب «وصيته» على فراش الموت

بيروت - عبده وازن

شاء غازي القصيبي أن تكون روايته الأخيرة «الزهايمر» التي لم يتسنّ له أن يشاهدها مطبوعة والتي تصدر في بيروت خلال أيام، أشبه بوصيته الأخيرة يعرب فيها باختصار عن نظرته الى أمور طالما شغلته سابقاً وشغلت أبطاله الروائيين ومنها مثلاً: الشيخوخة، الذكريات، الموت، الحبّ، النسيان، الألم... لكنّ هذه الرواية القصيرة التي أصرّ على تسميتها «أقصوصة» كما كتب بخطّ يده، وأصرّ أيضاً على توقيعها باسمه الكامل: غازي بن عبدالرحمن القصيبي، هي رواية عن الاحتضار الطويل الذي عاشه هو، مستخدماً قناع «بطله» الذي يدعى هنا «يعقوب العريان» والذي اختار له مرض «الزهايمر» ليعالج من خلاله هواجسه الوجودية. رواية قصيرة ما كاد القصيبي ينهيها حتى رحل، مطمئناً الى انها ستحمل الى قرائه مفاجأة جميلة وحزينة في آن. والرواية، وإن بدت مجتزأة من مشروع روائي لم يتمكّن القصيبي من إنجازه، قد تكون من أعماله الفريدة جداً لسبب واحد هو طابع الشهادة الذي يسمها.

انها شهادة القصيبي على أيام المرض والعلاج، لكنّ كبرياءه أو كرامته حالت دون أن يمنح هذا النصّ صفة السيرة الذاتية فاختبأ خلف بطله «يعقوب العريان» ليسرد وقائع المرض والعزلة والمعاناة اليومية. ولم يكن اختياره مرض «الزهايمر» الذي أصاب يعقوب إلا هروباً نحو النسيان الذي يجعل الحياة شريطاً واهياً من الذكريات المتداخلة. اعتمد القصيبي فن «الرسالة» ليكتب هذه الرواية، فإذا هي عبارة عن اثنتي عشرة رسالة يكتبها «يعقوب» الى زوجته نرمين، من المصح الأميركي الذي يخضع فيه للعلاج من مرض «الزهايمر». لكن هذه الرسائل لن تصل الى الزوجة إلا بعد وفاته إثر جلطة في القلب، وقد أرسلها اليها طبيبه الذي يدعى الدكتور جيمس ماكدونالد من جامعة جورج تاون. وهذه الرسائل المتقطّعة لم تكن إلا ذريعة ليستعيد يعقوب (أو غازي) ملامح من الماضي وليواجه الحاضر إما بالسخرية منه وإمّا بالرثاء المضمر الذي يشي بنظرة وداعية أخيرة.

في الرسالة الأولى يسعى الى الاعتذار من زوجته عن الكذبة التي اختلقها قصداً ليبرّر سفره للعلاج وكأنّه على يقين أنه لن يعود إلا جثة. والزوجة لن تكتشف هذه الكذبة البيضاء إلا بعد وصول الجثة والرسائل، فهي كانت تظن أنه في رحلة عمل طويلة.
لم يشأ «يعقوب» إزعاج أحد بمرضه، لا زوجته ولا ابنه ولا الابنة. أراد أن ينهار وحيداً في لجّة النسيان والذكريات، وفي «أرض الماضي المحروقة» كما يقول.
إلا أن أيام علاجه في المصح الأميركي لم تخل البتة من الطرائف التي يسردها لزوجته، وأبطالها مرضى أميركيون. أحد هؤلاء يتوهّم نفسه الرئيس الأميركي نيكسون وآخر هنري كيسنجر وآخر زوجاً للممثلة الشهيرة مارلين مونرو... انها طرائف أناس هم على حافة السقوط في عتمة الذاكرة، يهلوسون ويهذون... إلا أن الحياة في المصح لا تخلو أيضاً من الألم والكآبة، لا سيما عندما يجد المريض نفسه وحيداً، أمام مرآة مغبشة لا يبصر فيها صورته جيداً.

يكتب يعقوب قائلاً: «أفكار حزينة قاتمة تنتابني» أو: «أعيش يومي لحظة بلحظة، ساعة فساعة». استطاع يعقوب أن يتذكر زواجه الأول من قريبة له أيام المراهقة، هذا الزواج الذي أجبر عليه قسراً لغاية عائلية. تذكر يعقوب أيضاً جدّه. تذكر امرأته نرمين يسري التي تصغره كثيراً وكيف تعرّف اليها في شرم الشيخ خلال مؤتمر مصرفي شارك فيه بصفته رئيساًَ لمجلس بنك «الدهناء»، وشاركت هي فيه كموظفة في بنك يملكه أبوها. يتذكّر «يعقوب» أشياء كثيرة وينسى أشياء أخرى كثيرة. ينسى اسم زوجته الثانية، بل ينسى إن كان تزوج مرة ثانية ويشك في الأمر. ينسى الأحداث الأولى في حياته: الفيلم الأول، الكتاب الأول، الحذاء الأول... «تزعجني ذكريات المرة الأولى لأنها تجيء ثمّ تتملص وتهرب» يقول.

لكنه يتذكر جيداً كيف كان في طفولته يلعب «لعبة الموت» فيتظاهر انه مات ليخيف أهله. هذه الذكرى لم تفارقه، بل هي تلحّ عليه الآن في مرضه الذي دفع به الى حافة الفراغ: «بلا ذاكرة لا يوجد سوى الفراغ، فراغ الموت». ثم لا يتوانى عن مساءلة نفسه: «ألا توجد قوة تقهر النسيان»؟ ولا يضيره في أحيان أن يسخر من هذا المرض الرهيب فيسميه «الزهايمر المتلصّص» أو «العزيز ألزهايمر» وكأنه يستحضر الطبيب الألماني آلويس ألزهايمر الذي اكتشف هذا المرض العام 1906 وسمّي من ثم باسمه، كما يشرح لزوجته في إحدى الرسائل.
ولعلّ أبلغ ما يصف به مريض «ألزهايمر» هو وصفه اياه بـ «الخضار البشري». فشكل المريض «شكل إنسان» لكن عقله «عقل حبة طماطم أو كوسة أو بامية». هنا تبلغ السخرية ذروتها العبثية، المرّة والأليمة. ويتذكر يعقوب (غازي) تلك الجملة التي وضعها دانتي على مدخل «الجحيم» في «كوميدياه» الشهيرة: «يا من تدخلون هذا المكان اتركوا وراءكم أي أمل في الخروج». كأن هذا المرض هو جحيم أيضاً، جحيم العذاب والعزلة.

ليس نص «الزهايمر» أقصوصة، ولا أحد يعلم لماذا أطلق القصيبي عليه هذه الصفة، مع انه يتعدّى مئة صفحة. هذا النص يمكن وصفه بالرواية القصيرة أو بالقصة الطويلة، وتكمن فرادته في تقنية السرد التي تلبست هنا فن المراسلة، وهذا فنّ عريق روائياً. وقد يشعر القارئ أن هذه الرسائل كتبت لتكون جزءاً من رواية تكمّل رواية «حكاية حب» من خلال مكابدة البطل نفسه (يعقوب العريان) حال الاحتضار والموت.

ولعل القصيبي وجد في هذا البطل صورة لنفسه فحمّله معاناته وهذه الرسائل الموجهة الى قرائه. ومَن يطلع على المخطوط الذي يملكه الناشر اللبناني عيسى أحوش صاحب دار «بيسان» التي حصلت على حق النشر من القصيبي مباشرة، يلحظ كيف تمعّن القصيبي في كتابة النص وتقسيمه بدقة تامة. لعله شاءه فعلاً وصيته الأخيرة على فراش الموت.

الثلاثاء, 17 أغسطس 2010

* * *

الحياة» تنشر فصلاً من الرواية الأخيرة للراحل غازي القصيبي... «الزهايمر»

عزيزتي:

منذ ذكرى البلوغ وذكريات «المرة الأولى» تهاجمني بعنف، شيء غريب. منذ سنتين، سنين طويلة، لم أعد أتذكر متى فعلت هذا الشيء أو ذاك «للمرة الأولى». ولم أحرص على التذكر.

هل حكاية «المرة الأولى» مهمة إلى هذه الدرجة؟ هل يهم متى ركبت الطائرة للمرة الأولى؟ ومتى دخنت أول سيجارة؟ ومتى امتطيت أول دراجة؟ ومتى طفوت على الماء لأول مرة؟ تزعجني ذكريات «المرة الأولى» لأنها تجيء ثم تتملص وتهرب قبل أن تتكشف. معظم هذه الذكريات غادرت الذاكرة منذ زمن وحلّت محلها ذكريات لاحقة، المرة الثانية والثالثة والعاشرة والألف.

حسناً! أعتقد أن هناك أموراً لا ينساها الإنسان أو يصعب أن ينساها. القبلة الأولى. الموعد العاطفي الأول. المرة الأولى التي نفقد فيها براءتنا الجسدية (هل أضيف المرة الأولى التي نفقد فيها براءتنا الروحية؟!) مشكلتي ليست مع هذه الأشياء التي لا أظن أني سأنساها إلا حين يزيل العزيز الزهايمر النقوش كلها من اللوحة بأكملها. حاولت، أخيراً، أن أتذكر أول سمكة اصطدتها، ولم أستطع.

وأول فلم سينمائي رأيته، ولم أتمكن. تتوالى الأشياء، يا عزيزتي، ويتوالى العجز عن تذكرها. الكتاب الأول. الحذاء الأول، الصورة الفوتوغرافية الأولى، اليوم الدراسي الأول. والقائمة لا تنتهي.

أرجو أن تكون هذه مرحلة عابرة. من المزعج أن أظل معتقلاً في سجن «المرة الأولى». رأيت من المفيد أن أشرك غيري معي في المشكلة. قبل ليلتين كنت في غرفة التلفزيون (هنا غرفة لكل شيء... تقريباً) مع اليزابيث جرينجر. هي بذاتها! لا بد أنك سمعت عنها. البليونيرة التي تحمل مئات الفنادق اسمها، والتي تحمل مسحة من جمال غابر (أكثر من مسحة إذا أردت الدقة). قلت: «ليزا (سبق أن أخبرتك أننا نرفع الكلفة هنا!) هل تذكرين قبلتك الأولى؟ قالت على الفور: «بكل تأكيد!». وانطلقت تروي تفاصيل طويلة.

ومملة بعض الشيء، عن الظروف التي قادت إلى قبلتها الأولى وكانت في الحادية عشرة. قاطعتها بلباقة: «حسناً! وهل تذكرين متى ارتديت الكعب العالي للمرة الأولى؟».

أطرقت قليلاً، وقالت: «نعم. وأذكر الحفلة. كنت في السنة قبل الأخيرة من دراستي الثانوية». قلت: «وماذا عن قلمك الأول؟». قالت: «لم يكن هناك قلم واحد. ذهبت في يومي الدراسي الأول إلى الفصل ومعي مجموعة من أقلام الرصاص الملونة». قلت: «إذن، أنت تذكرين يومك الأول في المدرسة؟». ابتسمت، وقالت: «جاك! ماهذه الأسئلة الغريبة؟ ألا تعرف أننا هنا لأننا لم نعد نتذكر ما مرّ بنا؟!».

قلت: «أعرف. أعرف. ولكني أمر بفترة غريبة. ذكريات «المرة الأولى تحاول أن تفرض نفسها على ذاكرتي رغماً عني وأحاول طردها». قالت: «وهل نجحت؟». قلت: «نجحت في القليل وفشلت في الكثير». ابتسمت اليزابيث وقالت: «هل تعرف مشكلتي أنا يا جاك؟ مشكلتي هي مع ذكريات «آخر مرة!»، متى كانت آخر مرة استمتعت فيها بالجنس؟ آه! ليتني أتذكر! متى كانت آخر مرة استمتعت فيها برؤية مسرحية؟ لا أتذكر. متى كانت آخر مرة قبلت فيها أمي؟». يبدو أن ذكرى الأم أثارت شيئاً من الشجون في نفس اليزابيت التي لزمت الصمت بضع دقائق قبل أن تقول: «دعنا نغير الموضوع.

أول مرة! وآخر مرة! عن قريب سوف ننسى كل شيء. ألا ترى أن من العبث أن تهدر جهد الخلايا الباقية في تذكر هذا أو ذاك؟». وقلت: «كلامك صحيح، نظرياً، ولكن من الناحية الواقعية هل يمكن أن نبحث شيئاً، أي شيء، من دون أن يكون للذكريات، على نحو أو آخر، نصيب كثير أو قليل منه؟». قالت: «جاك! دعنا من الفلسفة!». قلت: «آه! ليز! الفلسفة! هل تستطيعين أن تنطقي بهذه الكلمة من دون أن ترتسم في خيالك صور سقراط وأفلاطون وأرسطو؟». قالت: «ماذا دهاك اليوم؟!». قلت بعناد: «لا شيء، لا شيء على الإطلاق، يمكن أن يبحث دون أن تصحبه ذكرى من نوع أو آخر». قالت: «هل تقصد أننا... عندما... عندما... لا نستطيع أن نبحث شيئاً على الإطلاق؟». قلت: «أخشى أن هذا، بالضبط، هو ما أقصده». صمتت اليزابيت، وشردت نظراتها، وبغتة غادرت الغرفة. أعود إليك يا عزيزتي، لماذا لا تمارسين هذه اللعبة على سبيل التسلية؟ تذكري أول مرة فعلت فيها هذا، وأول مرة فعلت فيها ذاك؟ وخلال اللعبة فكرت في موضوع يشغلني (وما أكثر المواضيع التي تشغلني) لماذا يلعب الماضي هذا الدور الكبير في حياتنا؟ قارني عدد الكتب التي تتحدث عن المستقبل وعدد الكتب التي تتحدث عن الماضي وأظن أنك ستصابين بصدمة.

أنا لا أملك احصائيات ولكني مستعد للمراهنة على أن كتب المستقبل لا تصل إلى 1% من كتب الما ضي: الذكريات، والمذكرات، والسير الذاتية، وكتب التاريخ، وكتب البكاء على الأطلال... إلى آخر القائمة. والأمر لا يقتصر على الشيوخ أمثالي، سواء جاءت شيخوختهم مبكرة أو متأخرة.

حتى الأطفال الصغار يتحدثون عما كان «يوم كانوا صغاراً!». هذا شيء يدعو إلى الحيرة: أن يتحدث طفل الثامنة عن «ذكرياته» ويرفض الحديث عن السنة الدراسية المقبلة. وماذا عن الأمم يا عزيزتي؟ الأمم! اقرأي ما ينتجه مفكروا الأمة العربية وأدباؤها وعلماؤها وستجدين النسبة نفسها 99% عن الماضي و1% عن المستقبل. آه! كيف تستطيع أمة عن تصنع مستقبلها وهي في قبضة ماضيها يعصرها عصراً حتى يستنفذ كل ذرة من طاقاتها؟ كيف نستطيع أن نقضي على التخلف إذا كنا نعتقد أن التخلف مفخرة لأننا اخترعنا الصفر ذات يوم (هذا إذا كنا حقاً اخترعناه!). استعرضي الكتب العربية الجديدة وعندما تجدين في سنة من السنين، أن عدد الكتب التي تتحدث عن المستقبل، من المحيط إلى الخليج، تجاوز خمسين كتاباً تفاءلي بالخير واعلمي أننا بدأنا نتحرر من شبكة الماضي العنكبوتية، حقيقة لا مجازاً. ومع ذلك فأنا أعلن أن انتظارك سيطول.. ويطول!!

* «الزهايمر» آخر روايات الراحل تصدر خلال أيام

عن دار بيسان - بيروت
الثلاثاء, 17 أغسطس 2010

* * *

غازي القصيبي... وداع ذاك العاشق المُتيَّم بالبحرين

حيدر محمد

"أريد أن تمنحيني الموت والكفنا
فقد منحتك عمري والشباب أنا
وقد وهبتك من شعري قلائده
ومن خزائن قلبي ما غلا ثمنا
ومن ضلوعي البقايا من تمردها
ومن جفوني الخيال الحلو والوسنا"

هكذا كان يخاطب غازي القصيبي معشوقته الأولى (البحرين) بالابتسامة والدموع، سائلاً منها أن تكون مثواه الأخير، ومستودع أحلامه، وملاذه الأبدي ليستقر في ترابها على عادة الدلمونيين القدامى... إنه حنين إلى الأرض الذي احتضنته واحتضنها... أحبته فأحبها... وكانت الملهمة له في كل حين، إنه ندى الشوق السرمدي للبحرين... ذاكرة وذكريات.

تبرز البحرين في كل ملمح من ملاح غازي القصيبي، ونراها في كل محطة من محطات حياته الغنية... إنها معشوقته الأولى وأميرة دواوينه وفارسة أحلامه... عشقها طالباً وشاعراً، سفيراً فوزيراً.

كان مولعاً بهذه الجزيرة ومنتمياً ومتيّماً بكل شيء فيها، بجمال سواحلها وبنخيلها وبتنوعها وببساطتها وبانفتاحها. وفي سواحلها التي منحت غازي ساحرية خاصة في قصائده التي أسهب فيها عن متاهات الصيد وعن جمال لؤلؤة الخليج.

البحرين كانت أمه الحنون الثانية بعد أن شاءت الأقدار أن يفقد أمه منذ بواكير طفولته... فهنا قضى غازي القصيبي أجمل أيامه، وظل عاشقاً للبحرين ووفياً لها. حتى بعد اضطراره الرحيل للعمل سفيراً في عاصمة الضباب، كان يقضي في البحرين جل إجازاته، واختارها للنقاهة الأخيرة بعد رحلته العلاجية الطويلة في مستشفيات الولايات المتحدة... وكان غازي على الدوام يفضل حَرّ البحرين الطارد على ربيع المنتجعات الدافئة.

"العلاقة" ليست هي المفردة المناسبة إطلاقاً للحديث عما يربط غازي القصيبي بالبحرين، إنها ليست مجرد علاقة، وإنما هي أبعد من ذلك بكثير... إنها روح واحدة مكنونة في العقل والقلب والوجدان... فالبحرين حاضرة في عيون غازي، وفي ترانيم شعره، وفي مغامرات كتاباته، وفي كل أعماقه.

كثيراً ما تغنّى غازي القصيبي بالبحرين، تغزّل في المنامة، في المحرق، في البديع، في الجسرة المطلة على الجسر الذي كان حلماً يراود غازي فأضحى حقيقة، فراح ينشد أبياته الرائعة في حب البحرين:

درب من العشق لا درب من الحجر
هذا الذي طار بالواحات للجزر
ساق الخيام إلى الشطآن فانزلقت
عبر المياه شراع أبيض الخَفَر...

إلى أن قال:

نسيتُ أين أنا، إن الرياض هنا
مع المنامةِ مشغولانِ بالسمَرِ

على الدوام كان غازي القصيبي جسراً آخر للتواصل في المشهد الثقافي بين البحرين والساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وكثيرة هي تقاسمات التشابه بين المنطقتين ولا غراوة في ذلك.

فهنا أبصر القصيبي نبوغته الشعرية مع شاعر البحرين الأكبر المرحوم الشاعر إبراهيم عبدالحسين العريّض الذي يقول عنه غازي في يوم رثاء أستاذه: "يُقال دائماً بأن أستاذي الكبير إبراهيم العريّض هو شاعر الخليج، وأنا اختلف مع هذه المقولة تماماً، إنه كان شعر الخليج"... وجمعت غازي بالعريّض الكثير من المسامرات، وكانا يتناغيان من وحي الثقافة، وكلاهما مسكونان بالحب، حب كل ما هو جميل، وكانت البحرين عشقهما المشترك.

من غير الصواب سجن قامة كبيرة مثل المفكر غازي القصيبي في سجن "مثقف السلطة"، وهو وإن كان ذا حظوة كبيرة في العمل الرسمي، ومقرباً من دوائر القرار إلا أنه كان إنساني الأفق، وكان المثقف قبل الوزير، والشاعر قبل السفير.

وسياسياً لك أن تختلف مع القصيبي في بعض القراءات والتوجهات، ولكن ليس بمقدورك ألا تنجذب لفكر غازي القصيبي وكتبه وما سطرته أقلامه ولا حضوره الاستثنائي الطاغي لعقود من الزمن في صحراء وسواحل شبه الجزيرة. وكان مهموماً بقضايا أمته، وراثياً لمآل أحوالها، ومن أجمل ما كتب متندراً: "يا سيدي مخترع الفياغرا العظيم... يا من صنعت بلسماً قضى على مواجع الكهولة... وأيقظ الفحولة... أما لديك بلسم يعيد لأمتنا الرجولة؟!".

دافع غازي القصيبي باستماتة عن قيمه الليبرالية، إلا أن طبيعة الأرض ومعطيات الواقع، وثنائية الزمان والمكان تكون لها اليد الطولى دائماً، فعملية التغيير مركونة بالتدافع المجتمعي، وبالتحولات التي تفرض نفسها على أي بيئة. ظل محارباً شرساً للتشدد ومدافعاً بحزم عن قيم التنوع... أسعفته الثقافة ليكتب محرمات السياسة، والدليل إن الحرمة المفروضة على بعض كتبه وكتاباته لم ترفع إلا قبل أسابيع خلت رغم موقعه الرسمي المتقدم.

وكان غازي القصيبي من المؤمنين بحقيقة التنوع في البحرين، وداعياً لحفظ هذا الفسيفساء الجميل، ويستحضرني كلام مهم في هذا الصدد لغازي القصيبي في كتابه الشهير "حياة في الإدارة" حين يتحدث عن التنوع هنا قائلا: "البحرين مجتمع صغير يضم أكثر من طائفة، وتحكمه تقاليد من التسامح الديني تعود إلى وقت بعيد، ويعرف الناس فيه بعضهم بعضاً. في هذا المجتمع، ككل مجتمع، حساسيات على كل سفير أن يراعيها. في مجتمع البحرين سرعان ما يصبح أي نشاط يقوم به أي سفير، مهما ظنه خفيّاً وذكياً، سراً مكشوفاً يعرفه الجميع، ومن الغباء تغليب أحد على أحد".

اليوم، دعونا نستذكر المنامة من وحي عيون غازي الذي راح يغازلها بحروفه الصادقة ونبض أحاسيسه الفياضة:

الضوء لاح فديت ضوءك في السواحل يا منامة
فوق الخليج أراك زاهية الملامح كابتسامة
المرفأُ الغافي وهمتُه يُهنئ بالسلامة
ونداءَ مئذنة مضواءةٍ ترفرف كالحمامة

لقد قال غازي القصيبي عن وهج الحنين لها ذات يوم: "أصعب لحظات حياتي حين أغادر البحرين"، أما نحن اليوم فنقول لغازي: "أصعب اللحظات حين تغادرك البحرين".

*نقلاً عن "الوسط" البحرينية

* * *

الخميس والجمعة استقبال المعزين بالرياض..
جموع المعزين تتوافد على منزل القصيبي في المنامة

المنامة – ابراهيم الشيبان تصوير – زكريا العليوي

مجلس العزاء امتلأ بالمعزيناستقبل إبراهيم بن عبدالرحمن القصيبي وأبناء المرحوم الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي سهيل وفارس ونجاد وفود المعزين في وفاة فقيد الوطن بعد معاناة مع المرض في منزل عمهم المرحوم فهد بن عبدالرحمن القصيبي بمنطقة الهملة في مملكة البحرين واتفقت وفود المعزين ان برحيل الدكتور غازي القصيبي فقد الوطن واحداً من أبنائه البررة الذين تشرفوا بخدمته على مدى عقود عديدة في مختلف المجالات، كان آخرها وزارة العمل، وركز المعزون من مختلف دول الخليج على أن غازي القصيبي كان انساناً قبل أن يكون أديباً أو شاعراً أو إدارياً أو سياسياً.

وأكد ابن المرحوم الأكبر سهيل بن غازي القصيبي "للرياض" بأنهم ليسوا فقط من فقد غازيا بل الوطن العربي عامة والمملكة خاصة ومواطنوها فقدوا رجلاً خدم بلده في عدة وزارات بدءاً من وزارة الصناعة والكهرباء ثم وزيرا للصحة وسفيرا للمملكة لدى مملكة البحرين ثم سفيرا للمملكة لدى بريطانيا ثم وزيراً للمياه والكهرباء بعد دمجهما وآخرها عام 2004م عندما صدر أمر ملكي بتعينه وزيرا للعمل حتى وفاته – رحمه الله-.

واشار إلى ان سيرة هذا الرجل العظيم رغم أنها مرّت بمحطّاتٍ كثيرة من التحوّلات الوظيفية والفكرية والإبداعية غير أن السمّة الغالبة على هذه السيرة أن الراحل بقي في القلب من الحدث الثقافي ومن الحدث الاجتماعي ومن حدث التنمية الذي نقل الوطن والمواطن إلى ضفاف جديدة من التطور وتحسين شروط الحياة في حكومة المملكة العربية السعودية وملوكها.

وقدم سهيل القصيبي شكره لوفود المعزين حضوريا او هاتفيا او برقيا، مثمنا زيارة ولي عهد مملكة البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ورئيس مجلس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ونائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة والشيخ احمد فهد الأحمد الصباح من دولة الكويت، وأشار إلى ان يومي الخميس والجمعة القادمين سيستقبلون المعزين في مدينة الرياض بمنزل عمهم المرحوم فهد بن عبدالرحمن القصيبي.

ووصف ابراهيم بن عبدالرحمن القصيبي وفاة شقيقه وزير العمل الراحل المغفور له باذن الله الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي بالفاجعة، مؤكدا ان الاسرة صدمت بنبأ وفاته ولكن "قدر الله وما شاء فعل وكل نفس ذائقة الموت ", وقال ل "الرياض" كنا 8 ذكور لم يتبق منهم سوى الدكتور غازي وانا و6 إناث والبقية انتقلوا الى "رحمة الله" مع الإناث الثلاث, وكان "يرحمه الله" يواصل زياراته الحميمة الى العائلة.

* * *

مسؤولون ووجهاء ومثقفون:رحيل القصيبي فاجعة كبيرة للسعودية والبحرين ولكل عشاق الأدب والمعرفة

علي الهاشم - المنامة

شهد منزل الراحل والمفكر والأديب وزير العمل الدكتور غازي القصيبي مساء أمس توافد المئات من المسؤولين والأدباء والمفكرين من المملكة والبحرين ودول الخليج العربي؛ لتقديم واجب العزاء لأسرة الراحل، وبدأت الوفود في الوصول إلى مقر سكن ذوي الفقيد بدولة البحرين بعد صلاة العشاء مباشرة واستمرت إلى وقت متأخر من الليل..
وكان على رأس الحضور نائب مجلس الوزراء البحريني الشيخ محمد مبارك آل خليفة، ورئيس مجلس النواب البحريني، ووزير العمل البحريني ووزير الاقتصاد والتخطيط السعودي خالد القصيبي، والمهندس عبدالعزيز الحقيل رئيس المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السعودية، وفهد بن فهيد الشريف، محافظ المؤسسةالعامة للتحلية السعودية، ورجال أعمال وبعض المشايخ والأعيان من دول الخليج.
وأكد عدد من الشخصيات أن فقد المفكر والأديب الدكتور القصيبي يشكل خسارة كبيرة للمملكة العربية السعودية وللبحرين ولكل عشاق الثقافة والمعرفة حول العالم.
وشددت شخصيات بحرينية على المكانة الكبيرة التي شغلها الفقيد القصيبي في الساحة الأدبية والثقافية والمهنية في مختلف مواقع المسؤولية واتساع دائرة الاهتمامات والأفق الإنساني الذي كان يميز شخصية القصيبي، كما نوهوا بالصلات الوثيقة التي ربطت الفقيد القصيبي مع البحرين منذ بواكير طفولته وحتى وفاته.

وأكد وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو الذي تربطه علاقة تاريخية بالمفكر والوزير الراحل أن “فقد شخصية كبيرة مثل غازي القصيبي تشكل فاجعة كبيرة للمملكة العربية السعودية والبحرين والعالم العربي وللعالم لما تميز به من مواهب كبيرة جداً، وصدر رحب ومقدرات فكرية ليس لها حدود وممارسة غير مسبوقة في العمل الإداري والحكومي وفي علاقاته المتميزة مع الناس».
وقال فخرو: «إن الحياة متغيرة ومتعددة المحطات، ولكن غازي القصيبي كان شخصية فريدة من نوعها، صعبة التكرار، ربما لا نرى نظيراً لها في حياتنا، ولكن الرجل ترك هذا الإرث الثقافي والمعرفي والاجتماعي المتميز وهذه الصفات الكريمة وهذه الحياة الواسعة والمتنوعة هي خير دليل على عطاء غازي القصيبي ومساهماته غير المسبوقة لبلده ولأمته».
وأضاف فخرو أنه «على المستوى الشخصي كان غازي القصيبي صديقاً وزميلا عزيزاً وكان حبيباً سنتذكره للأبد، ونسأل الله له الرحمة وعزاؤنا لأسرته الكريمة ولبلده ولجميع محبيه في كل مكان الصبر والسلوان».

من جانه علق وزير العمل مجيد العلوي على فقد زميله غازي القصيبي بقوله: «في الحقيقة شعرت بكآبة وانتابني حزن عميق حين علمت بوفاة غازي القصيبي، فهو قبل أن يكون وزيراً للعمل في المملكة العربية السعودية الشقيقة، كان أديباً وشاعراً وابناً باراً للسعودية والبحرين والعالم العربي».
وقال العلوي: «يتميز الفقيد بصفات وخصال حميدة سيتحدث عنها الجميع، ولكنني من خلال صداقتي به وجدته صاحب حس إنساني يستوعب الجميع ولديه خبرة كبيرة بالبحرين من خلال معيشته في البحرين وصداقته مع مختلف الناس في البحرين، وكان يحب أهل البحرين ومعيشته في البحرين عنوانها محبته للبحرين».
وأضاف العلوي «بالإضافة إلى ذلك فالفقيد القصيبي رجل إداري كبير، ورجل جريء ولا يخشى من طرح أفكاره التي يؤمن بها، وكان سياسياً محنكاً ومستشاراً رفيعاً وشاعراً مرهفها، وما عسى المرء أن يملك أكثر من تلك المكانة».

إلى ذلك وصفت الناشطة السياسية وقريبة الفقيد من الناحية الأسرية منيرة فخرو وفاة القصيبي بالصدمة الكبيرة. وقالت: «حتى الآن نحن في وقع الصدمة، وكلنا نعرف أنه كان مريضاً ولكن لم نفكر أنه سيرحل عنا بهذه السرعة، وهو أمر محزن جداً، ولكنها إرادة الله».
وأوضحت فخرو أن غازي القصيبي شخصية متعددة المواهب، غير أن الوجه الأهم في شخصيته هو الوجه الإنساني، فكتبه وأشعاره وقصصه ورواياته تعرفها الناس جميعاً، ولكن الأشياء الخاصة هي الوجه الإنساني الذي يعرفه قليل من الناس، فقد كان غازي القصيبي كثير التبرعات للقضايا الكبيرة».

وبينت أن القصيبي كان صاحب أيادٍ بيضاء، وكان أباً فاضلاً على جميع المستويات، وكان حنوناً، وعلاقته الأسرية قوية جداً (...) هو عم زوجي، وكنا نلتقي كثيراً في المناسبات العائلية. وأتذكر أنني أول ما تزوجت كنا في الرياض لمدة ثلاث سنوات، وكان غازي في الرياض أيضاً، وكنا نلتقي في أجواء أسرية مميزة».
وأوضحت فخرو أن «المرحوم القصيبي كان يزور البحرين في الكثير من المناسبات، وزيارته الأخيرة كانت منذ أسابيع قبل عودته للرياض، فقد زرناه خلالها ورأينا مكتبته من أجمل المكتبات في البحرين، وكان يحذرني مازحاً من أن الكتب التي تدخل بيتي لا تخرج، ولم نكن نتوقع أن يكون رحيله بهذه السرعة».

* * *

غازي القصيبي.. تجارب وعناوين

الدوحة - رشيد يلوح

تتشكل بوضوح تجربة الأديب الراحل غازي عبدالرحمن القصيبي من خلال أعماله الممتدة زمنياً عبر 40 عاماً، وجغرافياً بين الشرق والغرب، بينما تصنف نفسها في أكثر من مدرسة فكرية، هذا التنوع أضفى على كتابات الرجل خصوصية عمقها تنقله بين مناصب قيادية في المجتمع من الإدارة إلى السفارة ثم الوزارة.
ويربط بعض النقاد شهرة غازي القصيبي بالمعارك التي قامت على كتبه، والتي دخل بسببها في صراع وجدالات مع دعاة ومفكرين اعتبروا مضامين أعماله الأدبية مخالفةً للإسلام وثقافة المجتمع السعودي، بينما يرجع الآخرون انتشار أعماله إلى ما كانت تحمله من تميز فني ورؤية جديدة للمجتمع الخليجي.
مثل الكثير من التجارب الأدبية العربية بدأ إبحار القصيبي في عالم الإبداع بقارب الشعر الذي رسا به في شطآن مختلفة، مثل: (معركة بلا راية) و(أشعار من جزائر اللؤلؤ) و(قطرات من ظمأ) و(أبيات غزل).. وعند كل واحد منها كان القصيبي يرسم صوراً تكتنز عالمه الداخلي وآفاقه الوجدانية، وقد علق الشاعر شوقي بزيع عن رحلة الرجل الشعرية قائلا: ".. كأنه لا يبدو قادماً من الصحراء أو من طبيعة قاسية، بل يبدو شفافاً مرهفاً وتبدو اللغة طريّة ذات أبعاد جمالية لافتة، هناك رشاقة في الإيقاعات ببساطة في التعبير تتقاطع إلى حد ما مع مناخات المدرسة اللبنانية في الكتابة المتمثلة في سعيد عقل والأخطل الصغير، كما تتقاطع بقوة الحياة واللغة الشفافة عند نزار قباني، من دون أن يعني ذلك وقوعه الكامل في نسخ هاتين المدرستين، لأن الشعر عنده يستند إلى الحياة ويتصل بدورة الدم، حيث إن القصيبي عاش قصيدته قبل أن يكتبها، سواء في علاقته بالطبيعة أو بالمرأة أو بالزمن الذي شكل شغله الشاغل في فترة كهولته".
وبخصوص رؤية القصيبي المعترضة في مجموعته الشعرية (سُحيم عبد بني الحسحاس) يقول الشاعر محمد علي شمس الدين عن هذه التجربة: "كان عبداً لقبيلة بني الحسحاس، وكانت القبيلة تحتقره نظراً للونه الأسود، ولكنه كان شاعراً وشديد الاعتداد بنفسه فانتقم من القبيلة من خلال نسائها، وكتب أشعاراً سمّى فيها النساء اللواتي أحببنه وأحبهن وعاشرهن، وكانت تلك وسيلته للانتقام، وبعد ذلك قتلوه. فالموضوع درامي والحكاية ذات دلالات استلّها القصيبي من عمق التراث، وكتب فيها مجموعة شعرية من أجمل ما قرأت، إذ استطاع أن يوظَف الحدث بجميع وجوهه العنصرية والدرامية وجدل الحب والانتقام".
ظل الأديب الدكتور غازي القصيبي مخلصاً للشعر ولكتابة المقال حتى عام 1994 الذي طرق فيه باب الرواية للمرة الأولى مع رواية "شقة الحرية" ليعلن عن نفسه روائياً رفد المكتبة العربية بعدة روايات لاحقة هي: (سبعة) و(العصفورية) و(سعادة السفير) و(دنسكو) و(رجل جاء وذهب) و(حكاية حب) و(سلمى) و(هما) و(العودة سائحاً إلى كاليفورنيا) و(الجنية).
وتبقى روايته (شقة الحرية) أشهر مؤلفاته السردية، وذلك لما حملته من رؤى وأفكار وما أثير حولها من نقاش وضجة، ولما تعرضت له أيضاً من منع في المملكة.
صدرت هذه الرواية عام 1994 وتقدم جانباً من واقع الشباب الخليجي خلال الفترة (1948–1967) حيث يعيش أبطال الرواية -التي حولت فيما بعد إلى عمل تلفزيوني- في شقة بمدينة القاهرة وسط الأجواء الفكرية والسياسية العاصفة التي طبعت خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

بطل الرواية شاب يدعى فؤاد من البحرين، تخرج من الثانوية وقرر السفر إلى مصر لدراسة القانون في جامعة القاهرة، وسافر معه أيضاً رفاق عمره قاسم وعبدالكريم ويعقوب لذات الغرض، كل منهم كان لديه تصور عن الحريات في مصر.
كان فؤاد يأمل بالعثور على صديقة لكنه لا يدري كيف سيحصل عليها، لكنه أثناء اصطفافه لشراء ملازم الدراسة في طابور طويل، سألته فتاة سؤالاً بريئاً، فأجابها، ثم تسلسلت المحادثة بهدوء بينهما، لتتحول بعد ذلك إلى صداقة.

الصديقة التي عثر عليها فؤاد لم تكن مصرية بل هي من سوريا، وعضو في حزب البعث، لذلك ملأت مبادئ وأفكار هذا الحزب أحاديثهما وأوقاتهما معاً.
آخر نص سردي كتبه القصيبي هو (الزهايمر) وفيه ينسى البطل (يعقوب العريان) اسم زجاجة العطر التي اعتاد إهداءها لزوجته التي تصغره بربع قرن، ليدرك إصابته بمرض الزهايمر، ويقرر السفر متذرعاً برحلة عمل بينما كانت وجهته إلى طبيب متخصص في معالجة الزهايمر، وجاءت القصة في شكل رسائل يبعث بها السيد العريان إلى زوجته التي لا تتسلمها إلا بعد وفاته بنوبة قلبية مفاجئة.
وبدوره يصنف كتاب (حياة في الإدارة) أكثر مؤلفاته انتشاراً وشهرةً، جمع فيه بين السيرة الذاتية والتنظير التنموي، وذكر في مقدمته أنه موجه إلى فئتين من القراء، الفئة الأولى هي "أبناء الجيل الصاعد الذي آمل أن يتمكنوا من أن يتذوقوا من خلاله نكهة الثورة التنموية التي عاشتها المملكة" والفئة الأخرى فهي "فئة الإداريين الشباب، في القطاعين العام والخاص، الذين أرجو أن يجدوا في تجربتي الإدارية الطويلة بعض الدروس النافعة وأن يستخلصوا منها بعض العبر المفيدة".
وعبر غازي القصيبي في هذا الكتاب عن آراء ونظرات تنموية مختلفة، أهمها ما يعتقده بخصوص مواصفات الوزير الناجح، يقول القصيبي: "في دول العالم الثالث تسود نظرة تذهب إلى أن الوزير يجب أن يكون من المتخصصين: طبيب لوزارة الصحة، ومهندس كهرباء لوزارة الكهرباء، ومهندس بترولي لوزارة البترول.. إن التخصص، في غياب الصفات القيادية الثلاث لا يعني شيئاً بل إني أذهب أبعد من ذلك، فأقول إن الوزير المتخصص قد يكون أقل فعاليةً من الوزير غير المتخصص.. لماذا؟ هناك سببان رئيسان، السبب الأول ينبع من غريزة بشرية متأصلة: الناس أعداء ما جهلوا وأصدقاء ما عرفوا، من هذا المنطلق لا نستغرب إذا وجدنا الوزير المتخصص يركز على تلك الأمور التي يتقنها والتي أفنى زهرة شبابه في دراستها. ينزع وزير الصحة الطبيب إلى الدخول في التفاصيل الطبية الدقيقة وينزع وزير الكهرباء المهندس إلى مناقشة كل صغيرة وكبيرة في المخططات الكهربائية الهندسية، لا ضرر، من حيث المبدأ في هذا التركيز إلا أنه في الواقع يؤدي إلى إهمال الوزير ما هو أهم من التفاصيل الفنية الدقيقة، والسبب الثاني ينبع من حقيقة معروفة: يشكل أعضاء كل مهنة نقابة -فعلية أو معنوية- يلتزم أعضاؤها بالولاء المتبادل، لا تجد طبيباً ينتقد طبيباً آخر علناً، ولا تجد مهندساً يغض صراحةً من شأن مهندس آخر. "روح النقابة" هذه تؤثر بطريقة شعورية أو لا شعورية على قرارات الوزير المنتمي إلى النقابة".
ونظرا لتبعات التهم التي تعرض لها غازي القصيبي بخصوص أفكاره ومواقفه تجاه الإسلام، كان مضطرا إلى التأليف في اتجاه الرد على خصومه وإثبات ولائه للدين، ومما كتبه في هذا الشأن (حتى لاتكون فتنة) و(ثورة في السنة النبوية )، هذا الأخير صدرعام 2003م، وأبرز فيه الكاتب رؤيته للإسلام باعتباره الحل الأمثل لمشاكل وأزمات المجتمع العربي،
يقول القصيبي في هذا الكتاب: "هذه الجولة القصيرة في كنوز السنة النبوية ليست سوى دعوة أقدمها إلى الباحثين ليقوموا بجولات أعمق وأوسع تنتهي كلها إلى الهدف المرجو، وهو أن يقتنع المسلمون والراغبون في الإصلاح بقلوبهم لا بألسنتهم أن في دينهم ما يغنيهم عن استيراد الإصلاح من الخارج لو انتهت الانتقائية والانتهازية التي يمارس بها الدين في عالم المسلمين".

* مواقف من حياة الرجل

من المواقف الطريفة التي تعكس جانباً من اهتمامه بالعمل ماذكرته جريدة «الرياض» ماحدث إبان عمله وزيرا للكهرباء والصناعة عندما انقطعت الكهرباء عن أحد أحياء الرياض، فقام د. القصيبي بالذهاب إلى مقر الشركة لتلقي الشكاوى الهاتفية من المواطنين مع موظفي السنترال كماهي عادته وأثناء تلقيه للاتصالات على سنترال الشركة، تلقى اتصالاً من مواطن غاضب قائلا: «قل لوزيركم الشاعر لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء عن الرياض»، فقال د. القصيبي بكل بساطة:( شكرا.. وصلت الرسالة!) فقال: ماذا تعني؟ فرد د.القصيبي قائلاً: أنا الوزير ! فقال المتصل: أحلف بالله! فقال : والله. ثم كانت هناك لحظة صمت واستغراب من المتصل.
ومن تواضعه الجم أنه لم يتخلف عن حضور فرح ابن الفراش الذى كان يعمل عنده كما كان ينزل بنفسه لمعاينة أي عمل حيثما كان موقع الحادث.

العرب
2010-08-17

* * *

هو «الغزاة» وليس غازي !

د.زياد الدريس*

(1)

أصعب الكتابات هي المراثي .. وأصعب المراثي هي الصدوقة ..
وأصعب المراثي الصدوقة هي الكاذبة ، بسبب عجزها عن استيفاء كل الرثاء المستحق .
وأصعب ذلك كله أن ترثي أشخاصا ً ماتوا سويا ً في شخص واحد اسمه « الفردي « : غازي القصيبي !
هو الأكاديمي ، هو الشاعر ، هو الروائي ، هو السياسي ، هو الدبلوماسي، هو الكاتب السلس هو المتحدث الآسر ، هو المتفق عليه وهو المختلف عليه .

(2)

غازي القصيبي ، ظاهرة واستثناء ونسيج وحده ، وكل مافي اللغة من تعبير عن حالة الاكتناز المعرفي والسياسي والاجتماعي التي كان يحتويها جسد واسم الغازي .
هو الأكاديمي ، هو الشاعر ، هو الروائي ، هو السياسي ، هو الدبلوماسي ، هو الكاتب السلس هو المتحدث الآسر ، هو المتفق عليه وهو المختلف عليه .
هو كل ذلك .. هو الغزاة لساحتنا وأسماعنا وأبصارنا وأذواقنا وحبنا وبغضنا وتراثنا وحداثتنا ، هو الغزاة وليس غازي واحد فقط .
وهو ككل « الغزاة « حورب بشراسة لكنه حارب أيضا بضراوة ففتح قلوبا واستعمر جزرا ومدائن ومشاعر، وأصبح ككل الغزاة محبوباً من البعض ومحذورا من آخرين ، لكن هؤلاء الآخرين كانوا يتقلصون من يوم لآخر ، حتى أصبح الغازي زعيماً في جزيرة الثقافة .

(3)

في أسبوع باريسي هادئ تعرفت على غازي الحقيقي .
كان ذلك حين قدم أمسيته الشعرية الخالدة في مقر منظمة اليونسكو بباريس يوم 11 ابريل 2009 . ثم مكث بعدها في باريس سبعة أيام لا يلوي فيها على شيء سوى الاسترخاء والقراءة والتأمل .
في ختام أمسيته التي حضرها قرابة 1000 فرنسي وعربي ، رأيت كيف تكالب الناس عليه بعد الأمسية .. يريدون توقيعه أو التصوير معه . كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها سعوديا ً « نجما ً» ، من غير الفنانين أو اللاعبين ، يتحاشد عليه الجمهور بهذه الصورة .
هل في الساحة السعودية الثقافية « نجم « غير غازي القصيبي ؟!
بل كم عدد النجوم الثقافية في العالم العربي كله ، ممن تحققت فيهم شروط الاستقطاب ؟
سوف تقرأون في الأيام القادمة كثيرا ً ممن يقول: قال لي غازي ، كتب إلي غازي ، هاتفني غازي .. كلهم يقولون هذا ، وأقوله معهم ، لأن غازي نجم .. والتواصل مع النجم أمر منعش !

(4)

افتتحت تلك الأمسية الشعرية « اليونسكية « بكلمة ، نشرتها بعد ذلك في مقالة بعنوان ( غازي في آخر غزواته ) ، وبالفعل تحقق العنوان الذي ليته لم يتحقق ، فكانت تلك الأمسية عام 1430 ه ، 2009 هي آخر أمسية شعرية وآخر مشاركة منبرية له في حياته ، رحمه الله .
قلت في افتتاح الامسية انه ( محارب «غازي» لا يتوقف عن الغزو..
غزا الجزر الأكاديمية المعزولة فبقي فيها ما بقي، ثم صنع زورقه وهرب.
غزا صحارى السياسة المهلكة.. فلم يهلك، بل عاد بقربة ماء أكبر من التي ذهب بها.
غزا حدائق الدبلوماسية فظن البعض بأنه سيلدغ حتما بإحدى عقارب تلك الحدائق الخضراء، أو سيتسمّم في إحدى وجبات الدبلوماسية الوفيرة، لكنه لم ينج فحسب بل روّج للقاح مضاد للدغات والتسمّمات الدبلوماسية.
غزا الشعر فقالوا هنا سيقتله الشعر كما قتل غيره من قبل، لكنه لم يُقتل بل أحيا الشعراء الذين قُتلوا من قبل.
غزا الرواية فقالوا هنا سيستسلم، لكنه لم يمتنع عن الاستسلام فقط بل منع حتى أبطال رواياته من الاستسلام في نهاية الرواية أمام القرّاء.
واستمرّ يغزو ويغزو، ولم يتوقف عن الغزو يوماً.. وأنّى له أن يتوقف وقد سمّاه أهله «غازي».
لو أن كل واحد منّا سيصنع في حياته ما يليق باسمه لهلك الناس بأسمائهم.. بين جواد ومقدام وصيّاد وكمال وناصر ونمر. لكن (غازي) قبل تحدي أهله، وأعلن الغزو طوال حياته، لكن لحسن حظ الجيوش أن غازي استبدل الغزو المدني بالغزو العسكري، فكانت معاركه كلها بالإبداع.. يفتح قصيدة ويحرّر رواية ويستعمر قلب قارئ!
هل رأيتم غازياً يضع سلاحه؟!
وهاهو « الغازي « المحبوب يضع اليوم سلاحه.

(5)

قد نجد وزيرا ً بدلا ً عن غازي ..
وقد نجد سفيرا ً بدلا ً عن غازي ..
وقد نجد شاعرا ً بدلا ً عن غازي ..
وقد نجد روائيا ً بدلا ً عن غازي ..
وقد نجد قائدا ً وكاتبا ً ومتحدثا ً ، لكننا كيف نجد كل هذا في شخص واحد بديل عن غازي ؟
كيف نجد غازيا ً بدلا ً من غازي ؟!
رحل آخر « الغزاة « المحترمين .. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجعل أعماله ، كل أعماله ، في ميزان حسناته .. آمين .

* سفير المملكة لدى اليونسكو

* * *

قالوا عن الراحل

متابعة وإعداد: سعيد الدحيه الزهراني - عبدالكريم العفنان - علي سعد القحطاني

يحتل الراحل غازي القصيبي مكانة عالية لدى العديد من المثقفين والمفكرين والسياسين والدبلوماسين محلياً وعربياً وعالمياً.. وقد وثقت الجزيرة بعض تلك المشاعر من خلال الإصدار الخاص الذي عنونته ب «الاستثناء».. فإلى بعض من تلك الشهادات

غياب غازي

عن مشاغبة اليوم بغياب غازي القصيبي غابت شمس من الشموس النادرة التي لم يخجلها بريق السلطة.

الظلام بجرأة وبأدوات مبتكرة أو ماكرة مرحة حينا وجادة أو ساخرة أحيانا، شمس غازي وهكذا فالمهم في كل حالات غازي وتحولات تاريخه الخاطف الأخاذ عدم الاستسلام.

هكذا كانت والجمال وموهبته الإبداعية ستبقى للأجيال، وهو وإن رحل فسيبقى وهج شجاعته في الانحياز للحق والإدارية الفذة على جرح الظلام بماء الحبر.

فوزية أبو خالد

عميق الإحساس

وشاعرنا -منذ شبابه المبكر- عميق الإحساس بالزمن، وبتقدّم العمر وانقضاء سنوات الشباب. وقد عبّر عن ذلك تعبيراً متكرراً حتى لا تكاد تخلو قصيدة من التحسّر على الماضي والأسف على الحاضر والخوف من مقبل الأيام. وهذا دأب كثير من الشعراء الذين تراهم وهم في عنفوان الشباب يذكرون أيام شبابهم كأنها ذكريات من الماضي قد انطفأت جذوتها، ويتمنون عودة ذلك الماضي في حين لم يكن قد تكوّن لهم ماضٍ حقيقي لا في العمر ولا في الغزل بالنساء، ولكنها أحوال نفسية تصيب كثيراً من الشعراء، فيعيشون فيها كأنها حقيقة. وتظل هذه الحالة النفسية تلازمهم في مراحل حياتهم التالية.

د. ناصر الدين الأسد

شاعِرٌ من عَرَارِ نجدٍ

زرَعَ الرمل
َأقحواناً ووَرْدا
ومَشَى في الهجيرِ.. ظِلاً وبَرْداَ
شاعِرٌ من عَرَارِ نجدٍ..
سقَتْهُ
نَفَحاتُ العَرَارِ.. عِطْراً ونَدَّا
ذاتَ يومٍ قرأْتُهُ.. فَرَماني
في تُخُومٍ من نشوةٍ.. تَتَحدَّى
كانَ في صوتهِ امْرُؤُ القيسِ والأعْشَى
ونجدٌ حُلْوٌ..
يُغازِلُ نجدا
هكَذَا تُنْبِتُ الرمالُ قَوَافيها
فَتَخْضَوضِرُ القِفارُ.. وتَنْدَى

سليمان العيسى

نموذج لغير السائد

ظل غازي يعطي الناس أخبارا ويعطيهم قصصا عن نفسه بما أنه سيرة لمتغيرات اجتماعية وثقافية تختلف عن السائد، وظل هو نموذجا لغير السائد، يتكلم عن نفسه وعن المؤسسة وعن السر وعن الضمير وكأنما هو يقول سواليف يحكيها على أهله وخاصته، ولكن الأهل والخاصة هنا هم الناس كل الناس وهم التاريخ المفرود أمامه وبصفحات مفتوحة.

وهذا أفضى بالشاعر لأن يكون حكائيا فكتب رواية المجتمع والناس والبعثات وشخوص المخمل والهامش معا، ولم يتخل لا عن شعره ولا عن موقعه الرسمي ولم يتقاعد عن شيء من أجل شيء آخر.

كسر غلواء السر الاجتماعي الرسمي لأصحاب المقامات والمناصب الذين يحيطون سرهم بسياج من الحياء والإضمار، وكسر الحدود بين الأنشطة، بين الشعر والسرد وبين المنصب والكشف وبين الرسمي والجماهيري. وظهر رجلا نشطا ليكسر صورة المتخصص المنكب على نفسه مثلما كسر صورة الرجل الكسول كما تقول الإنثروبولوجيا العنصرية عن خمول الصحراء وكسل النفط واستهتارية وتعالي الثراء.

د. غازي القصيبي

المنتمي إلى المستقبل

الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي علم من الأعلام المضيئة في فضاء الثقافة العربية المعاصرة ويعتز بكتاباته القارئ العربي بوجه عام، والقارئ المصري بوجه خاص أما اعتزاز القارئ العربي به فيرجع إلى أنه كاتب قومي بكل معنى الكلمة، حالم بمستقبل أعظم للأمة العربية، مستقبل ينقلها من واقعها الغارق في شروط الضرورة والانكسارات القومية إلى وعود مستقبل التقدم الذي تلازمه صفات الحرية بكل أنواعها، والعدالة بكل تجلياتها، والاستنارة بكل علاماتها ولا يتردد غازي القصيبي في تأكيد انتمائه إلى المستقبل.

فاروق حسني

من جزائر اللؤلؤ

يكتب كأنه يعيش، أقصد كما يحب أن يعيش.

هذا ما أشعر به كلما تذكرت غازي الشاعر منذ أشعاره الأولى التي (من جزائر اللؤلؤ). فذلك الكتاب هو من بين الكتب التي تعرفت بها باكراً على صوت جديد مختلف في كتابتنا في تلك الفترة، وأعني كتابتنا، التي كانت الجغرافيا قيداً ظالماً لها في سنوات التأسيسي الحديثة، ولعل الذين نجوا من ذلك القيد، وغازي أحد المبكرين، هم الذين تمكنوا من الكتابة في أفق أكثر حيوية من حيث الرؤية الإنسانية مضموناً، والأهم من حيث جوهر الأشكال والأساليب والأدوات الفنية، وهذا، في تقديري، هو العامل الحاسم الذي سبقنا إليه غازي القصيبي من حيث جرأة الخروج عن القالب، الذي تململ فيه بعض الوقت، بأشعاره الأولى، لكنه سرعان ما قال لنا كلمته الشعرية، فنياً بقدر مشجع على الذهاب إلى الحرية.

قاسم حداد

* * *

المصلح من الداخل

وأخيراً فثمة (بعد آخر) في شخصية القصيبي، نعتبره الأهم والأخطر، ولابد من التوقف عنده والنظر فيه، في هذه العجالة، ألا وهو بعد (المصلح من الداخل). فلعل القصيبي أبرز (المصلحين من الداخل) في منطقة الخليج والجزيرة العربية. فالرجل لم يكن موظفاً بيروقراطياً في يوم من الأيام على تعدد المناصب الكبيرة التي تولاها. وفي زمن امتاز بطفرة مادية مالية، تراكض كثيرون من أبناء جيله، ممن أتيح لهم تولي مواقع إشرافية في التنمية على المغانم المادية التي لم يصل كلها إليهم عن طريق (الحلال)، ظل غازي القصيبي نظيف اليد والذمة ولم تتلوث يده بحرام المصلحة العامة!!.

ومهمة (المصلح من الداخل) من أخطر المواقع وأكثرها تعرضاً للنقد وإثارة الحفائظ. فالمحافظون ينظرون للمصلح باشتباه ويعتبرونه خطراً على النظم التقليدية القديمة. والراديكاليون المتعجلون، ينظرون إليه أيضاً بالريبة ذاتها، لاعتقادهم أنه يطيل من عمر الواقع الذي يريدون تغييره جذرياً.

د. محمد جابر الأنصاري

القصيبي ودوره الطليعي

غازي عبدالرحمن القصيبي علم من أعلام الثقافة العربية الحديثة. ساهم فيها بقسط وافر من العطاء الفني المتميز في مضماري الشعر والسرد علاوة على أعماله الفكرية. وإذا كان للشعر حضور قديم في المجتمع العربي في المملكة العربية السعودية فإن إسهاماته في هذا المضمار إسهام في إغناء التجربة العربية السعودية وإثراء لها. لكن اعتبار الرواية نوعا سرديا حديثا في الأدب السعودي، يدفعنا إلى التسليم بدوره الطليعي في تفجير الطاقات السردية والروائية بصفته مبدعا حقيقيا، أبرز أن الرواية مجال تعبيري له خصوصياته، ويمكن للعربي في المملكة العربية السعودية أن يكون روائيا، وأن يقدم شيئا يثري التجربة الروائية العربية والعالمية. وفعلا بدأنا الآن نجد علامات روائية سعودية تفرض وجودها وتستقطب الاهتمام إلى إنجازاتها.

د. سعيد يقطين

عاصفةُ شاعر ونجاحاتُ إداري

هذا الرجل القريب جداً من قلب السلطة هو بعيدٌ عنها في نفس الوقت! وذلك حين تكتشف أنّ معظم كتبه أو بعضها على الأقل ممنوعٌ في بعض البلدان العربية..، أو أنه قدّم لروايةٍ صدرت في مكان ما وصودرت فور نزولها إلى المكتبات!

رجلٌ يثير الإعجاب والحيرة معاً! الإعجاب لقدرته الفائقة الدائمة على أن يكون في قلب الأحداث والمتغيرات، ويتبع ذلك هذه الروح المتجددة في الرواية والشعر والثقافة..، كأن حياته اختيارٌ، وطريق في حديقة الحياة، نجح في أن يقطف منها ما لذّ له وطاب، بعزمٍ، وحزم، وذائقة نادرة.

أما الحيرة، فمبعثها، تساؤلٌ مشروعٌ، وهو.. إلى أي مدى كان غازي القصيبي السياسي مبدعاً أو حتى مثيراً للإعجاب؟..

ماذا فعلت السياسة بغازي الشاعر والمثقف، والعكس؟! وفي كل أحوال هذه الإجابات على هذه التساؤلات فإن كفّتي الميزان تتأرجحان، ربما لأن حياة الرجل عاصفةُ شاعر، ونجاحاتُ إداري، وآمالُ سياسي، وغموض دبلوماسي! وإن كان الغموض آخر صفة يمكن أن يتصف بها غازي القصيبي، الذي غزى المواقف بالرأي المعلن، وصدح صوته شعراً ونثراً في كل الحقب والأوقات.

خالد الرويشان

المثير للجدل

مثير للجدل في عطائه وعاصف في بيان مراده لذلك واجه غازي القصيبي الصعب وتحمل واحتمل ولكنه في نهاية المطاف كان يعود إلى موقع ما يثبت أنه كان طاهر النوايا وصادقها، وأنه رقم لا يجوز إهماله في مسار الحياة السياسية والإدارية في وطنه. ولأن الإبداع كالعجز له ثمن فإن الدكتور غازي القصيبي قد دفع هذا الثمن راضياً لقصيدة قالها فأثارت حوله العاصفة، فإذا اقتلعته العاصفة من موقع أعاده العقل إلى ما هو أفضل.

وأنت تحقق فيما تقرأ له وعنه يملكك السؤال: لماذا وهو العارف أن لكلمته ثمناً ولكنك تدرك أن للرجل إيماناً يظنه قادراً على زحزحة الجبل فإذا اصطدم بحقائق العصر لم يتراجع ولم يتملكه الذعر ولا الندم. هذه هي الصلابة المستولدة من الإيمان والمتطهرة من المخادعة أو المتاجرة بما يؤمن.

د. سعاد محمد الصباح

البحر.. غازي

له من اسمه نصيب. وعليك إن أهدتك الحياة سعادة أن يكون غازي القصيبي صديقك، ولو ردحاً من الزمن، أن تستعد لغزواته، فهو بما أوتي من ذكاء وثقافة وخفة دم وسرعة بديهة، سيهزمك عند أول مناورة، أياً كانت ترسانتك. لقد برمج كل شيء لمنازلتك، بل ليفتك بك. يريدك شاهداً على تفوقه عليك. وبرغم ذلك ستسقط في كمين محبته.

لا أحد ممن عمل مع الدكتور غازي القصيبي أو ممن جالسوه ولو مرة نجا بريشه. هو يملك تشكيلة فخاخ سيختار لك منها ما يناسبك. أما إن كنت محظوظاً فستحظى بها جميعاً.

سينصحك، ويضحكك، ويبهرك بما يحفظ من أشعار. ويروي لك قصصاً وطرائف لا تدري من أين جاء بها. ويرتجل من أجلك قصيدة ساخرة وربما قصيدة هجاء. وسيطلق عليك لقباً ساخراً يؤدبك به. سيكون معلمك دون ادعاء. مدافعاً عنك دون أن تستنجد به. منصفاً لك حين تكثر من حولك الخناجر. يساندك دون أن يمنّ عليك. وقد يذهب حدّ الاستنجاد بزوجته لإنجاز ما وعدك بمساعدتك فيه أدبياً ولم يجد له من وقت. لكرمه، لن يترك لك من فرصة لشكره.

ما يهم البحر إن شكرته؟ فيما يعطيك دون انتظاره شكراً منك، يكمن مكر تذكيرك بأنه البحر!

إن كنت تضاهيه كرماً ستشقى بسخائه. كأنه يأخذ منك ما يعطيك.

أحلام مستغانمي

أرى غازي القصيبي شاعراً شديد الارتباط بتراث أمته متخذاً منه أرضاً صلبة ينطلق منها ليعبر عن صوته الخاص مستفيداً في الوقت نفسه من براعة الروائي في السرد والحوار.

وأراه كاتباً شديد العناية بما اعتاد الأدباء العرب إهماله أو تجاهله أو تركه لمصححي المطابع عجزاً أو جهلاً، وهو الفواصل والنقاط التي يتقن غازي القصيبي استخدامها في نصوصه الاستخدام الصحيح لكونها المنظم لما في تلك النصوص من إيقاعات.

وأراه كاتباً جريئاً مخلصاً لكل ما يؤمن به، فهو من الأدباء العرب القلائل الذين يدفعون ثمناً باهظاً لكل كلمة من كلماتهم، ولكن القصيبي يدفع الثمن بصمت ومن غير ضوضاء وضجيج وجعجعة إعلامية متابعاً السير في الطرق الوعرة المفضلة لديه. وأراه أديباً رابط الجأش صابراً يتفرج على نقاد يتطوحون يمنة ويسرة في دراسات مطولة تشهق إعجاباً بتفاهة وركاكة مهملين الأدب المبدع بحق.

زكريا تامر

المكانة الاستثنائية

إنّ لغازي القصيبي عندي شخصياً، مكانةً استثنائية، فأنا أُحبّ الرجل -عن بُعد- وأتابعه باستمرار.. وأرى في خط سيره الصّاعد دائماً، ما يجعله قادراً على أن يكون بشعره، وأدبه وحدهما في الصف الأول، بين شعرائنا جميعاً، وبإمكانه كذلك -لو أراد- أن يستغل معرفته الواسعة بأكثر من لغةٍ عالمية، ليسجّل اسمه في قائمة المبدعين العالميّين.. وصولاً إلى أرفع الجوائز التي فاز بها من هم أقلُّ منه بكثير.. غير أنّه لا يُريد.. وحسبُهُ أنّه يكتبُ ما يشاء، لا ما يشاء غيرهُ، ودون أن تُقيّده كما الكثير ممّن نعرف.. شهوة الجوائز، أو شهادات التقدير..ولعلّي كنت أقصده بقصيدتي عن (الجائزة)، أية جائزة.. حين قلتُ.

حيدر محمود

مالئ الدنيا

قليل هم الشعراء العرب المعاصرون الذين يقترب حالهم من القول المشهور في أبي الطيب المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس)، ولن أكون مبالغاً أو مجاملاً إذا ما قلت: إن الشاعر الكبير غازي القصيبي يعدُّ واحداً من هؤلاء القلائل الذين (ملأوا الدنيا وشغلوا الناس)، لا بوصفه شاعراً متميزاً وواحداً من رواد التحديث الشعري في الجزيرة العربية فحسب؛ وإنما بوصفه أيضاً روائياً وكاتباً وسياسياً مرموقاً. فقد شرّق غازي القصيبي وغرّب، وكان منذ بداية حياته الأدبية يدرك خطورة الكلمة، ويعترف بمالها من قيمة عالية في الحياة وبما تحمله من طاقات التثوير والتنوير، والإصلاح، ومقاومة الجمود والتقليد، وبناء الإنسان وإغناء وجدانه سواء كانت الكلمة، شعراً أم نثراً، أدباً أم فكراً

د. عبد العزيز المقالح

الوجدان والمحيط

أرى أن القصيبي من خلال إنتاجه الشعري والنثري يملك رؤية واعية لواقعنا العربي الاجتماعي والسياسي، وما يحفل به من هموم ومخاوف، وأنه استطاع أن يزاوج بين وجدانه ومحيطه وكثيراً ما كان وجدانه في الشعر وبخاصة في الحب يشكل إطاراً للحديث عن معاناته الإنسانية، فشعره متميز بالمصداقية؛ إذ يعبّر في جانب منه عن الذاتية الحالمة الحزينة الهاربة من الواقع المرير إلى التطلع لعالم القيم العليا، الراغبة في تقويم حياة المجتمع وإصلاحه؛ فهو إذا جاز التعبير رومانسي واقعي لا خيالي إلى جانب أنه مجدد في الشكل والمضمون.

د. مصطفى طلاس

النهضوية التنويرية

المبدع القصيبي قادر وساحر، وشهية موائده كما موائد سلاطين الكلام.

واللافت حقاً أن تتوفر في أدب طاقة غنية بإشعاع موسوعي، كما عند القصيبي، كل ضوء في منارة، وكل نص حدث واكتشاف، في زمن خلت فيه ساحة الثقافة العربية ممن يسدون جوع العقل والروح، ويضيفون إلى قاموس المعرفة حرفاً جديداً.

ويأتي قبل هذا وذاك من عناصر الجذب في نتاج هذا المبدع، أنه مسكون بهم نهضوي تنويري وملتزم قضية الأمة وإنسانها، يضرب بجرأة وقسوة ولا يساوم، ويتحدى أكواماً من المفاهيم العتيقة التي تشل الإنسان العربي وتمنعه من اللحاق بالعصر وآفاقه النضرة. وإذا كان المثقفون العرب، في غالبيتهم، قد استهواهم التغريب والتبرؤ من تاريخهم وتراثهم وهموم مجتمعاتهم، فإن القصيبي معاند كبير وواع أصيل لم يتلوث ولم يتخل عن جذروه، ولم يتنازل عن دوره كناحت في الصخر بحثاً عن المياه العذبة والإنسان العربي الجديد.

غسان مطر

توليفة الاستثناء

إنه حالة إبداعية إنسانية، وتوليفة من العناصر، توافرت لرجل واحد، وصنعت هذا المبدع الشاعر الروائي الباحث الكاتب الساخر والجهبذ السياسي الدبلوماسي الإداري، طبعا، قد لا يستطيع القارئ أن يرى الجزء من جبل الجليد القصيبي الغائص تحت الماء، لأن هذا يحتاج إلى معرفة شخصية ومعايشة ومسامرة، ولكنه سوف يستطيع من خلال قمة الجبل الطافحة فوق الماء وهي مقالاته ورواياته ودواوينه وكتاباته البحثية ومواقفه العلنية وسجله الوظيفي المفتوح للجمهور من خلال مناشط المدير والوزير والسفير، أن يرى جزءا كبيرا من جسم هذا الجبل.

د. أحمد بن إبراهيم الفقيه

يتبع ...