رضوى عاشور… رحلة الرهانات على الأمل

محمد عبد الرحيم
(مصر)

 رضوى عاشور القاهرة - «القدس العربي» : رحلت صباح الاثنين، الكاتبة الكبيرة رضوى عاشور (1946 – 2014)، عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد مشوار حافل، أكاديمياً وسياسياً، فكان التنظير والتطبيق لأفكار طالما آمنت بها هو سبيلها الوحيد. وقد دفعت ثمن ما قامت به في مواجهة السلطة الحاكمة، التي رأت في أفكارها الكثير من التجاوز، لكنها استمرت ودافعت عنها بكل طاقتها الأدبية والأهم على أرض الواقع. كان البحث الدائم لها هو محاولة بث الأمل في ماض انقضى، وربما ثلاثية غرناطة خير مثال على مجد عربي - ربما نختلف حوله - وقد نرى في بعض أعمالها نبرة خطابية عالية، إلا ان الصدق كان يشفع للحلم مقارنة بالواقع. وهنا شهادة بعض الأدباء المصريين عن الراحلة…

الفكر والإبداع معاً

يقول الشاعر أمجد ريان… سيظل عقل رضوى عاشور يعيش بيننا، يثري حياتنا، فقد كانت رمزاً ثقافياً، كل مواقفها كانت مشرفة، وكانت مرتبطة بوطنها المصري، وبكل قضية إنسانية خارج وطنها، ويتضح هذا جليًا في كتاباتها النقدية المختلفة، وفي ارتباطها بالشاعر الفلسطيني المناضل مريد البرغوثي، وفي تنظيرها للرواية في فلسطين، وفي غرب أفريقيا.
على المستوى الشخصي دعمتني رضوى عاشور في توقيت كنت فيه في أشد الحاجة للدعم، حين جئت إلى القاهرة قادماً من قنا، فقد شجعتني، وقرأت نصوصي بدقة وباهتمام بالغ .. وقدمت لي نصائح غالية أثرت على كتابتي حتى اليوم. وعلى مستوى الإبداع كانت كتابتها مجددة بدون أن يُخِل ذلك بمواقفها الفكرية.. بل دعم تجديدها تلك المواقف.
أما في «ثلاثية غرناطة» التي تكفيها عطاء أدبياً، فقد قدمت رواية تاريخية على نمط الروايات التاريخية الكبيرة في العالم كله، والروايات التاريخية العربية التي بدأت من كتابات جورجي زيدان، مروراً بعلي أحمد باكثير، ثم ما كتبه نجيب محفوظ بعد ذلك. لقد تابعت رضوى سقوط مملكة غرناطة، وضياع الأندلس، وإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير، آخر ملوك غرناطة عن المملكة مهزوماً أمام جيوش ملكي قشتالة وأراجون، ولا تخفي بالطبع المعاني الإسقاطية التي تعبر عن أزماتنا العربية في العصور الحديثة. رضوى عاشور نموذج للمثقفة العربية ينبغي أن يحتذى من قبل كل كاتب وكاتبة.

قيمة التحرر الوطني والإنساني

ويذكر الكاتب والروائي براء الخطيب أن رضوى عاشور الكاتبة لها عدة وجوه، وكل هذه الوجوه تعكس قيمة حقيقية في الثقافة والأدب، تؤكد على قيمة التحرر الفكري والثقافي، كتبت رضوى القصة القصيرة، فكانت المجموعة القصصية البديعة «رأيت النخل»، والرواية ولها ما يزيد عن عشر روايات منذ روايتها «حجر داف-ـئ» وحتى روايتها «الطنطورية» ولن أست-ط-يع أن أحدثك عن القيمة النقدية ل-ـه-ـذه الك-ـتابات المبدعة، غير أني أست-ـطيع القول إنها كلها كانت تؤكد على قيمة التحرر الوطني والإنساني.
أما عن رضوى عاشور الأكاديمية والأستاذة الجامعية فتظهر هذه القيمة في تلاميذها وتلميذاتها الذين يملأون الحياة الثقافية، أما عن رضوى عاشور الناقدة الكبيرة، فمنذ أن كتبت «بحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو/أمريكية» فقد ظهرت إلى الوجود الثقافي تقريبا سنة 1975 ناقدة تشق الطريق باتجاه طريق حقيقي للنقد الأدبي، وكانت هذه الدراسة على ما أذكر هي رسالتها للدكتوراه من جامعة كبرى في أمريكا، وبالنسبة لي شخصيا أعتز اعتزازا كبيرا بكتابتها عن روايتي الأولى «إنهم يأتون من الخلف» التي صدرت لي سنة 78 عن دار ابن رشد في بيروت، كنت أعيش أيامها في بيروت، حيث كنت ملتحقا بمنظمة التحرير الفلسطينية في الإعلام الموحد، في هذه الأيام كتبت عن روايتي أيضا صديقتها الناقدة الكبيرة فريدة النقاش، ونشرت الدراسات في عدد خاص عن الرواية أصدرته مجلة «الآداب» البيروتية بإشراف الدكتور سهيل إدريس. الكلام عن رضوى عاشور الروائية والناقدة يحتاج إلى مجلدات، أما عن رضوى عاشور المفكرة المناضلة من أجل التحرر الفكري والثقافي والإنساني، فدعني أقول لك ما قاله عنها محمد هاشم الناشر: رضوى عاشور هو الاسم الأول على اليمين دائماً في أي موقف معلن من المثقفين المصريين يدافع عن حرية الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير الأدبي والعلمي، كان العم والأستاذ إبراهيم منصور حين يكتب ويصل لصياغة نهائية لبيان ما، يصر بعد كل الصياغات أن يقرأه أحد الموجودين، تليفونيا على الدكتورة رضوى.
أثناء إضراب المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي الذي قاده مع أساتذة وأصدقاء وأبناء وزملاء، وفي الكثير من محطات اشتغاله كضمير للثقافة الم-ـص-ـرية، عزاؤنا لشاعرنا الكبير مريد البرغوثي، وللشاعر تميم البرغوثي، ولكل أحبابها من زميلات وزملاء وتلاميذ وقراء رضوى عاشور.. وداعا.

تجربة حتمية للأجيال الجديدة

ويرى الكاتب والروائي ناصر عراق، أنه برحيل الروائية والناقدة رضوى عاشور، تفقد الحركة الإبداعية والنقدية العربية إحدى زهراتها اليانعات. رضوى عاشور كانت وردة في بستان النساء المبدعات المصريات والعربيات، في كافة المجالات، كلطيفة الزيات وإنجي أفلاطون. ويتبدى ذلك في «ثلاثية غرناطة»، التي فتحت أعيننا ووعينا على دنيا جديدة لنا كمصريين وعرب. من ناحية أخرى فهي درست ودرّست الأدب والنقد، وبالتالي جاءت روايتها مُحكمة البناء، وتتسم بخيال واسع وجرأة شديدة على الطرح، إضافة إلى قدرتها على السيطرة على اللغة العربية، واكتشاف طاقتها القصوى. ولي معها موقف خاص لن أنساه، حينما كانت عضو لجنة تحكيم جائزة أحمد بهاء الدين في دورتها الأولى عام 2000، والتي حصلت فيها على المركز الأول عن كتاب «تاريخ الرسم الصحافي في مصر»، وتشرفت بأن قامت رضوى عاشور بإلقاء تقرير اللجنة، في حضور محمد حسنين هيكل.
لن أقول إنها رحلت، لكن أعمالها دوماً ستظل محفزا للمبدعات المصريات والعربيات، خاصة الأجيال الجديدة، بعدما اكتملت تجربة الكاتبة الكبيرة، التي كانت تكتب بجناحي العدل والحرية، فليرحمها الله.

رضوى عاشور السيرة والمسيرة

ولدت الكاتبة الراحلة في 26 ايار/مايو 1946 في القاهرة، ودرست الأدب الإنكليزي وحصلت على الماجستير في الأدب المقارن من جامعة القاهرة عام 1972 ونالت الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس في الولايات المتحدة عام 1975 وعملت بالتدريس في كلية الآداب بجامعة عين شمس، كما عملت أستاذا زائرا في جامعات عربية وأوروبية.

في الأدب:

الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا، دار الآداب، بيروت، 1983
حجر دافئ/رواية/ دار المستقبل، القاهرة، 1985
خديجة وسوسن/رواية/دار الهلال، القاهرة، 1987
رأيت النخل/مجموعة قصصية/مختارات فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987
سراج/رواية/دار الهلال، القاهرة، 1992
ثلاثية غرناطة/ دار الهلال، 1995
أطياف/رواية/دار الهلال، القاهرة، 1999
تقارير السيدة راء/نصوص قصصية/دار الشروق، القاهرة، 2001
قطعة من أوروبا/رواية/ المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، دار الشروق، القاهرة، 2003
الطنطورية/رواية/دار الشروق، القاهرة، 2010

في النقد:

البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو-أمريكية (بالإنكليزية:The Search for a Black Poetics: A Study of Afro-American Critical Writings)، رسالة دكتوراه قدمت لجامعة ماساشوستس بأمهرست في الولايات المتحدة، 1975
الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفانى، دار الآداب، بيروت، 1977
جبران وبليك Gibran and Blake (باللغة الإنجليزية)، الشعبة القومية لليونسكو، القاهرة، 1978
التابع ينهض: الرواية في غرب إفريقيا، دار ابن رشد، بيروت، 1980
في النقد التطبيقي: صيادو الذاكرة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، 2001
تحرير بالاشتراك مع آخرين، ذاكرة للمستقبل: موسوعة الكاتبة العربية، (4 أجزاء)، مؤسسة نور للدراسات وأبحاث المرأة العربية والمجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004.
الحداثة الممكنة: الشدياق والساق على الساق: الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث، دار الشروق، القاهرة، 2009.

الجوائز

- جائزة أفضل كتاب لعام 1994 عن الجزء الأول من ثلاثية غرناطة، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب.
- الجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن ثلاثية غرناطة 1995
- جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان. 2007
- جائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا. 2009
- جائزة بسكارا بروزو عن الترجمة الإيطالية لرواية أطياف في إيطاليا. 2011
- جائزة سلطان العويس للرواية والقصة 2012
وترجمت أعمال الكاتبة الكبيرة، إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والإيطالية والإسبانية.

الأكاديميا والنشاط المدني:

عضو لجنة الدفاع عن الثقافة القومية
عضو اللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية.
عضو مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات.
عضو لجنة جائزة الدولة التشجيعية
عضو لجنة التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة
عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة
وشاركت رضوى عاشور في العديد من المؤتمرات وساهمت في لقاءات أكاديمية عبر العالم العربي (بيروت وصيدا ودمشق وعمان والدوحة والبحرين وتونس والقيروان والدار البيضاء)، وخارجه (في جامعات غرناطة وبرشلونة وسرقسطة في إسبانيا، وهارفرد وكولومبيا في الولايات المتحدة، وكمبريدج وإسكس في إنكلترا، ومعهد العالم العربي في باريس، والمكتبة المركزية في لاهاي، ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب وغيرها).

القدس العربي- December 1, 2014

*****

رضوى عاشور الناقدة الروائية المعارضة..
أي حياة خصبة تركت وراءك

عباس بيضون

تاريخ المقال: 02-12-2014 01:44 AM

 رضوى عاشوركان يمكن أن نسميها الوردة، وجهها وقوامها ملمومان كوردة كبيرة. ضحكتها المخملية تتكسر وتصل رويداً رويداً إلى الحضور. صوتها ونظارتها تصدر عن القلب. كانت رضوى عاشور لمن يحضرها قلباً وقلباً فحسب، قلباً يتنفس ويبتسم ويتكلم. كانت من جيل ولد تحت كواكب كبيرة وعاش معلّق البصر والنفس والمهجة بأشياء كبيرة، مهمات ثقيلة رزح تحتها هذا الذي عاش للعظائم والمبادئ الحديدية والحملات المرصوصة والأحلام البعيدة، جيل كان موزعاً بين التبشير وبين الدعوى وبين الخروج والتمرد والمجابهة في الجامعات وفي الشوارع، كان يمكن للثقافة أن تتجهم وأن تتوثن لولا نخبة كرضوى وسواها تنفست الحرية مع القانون والانتظام العقائدي. رضوى الناقدة لم تكن حرفية ولا داعية أو محرضة. لقد استطاعت أن تدمج بين ما هو إنساني ووجداني وبين ما هو عمق وأصالة، وبين ما هو مستقبلي وطليعي. من الناقدة ولدت الروائية التي حملت إلى الرواية فكرها النقدي، وأعطت للتاريخ حصته وللموقف حصته وللمتعة حصتها.
هكذا توازت الروائية مع الناقدة، لكنهما توازيا في البدء مع الإنسانة، لا شك أن رحيل رضوى عاشور سيترك فجوة في فضائنا وفي ثقافتنا، الحب والطيبة سيفتقدانها بالتأكيد، سينقص شيء في هوائنا وفي سمائنا، لكننا هنا في وداع امرأة هو أيضاً وداع جيل أخذ يتناقص بالتدريج لنذكر أن هذا العالم لم ينختم إلا وفقدنا بعض كبارنا. خيري شلبي ومحمد البساطي وإبراهيم أصلان، والآن رضوى عاشور. إنه الجيل العارم المتمرد المصارع، جيل المهمات الكبيرة التي لم تفعل سوى تدمير أصحابها، جيل الحملات التي تبددت في الهواء، مع ذلك كان أيضاً جيل الملاحم التي انقلبت عليه. جيل النبل والأخلاق التي تفضي إلى الخسارة، وداعاً رضوى لقد التحقت برعيل كبير ترك وراءه فراغاً واسعاً.

جرجس شكرى: رمز جيل

رضوى عاشور الروائية، والأكاديمية، والناقدة، والمناضلة، صاحبة المواقف الثورية، التي أثارت جدلا كبيرا.. كل هؤلاء رضوى عاشور.. لكن تبقى في مخيلتي تلك السيدة التي التقيت بها فى نهاية التسعينيات مع الراحلين محمد البساطي، وإبراهيم منصور في أزمتي «وليمة لأعشاب البحر»، وأزمة «الروايات الثلاث».
كنت الأصغر بينهم وكانت هي الأكثر حماسة وصلابة، نلتقي ليل نهار لإصدار البيانات وبحث الأزمة، وما زلت أذكر موقفها الصارم في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير بروح فتاة في العشرين وخبرة السنين الطويلة، وحين كانت تضيق بنا الأماكن كان بيتها مفتوحا نلتقي فيه؟ اعتبرت نفسي محظوظا في تلك الأيام وأنا ألتقي يوميا بهذا الجيل صاحب المواقف التي تعلمت منها الكثير. رضوى هي أحد رموز هذا الجيل الذي دافع بقوة عن الثقافة وحرية الإبداع حتى الرمق الأخير.

(شاعر مصري)

إبراهيم عبدالمجيد: شهر قاس

رضوى عاشور واحدة من أهم كتاب جيل الستينيات، وإن كانت قد احتفت فى بداية حياتها بالنقد الأدبي والعمل الجامعي، إلا انها كانت على اتصال بالواقع الأدبي، لم تنعزل عنه. أتذكر أن أول ندوة أقمتها في حياتي بعد صدور روايتي «ليلة العشق والدم».. كانت المتحدثة الرئيسة هي رضوى عاشور. هي إنسانة رائعة جدا، كانت تدرك أن ما سيتبقى من الإنسان ما تكتبه يداه، لذا فاجأت الجميع بدخول عوالم الإبداع، وقدمت عددا من أعذب الروايات. من بينها «ثلاثية غرناطة» التى كانت تذكرة غير مباشرة بما يحدث فى فلسطين. بحثها التاريخي فى الرواية كان كبيرا وعظيما.
ظلت رضوى مؤثرة وفاعلة فى الواقع السياسي، خصوصاً في عملها في جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعة، وقد رأيتها آخر مرة قبل عام ونصف عام تقريبا، كنت خارجا لاستراحة من ميدان التحرير، وكانت داخلة إلى الميدان، ممتلئة بالتفاؤل الشديد. هذا الشهر قاس بالفعل علينا، فقد رحل فى وقت متقارب محمد ناجي، إبراهيم مبروك، وأخيرا رضوى... تركونا جميعا في حزن شديد!

(روائي مصري)

حمدي عبد الرحيم: أيتها الحنون

قبل عشرين عاماً قرأت قصيدة للشاعرالكبير مريد البرغوثي عن «حلوة جنّنتنا بذيل الحصان».
جننتني القصيدة، فهاتفت (بشجاعة نادرة) الدكتورة رضوى عاشور زوج الشاعر، طالباً منها نسخة من ديوان «رنة الإبرة» الذي يضم قصيدتي الحبيبة. طبعًا قدمت اعتذاري لأن الديوان ليس موجودًا بمكتبات القاهرة.
كأنني والله قد رأيت ابتسامتها وهي تحدد لي وقت الزيارة في بيتها بوسط البلد.
أرسل الله لي الصديق أشرف عبد الشافي فتسلحت بصحبته.
دخلنا إلى بيت كبيت علاء الديب وصافيناز كاظم حيث تعرّش النظافة والمحبة والسكينة.
قدمتْ لنا نوعاً من الفطائر لم نكن قد تذوقناه من قبل، مال أشرف عليّ هامساً: «هتطلع أنت بالديوان فسيبني أدوس في الفطير دا».
كأنها قد سمعت همس أشرف، فقد جلبت المزيد من الفطائر قدمتها لنا ضاحكة: «دي فطاير مكسيكية اتعلمت أعملها من وقت ما كنت بحضّر الدكتوراه في أمريكا».
شرّق بنا الكلام وغرّب، وكنت في الحقيقة مشغولًا بالحصول على نسخة الديوان أكثر من انشغالي بمجريات الحديث، لاحظتْ هى ذلك فقامت وجاءت بنسخة فاخرة من الأعمال الكاملة لزوجها الحبيب وشاعري الكبير مريد البرغوثي، قفز قلبي من الفرح وأنا أحتضن النسخة الفاخرة، حك أشرف ذقنه تعبيراً عن أحاسيس الحسد والغيرة وهمس: «أهو اسمي كلت فطير مكسيكسي».
كنتُ أتعجل الانصراف لأنفرد بالنسخة الفاخرة (هذه من عاداتي السخيفة)، قبيل انصرافنا بلحظة، تلقت الدكتورة رضوى اتصالاً من ناقد، انقلبت السيدة الحنون الرقيقة إلى نمرة متوحشة، وصبت على رأس الناقد وقلبه وضميره أبشع اللعنات.
كنتُ وأشرف مرتبكين أمام لهاث غضب السيدة الرقيقة التى قذفت بسماعة التلفون ثم نظرتْ إلينا قائلة: «البني آدم دا لازم تعرفوه كويس وأوعوا تصدقوا كلمة من كلامه، الأخ أديته إمبارح كتاب ليا، طبعًا لا يمكن بالعقل كدا يكون قرأه، أتفاجأ النهاردة الضهرية بالبيه طالع على إذاعة الشرق الأوسط وهو بيختار كتابي بوصفه أحسن كتاب في السنة، قرأه أمتى النصاب الحرامي دا؟ ناقد ايه دا، دا حرامي الغسيل أشرف منه ميت مرة، هو فاكر إنه بكدا هيرضيني؟ هو شايفني عيّلة تافهة للدرجة دي، أخس على دي ناس معندهاش قيم ولا مبادئ ولا ضمير».
رحمك الله يا رضوى يا أيتها الحنون التى لا تساوم على مبدأ، ونفعنا بحنانك وحسمك وفنك وعلمك آمين.

(روائي مصري)

محمد هاشم: أي ضمير فقدنا

الاسم الأول على اليمين دائماً فى أي موقف معلن من المثقفين المصريين يدافع عن حرية الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير الأدبي والعلمي، كان العم والأستاذ إبراهيم منصور حين يكتب ويصل لصياغة نهائية لبيان ما، يُصرّ بعد كل الصياغات أن يقرأه أحد الموجودين تليفونياً على الدكتورة رضوى، أثناء إضراب المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي الذي قاده مع أساتذة وأصدقاء وأبناء وزملاء، وفي الكثير من محطات اشتغاله كضمير للثقافة المصرية، لا بد وأن أحدكم سمعه يسأل بإلحاح، "حدّ كلم الدكتورة رضوى"، ليتأكد من وجود الاسم الأول قبل السيدات والسادة الموقعين. إذا كنت مثلي من جيل يتذكر لجنة الدفاع عن الثقافة المصرية، أو 9 مارس، للدفاع عن استقلال الجامعات، وكأبرز من عبّر عن حركة النخبة الجامعية الليبرالية واليسارية، وحين تذكر أو تسمع عن 1972 لا بد أنك ستعرف أي ضمير فقدنا.
رضوى عاشور وداعاً!

ناشر مصري

بطاقة

- ولدت في القاهرة سنة 1946.
- متزوّجة من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي سنة 1970 ولهما ولد واحد هو الشاعر تميم.
- حازت الماجستير من جامعة القاهرة سنة 1972 والدكتوراه من جامعة ماساشوستس سنة 1975.
- عادت إلى مصر برسالة دكتوراه «في البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو ـ أميركية».
- رئيسة قسم الأدب بكلية الآداب في جامعة عين شمس، وأستاذة بقسم اللغة الإنكليزية، لمدّة ثلاث سنوات.
- بدأت الكتابة سنة 1980، وكتبت قصة رحلتها إلى أميركا كطالبة دكتوراه.
- نالت جوائز عدة من مصر وخ-ـارجها ومنها جائزة قسط-نطين كفافي-ـس الدولية للأدب في اليونان ع-ـام 2007، وجائزة سل-طان العويس للرواية والقصة في الإمارات عام 2012.
- من مؤلفاتها: الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا (1983)، حجر دافئ - رواية (1985)، خديجة وسوسن - قصص (1989)، رأي النخل - قصص (1989)، سراج - رواية (1992)، غرناطة - رواية (1994) حصلت على جائزة «معرض القاهرة للكتاب» لأفضل رواية، مريمة والرحيل - رواية (1995)، تقارير الى السيدة راء (2001)، قطعة من أوروبا (2003)، فرج - رواية (2008). ولها كتابان في النقد الأدبي.
- عض-ـو لج-نة الدف-اع عن الثقافة القومية المهتمة بمواقف رافضة للوجود الصهيوني في مصر والوطن العربي.
- اشتهرت بمعركتها الشرسة ضدّ «السرقات العلمية» التي تمثل إحدى ركائز الفساد في الجامعة المصرية.

***********

رضوى عاشور: آلمني رحيلك بقدر ما أدهشتني حياتك

يمنى العيد

لا أدري عن أية رضوى سأبدأ الكلام، عن رضوى الروائيّة، أم الأستاذة الجامعيّة، أم الصديقة، أم والدة تميم وزوجة مريد.. عن رضوى المناضلة في الجامعة وفي الميدان ومع المرض..
سأبدأ بالإشارة إلى كتابها «أثقل من رضوى» الذي ما زال حيّاً في ذاكرتي وما زالت حرارةُ كلماته وإيقاعُ حروفه المعجون بالمكابدة ينبض بين ضلوعي .. ما زالت لذعة الألم تطوِّق قلبي وصرخةُ الإعجاب بالمريضة المناضلة تستقرُّ في حنجرتي.. ويواجهني السؤال كيف يكون بإمكاني أن أكتب.
مثلُ الكلام على شجرة تتفرع غصونها حين الكلام على رضوى. شجرةٌ هي رضوى بأكثر من غصن.. تتفرّع، تمتد، تزهر بلا انقطاع.. بلا كلل.
لم أكن أتصوّر أنَّ مريضاً على هذا القدر من المعاناة يبحث عن ورقة ليكتب قبل أن يفيق من البنج.. لم أتصور أنَّ مصاباً بمرض خطير، لا يفكرُّ إلاّ بالعودة إلى مصر، مصر التي هي أكثرُ من وطن، مصر الميدان والثورة. يعود وينجز كتاباً بالغَ الجمال والثراء.
من أنت يا رضوى، ومن أين جئت.. هل من الأنثى الفائقةِ الجرأة والعطاء.. الأنثى التي حكمت وأنجبت وتركت لك استعادةَ ذلك التاريخ.. فآمنتِ بالثورة، وعملتِ لأجلها كي تكون مصر، تلك الأنثى الأم، أماً لنا جميعا؟
كأنّ الحياة التي كنت تنشدينها وأنت تقاومين المرض هي قرينة ذلك النهر الذي ما زال يجري منذ أزل الآزلين.
كأنّك عندما كتبت عن الشهداء والثورة، كنت مثل كلِّ المناضلين، «مسنودة بقوة على تراثٍ ممتدٍ من أوزوريس»، حتى هؤلاء الشباب الذين يقدّمون حياتهم قرباناً من أجل العدالة والديموقراطيّة والكرامة.
آلمني رحيلك يا رضوى بقدر ما أدهشتني حياتك. إنه ذاك الألم التاريخي الذي ما زلنا نعيشه، والذي حكيتِ عنه أكثرَ من حكاية. حكاية نضالات الجامعة وشهدائها.
أكثرمن حكاية حكيت، حكايةَ هند، أنثى قرية أكياد بالقليوبية، الأنثى المهانة التي اقتلع عملاءُ القمع حجابها وعرّوها أمام الناس وداستها «رجليهم» وكأنّها حشرة. وحكايةَ شعبان مكاوي الطالب، الدكتور، الزميل المريض، وكأنك تحكين عن كل شباب الريف المسكونين بحلم الحياة العادلة وبحب مصر.
تحكين عن فنّ الجداريّات، عن المحو والرسم، عن التناسخ والتعدّد.
في كتاباتك تحتشدُ الثّقافة، يحتشدُ المثقَّفون الجُدُد أبناءُ تاريخِ مصر العريق، الثائرون كما الثقّافة. إنّها الثورة، «الثورةُ الجديدة» كما تسمّينها، غيرُ المقطوعةِ من شجرة، ولا أتت من فراغ. شهداؤها «مسنودون بقوّةٍ على تراثٍ بكته امرأةٌ حتى فاض النيل، وشهداءِ المسيحيّةِ الأوائل و»لا تحسبن» ومددِ أبي عبد الله الحسين سيّدِ الشهداء، وصولاً إلى آبائهم المباشرين بطول تاريخنا الحديث».
تحفرين في طبقات التاريخ، تجدين ناظراً يكتب عن تاريخ مدينة.. هي مدينتك. يكتب، فتسألينه عن معنى الحكاية، عن حقيقتها.. فأنت مشغولة بالمسار، بهويّة المكان، برؤية ما لا يُرى، بمعنى الهدم والبناء.
ها أنا ألهث خلفك يا رضوى، أعبر عوالمك المتخيّلة.. عوالمك المحمولةَ بأجنحة الإبداع، المغرّدةَ على إيقاعات حقائقها.
تكتبين.. تحكين لنا الحكايات.. كأنّكِ من سلالة شهرزاد.. أنثى الكلامِ المعاصرة.
لا تملّين ولا تتعبين يا رضوى من رواية الحكايات وكتباتها لنا.. كأنّك جدّةٌ لهذا الزمن الذي نعاني عيشه، ويضنينا قمعُه وبحثُنا عن كرامتنا فيه.. جدّةٌ حداثيّة.. تكتب لتحكي، وتحكي فيما هي تكتب عن ضياع تاريخ، أو عن تضييع الإنسان لهذا التاريخ وقد اقتُلِع من أرضه وقريته وبيته.
هكذا جعلت من الكتابة حياة لك، ولنا، نحن كلُّ الذين واللواتي نحبك ونفخر بك صديقةً جميلة، وروائيّةً مبدعة، وإنسانةً نادرةَ المزايا، فائقةَ العطاء، باقية الحضور بيننا وبين قرائك في الشرق والغرب.
لروحك النقية مني ألف تحية وسلام.

السفير
تاريخ المقال: 02-12-2014 01:44 AM

**********

وفاة صاحبة «ثلاثية غرناطة» رضوى عاشور

 رضوى عاشور توفيت الروائية والأستاذة الجامعية المصرية رضوى عاشور صباح أمس عن عمر يناهز 64 عاماً، وأقيمت صلاة على روح صاحبة رواية «ثلاثية غرناطة» في جامع صلاح الدين في منطقة المنيل في القاهرة.
ولدت رضوى عاشور في 26 أيار (مايو) 1946، ودرست اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في جامعة القاهرة. وبعد حصولها على الماجستير في الأدب المقارن، انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية ونالت الدكتوراه بأطروحة عن الأدب الأفريقي الأميركي، وكتبت عن تلك الفترة كتاب «أيام طالبة مصرية في أميركا».
وعام 1979، تحت حكم الرئيس أنور السادات، مُنعت وزوجها الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة في مصر عقب توقيع اتفاق كمب ديفيد. وعام 1980، صدر لها آخر عمل نقدي قبل الخوض في مجالَي الرواية والقصة.
وقد شغلت بين 1990 و1993 موقع رئيسة قسم اللغة الإنكليزية وآدابها في كلية الآداب في جامعة عين شمس، وبعدها بقيت في مزاولة وظيفة التدريس الجامعي والإشراف على البحوث والأطروحات المرتبطة بدرجت-َي الدك-توراه والماجستير.
ومع بداية الألفية الثالثة، عادت عاشور إلى مجال النقد الأدبي وأصدرت أعمالاً تناولت النقد التطبيقي، وساهمت في موسوعة الكاتبة العربية (2004)، وأشرفت على ترجمة الجزء التاسع من موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي (2005).
وتُرجمت أعمال عاشور إلى لغات، منها الإنكليزية والإيطالية والإسبانية. كما نالت جوائز أدبية، منها جائزة أفضل كتاب عام 1994 عن الجزء الأول من «ثلاثية غرناطة» على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، والجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن «ثلاثية غرناطة» أيضاً، وجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وجائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا، وجائزة بسكارا بروزو عن الترجمة الإيطالية لرواية أطياف في إيطاليا، وجائزة سلطان العويس للرواية.
يذكر أن عاشور هي والدة الشاعر تميم البرغوثي.

النسخة: الورقية - دولي الثلاثاء، ٢ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش)
آخر تحديث: الثلاثاء، ٢ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤ (٠٧:٣٩ - بتوقيت غرينتش) القاهرة – «الحياة»


أقرأ أيضاً: