رامبو في الذكرى المئة والخمسين لولادته (1854 ـ 1891)

كوليت مرشليان
(لبنان)

رامبو أنهار الأدب العربي قصص وروايات في رحاب الأدب ديوان الشعر شعر منثور شعر باللهجة المحكية حوارات ولقاءات حكايات وأناشيد للأطفال أغاني وزجل صفحة الدراسات في النقد الأدبي دراسات وأبحاث تاريخ حديقة ديوان العرب أخبار ثقافية إصدارات جديدة كيف تربي طفلك ديوان المعلومات بين الأزهار نصائح للأزواج استراحة الديوان رسائل العشاق محيط اللغة العربية أمثال وحكم جواهر الأدب العربي علوم اللغة العربية أبحاث في اللغة مختارات من الشعر القديم ديوان الفنون السينما والتلفزيون عالم الموسيقى فن تشكيلي كاريكاتير أقلام ديوان العرب قضية للنقاش قضايا المرأة آراء حرة منبر ديوان العرب آداب الشعوب قصص وأشعار فنون وآداب غير عربية رواد الفكر والأدب والفن نشاطات ديوان العرب المكرمون والفائزون أخبار ديوان العرب مسابقة أدب الأطفال لعام ٢٠٠٥ مسابقة القصة القصيرة للعام ٢٠٠٤ مسابقة الشعر للعام ٢٠٠٣ روابط صحافة وإعلام فنون ـ مسرح ـ سينما كتب ومكتبات مواقع أطفال مواقع أدبية وثقافية حقوقية ودولية دراسات وأبحاث

وجامعات تكنولوجيا المعلومات مواقع رسمية روابط منوعة أرشيف الديوان منذ 150 عاماً ولد الشاعر الفرنسي آرثور رامبو الذي يعتبر الأكثر عبقرية بين شعراء فرنسا مع انه طلّق الشعر في سن مبكرة وانطلق في مغامرات مختلفة، لكن شعره بقي مشعاً في سماء الكلمة والإبداع. رامبو كان أيضا التلميذ المتفوق والشاعر الملعون، والتاجر المفاوض والمسافر الدائم. أما القصائد فبقيت شاهدة على عبقرية فذة لم يترك لها صاحبها ان تبرز الى العلن في كل فصول حياته، فالشعر توقف معه في العشرينات وهو مات في أواخر الثلاثينات من العمر والقصائد بقيت لتشير الى إمكانية ما كان يمكن ان يطور ويعطي فوق أوراقه البيضاء التي تركها كما هي، على لونها ومضى الى مغامرات مغايرة.

فرنسا تتذكر شاعرها اليوم، كذلك كل من أحب شعره الذي تُرجم الى لغات عديدة. وبالمناسبة إعادة إصدار كتبه وبطبعات جديدة، احتفالات وخاصة في منطقة شارلويل حيث ولد، ومواقع تتزايد وتتشعب على الانترنت وتحمل كل قديم وجديد حوله وحول مؤلفاته الشعرية.

ولد آرثور في 20 تشرين الأول 1854 في شارلويل وتعتبر مسيرته الشعرية من أقصر المسيرات زمنياً وهي في حدود المئة صفحة مكتوبة بخط اليد وكلها منجزة قبل العشرين. يلي ذلك صمته الطويل الذي كلف النقاد الحبر الكثير لمحاولة شرح هذا الابتعاد المفاجئ عن مملكة الشعر التي وصل إليها بسهولة في حين كان عدد كبير من شعراء جيله يتخبطون في سعيهم الدؤوب الى المنصب الذي رفضه هو بعد حين، حتى انه وحسب أقوال صديق طفولته وزميل الدراسة ومؤرخ وكاتب سيرة حياته ارنست دولاهاي، فإن رامبو لم يعد يذكر شيئاً من تجربته الشعرية في الفترة الأخيرة من حياته، حتى انه نعت قصائده "بالخربشات" و"القذارة". أما بول فيرلين، الشاعر الذي ربطته علاقة "شاذة" به حين كان في سن المراهقة فقد كتب عنه فيما بعد: "انه شاعر ملعون، واحد من الشعراء المعلونين، لكن الغريب في أمره انه هو الذي يلعن نفسه ولا ينتظر الأمر من الآخرين".
كل هذا وقصائد رامبو كان لها أثرها ووقعها في الشعر الفرنسي إذ يعتبر النقّاد انه قطع بها مع المدرسة البارناسية ومع التيار الرمزي الذي كان قد تأجج منذ بودلير وصولاً الى فيرلين وغيره من معاصريه، وأسس لكتابة جديدة تنطلق من تجربة أو اختبار "الرؤيا" وهذه الكتابة شكلت لغزاً وتحدياً تماماً مثل حياته.

عفوية

رامبوتعاطى رامبو مع الشعر بعفوية وسهولة تماماً كمن يبحث عن وسيلة تعبير تفجر مكنوناته الداخلية وليس من باب السعي الى الكتابة التي تشد القارئ وبالتالي تجلب الشهرة والنجاح.

اعتبر رامبو انه عاش طفولة قاسية بعض الشيء الى جانب والدة متسلطة جداً وقاست في تربية أربعة أطفال بعد وفاة زوجها.

لكن تسلطها لم يمنع العاطفة الصادقة التي اعترف بوجودها لاحقاً رامبو بعد بداية أسفاره وابتعاده عنها. عن قسوة الطفولة استعاض رامبو المراهق بحب الشعر والكتابة وكان تلميذاً لامعاً كتب في البداية من وحي التيار البارناسي، بعدها وجّه أستاذه ايزامبار الذي لاحظ موهبته القوية وهو كوّن كل ثقافته الأدبية، كما سيذكر رامبو بعد حين في أماكن عدة.

عام 1870، اندلعت الحرب بين فرنسا وبروسيا، فقرر رامبو الهروب ناحية باريس وبلجيكا لأنه لم يعد يطيق عزلة مدينته. عام 1871، كتب "رسالة الرؤيوي" واشتهر بعد نشره قصيدة "المركب السكران". في هذه المرحلة، التقى فيرلين وعاش معه علاقة شاذة ذاع صيتها في الوسط الثقافي، خاصة بعد اعتراض زوجة فيرلين، فسافرا الى انكلترا عام 1872 وتعتبر هذه المرحلة من أغزر مراحل فيرلين ورامبو الشعرية فكتب الاثنان وأبدعا، ومن المؤلفات الشهيرة لرامبو في تلك الحقبة كتاب "الاشراقات". انتهت هذه العلاقة بأن أطلق فيرلين النار على رامبو وأصابه إصابة طفيفة. كان ذلك عام 1873، وكأن هذه الحادثة وضعت نقطة النهاية على مرحلة باريس وعلى الحياة البوهيمية فيها وعلى علاقته بفيرلين وأيضا على قريحته الشعرية.

مرحلة جديدة

بعد هذه الحادثة بدأت مرحلة جديدة من حياة رامبو وبدأت أسفاره، من ايطاليا الى هولندا والسويد والدانمارك وإفريقيا وقبرص. لكنه كان يعود من وقت الى آخر ليمضي بعض أشهر من الشتاء في منطقة شارلويل حيث ولد. عمل في أسفاره في التجارة وكان موهوباً في جمع الأموال تماماً كما ظهرت مواهبه في كتابة الشعر، لكنه اكتفى بمبلغ بسيط "ليعوّض عن كل الوقت الضائع"، وعن "المرحلة الملعونة" ـ كما يسميها ـ حين استعاد موقعه في عائلته وراح يسعى الى مساعدة والدته. وفي هذه المرحلة وطد علاقته به واكتشف ـ حسب كلامه ـ أنها كانت تحبه على عكس ما كان يعتقد.
ومع رامبو يصعب فصل الأسطورة عن الواقع وماضيه عن حاضره الذي شغل بال النقاد والأدباء وراح كل واحد يطلق عليه تسمية تليق به ومن وحي حياته. انه الشاعر الثائر والفوضوي والبوهيمي الذي ثار أيضا على الثورة وعلى الفوضوية والبوهيمية وعاش عكس ذلك في الفصل الثاني من حياته. الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه وصفه بالتالي: "بوهيمي 1885 قد أصبح الرجل المحترم"، وفيرلين الذي قال عنه ذات يوم انه "الأجمل بين أسوأ الملائكة" صار يسميه "الملاك المنفي"، كذلك بول كلوديل قال عنه "انه المتصوف في حالة التوحشية" وجاك رفيير كتب عنه انه "وحش من النقاء".

رامبوأما بروتون فقال عنه "انه العبقري الذي يجسد جيل الشباب".
وفيليب سوبو وصفه بالتالي: "الأزعر الرائع" وهنري ميللر ذكره بالتالي: "انه يجسد صورة الإنسان العاصي"، ورينيه شار قال عنه: "انه الشاعر الأول لثقافة غير منظورة بعد".
كل هذا لم يكن بالكثير لشاعر شاب كتب أجمل قصائده في السادسة عشرة: "نائم الوادي" و"بوهيميتي" حتى أنها تدرس في المدارس. وهو في العشرين اخذ على عاتقه إيجاد لغة شعرية جديدة فإذا كان عفوياً في قصائده الأولى الا انه بعد حين التزم بهدف أدبي: "عليّ إيجاد لغة (...) وهذه اللغة ستكون من الروح الى الروح وستختصر كل شيء، الروائح والأصوات والألوان، الفكرة المربوطة بفكرة..." وهنا كان التحدي الكبير الذي عاشه رامبو مع "الملاك" أو مع "الشيطان" الذي في داخله، أو هو "ملاك شيطاني" حسب تعبير العديد من الذين عرفوه. ردد ذات مرة وكتب: "الأنا" هي شخص آخر. وهنا لا يتعاطى الشاعر مع الفلسفة الميتافيزيقية، بل هو يحاول ان يشرح التيار العميق الذي اجتاح كيانه يوم ولد من جديد مع كتابة الشعر.
هذا "الرجل المنتعل الريح" الذي كتب عنه كل شعراء ونقاد القرن العشرين، نزل عليه المدح والهجاء من كل صوب، المديح طاول شعره والهجاء حياته التي اتسمت بالفوضوية والشذوذ. ويبقى أجمل ما قيل فيه انه "نقطة سوداء في سماء الشعر لربما، لكن هذه النقطة تجلب كل النجوم باتجاهها".
رامبو ابن الشعر الضال، لماذا كتب الشعر وهو الطالع من بيئة لا علاقة لها بالشعر؟ بالطبع كان لأستاذه ايزامبار الفضل الكبير في توجيه التلميذ الموهوب الى شغف القراءة والاطلاع على كتّاب العالم الكبار. لكن موهبته الخارقة كانت كل البداية. البداية القريبة جداً من النهاية، إذ ان أربع أو خمس سنوات في كتابة الشعر لا تعد الفترة الطويلة نسبة الى المراحل الطويلة التي قضاها الشعراء في التحضير لكتاباتهم.

لكن يبقى السؤال المحير حتى اليوم: لماذا توقف رامبو عن كتابة الشعر؟
ومن قال انه توقف كلياً عن الأمر خلال إقامته الطويلة في القارة الأفريقية؟ من يؤكد لنا انه لم يمر "بأزمات" شعرية حادة هناك؟ من يؤكد لنا انه لم يكتب أجمل القصائد ثم مزقها؟ هل كان يستفيق الشعر في روحه خلال انشغالاته اليومية؟ كيف قاوم الشعر؟ ولماذا قاومه؟ كل هذه التساؤلات بقيت معلّقة في سماء رحيله المؤلم، ليبقى رامبو فتى اللغز الأكبر في تاريخ الشعر الفرنسي.

المستقبل
السبت 14 أيلول 2004

* * *

رامبو في الأدب العالمي

عبده وازن
(لبنان)

رامبوهل بقيت زاوية في حياة رامبو وأعماله لم يُلق عليها ضوء؟ قد لا تحصى الكتب والمقالات والنصوص التي تناولت ظاهرة هذا الشاعر – الفتى (1854 – 1891)، ليس في اللغة الفرنسية فقط وإنما في سائر لغات الأرض، وسعت كلها إلى الإحاطة به، حياة وشعراً، وإلى محاصرته من جهات عدة. وربما لم يحظ شاعر آخر بما حظي به شاعر «فصل في الجحيم» من قراءات نقدية متعددة ومقاربات، ناهيك بسيرته التي ما برحت تغري الأقلام دافعة إياها إلى البحث عن سر هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ الشعر الفرنسي والعالمي.
واللافت ان «الحقل» الدراسي الذي يحمل اسم رامبو ما زال مفتوحاً أمام المزيد من الأبحاث التي نادراً ما تحمل جديداً في شأن هذا الشاعر حتى وإن حاولت ان تعيد قراءته من وجهات أخرى وزوايا غير مطروقة. وقلما تمضي سنة لا يصدر فيها كتاب عن رامبو في فرنسا والعالم أو لا تصدر أعماله الشعرية او بعضها، علاوة على رسائله المهمة، في طبعات جديدة. قد يكون في هذا الأمر مبالغة ما، وخصوصاً من ناحية الفرنسيين الذين يعتبرون رامبو من تراثهم الحضاري الحديث ومن الإرث الذي رسّخته الثورة الفرنسية، لكنّ من يقرأ رامبو يشعر حقاً بأن عالم هذا الشاعر لا يمكن ان يُستنفد او ان يحاط به كلياً وفي كل نواحيه. وفرادة «ظاهرة» رامبو تكمن في كونها مزيجاً من كتابة وحياة، من شعر وتجربة، حتى ليصعب الفصل بين الحياة التي يسميها «الحياة الحقيقية» والشعر الذي يتخطى الأنواع والمدارس منفتحاً على المغامرة الكبيرة والخطرة. ومثلما يقبل القراء على قراءته حتى الإدمان، يقبل النقاد على الكتابة عنه, عن حياته وشعره، عن صمته و»جنونه»، عن تناقضاته الكثيرة، عن هروبه من حياة إلى حياة، عن موته الذي يشبه موت القديسين.
لعل كتاب «رامبو بعد رامبو» الصادر قبل أشهر في باريس عن دار «ثكستويل» من «أطرف» الكتب التي تناولت رامبو في الحقبة الأخيرة. هذا الكتاب هو عبارة عن «مختارات» مما قيل في رامبو او عنه، فرنسياً وعالمياً وقد جمعها وقدّمها كلود جانكولاس وساهم في ترجمة بعض النصوص غير الفرنسية. أهمية هذه «المختارات» تكمن في انها تبرز حجم الأثر الذي تركه رامبو في الأدب الحديث والثقافة الحديثة، وكذلك حجم «الثورة» التي أحدثها في الشعر والفن. أدباء وشعراء وفلاسفة ونقاد وعلماء اجتماع ونفس ورسامون وموسيقيون وسينمائيون... يتحدثون عن هذا الشاعر الذي فتنهم وأثر فيهم وفتح أمامهم دروباً ما كانوا يتوقعونها. بعض هؤلاء يكبرونه كثيراً وكأنهم من جيل أبيه وربما جدّه، بعضهم أيضا من عمر أساتذته، لكنهم يبدون أمام أعماله وكأنهم من أبنائه، من أبناء هذا الفتى الذي أنهى «حرفة» الشعر في العشرين من عمره ليبدأ «حرفة» الحياة الأخرى، الحياة الهائمة والحرة والغريبة والصامتة... على ان صوت رامبو كان في آن واحد صوت طفل وصوت عجوز، صوتاً مضطرباً لا يمكن التمييز فيه بين نبرة الحكمة وصرخة الحرية وصدى المجهول.
في المقدمة البديعة التي وضعها للمختارات، يتحرى كلود جانكولاس اثر رامبو على الشعراء والأدباء والفنانين في القرنين التاسع عشر والعشرين. فهذا «الشاعر الفتيّ، ما زال يفتن، منذ زمن بعيد، وجودنا، وجودنا الحقيقي»، يقول في المقدمة. ويضيف: «إننا نجد رامبو حتى في المكان الذي لم يذهب إليه البتة، في المكان الذي لا يمكن انتظاره فيه». فهذا الشاعر – الساحر لا يتوانى عن الظهور أيضا في كل الأزمات، في حركات التمرد، في اللحظات التاريخية الحرجة: أيار باريس 1968، ساحات الهيبيين، حرب فييتنام، سقوط جدار برلين... ويقول: «رامبو فعل خارق، خارج كل أدب، ظاهرة لم تُعرف من قبل وقد لا توجد ابداً من بعد. من هو رامبو حقاً كي يؤدي هذا الدور؟ ماذا فعل كي يكتسب هذا الحيز في حياتنا، هذا الذي بقي مراهقاً موهوباً، مأخوذاً بالحرية، عاشقاً لهذا الشعر الجديد الذي اكتشفه ورمى منه بضع أوراق في الريح، وقد أدار له ظهره ذات يوم، بعدما خاب منه، محملاً إياه أسباب سقوط حلمه, ورحل إلى البعيد...؟».
يظل رامبو دوماً في الأمام، في واجهة المشهد الشعري الفرنسي والعالمي, في قلب الحداثة وما بعدها، في صميم التجربة التي خاضها بروحه وجسده. وعلى رغم مضي الأعوام الطويلة «ما زال رامبو، هنا، قريباً جداً، إلى جانبنا، في الأمام... وصوته لم ينطفئ مع انقطاعه عن الكلام، حتى مع موته لم ينطفئ صوته. ما تراه يكون هذا السر، هذا الافتتان به وقد يتملكنا؟ من أي سحر مصنوعة هذه الظاهرة؟ لقد أصبح رامبو بطل حداثتنا. إنه احد الأساطير الرئيسة في هذه الحداثة، الأساطير التي أسست هذه الثقافة غير اليقينية، المضطربة. مسلكه, صوته وحضوره... كل هذه تسربت في كل الآداب، كل الفنون، في الرسم، النحت، الموسيقى، راهنة اكثر من قبل، «حقيقية» أكثر». هكذا يرسخ كلود جانكولاس في المقدمة حقيقة الأثر الذي حفره رامبو في ذاكرة الشعر في عصره والعصر الذي تلاه والعصور المقبلة. ولعل الأقوال والنصوص التي اخترنا بعضاً منها ونقلناها إلى العربية تمثل فعلاً عمق هذا الأثر «الأبدي» الذي سيظل بارزاً في تاريخ الأدب العالمي ومستقبله.
«الشاعر الذي جعل العالم يزهر مثل عاصفة في نيسان» (ترجمة: عبده وازن)
حسناً فعلت في أن رحلت، ارثور رامبو! نحن بضعة أشخاص، نؤمن من غير برهان، بالسعادة الممكنة معك.
رينه شار (1947)
رامبو الشاعر الحالم كان كشافاً، بمبادرة شخصية ومن دون أي تشجيع ولا موارد سوى إصراره على الحرية والرحمة.
بول غوغان (1899)
كتب رامبو كل ما يحدث الآن. وفي رأيي، ليس من تناقض بين رؤيته إلى العالم والحياة الأبدية ورؤية كبار المجددين الدينيين إليهما.
كان رامبو ذئباً مستوحداً.
هنري ميلر (1970)
أعتقد ان رامبو سبر أموراً حديثة كثيرة.
غيّوم ابولينير (1916)
مغامرة فريدة في تاريخ الفن, مغامرة فتى لمسه مبكراً جداً وباندفاع، جناح الأدب، وهو قبل أن يكاد يوجد، استنفد أقداراً عاصفة وعظيمة، من دون اللجوء إلى المستقبل.
ستيفان مالارمه (1896)
انني، اذ أعيد قراءة أعمال رامبو، أجدها «شعرية» جداً، لكن رامبو الشخص هو في نظري أكثر من شاعر، انه أحد الأبطال الانطولوجيين في ثقافتنا. كان هارت كراين يقول ان رامبو هو آخر شاعر كبير عرفته حضارتنا.
كينيث وايت (1976)
عزيزي والاس فولي: أردت فقط أن أشكرك على ترجمتك لرامبو، كنت في حاجة اليها لأنني لا أقرأ الفرنسية بسهولة. انني مغنّي روك وترجمتك ترافقني في كل تنقلاني.
جيم موريسون (1968)
الا أن الأجمل بين هذه الملائكة الشنيعة
كان له ستة عشر عاماً، تحت إكليله الذي من زهر.
ذراعاه مكتوفان على القلائد والسجف،
يحلم، عينه مملوءة لهباً ودموعاً.
ما تراه يقول بصوته العميق والناعم
الذي يأتلف مع الاصطفاف الصافي للنار
والذي ينتشي القمر لسماعه؟...
بول فيرلين (1873)
كان والدي شخصية يصعب بشدة وصفها أمام جيلنا... وكان لي أن أفكر أن رامبو، رامبو الحقيقي، الذي ليس شخص الأساطير، كان له أن يشبه أبي كثيراً.
مارغريت يورسنار (1981)
غير أنه لا يستطيع أن يصمت حقاً الا ذاك الذي كُلّف أن يقول ما يوضح الطريق وقد قاله فعلاً، بقدرة الكلمة التي مُنح إياها. هذا الصمت هو أمر يختلف عن السكوت العادي. فعدم كلامه هو ما قيل. هل ترانا نسمع بوضوح كافٍ في قول شعر أرتور رامبو، ما قد صمت عنه؟ هل ترانا أبصرنا هنا الأفق الذي بلغه؟
مارتن هيدغر (1976)
ليس من كاتب في العالم، اليوم، يمكن أن يقارن تمرده بتمرد رامبو... «مسألة رامبو» الحقيقية ليست مسألة سيرة ذاتية. مسألته الحقيقية هي مسألة الشعر.
أرشيبالد ماكليش (1960)
رامبو هو الطفولة التي عبّرت عن نفسها من خلال وسائل تنتهك شرطها. الطفولة الرجولية، الحرية التي لا وزن لها ولا مقياس، الطفولة التي تجاور الموت، أصلاً وخاتمة... مثال رامبو يدركنا دوماً في صميم وعينا. حدّته تعبّر عن نفسها في تجاوزٍ دائم: تجاوز للقيم الجمالية التي أبدعها، تجاوز لحدود عصره... مثال رامبو يحثنا على اعتبار المعرفة شيئاً لا يمكن ان نتيقن من امتلاكه الا في نهاية الحياة...
تريستان تزارا (1948)
رامبو هو سوريالي في مزاولة الحياة ومكان آخر.
نعلم الآن ان على الشعر أن يفضي إلى جهة ما. على هذا اليقين يرتكز الاهتمام الشغوف الذي نوليه لرامبو.
اندريه بروتون (1924)
رامبو يفلت منّي. رامبو، الذي قرأته وأعدت قراءته على مرّ حياة طويلة، لا يتوانى عن أن يفلت منّي مثلما تفعل حفنة ماء، أرغب فيها بشدّة... يجب عليّ اذاً أن أسائل رامبو، في مطافه العنيف، كنهر من نار ومركب ثمل وكسيل جموح...
صلاح ستيتية (1993)
عبقرية رامبو هائلة.
لا يبقى أمام عيوننا الا السمو الخارق لرامبو الوحيد: المولود وحيداً، العاشق وحيداً، المتكلم وحيداً، الميّت وحيداً. منذ أن أصبح غائباً عن نفسه، لم يكن قادراً على ان يتخيل خلال احتضاره، أن تلك الصفحات الشريرة التي تركها لفيرلين ستنشئ ذات يوم احد أجمل الأعمال الشعرية عندنا، وهو قال عن أعماله تلك: «لم أعد قادراً على ان أكمل، سأصبح مجنوناً...».
بيار جان جوف (1946)
مسألة رامبو هي ان يجد القصيدة، الفعل الشعري الملائم.
جيل دولوز (1978)
غامض دوماً، غريب الأطوار وعبثي. غير صادق، له طبع امرأة، طبع فتاة، شرير بالفطرة ومتوحش، رامبو يملك هذا النوع من الموهبة المهمة التي لا تحوز الإعجاب.
ريمي دو غورمان (1896)
أي شمسّ!
رينه دومال (1929)
أعمال هي أخيراً خارج الأدب، والأرجح فوق كلّ الأدب.
فيليكس فينيون (1886)
كنت أسعى إلى ان أشبه رامبو وألا أكتب إلا نصوصاً كاملة، كتباً رفيعة تضم نصوصاً كاملة حيث كل كلمة تكون برّاقة ولبقة وإباحية ورومنطيقية وصوفية...
ألن غينزبرغ (1947)
أفعال رامبو تبدو دوماً كأنها تنبثق مثل بهاء بعض البلّورات الفضية الطالعة من الكيمياء... منذ رامبو، فن الشعر تقدم قليلاً أو لم يتقدم.
عزرا باوند (1918)
لجأ رامبو إلى النور الساطع والسحري للحدس ليضيء وجه السرّ. كانت القوّة تنبثق منه مثل تجديف.
ستيفان زيفيغ (1951)
كان ارتور رامبو متصوّفاً في حال متوحشة، ينبوعاً مفقوداً يخرج من أرض مشبعة.
بول كلوديل (1912)
هناك ما أراد أن يقوله رامبو، ما نعتقد انه أراد قوله، لكن الأهمّ بلا شك هو ما قاله من دون إرادته ورغماً عنه.
اندريه جيد (1941)
نراه الآن فيما ينزلون به من جبال الحبشة، على طول الممر الصخري، مستوحداً، في جوّ صامت: اللحظة الآن ثابتة مثل هذا المكان، ويمكن القول أنهم يأتون به إلينا. يرقد على محفّة، وجهه مغطّى بقماشة سوداء، ركبته مصابة بمرض، ضخم مثل يقطينة، تنفخ الغطاء. يده الجميلة التي هزلت، هذه اليد التي أحبتها أخته، تنزع، حيناً تلو آخر القماشة عن وجهه، وكان يوجه أمراً، إلى الرجال السود الذين يحملونه، وقد شاؤوا ان ينزلوا المنحدر بهدوء وفي خط منحرف، فيما هو يريد منهم ان ينزلوا عمودياً، خارج الطريق وبسرعة.
هوغوفون هوفمنستال (1912)
أقلّب كتاب رامبو، وأدوّن عليه ملاحظات. كأن كلّ شيء فيه محتدم. ورق من نور صاف. وكان له كتفان من معدن.
برتولد بريشت (1921)
ذات صباح كئيب، فتحت كتاب «الاشراقات» فإذا الوجه الخدّاع للحياة يمّحي.
لويس أراغون (1918)
ظاهرة خاصة، خارقة وتكاد تكون غير إنسانية.
مارسيل بروست (1920)
... انه مركب رامبو الثمل، المركب الذي يقول «أنا» والذي يمكنه، بعد أن تخلّص من تقعره، أن ينقل الإنسان من التحليل النفسي للكهف إلى شعرية الاكتشاف الحقيقية.
رولان بارت (1957)
في تناقض مع العصر، عندما أعلن رامبو في «فصل في الجحيم» أنه كان «زنجياً», كان الشاعر يرجع بوعي إلى القيم الرئيسة للزنوجة، إلى «الغريزة»، أي إلى حدس الزنجي وتحديداً إلى قدرته على التخيل الرمزي.
ليوبولد سيدار سنغور (1984)
عبقرية رامبو، هي التحيّز نفسه والفائدة الانسانية اللذان وضعهما في خطأه.
سان جون بيرس (1913)
يقترب رامبو منّا، عبر ما قاله. من يستطيع الادعاء أنه يقوم من بعده، فيما نحن ربما متأخرون عنه كثيراً، خصوصاً عن «اشراقاته»، تلك البهاءات المضيئة التي يمكننا ان نحياها من جديد، اذا بقينا مستيقظين، عوض أن ننام. فهكذا هي الحال الضرورية لولوج الفكر: اليقظة.
فيليب سولرز (2003)
لعلّ ما جلبه لي رامبو، ما أصابني في أعماله بالصدمة القاطعة، ما يهم أكثر ما يهم، والذي طالما تكرر، هو أنني، للمرة الأولى واليتيمة، لم أتبين في أعماله القدرات الأدبية وهي تفيض بها، لقد توجهت فوراً إلى ما تتضمن من مادة، ولم أدركها من ثم إلاّ في الظلمة الباهرة.
بيار ريفردي (1954)
نحن رامبويّون، من دون علمنا ورغماً عنا. انه سيّد أوضاعنا وأعذارنا العاطفية، نجمة الأسى الجمالي الحديث.
هوغو بال (1916)
عندما بلغ تلك النقطة حيث بدأت أعماله، التي دمرت «الأنا» مثلما دمّرت العالم، تدمّر نفسها، كانت له الشجاعة، هو ابن التسعة عشر عاماً، في أن يصمت. هذا الصمت هو جزء أساسي من أعماله الشعرية نفسها. وما كان من قبل الحرية الكبرى في الشعر أصبح حرية الشعر.
هوغو فردريك (1956)
شعر غريب يكتم في الحين نفسه المعنى الواضح والحدس الخالص. لا تعليمية ولا تطفلن: الطفولة بطبيعتها، الطفولة وأصل الكلمة.
غاستون باشلار (1948)
لا يحارب رامبو العدو جهاراً، ومن الخارج، بل في الظل، انه يجعل التمرد في قلب ما يريد هدمه. هدفه هو التخريب من خلال الإغواء.
ماريو فارغاس يوسا
جعل العالم يزهر مثل عاصفة في نيسان.
جان كوكتو (1922)
الحلّ على طريقة رامبو يغريني دوماً. إن وقعت حرب في مكان ما، سأكون ضمن القتلة.
انني أفكر جاداً في الرحيل إلى أثيوبيا لألتقي رامبو.
لورانس داريل (1936)
عندما يؤكد رامبو تذوقه الرسوم البلهاء والساذجة فإنما هو يتمرد هكذا وبدراية، على الفن الرسمي المتحجر. لكنه كان الوحيد الذي تكلم هكذا.
رينه ماغريت (1930)
لم يكن الشيطان ولا الإله، كان ارثور رامبو، أي شاعراً كبيراً، أصيلاً قطعاً، ذا نكهة فريدة، لغوياً خارقاً, - فتى ليس كالآخرين، أكيداً لا! لكنه كان نقياً، عنيداً وبلا أي خبث وفي منتهى الرقة، وقد كانت له الحياة، هو الذي أريد له أن يتنكر كإنسان متوحش، في الأمام في النور والبأس، جميلة بالمنطق والوحدة مثل شعره.
كان نوع من العذوبة يلمع ويبتسم في تينك العينين الضاريتين بأزرقهما الصافي وعلى ذلك الفم القوي الأحمر ذي الثنية المحزنة: صوفية وشبق...
بول فيرلين (1887)
تتبدى عظمة رامبو في كونه رفض القليل من الحرية الذي كان في إمكانه، في عصره وفي مكانه، أن يجعله لنفسه، ليشهد على استلاب الإنسان ويدعوه إلى ان يجتاز بؤسه الأخلاقي إلى المواجهة المأسوية للمطلق. انه هذا الحزم وصلابته ساهما في جعل شعره الأكثر تحريراً (والأجمل من ثم) في تاريخ لغتنا.
إيف بونفوا (1961)
نعم. كان لرامبو أثر كبير عليّ. عندما أكون في جولة ويخطر لي أن أقرأ كتاباً يمسّني، أدخل مكتبة وأقرأ كلماته.
بوب ديلان (1976)
عندما حاول رامبو أن يصبح مؤلف نفسه وقد وصف محاولته بجملته الشهيرة «الأنا آخر» لم يتردد في أن ينجز تحوّلاً جذرياً لفكره، اختار الاختلال المنظم لحواسه كلها.
جان بول سارتر (1947)
حاملاً في نفسه الإشراق والجحيم، محقراً الجمال ومحيياً إياه، صنع من تناقض لا يختزل غناء مزدوجاً ومتعاقباً، انه شاعر التمرد والأكبر. ولكن أين هي اذاً فضيلة هذا الذي حاد عن التناقض وخان عبقريته قبل أن يقاسيها حتى النهاية؟
شاعر كبير ومدهش، الأكبر في عصره.
ألبير كامو (1951)
ولكن في العام 1968 آلاف من رامبو كانت لهم متاريسهم ومن ورائها كانوا يوجهون ويرفضون أي تسوية مع الأسياد القدامى للعالم.
ميلان كونديرا (1973)
كلّ شيء لا يعقل، كل شيء يخالف المألوف، لدى رامبو، ما عدا صمته. لقد بدأ من النهاية، وبلغ على الفور حداً لم يكن قادراً على اجتيازه الا عبر نفي نفسه.
سيوران (1965)
الأول الذي رأى – في معنى الإدراك الحسي كما في معنى الرؤيا – في الحقيقة الحاضرة الشكل الجحيمي والدائري للحركة، كان ربما رامبو. شعره إدانة للمجتمع الحديث، لكن عمله الأخير «فصل في الجحيم» إدانة للشعر أيضاً.
لم يعد ممكناً، بعد «فصل في الجحيم»، كتابة قصيدة من دون قلق.
أوكتافيو باث (1965)
كلّ الأدب المعروف مكتوب في لغة المعنى المشترك، ما خلا رامبو. اخترع رامبو أو اكتشف مقدرة «التنافر المتناغم». وإذ بلغ هذه النقطة، /لقصوى، النقطة الحادة للإثارة الطوعية لفعل اللغة، لم يكن قادراً الا ان يقوم بما قام به – الهروب.
بول فاليري (1943)
عذبوك/ وحرقوا روحك،/ احتجزوك/ داخل جدران أور، /ا/ وكنت تقرع/ الأبواب/ بجنون./ وعندما أخيراً/ استطعت/ ا، /حيل/ رحلت جريحا، // جريحاً وصامتاً، / ميتاً رحلت.
ليس صحيحاً/ انك سرقت النار،/ انك كنت تركض/ مع السخط السماوي/ ومع حجارة الجحيم الكريمة/ وما فوق البنفسجية،/ لا ليس الأمر هكذا،/ لا أصدّقه،/ لقد حرموك/ البساطة، والمنزل/ والخشبة/ نبذوك/ وأغلقوا الأبواب في وجهك/ ولأجل ذلك/ حلّقت.
بابلو نيرودا (1972، من: نشيد إلى رامبو)

الحياة
27-3-2006


إقرأ أيضاً:-