أعدت الملف: بدرية الوهيبي

سماء عيسى(ولكن غضبكِ دائماً يأتي/بعد جفاف طويل/ وبعد غياب / إذ هو ذا / نبي  /أتت به الغيوم /وسكبته الأمطار. ...  وكان ما تبقى هو الحب / بعد أن غمرتنا السماء / بمياهِ ندم بعييد.) من نص غيوم
هذا هو الشاعر الكبير الأب سماء عيسى ، غوغول الشعر الذي خرجت من معطفه تجارب الحداثيين العمانيين في تلمسها الضوء الأول ، متدفقة على هامش نصّه أسئلة الحداثة، والوجود والبحث عن الذات ڧي عالم ميتافيزيقي   / حقيقي حميم و قريب/ وغريب في آن.،  معتمدا على بناء عوالمه الشعرية  وڧق دڧق دمه ونبض قلبه ورؤيته الخاصة.

قال عنه أحد النقاد (تعتبر تجربة سماء عيسى الشعرية أولى علامات الصدام المبكر مع القصيدة التقليدية أو حتى قصيدة التفعيلة, فقد بدأها منذ أواسط السبعينات, في القاهرة, عندما كان طالبا فيها. وتأتي تجربته على المستوى الزمني مبكرة مقارنة بأقرانه كتاب قصيدة النثر في عمان)

وقال عنه مبارك العامري (سماء عيسى مسكون بكيمياء القصيدة أينما يممت وجهك ..  تتقلب الايام وتربد لكن  سماءك تظل مرصعة بأنجم الخلق والمحبة) ولد الشاعر سماء عيسى في مدينة ((مسقط )) عام 1954 ،واسمه عيسى بن حمد الطائي ، تلقى تعليمه في عمان ثم أكمله في دولة البحرين و تخرج في القاهرة ( كلية التجارة ) سنة 1974

له العديد من المجموعات الشعرية والأعمال السينمائية ، حيث أصدر : «ماء لجسد! الخرافة» 1985، «نذير بڧجيعة ما» 1987 ، «مناحة على أرواح عابدات الڧرڧارة» 1990، " ومنفى سلالات الليل " ، و«دم العاشق» 1999، «درب التبانة» 2001. ثم ديوانه «غيوم» ،و(درب التبانة) و (دم العاشق) و( ولقد نظرتك هالة من نور ) يرفض سماء عيسى التحدث عن نفسه وتجربته بتواضع جم ،ومحاولاتنا لاجراء حوار شعري له بائت بالتأجيل المستمر لفرط خجله وتواضعه من الحديث عن نفسه .

جريدة (الزمن) في هذا الملف تحتفي بالشاعر الكبير سماء عيس وتجعل الأصدقاء والشعراء الذين تأثروا بتجربته الانسانية والشعرية يتحدثون عنه ويتكلمون عن شاعر بحجم سماء  يرفض سماء عيسى التحدث عن نفسه وتجربته بتواضع جم ،ومحاولاتنا لاجراء حوار شعري له بائت بالتأجيل المستمر لفرط خجله وتواضعه من الحديث عن نفسه .

جريدة (الزمن)  في هذا الملف تحتفي بالشاعر الكبير سماء عيسى وتجعل الأصدقاء والشعراء الذين تأثروا بتجربته الانسانية والشعرية يتحدثون عنه ويتكلمون عن شاعر بحجم سماء .

***

سماء عيسى روح شعرية بامتياز

لا يمكنك أن تذهب إلى النادي الثقافي أو إلى أي فعالية ثقافية دون أن تتوقع وجود الشاعر سماء عيسى هناك، لكن توقعك سيخيب كثيرا إن كنت تتوقع أن تجده يتصدر الصفوف الأمامية، لأنه لن يكون إلا في الصفوف الخلفية، أو في منتصف القاعة، ولن تنتهي الأمسية حتى تجده يصافح الجميع بابتسامته الودود الخجلى وروحه الأخوية النبيلة.

*

لا يمكن أن يذكر الشعر في عمان داخليا أو خارجيا؛ حتى يكون اسم سماء عيسى ضمن قائمة أصابع اليد الواحدة من الشعراء العمانيين الكبار الذين رسموا خارطة المشهد الشعري العماني المعاصر.

*

لا يمكنك أن تقرأ أو تسمع نصا عن الموت والجنائز والحزن شعريا أو سرديا، ولا يخطر في ذهنك مباشرة سماء عيسى كشاعر وسارد تتصدر الفجائعية نصه وروحه ورؤاه، فأي ارتباط وأي إحالة هذه؟!

*

حين ترتبك وتضطرب وتأخذك الهواجس بعيدا حول محنة الكتابة وفكرة الاستمرار أو التوقف، يكفي أن تستحضر مشروع سماء عيسى الممتد ومؤلفاته الرائعة والكثيرة والمتنوعة شعرا وسردا ونقدا حتى تستعيد ثقتك وإيمانك بالكتابة كمشروع إنساني ووجودي.

*

لا تتوقع أن يمر معرض كتاب ولا تجد سماء عيسى يجوب الأروقة بحثا عن كتاب جديد لروحه الشغوف بالخاص والمتميز، وتحلم أنت أن يكون قابعا في أركان أحد الدور يوقع كتابا جديدا لتحصل على بعض فيوضه الشعرية الممتدة.

*

ليس غريبا أن تسأل شاعرا شابا يخطو خطواته الأولى على مدارج الكتابة عن كتاب جديد صدر له، فيبادرك بكل فخر "الحقيقة أن الشاعر سماء عيسى شجعني كثيرا، وراجع معي مخطوطة هذا النص حتى اكتمل على سوقه".

*

تحية شعرية للشاعر الجميل سماء عيسى قامة شعرية تفتخر هذه الأرض بأنه جاء من رحمها، ونفتخر أننا نشاركه - بحياء واستحياء- أخوة الشعر والتراب.

***

سماء عيسى ... الإنسان

عادل الكلباني

الآخ – الأب الشاعر سماء عيسى تعرفت عليه منذ سنوات فقط، لكن هذه السنوات القليلة التي عرفته فيها كأنه العمر الشاسع بالتواضع الطبيعي للنفس لا تكلف ولا تصنع فيه ، شعره المنحوت المقدود من نفس صامدة صامته صادمة لانها تسافر بعيدا في الجذور كي تبقى مديدا ماتغرسه كشجرة وارفة الظلال والثمر ، هل اقول ان شعره اركيلوجيا غائرة في الاعماق التي ينبجس منها كل حجر كريم ، هدؤه تواضعه خبرته تجربته في دنيا الشعر والحياة ، المليئة بالحكمة اذ عركته تفاصيلها واختزلها في شعره قطرات دافقة بالعذوبة والعذاب ، دون اطناب او تسطيح، هذه اللغة في شعره الصوفي هضمها في مصنعه الشعرى كالتقطير اذ امتزجت بها عوالم من وجوه و بحار ومستنقعات وانهر وانكسارات وجراح واحزان وشتات واوطان باذخة بالهزائم والانهيارات ، كي يهديك في آخر المطاف زلاله الصافي رحيق حكمة وحياة .

***

يكتب في صمت ، وينشر في صمت ، دنيا الاضواء التي تبهج الكثيرون لم تغريه – كثيرون نراهم يسطعون امامنا ثم لا تلبث الايام ان تزدحم بغيرهم كالفقاقيع ، يختفون كما جاءوا دون ذكر او أسف - وهو هو كل حياته الشعريه قضاها في عرينه الخاص الذي قطنه منذ ربع قرن الى الآن ، الانه يعلم جيدا ( ان ماينفع الناس يبقى اما الزبد فيذهب جفاء ) ايمانه عميق جدا بالجوهر في النفس الراسخة الثقل العزيزة الكريمة غير المبتذله فى زمن المرتزقة والابتذال .

***

الموت في شعره ليس حالة تشاؤم كما يراها الكثيرون ، الموت له ابعاده الجمالية في الطهارة ، اعادة تشكيل أخر للذات او النفس كواجهة اخرى للحياة في برزخ تدخل فيه الروح مراحل من الكينونة في التجلي بين عاشق ومعشوق ، الانصهار التمازج التماهي الحلول في النظرة الصوفية ، وهو في النهاية الطريق عالم مجهول الهوية والمصير ،
( خطى صامتة موجعة وحزينة
فقط ليكون الموت
كجمال ريفي قديم )

ص 43 ( درب التبانة )

***

(العيون .... عيون الرجال المدركة موتها القريب ،
التي تنظر اليك في رأفة وغموض
ربما لتقول لك الوداع
او ربما تتمنى لو كانت مكانك وانت مازلت
في مولد الصبا تترقرق عيناك كلما تذكرت
رفيقا لك رحل امام عينيك الى موت غض )
ص 44 ( درب التبانة )

***

(ولقد ذهب بنا العشق لما بعد الموت
وهناك ارانا النبع الخالد
وقد شربت منه الطيور
وكان امير صغير
جاء من الغابة يتعلم منها الحب )

ص 39 ( ولقد نظرتك هالة من نور )

***

( وعندما توقفت امواج البحر عن الغناء
وقفت الملائكة في ذهول تنصت الى نداء الله
وقتها دخل العشاق الموتى الى قلبي )

ص 49 (ولقد نظرتك هالة من نور )

***

ارني جمالك فلم اره الا في الصمت ) ( ولقد نظرتك هالة من نور))

( متى لروحي ان تشرب روحك
وتسكب الالهة
كأس الحب الصافي
على جسدينا ) ...... ( دم العاشق )

***

شاعر لا يجامل في رأيه اذا سألته عن شعرك او ادبك ، اذكر انه قبل صدور مجموعتي الشعريه الاولى ارسلت عدة نسخ الى اكثر من شاعر معروف في الوسط الثقافي العربي ، وعندما سألتهم النصيحة والمشورة في النشر من عدمه ، اخبرني معظمهم بأنها مجموعة جيدة للنشر كمحاولة اولى ، الا ان الشاعر سماء عيسى قرأ المسودة صفحة صفحة وكتب عليها ملاحظاته بخط يده – ( ان الشعر يلمح ولا يصرح وان الشعر مختبأ في الاعماق البعيدة حيث الجرح الدفين حيث نبع الشعر والذي يعد صعب المنال نظرا لوعورة الطريق الشاق ، نكتب كثيرا لكن يبقى في الاخير قليلا مما كتبنا فما نحن مقدمون عليه مجهول حقا وسيظل دائما بحاجة الى الكشف حتى ونحن نلفظ انفاسنا الاخيرة علينا ادراك اننا لم نبدأ الكتابة بعد، اقرأ بهدوء وانظر كيف تشكلت الجملة الشعرية كيف تركبت المفردات بعضها ببعض قد لا نحتاج الى زائد الكلام وفائضه ، تجارب كهذه تختزن طويلا وعميقا في ذاكرة الشاعر وتأتي عطائها بعد سنين من النضج الفني ، عندما تكتب الشعر لا تقدم الاجابة على الاسئلة لان ذلك يلغي تطور الجملة الشعرية ويقفل امامك الباب لتراكمها الخاص ، عليك ان تهتم بما يدعى التأثيث الداخلي للنص لا الكلام العام الخارجي ضعه متماسكا سواء قدم نفسه عبر مقاطع او كتلة واحدة ، لا تذهب في كلام لا نهاية له يكون كل من يريد الكتابة مثله يكتب دون خلق علاقات بين الاشياء داخل النص ، النص يخلق علاقاته الخاصه والكلمات هي التي تحمل هذه العلاقات عبر الصور وعبر تماسكها الموسيقي لذلك تجدها مكتنزة بالايحاء والنظرة الجديدة للاشياء والالتفات الى مالا يلتفت اليه الآخرون ، بعض الصور مكررة وبائسة ومستهلكه ربما قراءاتك الاولى لم تستطع التخلص منها حتى الآن فهي ماتشكل ذاكرتك وقاموسك الشعري، عليك ان تبدأ قراءة التجربة الشعرية العربية الحديثة من جديد ، شاعر موهوب تنقصك الجدية في التعامل مع اللغة والارتكان الى السهولة في الكتابة يعيق قدرة خلق الصورة لديك ، حاول ان تقرأ الكتب التي عالجت ثورة الشعر مثلما هو في كتاب – عبدالغفار مكاوي ( ثورة الشعر الحديث جزئين ) وكذلك الدراسات النقدية التي كتبت حول شعراء كبار لابد ذلك ان يضيء لك دربا في الطريق ) بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ صدرت مجموعتي الشعرية الاولى ( بيت السيح ) .

***

يبقى القول بأنني ربما جئت متأخرا جدا كتلميذ لهذا الرجل ، لكن ابوابه مشرعة للقريب والبعيد والغرباء.

***

سما عيسى
طائر الفينيق في سماء العولمة

خميس بن راشد العدوي

التصور الذي رسمه ذهني عن الأستاذ سما عيسى؛ لا أدري أدقيق هو أم لا؟ بيد أن هذه الحيرة لها ما يبررها أمام التنوع الثري الذي يكتنزه هذا الكائن السماوي، فكلما رأيت سما عيسى تبدى لي طائراً فينقياً يمخر سماء العولمة، اخترق عوالم المعقول واللامعقول ليحلق في سمواتنا المنكمشة على بعضها؛ بما يجعلنا غير قادرين بسهولة على التمييز بين هذه العوالم، وليضم تحت أجنحته المهيبة ذوات العدد المتزايد؛ مثنى وثلاث ورباع...، ما حفره بمخالبه الصلبة والناعمة في أرض الحقائق والأساطير على حدٍّ سواء، ولينقل إرث مالك بن فهم ووقائع الأزد وأساطيرهم إلى دنيا اليوم التي تموج فيها أطياف لانهائية من فوتونات الطاقة وحزمها المعرفية التي تضخ كل نانو ثانية في الفضاء السوبراني.
شاعر، أديب، سارد، باحث، سينمائي، ممثل، مخرج، وثائقي، كاتب، مفكر، متذوق، ناقد، منطقي، خرافي، سريالي، واقعي، صوفي، متفنق؛ يصيبك هذا الطائر بالدهشة وهو ينطق بكل هذه الألسنة، ليرتفع بخيالك إلى تعدد رؤوس الطائر التي يحوي كل منها لساناً ينطق بفن ترغب أن تحمل أناملك على عزف أغنيته.
لم أكن أعرف سما عيسى إلا شاعراً أقرأ له في الصحف بعض الأحيان، وأتخطاه أحياناً كثيرة، يومها كانت لافتاته الشعرية لا توصلني إلى أبعد من بهاء لغته، وهو ما يمكن أن تتفيأه في أكثر من واحة تتناثر عبر دروب الأدب، أما وبعد أن التقيت به، وكان ذلك منذ أكثر من سنتين وحتى اليوم، تعاقب اللقاء بيننا في أمكنة وأزمنة عديدة، فقد كانت تتداخل ملامحه أمام ناظري، شعاع عينيه الذي يمسح به الأزمنة ليصلك بما قبل التأريخ، ولغته المتحدرة من الجبل الأخضر بجروفه السوداء والمتجذرة بمدرجاته الخضراء، وصوفيته الموصولة بأقطاب السلوك في عمان؛ أبي نبهان الخروصي وابنه ناصر وسعيد بن خلفان الخليلي وأبي مسلم البهلاني، وكرمه الطائي المتلفع بأرومته العربية، ثم تلك الرغبة التجديدية المتوارثة في أسرته من لدن الكاتب والأديب عبدالله الطائي، مع نزعة حداثية تروم التثاقف الحضاري، ولا ترمي إلى الانسلاخ من الأمة وحاضناتها المعرفية، كل هذا جعلني أعيد قراءة نتاج الأستاذ سما عيسى، لتتدفق لغته في ذهني بمعان كانت كل مرة تضيف لي، ولتدخل بي إلى دهاليز لم أألفها، ثم لتكشف عن شخصية أصبح قليل مثلها في واقعنا العماني.
عند أي منعطف في تأريخ المجتمعات ثمة أناس معدودون أوقعهم القدر في معمعة التأسيس وإعادة البناء المعرفي، عليهم أن ينتشروا في بيداء الماضي ثم يعيدوا تكثيفه في لغة تروق الحاضر، كما أن عليهم كذلك أن يلخّصوا الحاضر بلغة متصالحة مع الماضي، وهي مهمة شاقة لا يكاد يستطيعها إلا قلة هيأوا أنفسهم ورهنوها لذلك، وفي مجتمعنا العماني حيث كان يخرج من كلاسيكيته ليدخل حداثته، وفي لحظة احتياجه إلى تأسيس معرفي ثان وإعادة بناء؛ كان سما عيسى مترصداً لهذه اللحظة بقدرية تؤكد في ذهني صورة ذلك الطائر الفينيقي الأسطوري الذي لا يهدأ له جناح حتى يطرب مسامعنا في كل لحظة بلحن جديد، ويمد أبصارنا إلى جمال لم تشرأب له أعناقنا من قبل.

***

كرائِحة الأرض بعد المَطر

محمد الحضرمي

لا أذكر السَّنة التي تعرفت فيها على الشاعِر العُماني سَماء عيسَى، لكنها كانت في بداية التحاقي بالعمل الصحفي بجريدة عمان في أواخر الثمانينات الماضية، وكانت سنة خصيبة، فقد أضافت لي اسما جديدا في رصيد الأصدقاء، ومعرفة في رصيد الثقافة، وقصيدة في ديوان الشعر العُماني الحَديث الذي كلما قلبتُ صفحاته يترآى لي هذا الشاعر/ الناثِر بروحِه الآسِرة، ولغته الأخاذة، ونصوصِه التي تفوح بعَبق المَكان، وطعم الذكرى، ورائحة الأرض بعد المَطر.
مسقط هي التي عرفتني به، والعمل في الصَّحافة الثقافية عرَّفتني عليه أكثر، فجاء سَماء عيسَى أحد هبات الحَياة في هذا المكان المَسقطي الذي لا أعرف فيه صَديقا حميما مثله، ويفرضُ "سَماء عيسَى" حضوره الإنساني كثيرا قبل حضوره الأدبي والشعري، الإنسان فيه عالم مختلف جدا، ولا أبالغ إن قلت إنه ينتمي للطينة التي تخلق منها النبلاء، لأنه نبيلٌ بحَق، نبيل بتواضعه الجَم، ونبيلٌ ببقاء حبال الود بين أصدقاءه، ونبيلٌ بترطيب العِلاقة مع الآخر، وإن اختلفَ معهم فكريا وشِعريا إلا أنه لا يختلف معهم أخلاقيا، بل يكتب بصَفاء مشاعره نصا رائقا بحِبر الحُب.

سَماء عيسى، الصَّديقُ الحَميم، والإنسانُ الرائع، والشاعر الذي اختط لنفسه عالما مختلفا، حتى أن القارئ يعرفه من لغته، فهو يكتبُ بإحساس لا بكلمات يرصُّها رصا، النصُّ الشعري لديه أشبه بومضة، يبدأ عند لحظات الاشتعال الأولى، وينتهي عند نهاية الدفق، يكتب نصا من كلمات موجزة، بعض نصُوصِه لا تحملُ أكثر من بضع كلمات، لكنها تختزلُ كونا هائلا من الصُّور، أشبه بلوحات الرَّسامين، هو أيضا شخصية مؤثرة في النفس، ولا أنكر تأثري به، ففي نصوص شعرية كتبتها أشعر أن وراءَها لسانٌ يوحي لي اسمه "سَماء عيسى"، لعلنا خرجنا من نفس المَنبت، من المَكان الذي نحِب، فتشبَّعنا بإيحاءات القرية، وبالمَكان الذي هو أهم محفز للكتابة الإبداعية.

ذاتَ رحلة، خرجنا معا في مطلع التسعينات الماضية إلى قرى "وادي بني خروص" بولاية "العوابي"، لنصور فيلما تسجيليا عن حَركة الزهد في عُمان، حتى وصلنا إلى قرية "العلياء" في أطراف وادي بني خروص، ووقفنا عند ضريح العلامة "جاعِد بن خميس الخروصي"، وفيها عاش هذا الفقيه الزاهد، ودخلنا مسجده الصَّغير، ورأيت سَماء عيسى يلوِّح ببصَره اتجاه السفوح والجبال المُحيطة بالقرية، وكان يقول: "هذا المكان موحٍ"، أبدا لم يقل يوما: هذا المَكانُ موحِش، المَكان لديه وسيلة إيحاء وثراء، وحتى إن شعَر بالوحشة فهو "يُسَرْيلها" في قالب شِعري، لتشعُر بخفتها وطراوتها ونداوتها كلما كتبَ عنها نصا شعريا أو مقالة.
كانت رحلة جَميلة، خرجنا معا إلى منابع التصوف والسلوك العُماني، إلى المَكان الذي عاشَ فيها الشيخ جاعد، وكتب فيه بائيته الشهيرة التي عنونها باسم: "حَياة المُهَج"، وتعَدُّ هذه القصيدة من عُيون شِعر السلوك العُماني.
في تلك الرحلة تعرفت على الشيخ جاعِد بن خميس الخروصي، إذ في اللحظة التي كنت قد وقفت فيها أمام ضريحه شعَرتُ وكأني اقتربت كثيرا منه، وكأني أخاطبه أو أصبحت أحد مريديه وتلامذته، بل وكأني أصخت السَّمع إلى صَوته وهو يرتلُ أورادَه في مِحراب عُزلته، أو يُصَلي في سَجادة معتكفه.

وفي رحلة أخرى بصُحبة سَماء عيسى والبروفيسور الأردني معاوية إبراهيم رئيس قسم الآثار –سابقا- بجامعة السلطان قابوس وأفراد من أسرة سماء، قطعناها معا في سيارة واحدة إلى المَنطقة الداخلية، ووصلنا إلى مدينة "سلوت" ببهلا، كنا قد زرنا هذه المَدينة الأثرية التي لم يظهر منها إلا أطلالا حَجَرية شاخِصَة، مأخوذين بالقصَّة الأسطورية الوارد ذكرها في كتاب "تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان" للشيخ عبدالله بن حميد السالمي.
لقد وقفنا معا عند تلك الحِجارة، وحاولنا أن نستنطقها، لكنها كانت أشد صَمتا من الحجارة التي تكتنفها وتضمها، كانت مدينة صامتة وموحِشة، مدينة لم يبق منها إلا أطلالا متناثرة، وكنا في تلك الرِّحلة نقولُ: إن وراء هذه الحِجارة سِرٌ عَظيم، شعَرتُ أنَّ هذا المَكان مقبرة كبيرة لحَضارة كانت سائدة فبادت بفعل تقادم السنين، أو لمدينة كانت قائمة ومزدهرة، وكنا نحاولُ استنطاق كتل الصُّخور الصامتة، وحديثها الهامِس يرن في الأعماق بسِر دفين. وفي المساء دخلنا السوق الأثري ببهلا، وتجولنا داخل دكاكين بيع الفضة القديمة، فوجدنا السوق آسِر أيضا، وفي الذهن تستفيق خرافات السَّحرة عن هذا السوق التي لطالما كدرته عقودا من السنين، وأنا أجزم أن بهلا بريئة من هذه التهمة. في آخر النهار عدنا أدراجنا إلى مسقط، مشبعين بذكريات المَكان، وبسلوت وسُوق بهلا، وفي أذهاننا صُوَر من الوجوه الصَّبوحة والباسِمة التي صافحناها.
بعد ذلك كثرت لقاءاتي بسَماء عيسَى، وتوطدت علاقتي به كصَديق، وأصبحتُ قريبا منه، وكلما جلست معه لا أخرج منه إلا بنفحة ثقافية يظهر أثرها في عمل صَحفي أكتبه، أو نص شعري، أو مقالة تنقدح فكرتها بوحْي منه، فهو أديبٌ استثنائي، وفي لقاءاتي به كثيرا ما يردد عليَّ البيت الشعري الذي كتبه العلامة "خلف بن سنان الغافري" قبل قرنين: "منح لنا ما دامَ فيها أحمد"، صار هذا البيت ثيمَة مشتركة بيننا، إذ دائما ما يختم به حديثه معي، وفيه إشارة إلى المَكان، فمنح هي منبتي ومسرح طفولتي وشبابي، ثم أجدني أرد عليه بمَطلع همزية "البوصيري" لأقول له: "يا سَماء ما طاولتها سَماء".

رمضان على الأبواب، وبالنسبة لي أنا فإن وجبة إفطار واحِدة من أيام الشهر المُبارك ستكون حتما في بيته بالغبرة، وقبل أن يدخل الشهر يذكرني أن لا أنسى أن أفطر عنده، سابقا كانت معي أسرة ملحق "شرفات": الفنان شوكت الربيعي، والمفكر عبدالفتاح الزين، والكاتب محمد الرحبي، ثم تطورت إلى أن يكون بيننا الأصدقاء الحَميمين جدا: الشاعر محمد الحارثي، والمفكر خميس العدوي، والدكتور زكريا المُحرَّمي، وليس من الضرورة بمكان أن يكون هؤلاء قد التقوا جَميعا في جلسة إفطار واحدة، إنما التقينا كلنا في سنوات متفرقة، وكنت أنا معهم حاضرا في كل السنوات، ورمضان على الأبواب، وأنا مشتاق للجلوس على مائدة الإفطار في بيت سَماء بالغبرة، ليس شوقا للطعام، إنما للجلوس مع صَاحِب المَكان الذي يفيضُ حُبا وكرَما وسَخاء.

ومن إصداراته الشعرية الأولى: "مناحَة لعابدات الفرفارة"، مرورا بـ"لا شيء يوقف الكارثة"، و"دمُ العاشق" وإصدارات شِعرية كثيرة تزيد على عشرة عناوين، قدم فيها سَماء عيسى نصا شعريا متميزا، نصا أخاذا بالطفولة، ومشرقا بالحِكايات والقصص والأساطير، وقد انعكسَ أثرها في نصُوصِه السَّردية اللاحِقة، حيث كتب ما يشبه القصة القصيرة، بحروفٍ ناصعة مقطرة، وكتب أفلاما قصيرة حازت على جوائز في مسابقات محلية وعربية، وهذا النتاج الأدبي والفني الذي يقدمه سَماء عيسى دليلٌ على ثراءه الثقافي والروحي، وبتواضعه الجَم، واحتفاءه بالجَميع، وحضوره في كل الفعاليات الثقافية، أصبح سَماء عيسى مثالا على المُثقف الحاضِر، والمثقف الفاعل الذي لا يكتب بكبرياء وأنفةٍ وشمُوخ من بُرج عاجي، بل يمشي بخِفة وتواضع على نعومة الأرض، لأنه ابن المَكان، وابن التراب العُماني الذي نبتَ منه.
وأخيرا شكرا لصَحيفة "الزمن" التي قدمت له هذه الاحتفائية الحُبيَّة به قبل غيرها من الصحف، وتنشر هذا الملف بأقلام أصدقائه ومن يعرفه، هي التفاتة نبيلة، ودليلٌ على الحِس الإنساني المُفرط في هيئة تحريرها، وهو أيضا احتفاء بالإبداع وتكريم له، أبقى الله سَماء عيسَى أديبا مبدعا، وصَديقا حنونا لكل المثقفين، و"منح لنا -يا سماء- ما دام فيه أحمد".

***

كالفلج ..في سكون جريانه يسقي الزرع

*ناصر المنجي

سماء عيسى ، فلج من أفلاج عمان ، لا أستطيع أن أصف سماء سوى بهذا وأضنني محظوظ في هذه الحياة لأنني تعرفت على سماء وإن كان ثمة تعريف للشعر النقي فهو سماء عيسى ، أشبههه بالفلج لعطائه اللامحدود كالفلج وفي سكون جريان إبداعه كسكون ماء الفلج وفي رعايته للمبدعين كما يسقي الفلج الزرع ، وفي إنفتاحه على مختلف التيارات كما هو الفلج ، أشبه سماء بالفلج لأنه لا ينتظر كلمة شكر من أحد كما هو الفلج تماماً ، سماء عيس عماني بإمتياز شديد كما هو الفلج عماني بإمتياز شديد.

ما بين السينما والمسرح والشعر والسرد وفنون إبداعية أخرى يعيش سماء ، وسماء مدرسة كبيرة تعالمنا ليس الإبداع فقط وحب الإطلاع بل الأخلاق والطيبة والإنسانية بشكل عام ، وعندما تتأمل وجه سماء ستكتشف خريطة حب وسلام ، هي مجرد كلمات قليلة في سماء ويا عزيزي سماء : ما يزال ولد غربى يبكي ( تتساقط أحجار البيت القديم من البكاء ).

***

سماء عيسى: السهر في قلب الوردة

*صالح العامري

أنتَ الوحيدُ بيننا أيّها الشاعر الذي رمى وروداً على قبور الأصدقاء والأمّهات والأطفال، حتّى قبل أنْ يموتوا وحتّى بعد أن مُتّ أنت. وأنت الوحيد الذي آمن بيننا بأنّ"الموت طفل لم تلده امرأة بعد". وأنت الوحيد الذي امتدح اللاشيء، لأنّه وردة المنفى...
ومن بين أسماء التجربة الشعرية في عُمان، لن نتعرّف على أوثق وأدلّ من سماء عيسى في حمل ثيمة الموت والفقد والغياب والفجيعة، سواء كان ذلك معادلاً للحياة كما قد يرى البعض، أو استمراءً واستغراقاً في تلك الرحلة الغيبوبية الذاهلة، في تلك اللعنة الأبدية، التي لا تزهر إلا كلمات بسيطة كأنّها لا شِعْرَ بل شوق، وكأنّها لا تحبل بمعنى بل بيُتْمٍ مشدودٍ إلى يُتْم، وكأنّها لا تتقرّى إلا افتراسات قَدَريّة تفتح فخاخها في مجهول الكائن وفي سيرته العبثية، تلك التي يسردها من عَلٍ شاعر يعاف الجدل المقيت والخصومة التالفة، ويذهب في عزلته إلى أقلّ القول وإلى أكثر الصمت...
إنه الغريب الذي يقود قافلة بلا أجراس في بهيم الليل، بينما بضاعتها نشيج الأمهات وأكفان الموتى، وأعناق مطاياها تسير خفافاً في العتمة المتبطلة وفي الهواء الأزليّ الذي يشبه ورقة خريفية سقطت من شجرة نائمة...
وبشيء قليل من كِسَرِ خبز الزاهدين، وبإيماءةٍ من سان جون بيرس، أو التفاتةٍ إلى إيف بونّفوا، أو احتطابٍ غريبٍ من أمين صالح أو بول شاوول أو ناصر المنجي يذهب سماء عيسى، في مشروع كلماته، باحثاً عن حضن وعن أرومة، عن دفءٍ وعن ظِلّ، عن متكأٍ وعن شفاعة، عن ملجأ وعن لُقيا.. لكنّه في آخر الأفق لا يمدّ يده ولا يُرسل طرفه إلا إلى "شجرة العدم الخلاق"، وإلى "الينابيع المسمومة" الشبقية الجذلة، وإلى "زهرة موته" التي يُقبـِّـلها كلّ صباح..
يبدو من مسرد كتب سماء عيسى، بالإضافة إلى إصداراته المنشورة بين عامي 1984 وحتّى الآن، أنّ هنالك مخطوطة له تحمل عنوان"امرأة مثل ماء الينابيع"، كتب نصوصها بين عامي1974و1980، وهي إضمامة نصوص نشرها في كل من "الثقافة الجديدة" اليمنية، و"الحكمة" اليمنية، و"الكلمة" اليمنية، و"إضاءة" المصرية، و"أوراق" الإماراتية، وفي هذه المجلة الأخيرة تمّ نشر النصّ الذي يحمل عنوان المجموعة. وقد يثير ذلك تساؤلات في محلّها أو في غير محلّها عن أسبقية كتابة قصيدة النثر في عُمان، إذا علمنا أنَّ الشاعر سيف الرحبي قد أصدر أولى مجموعاته الشعرية "نورسة الجنون" في دمشق في العام 1980، وإذا علمنا أيضاً أنّ تاريخ نشر أول كتاب شعري لسماء عيسى هو العام 1984 بعنوان "ماء لجسد الخرافة" بباريس..
على مؤرخي النقد والكتابة إذن أن يتحفوننا بالإجابة على سؤال أي من هذين الشاعرين قد ابتدأ الفعل الشعريّ الجديد، أي "قصيدة النثر"، سماء عيسى الذي ابتدأ نشره في المجلات وهو في الحادية والعشرين، ونشره الكتابيّ الأوّل في العام 1984؟ أم سيف الرحبي الذي نشر نورسته في العام 1980؟ والذي هو من مواليد العام 1956.. لا شكّ أنَّ الساحة الثقافية، في الإجابة عن سؤال كهذا، ستشهد - بكثير من الطرافة- حالة كتلك التي تحدّث عنها النُقّاد والشعراء والمؤرخون فيما يتعلق بقصيدة التفعيلة العربية، وعمّا إذا كانت أسبقيتها للسيّاب أم لنازك الملائكة أم لمحمود البريكان أم لحجازي أم للويس عوض..

***

من كان يصدّق حقّاً أنّ ذلك الطفل المسمّى "عيسى" والمولود في "وادي العُـور" في مسقط القديمة في العام 1953 سيكون نافذ البصيرة إلى هذا الحدّ، وخائراً حتّى القوّة، وجميلاً حدّ الشِّعر.. وحتّى اسمه الدنيويّ الداثر في سيرة الميلاد "عيسى"، تأبّطه هذا القفّار للأثر وذهب به إلى منزلة الشِّعر، وأضاف أمامه "سماء" كي يتشكّل في ملكوت الفن وفي زرقة الحُلم، وكي يتقنّع به ضدّ اليوميّ السيّال كسموم الحيّات.. وكعادة الشعراء الذين لا يكتفون بسماء واحدة أو سابعة، فقد استمرأ السماوات، وأطلق اسم "سماء" على ابنته التي قامت بالتمثيل، في حضور واعد، في الأفلام القصيرة الثلاثة التي كتب سيناريوهاتها الشاعر نفسه (بنت غربى، الزهرة، الكارثة)، مُهيئاً للواقع أن يتناسل من الفن، وللقناع أن يكشف عن طفولة، وللاسم الأدبيّ أن يـحبل بوليد من لحم ودم وأنفاس وحياة مديدة أخرى..
وبشيء من لهفة النبوّة والحنين إلى "عيسى" ذهب سماء إلى تاج شوكه المرسوم على غلاف "دم العاشق" إحدى مجموعاته الشعرية، مستحضراً ذلك الوقر وتلك الإهانة القدرية التي أطلقها يسوع مثل صرخة بلا نهاية "إلهي، إلهي لماذا تركتني؟"..

***

لا نَزِقاً ولا بهلواناً، لا ساحراً ولا عارفاً، لا بليغاً ولا صاحب مصحف. لكنه مع ذلك يتقدّم –دون منافسة أو مباراة- إلى منتصف حال الشِّعر وإلى مقامه الأسمى..
لا أكتب عن أشرار بل عن جوّالين، لذلك كنتُ أراه، ببضع كلمات يعصرها في فم التنين، في حلق الزمن، ناثراً يراود كل مرة روح الشِّعر ويتبنّاه ويتفتّح في كتبه. وفي غمرة خساراته وانتشاءاته بتلك الكدمات الوجوديّة يصدف أن يحمل أنبياء في طريقهم إلى الرسالة، وشعراء مسّوا العالم بالأحلام واللوعات، ونُسّاكاً وزُهّاداً وقفوا على بئر المعنى، وشخوصاً مسحورة أنجزوا مهامّهم الجليلة على أكمل صورة، وكائنات عابرة أضاءتها لحظة مباغتة..
ورغم أنني لستُ واحداً من مُريديه وحوارييه - فقد كنتُ أتوقّف عنده وأرحل، وأمضي وأتوقّف- فإنّ حديقته مغوية، وشجرة فرصاده ما تزال تُطْعِمُ الحالمين، ووردته التي قطفها منذ القاهرة والإسكندرية لم تزل محفوظة في قلبه..
وكنتُ أتفرّس في حديثه عن المتحقِـق والمُأمَّـل، وعن المطالعات والمجلات، وعن الأفلام واللوحات، وعن الأسفار والأصدقاء، ثمّ سرعان ما يأخذ رُبْعَ ضحكة، ويستدير عن آلة التصوير، ذاهباً للالتحاف بسماء تسكنها الأشباح وجنيّات الليل والبدو الرُحّل الذين مضوا إلى غير رجعة عن هذه الحياة، والرفاق الذين مخرهم لحن الموت وطاروا إلى منافيهم الحائرة...
وقد تندهش من قدرته على المتابعة الدؤوبة لكل صغيرة وكبيرة في الشأن الثقافيّ، والحضور الصبور لكل ندوة وأمسية، مهما عظم قدرها أو صغر، راصداً ومشجّعاً، وملتقطاً لروح المبادرة والتشكّل في المكان الثقافيّ. ورغم منجزه الشعريّ الباكر في التربة الشعرية الحديثة، لا يأخذه التعالي على التجارب الناشئة، ولا تطيش به السمعة الأدبية، بل يذهب إلى الالتقاء بهذه الأصوات الجديدة، متحاوراً معها ومنفتحاً على تجاربها ومشاريعها وأصواتها الخاصّة..
سماء عيسى ينتمي لذلك الجيل الذي يسعى إلى توثيق عُرى المكان الثقافيّ، وتبئير فتنته وحضوره الإبداعيّين، مشدوداً لتلك الحالات الخلاقة التي يلتقي فيها الشعر بالفنون الأخرى، ومتشوفاً إلى حراك حيّ ومتحوّل، كالحياة ذاتها. مكتشفاً، دون ريب، أنّ النميمة والانزواء، والضغائن الصغيرة بين الأصدقاء، لا تصنع مشهداً ثقافياً ولا تحرّك ساكناً ولا تفتح أملاً ولا تردم ألماً..

***

سماء عيسى: محاولة نحو اللقاء الأول وفيه بالكامل

عبدالله حبيب

(1)

إذا كان الإبداع يرتبط بالمخيلة فإن في قصة بداية تعرفي إلى سماء عيسى ما هو أكثر من الخيال (وقد جودل كثيراً وبإقناع شديد انه يحدث أحياناً على أرض الواقع ما هو أكثر غرابة من الأدب الغرائبي نفسه). وقد كان في ذلك اللقاء الأول الكثير من الشعر بالتأكيد بما يليق بسماء الذي قد لا يدري كثيرون انه أول من كتب قصيدة النثر في عمان أكثر مما يليق بي، لدرجة ان تصديق حدوث الأمر على النحو الذي حدث به سيكون صعباً على الكثيرين؛ لكن حسبنا اننا – سماء وأنا – نعرف ونتذكر على مر الأيام والسنين وتلاحق الأحياء والأموات أن ما حدث قد تم بذلك الشكل الغريب. وفي هذه المناسبة الإحتفائية الخاصة (التي تأخرت كثيراً بسبب سماء نفسه الذي كلما أردنا أن بشخصه وتجربته نحتفي يختفي؛ فالشكر الجزيل واجب تقديمه هنا للزميلة بدرية الوهيبي التي سعت لهذه الخطوة الرمزية لكن المهمة والمقدَّرة حق القدر، على أمل أن نكرم هذا الكريم بما يستحق في قادم الأيام لئيمة كانت أم كريمة).. في هذه المناسبة الاحتفائية الخاصة، إذاً، أشعر أن عليَّ كمن يبوح بسر أن أتحدث عن لا إعتيادية بداية تعرفي إلى سماء الشاعر والإنسان الإستنثائي. في سردي لبداية التعارف سأتحدث، إذاً، عن شيئين: الأول سأسميه "التمهيد للقاء الأول"، والثاني سأدعوه "اللقاء الأول".

قبل أكثر من ثلاثين سنة كنت مثل كثير من العمانيين أعمل في القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكنت أيضاً أحاول بطريقتي تهجي القراءة والكتابة. وفي واحدة من فترات خدمتي تلك كنت أعمل في شعبة من شعب المديرية العامة لشؤون الأفراد في القيادة العامة وهي شعبة تعنى بإجراءات كل من تنتهي علاقته بالقوات المسلحة بسبب الاستقالة، أو انتهاء عقد مدة الخدمة، أو الإعفاء، أو الوفاة، أو الاستشهاد، أو الإصابة، أو الطرد، أو الهروب من الخدمة، أو بلوغ السن القانونية للتقاعد. وفي أحد أيام فترة خدمتي تلك كان على مكتبي طَنٌّ مُطَنَّنٌ من الملفات المحالة من الجهات الأربع، وكنت أقوم بوظيفتي الروتينية المعتادة حين وصلت إلى ملف لأحد المستقيلين مُحالاً من المديرية العامة للثقافة العسكرية. فتحت الملف لأجد ان اسم المستقيل هو "عيسى حمد عيسى الطائي"، وان مهنته هي "مدرِّس"، وان جنسيته هي "عماني"، وان..، وان.. إلخ. أصبت بالفضول رأساً لسببين في الأقل: الأول هو ان "صاحب العلاقة" من عائلة الطائي ما جعلني أربطه رأساً بالراحل عبدالله الطائي الذي كنت قد قرأت شيئاً من تجربته؛ وبالتالي فقد خمنت انه من نفس العائلة. وثانياً لأن "صاحب العلاقة" مدرِّس جعلني كعماني أشعر بالفخر حيث انه على الرغم من ان العمانيين كانوا الجنسية الساحقة في ذلك الجيش خلال ذلك الوقت فقد كنا نعمل في مهن "دنيا": جنوداً أو سائقين، ومن تحصل على نزر يسير من التعليم فإنه يعمل في التمريض بعد المرور بدورة تجهيزية، ومن تحصل على قدر أعلى قليلاً من التعليم العام فيعمل في الإدارة. أما "صاحب العلاقة" العماني هذا فيعمل مدرِّساً جنباً إلى جنب مع أشقائنا المصريين أو الأردنيين أو الفلسطينيين المؤهلين، مما يجعل شعوري بالزهو في مكانه (على من يقرأ هذا الكلام أن يحاول التفكير بحساسية ومعطيات ذلك الوقت وتلك المرحلة). هذا الفضول دفعني للبحث عن صورة "صاحب العلاقة" في الملف. هناك رأيت صورة من الصدر فما فوق بالأبيض والأسود لا تزال منطبعة في ذاكرتي حتى الآن لشاب حاسر الرأس يحمل رقمه العسكري في لوحة أمامه، وأخذت أتأملها. كان في الوجه هدوء، ووقار، وأنوثة وجودية، وحزن، وانطباع بالشعور بالوقوع في مأزق ما، أما العينان فثاقبتي النظرة، مستسلمتيها، وحزينتيها أيضاً (هكذا كان انطباعي في الأقل، وستشكل تلك الصورة وقراءتي لها جزءا كبيراً من علاقتي بسماء عيسى لغاية الآن). بعد ذلك وجدت نفسي أفعل شيئاً لم يكن مطلوباً فعله على الإطلاق من أجل القيام بالأجراء الذي أقوم به مع بقية الحالات: قراءة الملف من أول صفحة فيه إلى آخرها لمعرفة أكبر قدر ممكن عن هذا "العيسى" (رسالة طلب التوظيف المقتضبة وغير المتملِّقة، إشادات تقارير رؤسائه التي تحمل تصنيف "سري" و"سري للغاية" بحسن أدائه في العمل والمقترحة ترقيته، إلخ). ثم قمت بما علي القيام به من إجراء إداري وأخذت الملف وحده دون غيره – كمن يسمح له وضعه الوظيفي بتقديم مساعدة خاصة لصديق عزيز (وحقاً سيصبح سماء عيسى لاحقاً واحداً من أعز أصدقاء العمر) – إلى المكتب الذي تحال إليه الملفات في الخطوة الإجرائية تالياً لأطلب من أحد الزملاء هناك القيام بالإجراء الذي يخصه فوراً "لأن هذا شخص يهمني أمره"، ثم أخذت الملف إلى الشعبة المالية لأطلب من أحد من أعرف هناك القيام بإجرائه فوراً "لأن هذا الشخص يهمني أمره"، وذلك ضماناً لأن يحصل "صاحب العلاقة" على مستحقاته المالية في لمح البصر (ثمة تفصيلة إجرائية في المنتصف وهي الحصول على توقيع الضابط، ولم أعد أتذكر كيف تدبرت الحصول عليه بسرعة). هكذا إذاً حصل "التمهيد الأول للقاء الأول" بسماء عيسى عبر "الكلمة" و"الصورة" (وإن يَكُ في ملف عسكري)، حيث ستشكل "الكلمة" و"الصورة" قطبي صداقتنا لاحقاً.
هكذا، إذاً، ابتدأت الحكاية التي لن تنتهي أبداً.

ظل الاسم في ذاكرتي لمدة بعد ذلك، لكنه بدأ في التلاشي بالتدرج إذ لم يحدث في الحياة ما يعضد وجوده هناك. لكن بعد حوالي سنة من ذلك حدث شيء غريب آخر هو "اللقاء الأول" بسماء عيسى. ذات يوم إثنين، قبل ثمان وعشرين سنة بالضبط، شاءت "المصادفة" أن تنشر لي الصحافة الإماراتية ثلاث مواد في نفس اليوم: قصتي القصيرة "العائد متوحداً بالترتيلة الزرقاء" في الملحق الثقافي لصحيفة "الخليج" الذي لا يزال يصدر لغاية اليوم، ونص نثري في الصفحة الأخيرة من مجلة "الظفرة" التي توقفت عن "الصدور"، ومادة ثالثة لا أتذكر ماهيتها ولا المطبوعة التي أصدرتها. كنت في إجازة طبية في ذلك اليوم، ولذلك فإني ارتأيت أن أزور صديقي الكاتب اليمني الراحل سعيد دُحَيْ الذي كان يكتب في صحيفة "الوحدة"، والذي لم أره منذ مدة، بلا موعد. في حوالي العاشرة من صباح ذلك اليوم كنت أضغط على زر جرس الشقة ليخرج لي بعد قليل شخص حاسر الرأس يرتدي دشداشة عمانية بيضاء ويدخن سيجارة. بمجرد أن فتح الباب ورأيت وجهه قلت في نفسي: "هذا شخص رأيته في مكان ما من قبل!". اقتضت طبيعة المجاملات أن يصطحبني ذلك الشخص إلى غرفة الجلوس ("تفضل، تفضل!"). وفي غرفة الجلوس رمقت المنضدة بنظرة لأفأجأ بوجود المطبوعات الثلاث التي نشرت نصوصي الثلاثة في نفس اليوم – والتي تتضمن واحدة منها في الأقل صورتي -- وهي مفتوحة على الصفحات ذاتها التي نشرت فيها المواد، فشعرت بارتباك شديد ("هذا عماني آخر يتقصدني قصداً قصداً ، استقصاداً استقصاداً، حتى في شقة سعيد دُحَيْ شخصياً!"). "كيف الحال؟". "الحمد لله". "كيف الصحة؟". "الحمد لله، الله يسلمك، "انته كيف أخبارك؟"، "الحمد لله. كل شيء على ما يرام". "أهلاً وسهلاً". "الله يخليك". كنت أرمق كل شيء وأنا مرتاب من كل شيء، وكان هو يرمقني أيضاً؛ فمن نظرة مختلسة من زاوية عيني أدركت انه يفعل ذلك. بحلول ذلك الوقت أدركت بيني وبين نفسي انني أمام نفس "العيسى" الذي أنهيت إجراءات استقالته بالسرعة التي يستحقها صديق لا أعرفه قبل حوالي سنة، ولكن الوضع كان مربكاً أكثر مما ينبغي وغير مريح أبداً النسبة لظروفي. لذا فقد حسمت الأمر ووقفت استعداداً للانصراف وقلت: "معذرة أنا مضطر أروح. من فضلك قول للأخ سعيد انه شخص اسمه فلان جا يدورك وما حصَّلك". "أه، انته فلان؟!. أنا والله شكيت انك فلان أول ما شفتك. إيش رايك تجلس شويه عشان نشرب قهوه وندخّن سيجارة سيجارتين مع بعض؟"، وسحب سماء لفافتين من علبة سجائره الـ "دنهل". قلت في نفسي: "رأيت صورتك وقرأت عنك عسكرياً قبل أن ترى صورتي وتراني وتقرأ لي أدبياً كما يبدو من المنضدة ولا أدري لأي غرض!". فكرت بسرعة ثم أجبت: "طبعاً، طبعاً، بكل سرور، بس اسمح لي أنزل شويه تحت حتى أجيب علبة سجايري من السياره. انا ما أدخن "دنهل". أنا أدخن "مارلبورو" رغم اني ما أمريكي واجد!. ها ها ها!"". "طبعاً، طبعاً، تفضل!. انا بعد أدخن "دنهل" رغم اني ما إنجليزي واجد! ها ها ها!". طبعاً كنت أكذب، فقد كانت علبة السجائر "المارلبورو" في جيبي، لكني – بيني وبين نفسي – أردت برهة من الوقت كي أتفكر فيما إذا كان علي أن أواصل الحديث إلى ذلك الشخص الغامض الغريب في ذلك الموقف الغامض الغريب، أم ان عليَّ أن أهاتف المرحوم سعيد دُحي من هاتف عمومي بعيد عن الموقف كي أتأكد انه "يعرف" هذا الشخص وانه "ثقة" (لم يكن عصر الهواتف المحمولة قد بدأ بعد). غير انه لا يمكن أن يكون شخصاً سيئاً ما دام صديقاً لسعيد دُحَيْ بدليل وجوده في شقته. حسمت الأمر بعد عدة "شفطات" سريعة، فصعدت إلى الشقة بعد "الكذبة البيضاء" . أشعلنا سيجارتين وكانت تلك هي بداية السحابة التي احتضنتنا في غيومها لغاية الآن. بدأنا في الحديث عن الأدب، وأبدى سماء ملاحظات نقدية حول نصوصي الثلاثة التي قرأها قبل وصولي بـ"استقصاد شديد"، ومما أتذكره جيدا انه أبدى تحفظا حول ضعف الصورة الشعرية في حالة من يكتبون السرد. لكن بعد حوالي ساعة من الحديث حول الأدب إذا بالكلام ينجرف بسلاسة غير طبيعية لفرط عفويتها نحو منطقة أخرى "محظورة" لا يتحدث فيها اثنان إلا بعد أن يكونا قد عرفا بعضهما البعض عن قرب لمدة طويلة أنجبت الثقة. بدأ كل منا يروز الآخر، ويختبره، ويماطله بالكلام، والنظرات، والتعليقات والتعقيبات التكتيكية. كان من الواضح لكلينا ان ثمة شيء فيه الكثير من المحبة العميقة والخطر الشديد قد ابتدأ ولا يمكن إيقافه أو تغيير مساره. وفي أثناء ذلك الحديث المتوتر والمتوجس حدث ان اندلق فجأة اسمُ راحلٍ بغير مشيئته وجوده مشترك في ذاكرتينا. "تقصد انه انته كنت تعرفه شخصياً؟". "كيف؟!. كان صديقي!". في تلك اللحظة بالضبط رفعنا وجهينا وتبادلنا نظرة صامتة وطويلة هي الأعمق والأمضى في حياتي الصغيرة لغاية الآن. في تلك النظرة اندلق بيننا وفي روحينا شيء كبير أود أن اسميه: "الثقة المطلقة". لم تتدرج ثقتي بسماء من القليل إلى الكثير كما يحدث في العلاقات بين البشر، ولم أعرفه قليلاً ولا كثيراً حتى أصل إلى تلك الدرجة. كلا؛ فقد التقينا بالمصادفة وفي تلك النظرة ولدت الثقة كبيرة دفعة واحدة. ومنذ تلك النظرة البعيدة لم تزد تلك الثقة ولم تنقص، ولن تزيد ولن تنقص فهذا بالضبط ما هو مكتوب لها: دفعة واحدة، مرة واحدة، فقط، فقط، لن تزيد ولن تنقص. كانت الساعة قد بلغت حوالي الثانية ظهراً حين اقترحت عليه تناول الغداء في مطعم مجاور. تناولنا الغداء وعدنا إلى الشقة. هنا حدثت تفصيلة لم أعد أتذكرها بالضبط؛ فإما ان سماء قد كالم المرحوم سعيد دحي من هاتف عمومي ونحن في طريق العودة، أو أن الراحل العزيز قد انضم إلينا لبرهة قصيرة ونحن في الشقة. لكننا –سماء وأنا -- كنا نحكي عن كل شيء مع الشاي والسجائر بأقصى ما يمكن تصوره من الإريحية والتلقائية والثقة المطلقة. وفي العصر اقترحت على سماء التجول بسيارتي المتهالكة في شوارع المدينة الصاعدة التي كان يعرفها ويعمل فيها، فتجولنا ونحن نتحدث عن كل شيء. وحين غربت الشمس وجدنا نفسينا في أحد المنتبذات الليلية ونحن نتحدث عن كل شيء حيث فاضت روحانا لروحينا بجروح كل شيء. وفي حوالي الثانية والنصف صباحاً أعدت سماء عيسى بالسيارة المترنحة إلى الشقة ونحن نتحدث عن كل شيء.
وإن كان فيكم من يظن أن اللقاء التعارفي لشخصين وجدا نفسيهما وحيدين معاً بالمصادفة يمكن أن يستمر من حوالي العاشرة صباحاً حتى حوالي الثانية والنصف من صباح اليوم التالي فعليه أن يفيدني لأنني جاهل بمألوفات الأشياء، أو أن عليه أن يراجع نفسه لأنه على الأرجح مخطئ في كل شيء، ولا يفقه أي شيء.

(2)

ولا أزال ألقى سماء عيسى في كل شيء.

*****

لأجل ..السماء

(1)

طالب المعمري
(شاعر ومدير تحرير مجلة نزوى)

سما عيسى ليس صديقا فقط ..
هو أكثر .. هو سماء ،وهو عيسى .
قوس قزح بين سماء وأرض .. بين السماء (الرمز) .. و .. عيسى "الاسم الفيزيقي" له ولنبي ،
كلمات وكلمات بفطرة الروح.. بالكلمات الرائية ..
نظرنا فوجدنا .. صديق يداعب الوقت والمسافات
يدحرج الصخرة مرة ثم أخرى
وحين يتعب
يلعب النرد ..
البراءة والأمل ..
ساحته والشعر محراثه الابدي

*****

(2)

عبدالله البلوشي
(شاعر )

"لقد كان لقاؤنا الاول مبتدأ الكلمة التي لم ننطق بها على الاطلاق والتي ظلت حبيسة روحينا اللتين كانتا تستقرىء احداهما الاخرى بابجدية غير مسموعة تجذرت لاحقا على هيئة شجرة باوراق نظرة كالفجر .. سماء عيسى ذلك الكائن الذي ظل يرمق عن بعد أمكنة طفولتي وسائر الأمكنة التي تدفعنا الى الصمت .. الأمكنة تلك التي تشبه في مكونها الاساس قطرات زيت مقدسة أضاءت فناء ارواحنا ..
سماء عيسى ذلك الصوت الذي يأتي متدفقا كينبوع عــذب ليوقظ عذابات نائمة كالوجد .. له صادق مودتي

***

(3)

جاسم البطاشي
(مخرج مسرحي وسينمائي)

سماء عيسى هو الإنسان الذي نشعر بمجرد رؤيته بانه أب حنون ومنهل نستقي منه الأدب والحب والتحليق في سماوات الصفاء والعشق الذي لا يعرفه أحــد غيره..
هو ليس سماء لعيسى فقط وانما سماء لنا جميعا نتشرف بأن يكون بيننا وان نكون ابناءه..

***

(4)

• مريم عبدالكريم
( مديرة جمعية الفنون التشكيلية وفنانة تشكيلية)

لو كنت بحرا لكانت شهادتي مجروحة وبنزيف جرحها أُسجل .
يعد سماء أحد عمالقة الأدب العُــماني ورمز هـام في الحراك الثقافي والفني من خلال اطروحاته واسهاماته الغنية في مجال الشعر والقصة والنقد الفني وتشجعيه الدائم لكل مبدع على هذه الارض خصوصا فئة الشباب..
لا نرى محفل ثقافي يقام الا وهو أولهم يسجل حضوره بأحرف تشكل اللاليء والدرر .. تجمعت فيه الفضائل كلها واعظمها فضيلة التواضع فلكل إنـسان هالة وهالة سماء الصمت والسكنية فانه يعمل في الصمت وعندما يتحدث يظل حديثه عــذبا يخترق القلوب فهو يتميز بسلوكه الحضاري الراقي في التعامل مع الآخر ...

(5)

حسن مير
( فنان تشكيلي)

سماء عيسى من اجمل واهم المبدعين الذين عاشرتهم في حياتي يريد ان يكون معنا ان شاء او يسبح في عوالمه الخاصة يتأمل الكون والجمال اذا اراد ولاحدود لمساحة تفكيره , لقد اضاف لي الكثير في حياتي الحرفية كرسام لقد التقيته لاول مرة في بداية التسعينيات مع صديقي الشاعر عبدالله البلوشي وبعدها كنا نتلقي بشكل دائم في النادي الثقافي. وفي بداية الالفية شكلنا مع بعض وبفضل دعمه الدائم للافكار المبدعة جماعة الدائرة للفن المعاصر التي كانت فكرتها الاساسية الجمع بين الشعر والفن. وهو الاب الروحي لمجموعة من الفنانين التشكيليين والشعراء والمسرحين والسينمائين لانك دائماً تجده في كل مكان وفي اي حقل ابداعي . لقد اثر سماء في فني كثيراً والمتابع لاعمالي الاخيرة يجد روحه فيها لاننا نتشارك في عوالم كثيرة وعندما اقرأ قصائده يجب ان تترك اثراً فيني وفي اعمالي . سماء انسان حالم متصوف وروحي وشاعر عظيم وموسوعة انسانية كبيرة ويحب ان يهبها للناس والاصدقاء وقليل جداً ان تجد شخصاً مثله يحب الناس اكثر من نفسة وانا تمنى ان يتم الاحتفاء به دائماً على المستوى المحلي والعالمي." لا استطيع ياصديقي ان اصفك بهذه الكلمات البسيطة لان ماكتبته لك مجرد كلمات بسيطة امام انسانيتك وابداعك"