جاكلين سلام
(سوريا/كندا)

جاكلين سلام

الحديث عن الجسد لا يعني البتة الحديث عن الجانب الجنسي من الجسد. كتابة الجسد لا تعني الكتابة الايروتيكية واستعار الرغبة الجنسية وانطفائها. الجسد كيان، يدان، ساقان، قدمان، أصابع، عيان، آذنان، رأس وما يسكن داخله. وهذا الكيان ليس بمعزل عن المحمول الاجتماعي والسياسي والديني والبيئي. وإذا كان الجسد بيت، فهو كيان متكامل منفتح على الخارج وواقع تحت منظومة متغيرات خارجية. وكالبيت تغزوه عواصف الشتاء، يمر به الربيع والخريف.

الجسد ليس غرفة مغلقة وسريرا أحمر نتلصص عليه من ثقب الباب. الجسد ليس الشباب الدائم والجمال المتألق وما تفعله فيه عمليات التجميل. الجسد دورة ما بين الطفولة والشباب والشيخوخة. حين أنظر إلى جسدي بهذه الصورة أعتقد أنني عايشت هذه الأعضاء التي تشكل الجسد والفلسفة التي تقمعه أو تدعي تحريره.

لقد تطرقت إلى أجسادنا الاجتماعية والسياسية، المقموعة والحرة والملتبسة. كتبت عن أصابعي وهي تصافح، وهي تلوح بالوداع. كتبت عن القدم والحذاء والكعب العالي وارتباط هذا بحدود الحرية. وعن جسدي الغارق في معاطف الشتاء، في غربة العالم. كتبت عن شَعري الذي ظهر فيه بعض البياض، وكتبت بحنان عن التجاعيد التي خلفها الدهر حول عيني وعلى محيط خصري.

لست مشغولة بكتابة الشبق. جسدي أكثر حرّية حين أحرره من الكتابة عنه بصراخ يخلو من القيمة الإبداعية. تجاوزت الأربعين قليلاً ولم أجد لدي أي رغبة في الكتابة الايروتيكية، ونادراً ما قرأت نصوصاً على الصعيد العالمي أو العربي تقترب مما يمارسه الجسد من إبداع بلغته الحسية الخاصة. هذا ما أرى الآن وحتى إشعار آخر من دورة أيامي على هذه الأرض. ولست أعاني من رقابة أخلاقية أو عائلية أو مجتمعية.

لم أصل بجسدي إلى أي مكان، أخذني جسدي إلى الهاوية وإلى آخر العالم. رافقني جسدي كله في نشوة الحب، في ألم الولادة، في متعة الرضاعة، في خسارات الحب، نعم الحبّ، الحزن والمنفى.

ثمة في الشرق من يدّعون أنهم سباقون إلى تحرير الجسد ولم يفعلوا في الواقع سوى قصقصة الأعضاء وتفريغها من كينونتها الكبرى. يدهشني أن أرى غلافاً لمجلة تدعي تثوير الجسد وإطلاق عقاله من القمع وأشكال التابوهات، لكنها تضع على الغلاف صورة امرأة بلا رأس، أو يكون الغلاف منطقة الجنس أو "العورة" مبتورة عن كل شيء. هذه الخصخصة ليست إلا بتراً للكيان الكلي الإنساني وتصغيراً لدورته الخصبة. فأين وصلنا بثقافة الجسد المكتمل، الحرّ والمبجّل في غيابه وحضوره!

النصر الجزائرية، سبتمبر 2009