سامي صالح التتر
(الرياض)

فوزية أبو خالدعرفت عبر تاريخ مشوارها الطويل، بدءاً من جلوسها على مقاعد الدراسة ومزاولتها لحرفة الكتابة في الصحف ككاتبة مقال، ومن ثم كأستاذة جامعية، بامتلاكها لحس التمرد والإحساس العالي بالعدالة، مما خولها أن تكون نصيرة لزميلاتها الطالبات و«مطفشة» للمعلمات المعنفات، وكاتبة مشاكسة اعتادت على إيقاف الرقيب لها، وتمادي هذا الإيقاف ليطالها في حرم الجامعة.
الدكتورة فوزية أبوخالد في حوارها مع «اليمامة»، تكشف أسرار حياتها من حملها لبطاقة أحوال شقيقتها «فوزية» المتوفاة، ونشأتها في بيئتين متناقضتين من حيث المناخ والحضارة، وانضمامها لـ «مدرسة المشاغبين» إبان كتابتها في عكاظ، ووصفها بـ «مدللة الكتابة الأدبية»، ومن ثم معاملتها كشريرة، فضلاً عن استشعارها بعدم تخلي الله عنها بعد إصابتها بمرض السرطان.. وأسرار أخرى نطالعها عبر هذا الحوار.

النشأة .. والطفولة:
أين دوت صرخة الميلاد، وكيف كانت النشأة الأولى؟
- لصرخة ميلادي سر سأفصح عنه لأول مرة. ولدت في مكة المكرمة عام 1958م في ذات اليوم الذي حصل فيه الاعتداء الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولكن المكتوب في شهادة ميلادي أني من مواليد الرياض وبتاريخ ميلاد يخالف تاريخ ميلادي، وهذا عائد لقصة لا يعلمها سوى والديَّ - رحمهما الله - وأشقائي، فقد كان لي أخت كبرى ولدت في الرياض، فأسماها والدي «فوزية»، ولم يكتب الله لها الحياة، فبقت بطاقتها الشخصية مع والدي، ثم رزق بابنة ثانية فأسماها أيضاً «فوزية» ومنحها بطاقة شقيقتي المتوفاة، فعاشت قرابة العامين ثم مرضت واختارها الله إلى جواره، وحين ولدت أخذت ذات الاسم «فوزية» ومنحت بطاقة شقيقتي الكبرى دون أن يغير والدي الاسم ولا موقع وتاريخ الميلاد، وبقي الأمر على حاله إلى يومنا هذا.
أما عن نشأتي، فمن المعروف أن والدي من نجد من منطقة «ملهم» في حريملاء الواقعة غرب الرياض، ووالدتي من أشراف مكة، وقد عاشت لفترة طويلة في وادي القيم بالطائف، فكنا نأتي للطائف لزيارة أهل والدتي، وتحديداً «خيلاني»، وكانت كثير من الأسر النجدية تأتي إلى الطائف.
تنقلكِ الدائم في مرحلتي النشأة والصبا.. ماذا شكل لكِ في مسيرة إبداعك؟
- شكل لي مصدراً سحرياً ونوعاً من الإلهام، فكون والدتي ولدت في مكة المكرمة وعاشت معظم حياتها بوادي القيم في الطائف، وكون والدي لم يعش في مكة المكرمة باعتباره من الرياض، وكوني أنا الوحيدة من بين أشقائي وشقيقاتي الـ (13) التي ولدت في مكة المكرمة، أشعرني كل هذا بأن الله تعالى خصَّني بشيء.

فوزيات
ما ترتيبكِ بين أشقائكِ، وما سر «فوزيات» المدون في إيميلك الخاص؟
- أنا فوزية الثالثة، بعد شقيقتيَّ اللتين انتقلا إلى رحمة الله تعالى، والأولى بين أشقائي وشقيقاتي الذين أكرمهم الله بالحياة، وجميعنا من أم وأب واحد ولله الحمد.
وسر «فوزيات» في إيميلي على الهوتميل، الإشارة إلى كوني «فوزية الثالثة»، ولكي أتذكر شقيقتيَّ دائماً، وهو سر شخصي لأول مرة أفصح عنه.
ما الذي تستحضره ذاكرتكِ عن فترة تنقلكِ في مرحلة الطفولة ما بين الطائف والرياض؟
- هذا التنقل أثر في تكويني كثيراً، حتى أني كتبت سلسلة مقالات باسم «ثمين الأمكنة» تحدثت فيها عن حياتي في الطائف وفي الرياض، فقد نشأت بين بيئتين متناقضتين من حيث المناخ، ومختلفتين من حيث الحضارة. ففي الطائف كنا نسكن في حي اسمه «حي الشربي»، غالبية سكانه كانوا من أهل البادية المعتادين على التنقل، ومنهم من كان مستقراً في هذا الحي. ويومياً في فصل الصيف، وتحديداً في «العصاري» - نسبة إلى العصر- كان المطر يتساقط لمدة ساعة وينتهي بالبرد، فتجد الأرض بها كمية من البرَد، وكأن أحداً رمى عليها كمية من اللؤلؤ الصغير الحجم، علاوة على البساتين الغناءة، منها بساتين الفيصلية والمثناة وشهار والشفا وفضاءات الحوية والردف، هذه المناطق كانت غنية بالخضار وبالمياه العذبة، إضافة لمنطقة اسمها «الفرار» والتي كان ينبع منها الماء باسم «نبع غدير البنات» والذي أصبح اليوم اسماً بلا مسمى. في هذا الجو المشبع بالخضرة الزمردية، وبروح الانطلاق، عشت طفولتي.
في حين كان المتنفس الوحيد لسكان الرياض الذهاب لمنطقة الخرج المشهورة في ذلك الوقت بالسواقي وشجر التيل الشبيه بشجر النيم المنتشر جداً في جدة والمتميز برائحته الطيبة، أو الذهاب لمنطقة حريملاء المشهورة بالحيالات، وهي عبارة عن بساتين مقتصرة فقط على النخل وعلى شجر السدر، وعلى شجر آخر اسمه بمبر، وكانت لدينا حيالة نزورها دائماً، وتبعاً لذلك كانت طفولتي في تنقل دائم بين منطقتي الرياض والطائف، وكانت مكة المكرمة حلقة الوصل بينهما.
ما الذي كان يلفت انتباهكِ كطفلة في ذلك الزمن؟
- أتذكر النساء في الطائف، كنا يعملن في البساتين في «العصاري»، ويجلسن عند أبواب منازلهن بدون عباءات فقط واضعين على وجوههن ما يسمى الآن «البراقع»، ليشاهدوا أولادهن وهم يلعبون أمامهن، حاملات مغازلهن لينسجن عليها ما طاب لهن، وكنا يحتفلن في جلساتهن بالعزف والغناء، ويشاهدن أفلاماً سينمائية عربية وأجنبية في فصل الصيف، ويقوم بالإشراف على هذه الجلسات مجموعة من النساء، ولم يكن أحد يستنكر هذا الأمر، وقد شاهدت في ذلك الوقت فيلم «الشموع السوداء» الذي مثلت فيه نجاة الصغيرة وصالح سليم، وهذا الأمر لم يكن متاحاً في الرياض، بحكم طبيعة سكانها ونشأتهم غير المتقبلة لمثل هذه الأمور، مما كان يُوجد مجالاً للمقارنة بين هاتين البيئتين المختلفتين. وكنت أشاهد «أخوالي» وهم يحتفلون مع الرجال في المناسبات السعيدة والأعياد، ويرقصون رقصة «الحويفي» و«المجرور»، ويلوحون بالخناجر لابسين ثياباً واسعة وعُقلاً اسمها «فيصل»، والمقصود هو الملك فيصل ملك الأشراف الذين ارتحلوا إلى العراق وسوريا.

شلل أطفال
متى أصبتِ بشلل الأطفال؟، وأين تلقيتِ علاجكِ وشفيتِ منه؟
- أصبت بشلل الأطفال في الستينيات حين كنت في الرابعة من العمر، وقد عولجت بداية بالطرق التقليدية من تجبير وكي، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل، حينها قرر والدي ووالدتي الذهاب بي إلى لبنان للعلاج، فسافرت معي أسرتي وقضيت بها مرحلة من طفولتي، من سن الرابعة إلى السادسة، وكانت هاتان السنتان كافيتين للشفاء من المرض، وعندما وصلت لسن المدرسة، كان والدايَّ حريصين على أن أتعلم هنا، وأن أفتح عينيَّ في بلدي وليس في بلد آخر.
ما أبرز ما علق بذاكرتكِ فترة علاجكِ في لبنان؟
- أتذكر أني شاهدت لأول مرة التلفزيون، والنساء وهن يخرجن بدون عباءات بالبنطلونات واللبس القصير، وشجرة الكريسمس، والمراجيح، ومسرح العرائس، ومعرض دمشق الدولي، وحفلات لفيروز وصباح ووديع الصافي كنت أحضرها مع أهلي، وعرفت من سن صغيرة أن هناك مسيحيين ويهود، وأن المسلمين من الممكن أن يتعايشوا معهم، وهذه المشاهدات أضافت لخيال طفولتي الشيء الكثير.
بعد العودة من لبنان.. أين استقرت عائلتكِ؟
- قدمنا إلى جدة عام 1965م، بعد أن توفت جدتي لوالدي «سارة» - رحمها الله -، حينها شعر والدي أن بإمكانه أن يترك الرياض، بعد أن كان متمسكاً بها لكون جدتي كانت تسكن في حريملاء.
على مقاعد الدراسة؟
أين تلقيتِ تعليمكِ في المرحلة الابتدائية، وما الانطباع الذي خرجتِ منه عن هذه المرحلة؟
- درست في المدرسة الخامسة الابتدائية الواقعة في حي «الرويس»، والتي لم تكن بعيدة عن منزلنا المجاور لقصر الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، ولمقبرة الرويس. وكان هذا الحي يسمى أيضاً «الشروق»، وكانت تسكنه الأسر النجدية التي تعيش في جدة. وقد درسني فيها مدرسات فلسطينيات وسوريات ومصريات إلى أن تخرجت منها، وقد كتبت قصائد ونصوصاً عنها، لأن الجدار الذي كان بين مدرستنا والمقبرة كان مفتوحاً، فكنا أحياناً ندخل ونلعب فيها.
من مِن المعلمات اللاتي ما زلتِ تتذكرينها؟
- أهم معلمة احتفظت باسمها أنا وزميلاتي وكنا حريصات على مراسلتها؛ لكونها زرعت فينا الكثير من الأخلاق والقيم، هي الأستاذة نهى العبوة، وهي أردنية فلسطينية. من خلالها عرفنا أن هناك قضية اسمها «القضية الفلسطينية»، حيث شرحت لنا مأساة الشعب الفلسطيني، ومن خلالها عرفنا أن هناك أدباً اسمه الأدب الفلسطيني، فعرفتنا على أدب فدوى طوقان، وإبراهيم طوقان، وعلى كثير من الشعراء. وأتذكر معلمة سورية اسمها ابتسام السقا، ومعلمة فلسطينية اسمها نوال، تأثرت بهما كثيراً، ولم يكن هناك معلمات سعوديات في ذلك الوقت.
من تتذكرين من زميلات هذه المرحلة؟
- كانت معي مجموعة من الزميلات اللاتي ما زلنا صديقاتي إلى الآن، منهن: فاتن كيال، ومزنة المحمود، ونورة السليمان، وفريال عزب - فلسطينية-، ونورة السديري، وحصة الهطلان، وحصة العيسى، ولولوة العيسى، وهند العيسى، وزهرية محمود، وأحلام رحيمي، وآمال خوجة، وإلهام أبوالحمايل، ونورة النقيدان، ووداد محروس، وألقابهن جميعاً تعود لأسر نجدية ولأسر حجازية، وجميعهن غير معروفات إعلامياً، لكنهن ناجحات في حياتهن وما زلت أتواصل معهن.

قراءات مبكرة
كيف ومع من كنتِ تقضين شقاوة الطفولة؟
- مع زميلاتي اللاتي كن يدرسن معي، حيث كنت أزورهن في بيوتهن، وألعب معهن في الحارة ألعاباً مختلفة، منها: «طيري» و«استغماية»، وكنا نلهو في المقبرة. كما كنت ألعب مع أشقائي محمد وفيصل وحسن ونوال، وهؤلاء يصغرهم: أحمد ونهى وأنوار وحسناء وعبدالرحمن ومشاري. وأجمل ما في هذه المرحلة، شغفي بالقراءة، حيث كنت أتردد مع والدتي على مكتبة «المؤيد»، وهي ما زالت موجودة في الطائف، وعلى مكتبة لا أتذكر اسمها في سوق الندى بجدة، وكانت قصص «المكتبة الخضراء» جميعها لديَّ وهي للأطفال، منها: «البجاعات المتوحشات»، و«ذو الأنف العجيب»، و«الدوائر الزرقاء» وغيرها، وأذكر أني اشتريت من مكتبة سوق الندى قصة «نساء صغيرات» للكاتبة الأمريكية لويس الكوت، وكانت هناك قصص لهذه الكاتبة مترجمة ولم تكن هناك ممانعة في طرحها للأسواق، منها «ابكي يا بلدي الحبيب» و «طفولة توماس ويرك»، واشتريت سير جميع الأنبياء من سيدنا آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعندما ذهبت للمدينة المنورة اشتريت كتاب الإسراء والمعراج، وكان هناك تقليد عند «أخوالي» في هذه الفترة من عمري، فقد كانوا يسهرون على قراءة «ألف ليلة وليلة»، وكانت عبارة عن مجموعة من الكتب، كل واحد كان يقرأ تقريباً لمدة نصف ساعة أو ساعة، ثم يعطي الكتاب للذي بجانبه والجميع يستمع لهم، وقرأت معهم هذه الكتب قراءة جماعية، وكنت حريصة وأنا في المرحلة الابتدائية على قراءة نتاج جبران خليل جبران وإيليا أبوماضي وكل كتاب وشعراء المهجر «رابطة القلم» وشعراء مدرسة أبولو، ونتاج نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين، وكانت أمي شغوفة أيضاً بالقراءة وهي التي كانت تشجعني أنا وأشقائي، وكانت تشاركني في حب القراءة بعض صديقاتي، مثل: أحلام رحيمي، التي كنت أتبادل معها الكتب، ومزنة المحمود.
مع كل هذه الاهتمامات في هذه المرحلة العمرية.. هل كنتِ من المتميزات على مقاعد الدراسة؟
- كنت مجتهدة، وترتيبي بين زميلاتي إما الأولى أو الثانية أو الثالثة كحد أدنى، ولم يكن وقتها لديَّ دافع بأن أكون الأولى دائماً، ولم يكن أهلي يهتمون إن طلعت الأولى أو العاشرة، بقدر اهتمامهم بأن أتعلم، مع أني كنت أرى زميلاتي يبكين عند عدم حصولهن على المرتبة الأولى أو الثانية. وكنت ولله الحمد في هذه الفترة متميزة في كتابة مواضيع التعبير، لدرجة أنها كانت تقرأ في الإذاعة المدرسية، ولعل ولعي بالقراءة جعل لغتي جميلة.
أين درستِ المرحلة المتوسطة، ومن تتذكرين من معلمات وزميلات هذه المرحلة؟
- في المدرسة الأولى المتوسطة الواقعة في شارع المدارس في حي البغدادية. وكانت مديرتنا الأستاذة نبيلة الخماش، ولا أتذكر من أسماء معلماتي إلا أسماءهن الأولى، منهن: الأستاذة مهجة، والأستاذة موهبة، والأستاذة سعاد، وكان يدرسنا المواد الدينية الأستاذ عبدالعزيز، وكان كفيفاً، وفي ذلك الوقت كان الكفيفون خريجو المعاهد العلمية يدرسون في مدارس البنات.
ومن زميلاتي في هذه المرحلة، نورة القضيبي، ومنيرة السديري، وإلهام أبوالحمايل ووداد محروس، وهما زاملاني في المرحلة الابتدائية، والأخيرة كنت دائماً أقصدها لكتابة مقالاتي التي كنت أنشرها في عكاظ لجمال خطها، مقابل أن تريني موضوع تعبيرها لأضيف عليه جملاً تعبيرية جميلة، وهدى الديكماري وهي زميلتي الآن في الجامعة، ووفاء اليافي، وطريف محمد، وسميرة أسعد، وسلوى هاشم، وملك هاشم، وميادة العيسائي.

طالبة متمردة
هل في هذه المرحلة العمرية ومن خلال كتاباتكِ عرفتِ كشخصية مشاكسة؟
- ليس في هذه المرحلة فحسب، بل حتى في المرحلة الابتدائية كنت «مطفشة» المدرسات، ورغم ذلك كنت أحصل على أحد المراكز الثلاثة. فقد كنت لا أتقبل النظام، ولا النهر من قبل المعلمات، وحتى عندما تنهر إحدى زميلاتي كنت أتدخل كثيراً، وكان لديَّ حس التمرد والإحساس العالي بالعدالة، وأحياناً الطالبات يقصدنني لأكتب لهن خطابات تظلم ضد معلمة إذا لم تعجبنا، وأحياناً نمتنع عن دخول الفصل، وفي إحدى المرات عاقبت معلمة إحدى البنات طول الحصة، إذ جعلتها تقف على رجل واحدة، فقررنا بعد الحصة ألا ندخل حصتها القادمة من باب الاحتجاج على تصرفها، وكنت أرى بعض المعلمات يشجعن هذا الحس التمردي، وبعضهن ينزعجن منه ويشددن أكثر فأكثر.

كاتبة صحفية
في المرحلة المتوسطة.. ازداد ولعكِ بالكتابة وأصبحتِ كاتبة عمود يومي.. فمن الذي شجعكِ، ومتى نشر أول مقال لكِ، وفي عهد من مِن رؤساء التحرير؟
- أول تشجيع منحتني إياه والدتي الشريفة نور الهاشمي، فقد كانت تأخذ مقالاتي بنفسها وتذهب بها إلى الصحف. أيضاً معلمتي الفلسطينية في المرحلة الابتدائية الأستاذة نهى العبوة. بدأت الكتابة في صحيفة عكاظ وأنا في الصف ثاني متوسط عام 1968م، تحت عنوان «قطرات»، وكان رئيس تحريرها الأستاذ عبدالله عمر خياط. والذي شجعني وأثرى ثقافتي أكثر وكان يرسل لي كتباً كثيرة الأستاذ عبدالله الجفري - رحمه الله- مدير التحرير آنذاك، فمن خلاله تعرفت على أنيس منصور في «مؤلفات أنيس منصور» و لطيفة الزياد وسهيل القلماوي، وعبدالوهاب عزام، وعباس العقاد.
ما الذي أثرى ثقافتكِ لتكوني كاتبة عمود يومي؟
- في هذه المرحلة كنت أميل لسماع الأخبار عبر الإذاعات، خصوصاً ما يتعلق منها بالوطن العربي، وأصبح لديَّ اهتمام بالقضية الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية، وكنت أكتب عنها في مقالاتي.
من سبقكِ للكتابة عبر الصحف من كاتباتنا السعوديات؟
- في ذلك الوقت كان عدد الكاتبات السعوديات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وقد سبقتني للكتابة الدكتورة خيرية السقاف - لم تكن قد حصلت على الدكتوراه بعد - في مجلة اليمامة، وفاتنة شاكر وثريا قابل والدكتورة ابتسام حلواني - قبل أن تحصل على الدكتوراه - في صحيفة عكاظ،، وحصة التويجري وجواهر الطبيشي في صحيفة الرياض. هذه الأسماء فتحت عيني على الكتابة فوجدتها قد سبقتني للكتابة، والذي عرفني بهن كثيراً، عندما بدأت أكتب بصفة يومية في صحيفة عكاظ، فقد وجدت منهن التشجيع والتحفيز للاستمرار في الكتابة، خصوصاً من الدكتورة خيرية السقاف وفاتنة شاكر، اللتين كتبتا لي رسائل وشجعتاني على الكتابة وباركتا لي انضمامي لقائمة الأقلام النسائية.
ما نوعية الموضوعات التي كنتِ تطرحينها عبر مقالاتك وأنتِ في المرحلة المتوسطة؟
- كانت أقرب لمواضيع التعبير التي تكتب في المدارس، والمشكلات التي كانت تواجهني في المدرسة، مثل ظلم المعلمات وقساوتهن، خصوصاً أن الضرب كان مسموحاً في المدارس، وعن صعوبة المواصلات، والقضية الفلسطينية والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وكنت مفتونة في ذات الوقت بأدب طه حسين، ومي زيادة، وبالأدب المهجري، وبأدب الرحلات الذي كان يكتبه أنيس منصور، وكان من الناس الذين يكتبون معي وكنت أتطلع كثيراً لكتاباته الأستاذ مشعل السديري وعبدالله الجفري ومحمد عبدالواحد، وسعد الحميدين، وعلوي الصافي حينما كان رئيساً لتحرير المجلة العربية، وحمد القاضي. وفي هذه المرحلة كانت هناك كتابة تقليدية يمثلها الأستاذ محمد زيدان ومحمد حسن عواد وحمد الجاسر - رحمهم الله - وكنت معجبة بكتاباتهم، وأنظر لما يكتبون بإكبار شديد.

في مدرسة المشاغبين
ما قصة «مدرسة المشاغبين» التي انضممت إليها، ونوعية الكتابة التي كنت تكتبينها بها؟
- إبان كتابتي في صحيفة عكاظ، شكلت أنا وعبدالله الجفري ومحمد عبدالواحد مدرسة شبيهة بمدرسة المشاغبين، كنا نكتب فيها بلغة مختلفة متأثرة كثيراً بما يكتبه اللبنانيون أدباً وصحافة، على العكس تماماً مما كان يكتبه كل من محمد حسن عواد وزيدان وعزيز ضياء، الذين كانوا متأثرين كثيراً بالمدرسة الأدبية المصرية.
خلال مسيرتك ككاتبة مقال تعرضتِ لعدة إيقافات.. ما هو الإيقاف الذي يصعب أن يفارقكِ؟
- أذكر أني كتبت مقالاً عن البترول في مجلة اليمامة بعنوان: «في الصيف ضيعت البترول»، وكان رئيس تحريرها آنذاك الدكتور فهد العرابي الحارثي، وكان هذا الإيقاف هو الأول بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983م.
ومن هو رئيس التحرير الذي كان يعاونكِ على الرقيب فيما تكتبين؟
- الدكتور عبدالله مناع، فقد كان يشعرني دائماً بأنه يتواطأ معي ضد الرقيب، ويعاونني على الرقيب ولا يعاون الرقيب عليَّ، وقد لمست ذلك في مجلة اقرأ عندما كان رئيساً لتحريرها، حيث كنت أكتب صفحتين بعنوان: «قطرات في نهر الوطن»، وقد يكون ذلك لكونه يحب الكتابات الملتهبة، وهي ما تظهر جلياً في أسلوبه الكتابي.
مدللة الكتابة الأدبية
ما الذي كان يميزكِ عن غيركِ من كتاب وكاتبات ذلك الزمن؟
- استمراري في الكتابة اليومية في هذه المرحلة العمرية وتحديداً وأنا في الصف الثاني متوسط - بأسلوب كان يميزني عن غيري، حيث كنت أعمد للكتابة بلغة نزقة، وكنت في صدام دائم مع اللغة والأفكار، كل هذا منحني موقعاً في الثقافة السعودية، وكنت أشعر كثيراً في تلك الفترة أني «مدللة الكتابة الأدبية»، باعتبار أن الكل أصبح يعرفني ويعرف أسلوبي الكتابي، والبعض كان يعطيني أكبر من عمري، وقد استمررت في الكتابة الصحفية طوال دراستي للمرحلة الثانوية التي درستها في دار التربية الحديثة ومن ثم تخرجت منها.
هل عمدتِ للكتابة باسم مستعار في بداية مشواركِ الكتابي، والاكتفاء بصورة رمزية تجسد شخصيتكِ ككاتبات عصرك؟
- كنت أكتب باسم فوزية أبوخالد، وكانت لي صور تنشر، بعضها نشر في الصحف المحلية مثل مجلة اقرأ، وبعضها في الصحافة الخليجية مثل صحيفة الرأي الكويتية والوطن ومجلة النهضة.
الدلال الذي حظيتِ به من قبل الصحافة، ارتبط بقبول القارئ لما تكتبين.. متى شعرت باختلال هذه العلاقة؟
- عندما بدأت الهجمة على كل ما هو حداثي وتجديدي في بداية الثمانينيات، حينها شعرت أني أعامل كشريرة، أو متمردة الكتابة الأدبية. ومتمردة هنا ليس بالمعنى الإيجابي الذي أخذ عني في فترة السبعينيات، عندما كان ينظر إليَّ بأني الصوت النسوي المتمرد المحبوب، وقد نالني نصيب كبير من الهجوم.
وما الذي حافظ على قلمكِ رغم كل هذا الهجوم الذي نالكِ؟
- اشتداد هذا الهجوم على كل ما أطرح، كان خلال دراستي في الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن ثم استكمالها في الولايات المتحدة الأمريكية. وما حافظ على قلمي ولله الحمد، أنني خلال هذه الفترة كنت أرسل مقالاتي لغالب الصحف السعودية، فنشرت لي مقالات في صحف المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، وهذا أعطاني نوعاً من الحضور والانتشار على مستوى المملكة، حتى أنني أثناء دراستي في الجامعة كنت أقرأ كتاب هشام الشرابي «قراءة في المجتمع العربي»، ومن خلاله عملت قراءة للأحداث السياسية.
هل كان مجتمعكِ يتقبل أن ترسل الفتاة لوحدها في الخارج، لكي تكمل تعليمها؟
- في ذلك الوقت، كان يعتبر الذي يرسل ابنته للخارج وهي في سن الثامنة عشرة من العمر تمرد على العادات والتقاليد، ووالدي - رحمه الله - اتخذ قراراً جريئاً عندما أرسلني للدراسة في لبنان، وأتذكر أن عمي عبدالعزيز وعمي محمد لم يكونا مقتنعين بإرسالي إلى أمريكا. وأمي - رحمها الله - كانت ملهمة بكل معنى الكلمة، متقدمة على بنات عصرها، سواء في رؤيتها لدور المرأة، أو رؤيتها لوطنها، أو للتعليم، وكانت عاشقة للتعليم، وتردد دائماً عبارة جميلة: «أرووا عروقكم من نهر العلم الذي أبعدت عنه في سن مبكرة»، فهي حرمت من التعليم عندما تم إخراجها من الكتُّاب، وبعد أن أخذت الماجستير وأصبحت ظروفي صعبة بحكم انشغالي بأولادي، كانت تقول لي: «إذا لم تأخذي درجة الدكتوراه أخرجي من أحلامي».

حسين.. وغسان.. وطفول:
متى جاءك نصيب الارتباط بشريك العمر.. وبماذا أكرمكِ الله من الأبناء والأحفاد؟
- ارتبطت بشريك العمر حسين العقبي في مدينة جدة عام 1980م، عندما كنت طالبة جامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت.
أكرمني الله بابن اسمه غسان، وابنة اسمها طفول حسين العقبي. غسان طبيب متزوج من لينا محمد الدميني، ورزقه الله بابن اسمه عبدالرحمن. أما طفول، فقد درست الأدب الإنجليزي وتخصصت في دراسات نسوية وقانونية، وهي مخطوبة الآن لبدر بن أحمد أبوخالد.
دراستكِ الجامعية تخللها مشوار عملي أفضى بكِ لئن تستكملي مراحل دراستك العليا.. كيف لكِ أن تستعرضيه؟
- بعد أن تخرجت من المرحلة الثانوية، التحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت في نهاية السبعينيات، وعندما اشتدت الحرب اللبنانية ذهبت إلى ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية والتحقت بكلية لويس لان كلارك وتخصصت في علم الاجتماع، وتخرجت منها بمرتبة الشرف، ثم عدت إلى المملكة العربية السعودية وعملت في جامعة الملك سعود عام 1984م، ودرست فيها لفترة بسيطة، ثم أكملت دراستي بها وحصلت على الماجستير عام 1986م، ومن ثم حصل لي توقيف عن التدريس عام 1987م، وحولت على وظيفة إدارية في الجامعة، وبقيت على مسماي الوظيفي «محاضرة»، ووقتها أيضاً أوقفت عن الكتابة.

محاضرة قيد الإيقاف
إيقافكِ عن التدريس كان بسبب الكتابة.. فما المقال الذي تسبب في هذا الإيقاف؟
- لم يكن السبب واضحاً، سئلت عن عدة مقالات وعن المواد التي أدرسها، ويومها كنت أدرس علم اجتماع الأدب، وعلم اجتماع السياسة، وما أدرسه لم يكن مرفوضاً في بداية الأمر، ولكن عندما اشتد أوار الصحوة وصدر كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، كان هناك هجوم على كثير من الكتاب والأدباء، وبحكم أني أديبة وموجودة في الجامعة أثر ذلك على عملي، ولم أكن الوحيدة المتضررة من هذا الهجوم، فقد تضرر كثيرون، منهم: سعيد السريحي الذي حجبوا عنه درجة الدكتوراه عندما حصل عليها، والدكتور عبدالله الغذامي ضيقوا عليه كثيراً، وهي مرحلة ظلامية برأيي الشخصي.
كيف تسنى لكِ استكمال دراستكِ العليا؛ للحصول على درجة الدكتوراه خلال فترة إيقافك؟
- في البدء ذهبت للدراسة على حسابي الخاص، حيث التحقت بجامعة مانشيستر في لندن، وكان ذلك بقرض من صحيفة الجزيرة ساعدني في الحصول عليه رئيس تحريرها آنذاك محمد أبا حسين، وهذا القرض كان عبارة عن مكافآتي نظير كتابتي للمقالات لمدة عام، قدمت لي مقدماً بدلاً من أن آخذها مع نهاية كل شهر، وهذا القرض بلغ عشرين ألف ريال، ولولا هذا القرض لكان من الصعب جداً أن أكمل دراستي، وقد منَّ الله عليَّ بعد ذلك بالانضمام إلى البعثة، ومن ثم عدت إلى جامعة الملك سعود.
إلى من يعود الفضل - بعد الله - في عودتكِ للتدريس؟
- أولاً للدكتور غازي القصيبي- رحمه الله - الذي كان سفيرنا في لندن، فقد ذهبت إليه وقلت له بأني موقوفة عن العمل، وهو بدوره شرح الأمر لمعالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي، ومن ثم عدت إلى عملي عام 2000م كمحاضرة وهي نفس مرتبتي السابقة، ولم أعين كأستاذ جامعي بالرغم من حصولي على درجة الدكتوراه، وعملت وقتاً طويلاً تحت هذا المسمى إلى أن قبلوا في تعييني كأستاذ مساعد، وسبب ذلك أن هناك حرباً داخلية كانت في القسم ممن هم من القوى المتشددة والقوى المحافظة التي لم تكن سعيدة بعودتي للجامعة، ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا وأنا أمارس مهنة التدريس في الجامعة.
من زاملكِ أثناء تدريسكِ في الجامعة؟
- عندما قدمت للتدريس في الجامعة بعد حصولي على درجة البكالوريوس، كانت هناك نخبة من الزميلات أسسنا معاً قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود، منهن: عزيزة بنت علي النعيم، وسلوى الخطيب، ومها العيدان، ونورة العيدان، وخيرية كاظم، وموضي العمير، ونوال بنت حسن آل الشيخ، وأديبه الشماسي، وهيا المسلم، وعبداللطيف العبداللطيف، وجميعهن الآن يدرسن في الجامعة، بعد أن حصلن على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية.
ذكرتِ زميلاتك.. من مِن طالبات تلك الحقبة أصبح لهن دور فاعل في الزمن الحاضر؟
- من طالباتي: أميمة الخميس، وبدرية البشر، ومنى اليوسف، ورقية الهويريني، وسوزان الغانم، ونوال الحيدري، وجميعهن كاتبات وأديبات ويعملن في مواقع مختلفة وفعالة.

محنة المرض:
ما الشعور الذي خالجكِ عندما علمتِ بخبر إصابتكِ بمرض السرطان؟
- أقول لك بصدق، في كل مراحل حياتي بما فيها المرحلة التي عرفت فيها بإصابتي بمرض السرطان، لم أشعر قط بأن الله تعالى سيتخلى عني، أو أني بعيدة عن رحمة الله، وشعاري الدائم: «طالما وجدت الإرادة، فحتماً هناك مخرج»، ولديَّ إيمان عميق وصادق بقول الله عزّ وجلّ: «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم».
متى اكتشفتِ إصابتك بمرض السرطان، ومن وقف بجانبكِ وساندكِ في لحظات تسلل فيها اليأس إلى نفسك؟
- اكتشفت إصابتي بهذا المرض قبل سنتين، ولم أسمح لليأس أن يتسلل إلى دواخل نفسي. أما الذين وقفوا معي وساندوني فهم كثر ولله الحمد، أولهم طفول وغسان ووالدتي - رحمها الله- وأشقائي، وأخص منهم أخي مشاري الذي رافقني في رحلة العلاج، ووقف معي خالد المالك والدكتور خالد العنقري، وهما يمثلان جهة عملي في الكتابة وجهة عملي في الجامعة، وقفا معي في تكاليف العلاج وفي منحي الوقت الكافي للاستشفاء من هذا المرض الخبيث، ووقفت معي صحيفة الجزيرة بكل معنى الكلمة، ولا أنسى وقفة الأستاذ محمد الشدي رئيس تحرير مجلة اليمامة الأسبق في كل مراحل حياتي ووقفاته معي لا أنساها، أيضاً الدكتور فهد العرابي الحارثي، والدكتور فهد العبدالجبار أحد الأطباء الذين أشرفوا على علاجي، وطبيبي عبدالعزيز السيف الذي اكتشف مرضي بالسرطان، ولا أعرف كاتباً أو كاتبة تربطني بهم علاقة صداقة إلا وكتبوا عني، علاوة على الملاحق الأدبية التي أفردت لي، مما جعلني أستشعر أن الوطن كله يقف معي.
ما الوضع الصحي الذي تمرين به اليوم، وما مدى تأثيره على قيامكِ بواجبك الوظيفي؟
- من المعروف أني خضعت للعلاج في بريطانيا لمدة عام، والآن أستكمل هذا العلاج، وأسأل الله تعالى أن أكون من الناجين. أما بخصوص عملي في الجامعة، فأنا أمارسه ولكن بصعوبات، لأن المرض ترك آثاره علي، وأحمد الله على كل شيء.

اليمامة- 2011