سيدو رشو : أبحث عن الحرية، إنها هاجسي الأول والأخير

سيدو رشو* لمحة عن البدايات الفنية، واختيارك للنحت؟

ـ منذ مرحلة الطفولة، كانت تنثيرني مسائل التشكيل بالمعجون، وكانت تجارب عبثية طفولية، وتحولت فيما بعد، في المراحل الإعدادية إلى المشاركة في "تصويج الباصات"، في مدينة حلب، وهذا مامنحني الإحساس بالكتلة على حساب الفراغ.. وعندما انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1980، جذبني كثيراً فن النحت، وتخصصت في مجاله. ولذلك يراودني إحساس دائم بأن كل ماقمتُ به من عمل في الماضي يفرض وجوده في مسار اختياراتي الفنية.

* كيف اخترتَ هذه القناة؟ كيف اخترتَ النحت كوسيلة ولغة لتعبيراتك؟ من أين تنبع الدوافع الأولى لمسيرتك كفنان؟

ـ هذا السؤال، دائماً يمسك بيدي ويعيدني إلى الطفولة، إلى فرح الطفل الذي كنته، وهو يكتشف انطباع أصابعه على المواد اللدنة.. في طفولتي كنت أعمل كصواج باصات.. وبطبيعة هذا العمل، كبر لدي الإحساس بالتجسيم وتغيير شكل الكتلة وتجسيدها على حساب الفراغ.. كانت هذه أولى مفاتيحي الفنية التي أظنها دفعتني لاختيار النحت. هذا الفن الذي رأيته دائماً، فناً بعيداً عن خداع النظر بأبعاده الثلاثة المحسوسة والملموسة، على عكس التصوير. وأظن أنني لازلتُ أمام منحوتتي ذاك الطفل الذي يتحسس كل شيء، باحثاً عن روحه وحقيقته.

* يلحظ المتابع لمعارضك المتتالية في السنوات الأخيرة، أنك تقف عند الأسطورة كموضوع أثير من مواضيعك. واستخداماتها لديك متفاوتة مابين الجمالي والموضوعي.. ماهي معابرك في هذا الاتجاه؟.

ـ أنا أنحت بتفاعل مع المحيط الذي حولي.. وبالتفاصيل التي تسكن روحي.. (يمكن أن أذهب إلى بقعة أخرى من العالم، بعيدة آلاف الكيلومترات عن هذه المنطقة، لكنني سأبقى أعمل برؤية إنسان قادم من الشرق).
الأسطورة هي أهم قاسم مشترك، يلتقي عليه الناس في هذا الشرق. في بدايات عملي النحتي، كنتُ أتعامل مع الأسطورة من منطلق رؤية جمالية ملهمة. لكنها اليوم بالنسبة لي، صارت عبارة عن إسقاطات لمفارقات تشبه حيواتنا، بفارق بسيط، أن الأسطورة كانت بالنسبة للإنسان القديم تعني البطل المخلص الذي يتم الخلاص على يديه.. في حين نحن نعيش اليوم في عصر من الأساطير دون أبطال؟!. فمثلاً: طفل يهجر من حضن أمه الكبرى، ويترك ليقتل جوعاً وبرداً على مرآى من العالم في حضن أمه الصغرى.. رغم أن أرضه ـ أمه الكبرى ـ تملك من الثروات مايكفي لتوزيعها على كل أطفال العالم.

* ماهي مصادر الوحي عندك، أو مفاتيح المعاناة لديك؟

ـ نقطة المطر توصلني إلى سر المحيط؟ قطرة الندى يمكنها أن تضع أمامي الطبيعة والزهر والثمر والخير والعطاء. قطة نائمة في الشمس أو متربصة. بائعة الحليب التي تمر كل يوم تضع خلجاتي الإنسانية على المحك. النبتة المتسلقة حائط النافذة. الدالية فوق السطح. كل المفاتيح في الطبيعة موجودة أمامي، وماعليّ سوى اختيار مفتاح الولوج لعالم معين طبيعي، أما معنوي وجداني، كلها تفعل بي فأتكلم عنها بلغتي ومن خلال رؤيتي.

* هل لكل منحوتة قصة أوفكرة؟ وماالقاسم المشترك بين كل أعمالك؟

ـ أبحث عن الحرية، إنها هاجسي الأول والأخير.

* مختارات من حوارات مختلفة مع النحات.

****

سيدو السهل الممتنع

نارين سيدو رشو

نارين سيدو رشوذلك الآتي بعفوية صادقة ممزوجة بولادته الأولى مبشراً بولادات جديدة. سهر الليالي ليبث في الفكرة روحاً تعزفها أصابعه الممزوجة بالصلصال والبرونز، لم يكن يعرف النوم طريقاً لعينيه، فالليل عنده حالة مخاض، والفجر عنده ابتسامة أم؛ راحته تبدأ بتقديس مولوده البرونزي. طرحت عليه عدة مرات فكرة الزواج الواقي فأجابني بسخرية: تزوجت مرات عديدة (كل مدينة زرتها كانت كامرأة مارست معها الحب الصوفي وقبل أن أودعها أخلف منها مولوداً).
كيف أظلم أولادي بعد ان علمتهم كيف يكونون أحراراً... كيف يغوصون في التاريخ، ليخرجوا منه رموزاً أتدفأ بها. كثروا أولادي حتى بات صعباً تنقلي، كان يحاورهم ويحاورونه، وعندما يحزنون يمسح على رؤوسهم ويرنم لهم من ذاكرته الى أن يناموا فينسحب بهدوء.
دائمَ التوتر والقلق كطفلٍ في امتحان، لا ينتهي شعوره الدائم بضيق الوقت، الذي لايتسع لفنجان قهوة أو دردشة مع صديق. كان يتمنى لو يغير زمن العالم، ويجعل اليوم ثلاثين ساعة، سألته مرة لماذا لا تحب المطالعة كثيراً؟! أجابني عندما اقرأ أشعر وكأنني محنط أمام كلمات تبرمجني وتحاصرني فكرة الكاتب، لذلك أرغب أن تلد أفكاري من عفوية الطبيعة، من الحب الإنساني الذي بدأ بالفعل.
سيدو ترجم الفكر ـ الكلمة ـ الفعل ـ العاطفة، بالبرونز الحار كنبضات قلبه التي نحتت سيامند وخجى، مم وزين، الطبال، شيفان والناي، الدبكة، الحالات اليومية، طاووس، جكرخوين، وراقصة البالية ليلى بدرخان، التي ستبقى ترقص على إيقاع نحت سيدو.
نام سيدو هادئاً قرب والده، تحت تربة حمراء في قريته، التي لم يعطه فيها أبناء عمومته الا القليل من دفء الذكريات.
عدت مطمئنة إلى رومانيا عندما وجدت أمام تربته مدرسة لطلاب بأعمار مختلفة يرفرفون حوله صباحاً كحمامات بيضاء ينثرون حوله وروداً برائحة البرونز، وينتشرون معه بين المزارات والقلاع وأشجار الزيتون والرمان وعناقيد دوالي العنب التي تشبههم، يتعلمون منه نحت الحرية ويودعونه بابتسامة ممتلئةً بدفء الذكريات التي افتقدها في قريته .
أخي...
غصةً في الحلق، الحديث عن رحيلك المبكر، سيكون بداية لإحياء أحلامنا الطفولية التي كبرت معنا، وكم جزء منها انقرض، سأهدي جزءاً منها لطلابك الجميلين حسكو ونهاد ليصنعوا منها لوحة مايسترو في عالم النحت العالمي .
وداعاً، الى لقاء نحتفل فيه في عيد ميلادك مع أصدقائك الذين هم كزهورٍ ملونةٍ وصحن حلوى (المعمول ـ أقراص العجوة) كانت قد صنعته أمنا، ولا تزال تعبق منه رائحتها المعجونة بماء الورد والقرفة والزنجبيل.

رومانيا.

*****

سيدو رشو الذي تحققت نبوءته

إلهام رشو

إلهام رشويضيق الوطن بمبدعيه فيرحلون الى بلاد البرد والغربة, الى عالم يتعايشون مع أفراده مسايرةً ويتعلمون لغتهم قسراً, وفي أعماقهم توق لدفء الوطن وضجيجه, لرائحة ترابه, لصوت الباعة الجوالين, لأحيائه القديمة.. لعشقهم الأول, لمرتع طفولتهم وصباهم, لكوب سحلب أو لصحن فول يتناولونه بشغف وحب.. لكنهم لا يعودون إلا في نعوش باردة لتحتضنهم مساحة صغيرة من ترابه، تظلل على قبورهم أشجار زيتون فتمنح أرواحهم الراحة والسلام، بعد أن تعبت أجنحتهم من الطيران.
هكذا كان سيدو الذي يشبه منحوتاته المفعمة بالحب والحنو المتعشق لثنايا نوافذها المفتوحة أمام عاشقة تنتظر من تحب, أو كرسي تقف على مسنده حمامتان تهدلان, أو بيوت متعانقة ومتداخلة، وكأن كل من سكانها يعيش في قلب الآخر.‏
لم تكن المرحومة أمنا - الجزائرية الأصل- تكذب علينا, لكنها ومن شدة حرصها على قلوبنا الفتية.. كانت تقول لنا بعد كل موجة من الضحك تدمع لها عيناها وعيوننا الصغيرة (إن من يضحك حتى تدمع عيناه سيموت في بلاد غريبة).. وكلنا نحن أولادها الستة قد ورثنا عنها غزارة الدمع، فنبكي حين نحزن، ونبكي حين نضحك..‏
لم يخطر ببالي يوماً وأنا الأخت الكبرى أني سأرثي أخي الذي يصغرني, بل كنت دائماً أمازحه قائلةً:‏
ـ بعد موتي هل ستصنع لي تمثالاً?‏
فكان يرد دون تلكؤ:‏
ـ هذا إذا ما مت أنا قبلك..‏
.. وكان له أن تحققت نبوءته باكراَ.‏
اليوم نحن أخوته الخمسة قد قدمنا من معظم القارات لنجتمع بعد سنوات من الغياب منتظرين نعشه القادم من بلد بعيد وبارد، لنلقي عليه نظرة وداع، ونوسده قبراَ يسمح لطيور الحمام التي كان يجسدها في أعماله أن تبني عليه أعشاشها، وتنفخ من روحها بعضاً من هدوء وسكينة تؤنس وحشته ووحدة روحه، فوداعاً للجسد الذي رحل باكراً وسلاماً للروح التي ستظل باقية.‏

الشام

***

إلتفاتةُ إمرأةٍ في حَجَر التمثال

سلام صادق

إلتفاتةُ إمرأةٍ في حَجَر التمثالهكذا، وبكل بساطة، وبدون مفاقمة الذرائع والتبريرات لتأصيل الدراما في جانبها المتعلق بغيابك المبكر، كنت لا اعرف من أنت، ولا من تكن قبل الرحيل . تماما كصديق آخر لي غابت ملامحه عني سنوات، قبل ساعة الذهاب عميقا في نور الظلام، وكان كل ما أورثني إياه امرأة شائخة في الحداد لها قسمات أمي، وزهرة عباد شمس في حديقة دارٍ غير قائمةٍ الآن، كانت عين النحات وكفه المهدودة.
ومثله أنت، فقد كنت تسكنني منذ سنين وأنت تعيش، فكيف بك اذا رحلت؟، فتمثالك الذي معي، والذي لا امتلكه سوى بممارسات المصادفة الرعناء، لكني امتلك النظر اليه بموعد يومي الآن، هو أصابعك وكفك التي صافحتني ومسحت دمعتين طويلتين لكي أراك مغسولا وناصعا كالبلور الهاطل من عينيّ وكفيّ ذلك النحات.

***

تمثالك الذي ليس لي، جعلك صديقا لي، ليصدق القول بان الصداقة ليست امتلاك، وان للحرية ثمن مخبوء في جسد كقربان.
حدثني عنك بأشياء كثيرة في حوارنا الأخرس المشبوب ذات ليل عقب مهاتفة متأخرة ومحشرجة من صديق، أسرت لي بان قلبك صرعك، ليس في حلبة الحب كما هو دأب العاشقين، وإنما في حلبة الكراهية - المرض، ولهذا فلا يتعين عليك الخجل لأنك غير ملزم بالانتصار، وأنت الأعزل كأطلسٍ لايتعب على حمل كرة الأرض البرونزية حدّ الإعياء، على كتفيه.
رايتك تتماهى خلسة في تمثالك الذي معي وليس لي، من طيش تلك المباغتة العمياء، وحتى ادلهام الحضور المر، خشية ان تعم رائحة الغياب، فأنساك.
فكنت معي في دورة النزيف..
وفي اصطخاب الذاكرة الرعناء حين تجيش..
لتتعمد هناك، بعيدا في غبار المجابهات، بعد ان نفخت فيها من روحك، فراح يغمرها عري الجهات، ليشع فيها ما أسبغت عليها من قميص تجاربك الموشاة بذهب الكواكب وأنوار المجرات.

***

تمثالك الذي بدون اسم، حدثني عن امرأة بصدر ناهد (هات نشيجك فهذا الصدر ميراثك الأبدي الآن) قبل ان يخونه القلب الواجف داخل شرنقة النسيان.
بنصف استدارة نحو جبين الضوء.
أو باستدارة حادة تكتمل حينما يكون باعثها خوف دفين، تلفه الفجاءة بشغاف غير شفاف، وعلى قاعدته الغرانيت كنت كتبت شتيمة صادقة وغير مهذبة، صببتها على راس الحياة، فهل يحق لي ان أنعتك بصانع تماثيل اللعنة حين يفاقمها عقوق الحياة أمام تشكيل الحب والجمال؟
ولا أريد ان افاقم الذرائع الآن خشية ان تقوم بإقصائي عنها كما أنت، سأهادنها الآن من اجل ان تمنحني فسحة لأرثيك، وان كنت معها في حوار غير متكافئ منذ عدة أعوام، لكن لي معها مثلك ألف حساب وحساب، فغموض إرادتها سيزيد من وضوح مقاصدنا لنبتعد عن الجحيم، وندخر موتنا لعزلة مناسبة لم يحن وقتها الآن.

***

كل هذا وتمثالك مازال معي، وليس لي، فالصداقة وفق شروط الصدفة البعيدة ليست امتلاك، أو هي امتلاك للأسماء الوامضة الهاربة وضباب الأخطاء، حين تعبث الصدفة ببراثن النسيان.
حسناً، سأدخل فضاءاً آخر، فبعد ان غادرت، ربما سأمتلكك بكلماتي لأجلو غبار حكايتك القصيرة الوامضة بعض الوقت، وأعيدها الى متحف الغموض المبرهن عليه كالأسطورة.
لأراك موجودا وغير موجود كإله.
فالموتى وحدهم من يفتح للحياة فضاءات شاسعة في رحاب جسد كمعطف لا يضيق بملكوت الخيال،
بعد ان يحذفوا أجسادهم من الكتلة، فتشعر مساحات إضافية للأحلام ، فلا علاقة تربط الموت بأقانيم البداهة، دون ان يتجسد ذلك بما في الفن من مجاهل ونبوءات.

***

وتمثالك لازال معي، مثقلا ببرق رحلتك الشعثاء.
سأقوم الليلة بإزاحة ماعلق بأهدابه من غبار.
وادعوه لكأس صفراء بومض ساطع، تعيد اليه ترف لونه وعافيته وسحنة لونه الغزير.
وتعيد إليك يقظة حلمك الطويل القتيل المضمخ بعطر التوقعات.
حلمك الذي كنت فيه منهمكا بلفتة امرأة عجنتها برودة أصابعك، فهربتَ منها، من حرارة البوليستر السيال، فالتفتت إليك وما تزال.
هل كانت الالتفاتة من فرط الجموح، أم من نفاذ الامتثال؟ يصعب عليّ الفصل الآن.
رأسها يذهب بعيدا عنها، محلقا في هباء من البهاء.
وذراعاها إعارتهما لاحتضان بعيد يسبق الاحتضار.
لكنني أراها في تأوه ومضتها الأخيرة كل ليل، تسح دمعا من الفسفور حتى تضيء حول نفسها حيّز الفناء.
وأسمع نشيجها الأخير تسح دمعا لفراقك الطويل، والذي سيتطاول أكثر الآن، ففيه من القسوة مايكفي لإغواء أسطورة الغياب بالاقتراب.
فقد دخلت عالم الزوال من أوسع أبواب البقاء.
ولذا فامرأة أناملك الرقيقة الآن نديمتي، تقاسمني الهواء القليل، وتلتفت بعيدا عني حين يدهمها فراقك، حتى حفافي كونك المتاخم لصقيع برونزك الجذاب.
التواء جسدها مازال يوحي بالكثير من الخوف.
أو ربما يوحي بالفراق حين يكتمل.
وبالوجع حين تحتفي به المهازل، وراء ستارة من حشمة الألوان. /P>

****

أحببتَ هذه المرأة وكرهت ماعداها، فلصقت على خصرها قصاصة صغيرة شتمت فيها الحياة، كأنك تعرف جيدا نفاذ صبرها وتحملها القصير، فكانت الحياة غريرة لاتفهم ماتقول.
فانتصرت عليها قبل ان تعلن انتصارها على بقايا رجل هيمان.
وبادرتها بالإلغاء قبل ان تبادرك بقساوة الإقصاء.

***

ليس غريبا ان يموت الفنان (وان كانت كلمة الموت لاتصح للتعبير عن الغياب) ففيه شوق دفين لبراءة الطين العائد اليه كأنما بمحض إرادته، يحاول الانغراز فيه ثانية كجذور السنديان.
ليمسح على حدود الشك برهبة تلك الألوان، ويسبح في مجد الغياهب وراء فضاءات موبوءة بالوحشة والدخان.
حفرت بأزميل الخيبة عالمك وبحيطة اللهاث، فخلفت خيوط أنفاسك قوس قزح يتشظى تحت مطر المهرجان.
فهل تركت في رحم الأرض اسمك، أم على حجر الصوان؟ حين قررت المغادرة لتتشكل بعدك بحرية عناصر تلك الاشياء.
ها اسمك محفور في ذاكرة الغرانيت المتصالبة (قاعدة التمثال) عميقا، وحتى زحف الحدائق على حفافي المقبرة والعودة للبدايات.

***

المرأة المتوجسة هذه، سأعيدها للحسيني ـ سادن ما انفرط من أساطير الأكراد ـ، يرعاها ويخبئها في عيون القصيدة، اعني تحت أهداب حبيبته وحبيبتك كردستان.
لكي لايرتجف فيها نبض البراعم المغدورة ذات ربيع للأكراد (البراعم تتدفأ بنفسها) فربيع عمرك الخريف سيمنحه الأكراد من خزاماهم ما يعينه على سقياه ليبذخ في عطر فحواه.

***

حقاً أنها ممارسات الصدفة البعيدة، حين يقربها الموت ويجعلها واقعا مستبدا مُعاداً، وإلا فكيف تركت هواجسَ من الحجر على شكل امرأة مقصوفة بالذهب، تنبض أو تتنفس على رف في مكتبتي، وغادرت، قبل ان أتعرف إليك أو التقيك! ألكي تستمر الأسئلة وتبقى الإجابات مرهونة بعنفوان الصمت الذي يرين على لانهائية الاشياء؟
أم انك أردت ان تطعم الغياب ضبابا اسود (بعد ان خجلت منك الألوان) أتلمس طريقي من خلاله إليك، واضطرب في مرايا انعكاسه أمام لون الحداد؟

***

ها هو تمثالك النصفي لامرأة (أكاد اجزم بأنها كردية كانت) كتلك التي أحببتها فيما مضى وقاسمتني التوجس والخوف والانفعال، شاخص أمامي الآن، أمعن النظر اليه، فيتوهج فيه ذهب الألوان في حوار مع شحوب المصباح:
ـ لم ارَ شمسا من دون مشنقة تنصب لليل.
ـ لم ارَ ليلا بلا شهوة تومض بشبق نهار مُغتال .
سيلتهم الوقت في لانهائيته ذخيرة الأفق الضال.
فلا قمر لفضة الكلام دون جدوى اشتباك الظلام.

***

ها تمثالك معي الآن، أمعن النظر اليه، تتدلى اللحظة الخزفية منه كدمعة تصالبت، ويتلوى الجسد كموسم للبكاء.
سأعيد أصابعك وأحداقك للحسيني، لكي أنساك.
وأنسى أسطورة الموت المبكر فيك، وخرافة القلب الواجف حين يكون مبررا كافيا للاندحار أو الانتحار.
سأعيدك للحسيني، وربما لعبدلكي، أو عنايت عطار.
يقاسمونك مرآة القلق الناصع، ورتابة الأفق القرمزي البعيد، فلا طاقة بي على احتمال هذا الاحتمال.

***

بأصابعك أشعلت خريف العالم وعري الأغصان، فلن ترحل من دون النار.
وبأحداقك ملأت الفراغ في عيون الليل المسمول.
وكنت تمثال وهمك الجميل، أنت بنفسك،
مسافة الخوف المتدثرة بحبر المنافي،
وحكمة الحجر الذي يلين بين كفيك، ولن يلين في شاخصة غبراء
أو في عالم فقأت عينيه الحكمة وتعاويذ الشعراء
وكسرت أصابعه عبودية الوله الرعناء غادرت وعلى أهدابك عشبة الحريق لتضيء سديما آخرَ بعيداً،
باحثا هنالك عن زهور تشتعل، وعن امرأة، لم تك تدري كيف أينعت بين كتبنا والرسائل والاوراق وصور الأصدقاء.
تشتعل قبل ان تقودها الحمى الى حقول النار.

***

سأعيده للحسيني، لتطمئن جنب آخين ولات.
تداري غروب الشمس الناضحة في حضورك، فتراك
امرأة من عجين أصابعك المنمنمة بالأسرار،
يفجعها الصوت مثل جرس متروك لريح الغياب،
فتذوب بصلابة البرونز ورائحة النعناع،
وتعصف التفاتتها في كل الأنحاء.

***

ستتقاسمنا مقابر البرد كما ألوان الشفق حين يوشك على الانحسار.
وسيأكل الوقت في محطات أعمارنا لائحة الانتظار
ويبقى تمثالك مع الحسيني وآخين ولات.
يضمد جرح حكايتك القصيرة، التي ستطول
ضاجة بالأصوات وبالصلوات
لكنك تبقى تصرخ فينا بصمتك لا بالكلام.
يا أصدقائي البعيدين:أضعت خاتمي فالأرض تدور
وأصابعي هربّت أسرارها
لزمان مهجور
مسورٌ بالهواجس
ومحروسٌ بشاهدات القبور.
السويد

* العمل الفني المرافق: برونز ـ سيدو رشو؛ من مقتنيات محمد عفيف الحسيني. معار للشاعر سلام صادق، منذ عدة سنوات.

****

أبو السيد

عبد الهادي شماع

عبد الهادي شماععلّمونا في دروس العلوم الطبيعية عندما كنا صغاراً أن حجم قلب الإنسان يساوي تقريباً حجم كف مقبوض, وعلمونا أيضاً أن القلب حين يتوقف عن النبض تتوقف الحياة. لكنا حين كبرنا قليلا وازدادت تجاربنا في هذه الحياة وتعرفنا أكثر على ناس غيرنا، وعلى حالات طيبهم وحالات اضطرام الشر في طبائعهم, عرفنا حينها أن قلوب الناس ليست متساوية في الحجم, كما أنها غير متشابهة أبداً في قدرتها على إنتاج المحبة أو الحزن أو التوتر أو الرضى.
فأنا أعـتقد أن قلب "أبو السـيد" مثلاً, كان شاهقاً في الارتفاع، فسيحاً في الاتساع.. وما كان له الا أن يكون كذلك كي يستطيع احتواء كل تلك الأحـزان، وكل تلك المحبة التي عرفتها فيه.. وأيضاً كي يستطيع استيعاب كل ذلك الإبداع الذي لم ينتهِ بعد.. كان قلبه مؤلف من ألف من الأذينـات وألف آخر من البطينات التي كانت معاً تضخ دماً يصل إلى أصابع مشـدودة على أزميـل ينحت السـكون، فيولد منه موسيقى الضجـيج, ويكسر القشر البارد لينبت حرارة الأفـكار.
سيدو الذي أنطق النوافذ ونفخ في الستائر الروح.. سيدو الذي أسرى مراكب البرونز على صفحات الرخام.. سيدو الذي آلف بين الرموز القديمة فأحيا لغات البصر.
وكما قلت, كان لأبي السـيد قلب كبير فـسيح ترامت أطرافه بين الشرق والغرب.. لكنه مع ذلك كان واهناً وعاجزاً عن استيعاب نهـر أحلامه الأخضر المتدفق, هاقد خذله قبل أن يكمل نحت انكساراتنا ومسراتنا وفوضانا المؤلمة.
أبو السيد كان له قلب اتسع البحار والنساء والعصافير والمدن وكل الأحبة.. فقولوا لي كيف لمن له مثل هذا القلب أن يتسعه التراب؟!.

الشام

****

الرعايا لا بيوت لهم في "أوطانهم"

أحمد عمر

مصنع كائناته العاشقة كان في حارة الهلك الحلبية، اكرمني ذو القروح بنسخة من مفتاح الدار الكهفية ، المشغل كان دافئا في شتاء حلب القارس، بموقدته التليدة التي تنكب على غزل حبال اللهب من حرير أشجار الزيتون. كان محمد يقطع النيران عند المغادرة برشاش مائي كي يوزع العطش بالعدل على نار الموقدة السعيد بالتهام الخشب الناضج.الشاي كان مشروبنا الدائم ، وكان الخبز متوفرا دائما لأن محمد كانا مقروحا في معدته ومضطر الى ترويض قروح معدته بكسرة خبز أو ضمة كعك..
وعدني محمد رشو بأن يهديني عملا من أعماله، حالما يصير لي بيت، وعد الحر دين لكن الرعايا لا بيوت لهم في " أوطانهم".
من سينفذ وصية محمد رشو الشفوية و أنا اعد ورثته بأني سأكرم "سيامند وخجي" بصدر الدار، و اني لن اقلق "الحمامة الراقدة" في عشها على البيض، واني لن اقترب من قرون الوعل الشجرية، واني لن أكل "بيضة الخليقة الاولى" من الجوع ..
تدفأنا جيدا في برد أواخر الثمانينات، هاهو برد الغربة يطعن محمد في قلبه الذي خذله في إكمال الرحلة، ترجل محمد عن قلب محب ، كان صعبا ان يعيش بقلب من اللدائن ، أو بقلب رجل آخر..
الفرسان لايغيرون قلوبهم وجيادهم..
لعله رحمه الله أراد ان يسبقنا الى مقعده المحجوز في الجنة.

نيو دلهي

****

في الغياب

مزكين كمو

البرونز الذي التقيتُ به قبل سنة، لمرة واحدة..
البرونز الذي التقيتُ به في بلجيكا العام الماضي،
لن أراه ثانية....
فقد ذهب إلى الأبدية.
غوتنبورغ ـ السويد

***

في تأبين سيدو رشو

مها حسن

إلى إبن الحسيني

لم أشعر بالغيرة لوفاة النحات والرسام الكردي السوري محمد سيدو رشو، بل بالطمأنينة، فرغم إيماني بالموت، وأهميته، إلا أنني في الوقت ذاته، لا أحب الرحيل المجاني، وإن كنت أرى في الرحيل المبكر حظا استثنائيا.
أن تموت شابا، يعني أن تموت مدللا، يعني أن تكون لطعم الموت تلك المرارة المستديمة في جميع الزوايا، يعني أن تموت بأقل خطايا ممكنة، لأننا كلما توغلنا في الحياة، ازددنا عبثا بها، وعبثية بأقدارنا، وكلما فاجأنا الموت باكرا، أضفى علينا شيئا من الطهارة، وشذب أثامنا.
رغم ولعي بالموت المبكر، الا أنني لا أحسد سيدو رشو، لأنه ربما لم تكن تلك رغبته، ولو أنه خير، لأختار البقاء .
من هنا تأتي إشكالية الموت، ليس فقط لأنه الذهاب إلى عالم لا نعرفه، ولم يسبق لأحد أن ذهب وروى لنا رحلة ذهابه، ولا لأنه ذهاب نهائي، أو طلاق بائن مع الوجود، لا بل، وفوق ذلك، لايأتي في التوقيت المناسب.
جميع الأشخاص الذين عرفتهم وأمنوا بموتهم المبكر، لا يزالون على قيد الحياة، إلا "حنيفة" التي اخترقت إيمانها.
إلا أنني شعرت بالطمأنينة، لأن "بيت" الحسيني، سوف يتكفل بطقوس الدفن الفنية ـ الإحياء.

***

في إحدى رسائلي لابن الحسيني، العفيف منهم، حكيت له عن الدفء الذي ينشره هذا المنزل الكردي، إذ أني، إضافة لتورطي الممتع بالشجن الكردي، إذ كلما فتحت باب الموقع، ومددت بصري صوب المتواجدين في الغرفة الرئيسة، شعرت بالبهجة، واستعدت حالتي الطفولية "الاستمتاع بالضيوف".
لن أنقل الحديث حول الاستضافة، والضيافة، والبهجة التي تخلقها لدى الطفل، وخاصة في الأجواء الكردية، بسبب الفوضى التي تعم المنزل، والقدر الكبير من الحرية التي ننعم بها كون الرقباء مشغولين بالضيوف، والفلتان الأمني على غاربه.
إذاً، ليس كل هذا ما أريد، بل أريد أن أعبر عن الطمأنينة التي شعرت بها، والتي أعتقد أن كل منا، وأبشر إخوتي الأكراد بها، سوف يموت هانئا، أن البيت الكردي سيعلق صورته على الحائط، حتى لو جاءت أجيال وشتمت الصور، على الطريقة الشيوعية الحديثة في تحطيم التماثيل، لا بل وربما وفق جميع المذاهب الحديثة في كسر التابوات، وإحداها "قتل الأب، أو إماتة الإله..."، لا يهم، إن كسر أبناؤنا صورنا، المهم أن لا يكون موتنا عابرا، وأن يحتفى به، طالما لم يحتفى بولاداتنا.
هو نص مديح للموت المبكر، ونص مديح لأبناء الحسيني، ولفتة شكر للبيت الأليف: موقع تيريز.
باريس

****

للموت إذ يستعجل الغياب بكل هذا الإسراف

آخين ولات

لنعشٍ من خشب البيلسان، يغطيه ورق العنب.
لكرومٍ ظلت تذكره طيلة الوجع.
لموتٍ لايمهل الضوء، لا يمهل حباً بالكاد يزهو،لا يمهل لعناقٍ ساخنٍ وطويل...
للموت إذ يستعجل الغياب بكل هذا الإسراف.
لم ينسَ، حين أفرد للرحيل جناحيه، أن يترك للحجر أزاميله، ويودع الظلَّ رجفة الأصابع على البرونز، لعابرٍ سيحفر اسمه على جذع شجرةٍ، فيغيب كما لو أنه لم يأتِ، ولم ينهل مما تُرِكَ في الظل.
لم ينسَ، أن يودعَ عتمةَ الغرفةِ، خيباته وأولى الرسائل لحبيباتٍ، لا زلن يذكرن سُمرته، ويديه اللتين أصبحتا في الغياب.
يناشدن "شرّان" طيراً، مع أول الريش، رحل صوب الثلج.
لا زلن نابضاتٍ في البرونز و الحجر.

***

هل لنعشٍ أن يتأخر؟؟؟
أمهلني بعض الحزن، للبكاء على نعشٍ منهمكٍ باللون والضوء، على نعشٍ منهكٍ في زحمة المطارات والطائرات، واللغات.

***

منذ سنةٍ، وعلى عجل كان بيننا فنجان قهوةٍ، على عجل، وسحابة دخان، وغليونٌ من الخشب المحروق.
"إنه محمد سيدو رشو، صديقي، النحات الجميل"، قالها محمد عفيف، وهو يقدمه لي في بروكسيل.
لا زال كما التقيته قبل ما يقارب الثلاث عشرة سنه، للمرة الأولى في حلب، لست أذكر إن كان ذلك في معرضٍ، أم عند صديقٍ، أم في غيمة....
حتماً كان بيننا، فنجان قهوة، حديثٌ موجزٌ، عن قلبه المولع بالبرونز، وعلى عجلٍ أيضاً.

***

غليونه البني في يده ، من خشب الزيتون هو أو التوت الأحمر...
ازداد شعره طولاً، فيه من البياض ما يكفي لزخة مطر، ربطةُ شعره، السوداء، تشبه ربطة شعر حبيبته الأولى، أو ابنته الصغيرة لو أنه هجر عشقه للحجر وتزوج.
الغليون في فمه، يرتشف القهوة بهدوء، ويتحدث بحميمية.
ينظر إليّ قائلاً:
"نعم تحدثت معكِ هاتفياً قبل ثمانية أشهر".
أمدّته الغربة حزناً، عمقاً، وشحوباً، أما قلبه، فقد ازداد حباً.
كيف هن حبيباتك يا رشو الجميل؟

***

حبيباتٌ من الحجر، من خشب الزيتون والجوز، من البرونز...
ستودعهنّ قلبك النابض، ستمضي بعيداً في البيلسان، والزنزلخت يغطي صوت المطارق في يديك.
حبيباتٌ سينبضن بك، ويتذكرن دوماً قبلتك، والشمعةَ حين لم تنطفئ، رغم العاصفة.
الريح هابّةً، وأنت تسكن غيمة
في الغيم برونزٌ، لمهارة يديك
وأزاميلٌ تنقر الضوء في حنوّ أصابعك،
فانتفض أيها الجميل من المطر،
أنت في "عفرين" المشرعةِ على النهر والجبل....

السويد

****

اللقاء الأخير

ليلى الترك

ليلى التركلن أنسى أبدا عندما جاء إليَّ، وهو يحمل شيئا مغلفا فتحها، فإذا بإحدى أعماله النحتية.
كان ذلك قبل رحيله الى الغربة.
وتمر السنوات، وتشاء الصدفة أن ألتقيه في حلب بعد طول غياب فاحتسينا القهوة وبرفقتنا "بيري".
لم يكن يعلم سيدو كيف لملمت انكساراتي وآمالي ونحتُّ منها مستقبلا لي.
لم يكن يعلم كيف قارعت الحياة ووصلت الى ما أنا عليه.
فحدثني الكثير والكثير.
ولن أنسى عندما حدثني عن رغبته في انجاز عمل نحتي في حلب؛ فذهبنا سوية الى باب إنطاكية، واشترينا المواد اللازمة؛ وكنت سعيدة لأنني استطيع ان أقدم له بعض الأدوات اللازمة له.

***

لازالت طرقات حلب القديمة تتذكر وقع أقدامك ياسيدو....
تلك الطرقات التي أرادت ان تنحت منها لقاء أخيرا.
لم أكن أعلم أنك ستزور قلعة حلب للمرة الأخيرة.
لم أكن أعلم أنك ستزور متحف حلب للمرة الأخيرة.
لم أكن أعلم ان لقاءنا في دمشق. وفي مقهى الرواق سيكون اللقاء الأخير.
سيسافر سيدو الى رومانيا.....
وأنا إلى الأردن.

www.tirej.net/index710.leyla.turk.htm

حلب

****

رائحة العاطفة والإنسانية، في أعماله

رادو يونسكو

سيدو جاء من بعيد من سوريا بسبب إعجابه بالنحات العالمي برنكوش وبالنحت الروماني وبقي هذا الإعجاب كما يحدث عندما يدور الحديث حول إعجاب فنان مبتدئ بفنان قد وصل حد الكمال. هذا النوع من الإعجاب يكمنٌ فيه خطرٌ.. وهو دخول هذا الفنان الى طريق في نفسٍ فيه رؤية الفنان المعجب بفهمه جيداً للنحت وأن أي عمل فني مهما يكن تصميمه جيداً اذا لم يهتم الفنان بتحقيقه وبأبسط تفاصيله يفقد من قيمته الفنية اذا لم يهتم بشكل رئيسي بهذا الصدد . نقول:بكل إعجاب ونشوة بكل عمل الكونتراست عند سيدو بين السطوح الناعمة والخشنة وعلاقة المواد مع بعضها البعض والعفوية الصادقة فجميع أعماله في الصالة كانت مدروسة، والشيء الذي يبدو لي متميزاً وأعتقد بأنه أهم ما يستحق التأكيد عليه أن سيدو لم يأخذ من برانكوش الشكل الخارجي للعمل بل حاول أن يفهم آلية تفكير برانكوش وفعلاً كان هذا هو الطريق الوحيد لكي يصبح هو نفسه نحات بكل معنى الكلمة، أي نحات مبدع مثل شهب نجم لامع ويبقى لامعاً بأعماله مدى الحياة، ماذا يمكننا أن نقول أكثر عن سيدو ؟! نقول : أنه فنان يأتينا في كل معرض بشيء جديد موضحاً رموز حضارته لنا ..
في هذا المعرض تفوح من مجمل أعماله العاطفة والإنسانية بكل أشكالها، سمو الحرية.. حرية الفكر.. حرية الإبداع والتعبير. وخصوصاً تلك الحرية المميزة التي يتمتع بها أي فنان واثق من نفسه.

* كلمة الناقد الفني: "رادو يونسكو" في المعرض الثالث في صالة ابولو.

***

نبضُ البرونز

دليار ديركي

الترجمة عن الكردية: آخين ولات

وحدها سكينة ملامة الوجع،
تلمع في حسرات هذا الجسد المحايد،
من عزف القلب المتعب
في منفى الأفراح المبتورة الأجنحة
ما بين الأزميل والمبرد.
من وطن الغائب
من ملامح الحب التائه،
من جواز سفرٍ لا يحتوي اسم وطن
من جواز سفرٍ يمنع الرجوع للوطن.
حيث فقط في النعوش نعود
حيث فقط في المآتم نرش الرماد
على جثة العلانية
حيث فقط، بتغريد الأقفاص
نشعل أناشيد الحجل
حيث فقط بذكرياتنا الجسورة
نبهر أماسينا.
اللواتي فقط بصورنا المعلقة على الجدران
يطفئن نار الأكباد..
منازلنا التي بردت فيها قهوة الأصدقاء
منازلنا التي ترقد في زواياها
رسائل الحبيبات،
في مداخلها أحلامٌ مروّضة..
وعلى حوافيها كانت العصافير تعشش.

***

قلبٌ واحدٌ، ما كان يكفي لمحبتكم
يضحك البرونز، لكنه، لاينبض!
تبوح الحجارة أم لا تبوح؟
القلب ضرورة العزف والحياة
قاتل الرحيل الأعمى،
دعوةٌ مفتوحة لموائد المستحيل
نذكّر التراب ببسماتكم المغبرّة فوق الرفوف المنسية
في خيال الحجارة،
ونقرأ ذواتنا
كما لو أننا نرى أنفسنا من جديد
مقصوصي الأجنحة
إلا أننا مع ذلك كأسراب الكراكي نطير
ونطير
ونطير.
هولندا

****

رشو هناك، في بلجيكا

محمد فؤاد

محمد فؤادكان يمكن أن أنسى محمد سيدو رشو، لولا أمرين: تمثاله الصغير الذي أهداني إياه من أكثر من 15 سنة وهو في وجهي طوال هذه الفترة، والسفرة المفاجئة التي جاءتني إلى بروكسل... قال لي نهاد الترك: "رشو هناك، في بلجيكا"!
ـ "معقول؟، أريد عنوانه، أنا لا أعرف أحداً هناك"
ـ "لكنه مريض، مريض جداً، وضعوا له بطارية لتساعد قلبه الضعيف"
والله لم أكن أعرف أنه مريض، أنا كنت سأذهب إلى هناك، وكنت سأجعله يعتقد أنني مشتاق له، وأنني أتذكره يومياً، وكنت سأجعله يندم من الشوق على ترك حلب، وسأحكي له كم نحن سعداء ونشفق عليهم هؤلاء المشتتين، كنت - بكلمتين اثنتين - سأجعله يبكي ويحن إلى أيامنا وإلى منزله الضيق الرطب الكئيب - كنت سأقول له: "ولو يا رجل، نحن في سيرتك كل يوم" وكان سيأخذني بالأحضان من اللهفة وسيدور بي في بروكسل ويدعوني إلى البيرة السوداء ويحمّلني هدايا وبوسات إلى كل من يسأل عنه..... لكنه مات، الكردي الصغير، الضئيل، الطيب القلب، مات.. دونما اعتذار أو سبب يقدمه لي.. لم أعرف أنه مريض، والله لم أصدق أنه مريض بما يكفي ليموت، أنا في صغري كنت أظن أن الموت للكبار، ومحمد حين غادر منذ ذلك الزمن الطويل لم يكن كبير السن، ثم أنه صغير الحجم وأنا كنت أظن أن الموت يخطئ فيحسبهم هؤلاء القصار صغاراً ويتركهم... لكنه مات، وأنا ذهبت إلى بروكسل بعد موته بأيام ولم أجده هناك، ولم يدلني أحد أين يمكن أن أجده ولم أعرف أحداً في بروكسل ولم أفهم لماذا مات قبل أن أصل ويأخذني بالأحضان وأخدعه بأننا نذكره كل يوم وبأننا لن نتوقف أبداً عن حبه.

* بورتريت سيدو رشو، من عمل خالد بابان.

حلب

****

سيغاب عن 45 عاماً في مدينة بلجيكية
بعد أن شرّع نوافذ النزعة على شمولية العالم..

لفان سايدو

يقول عظيم الفكر هيراقليطس: إن الذي يغيب أيضاً يصنع شيئاً، يصنع تاريخاً.
أتى رحيل الفنان الكردي "سيدو رشو" يوم السادس من 2005.10.6 عن عمر ناهز الخامسة والأربعين، ليقلص من حضور جيل العمل الحداثوي النحتي. لكن رحيل هذا النحات "سيدو رشو" لا يعني انسحاباً وتراجعاً للفن النحتي الكردي، لا بل يبقى هذا الغياب سنداً وذريعةً للأجيال النحتية القادمة للمضي قدماً في إنجاب مثل تلك الأعمال التي مجّدها لنا "سيدو رشو".

***

والفنان النحات "سيدو رشو" كان مفكراً في أعماله، لا في معنى أو مبغىٍ منتج الأنسقة أو الأنسقة المضادة، بل في المعنى الذي يقدم الفن الحداثوي الكردي البكر، كحوار، فهم، ووعي الواقع بمآسيه (الكردي) مع المجتمعات الأخرى. وذلك من خلال تداركه لتلك المعاني، والذي تجلى في مشاركاته بمعارض على صعد محلية وعربية ودولية، وفي هذا المعنى، فهم الذي يهيمن على نزعة خياله، والتي تبرم مع النزعة الإنسانية الخالصة.

***

وبرحيل النحات الكردي "سيدو رشو" يكون قد طوّي سيرة هذا الفنان المتميز، الذي كرّس معظم حياته ـ رغم قصرها- بعيداً عن الإعلام وأجوائه وأمجاده. لكنه ترك لنا من أعمال تشكل مرجعاً ومعلما بارزاً في الحقل الذي كان يشكل أحد أعمدتها، في حقل فننا الكردي. وهي أعمال تجلت فيها الحداثة بمفاهيمها الوجودية، لترسي أسساً جديدة متناغمة مع وقعات حركة الفن المعاصر، والعلاقة القائمة بين خيال الفن الكردي والحوار مع الغير.

وأخيرا، نتساءل هل يمكننا القول، إن رحلة "سيدو رشو" قد انتهت فعلاً، أم أن الحسرة على الوطن الغائب الحاضر، قد انتهت؟ وهو يحاول أن يزيِّن همومه، بل كان يحاول أن يحوّم فوقها بأنامله، الذي لم يهدأ يوماً، وكان مرادفاً لنبض قلب، كان ظلاً لخياله على أرض الوطن.

كوردستان

***

دب يقتلع عشب البابونج

نهاد الترك

ليس الآن يا أستاذ..
كنت أهم بالقدوم إليك، كنت أقتفي أثرك الرمادي، كنت أهيئ نفسي للكتابة إليك، وأحكي لك عن ضجيجي النحاسي المتخرش، عن الوحوش التي أدونها، عن أنيابي الحادة، وعن الحرية.
ليس الآن ياأستاذ..
كنت أرسم معرضنا الثلاثي في المنفى.
ومن هناك كنا ندغدغ "شران "بصفيرنا المخضر.
سيدو رشو، حسكو حسكو، ونهاد الترك .
الآن، وبرفقتك أكتشف مقهى القصر ولأول مرة. الآن وفي مشغلك أرى كيف يسيل البرونز ويسحق القصدير .
الآن، وأنا أستمع إلى فقه تيران، محمد عبد الوهاب، وشيرين برور...
الآن، وأنا أتعرف إلى بران كوزي، هنري مور، رودان، وجياكومتي .
ليس غريبا أن لا يقتني أهلنا الأكراد أعمالك التي تمسهم.
ليس غريبا فشل أول محاولة تجمع التشكيليين الأكراد .
ليس غريبا تهافت الجميع نحو "شران..".
هكذا ثابرت مخلصا للكتلة والفراغ ، تجمع الأجزاء بالكل وليس العكس، رغم أنك أدركت صعوبة هذا الفن باكراً.
كنتَ كردياً عربياً حلبياً جزائرياً سورياً، وقبل أي شيء إنساناً مبدعا ينحت شعراً.
كنتَ كما أنت عصفور برونزي يغرد كما يشتهي، لا كما يريده الآخرون.

***

رحل "جيرون" إلى عامودا ولم يعد أبداً.
هاجر "أحمد" إلى الجبال، ليقاتل.. أيضاً لم يعد .
ارتجف "كربيس" عندما رآك تمر مسرعاً من "خان الزيتون".
لا تحزن ياأستاذ.....
على مقربة منك من "ماشوليه" ستسمع صوت الناي دائماً، سيكون "عبد الرحمن دريعي" - أنين الجبل.
هكذا احتفوا بك أهالي مدينة "بريه"
هكذا ينحني الجميع لفتاوة قلبك الصغير المكور
قنينة الحليب .
علبة البريد الصفراء .
رغيف الخبز المدهون .
النوافذ

***

هكذا غلفوك بالقصدير رغما عنك .
هكذا... وبغفلة منا... غادرتنا .
هكذا يقتلع الدبُّ عشبَ البابونج
ودون قصد.

www.tirej.net/index.978.nihadturk.htm

حلب

****

SÎDO RESO

ستير كرداخي

الترجمة عن الكردية: محمد نور الحسيني

ستير كرداخيدوماً كان الرحيل.. دوماً كانت الهجرة
في معظم فصوله عمره كان يرحل..
من شارع إلى شارع
يرحل من مدينة إلى أخرى..
من بلاد إلى بلاد
في ذلك القلب الذي بحجم سماء يصحب ألوانه
إذ كان يثمل بصحبة العواصف المتناثرة من الحجارة
من ضربات في الحجر
حياة من التراب حتى التراب
حقاً إنها لسيرة صاخبة!..
لم تكن تكفيه كل ألوان الأكف ولاكل أشكال العيون البهية
كان أسير حب أرضه..
يتحسر على وطن غير قادر على العيش فيه رغم ما أودعه فيه من حب..
الجبال.. السهول.. التراب.. حجارة الأنهار.. رحابة المناظر.. كلها ستشتاق إليك أيها الصديق
ها إنك أخيراً تعود إلى حبيبتك الحزينة عفرين.
آهٍ .. لو فقط هذه المرة أيضاً لم ترحل عنا
ولم تهاجر!!!
لكن..!!
هيا ياعفرين اندبي نسيان ضربات المطارق
عفرين التي ستحضنك مرة أخرى..
هي نفسها ستخفيك في قلبها الحنون..
أيها الصديق..
ستوكهولم/P>

****

المعنى البسيط الدلالي

أحمد برهو

أحمد برهوللحديث عن سيدو رشو يفترض التعاطي مع شخصية غاية في الشفافية والمزاج المسالم باتجاه الإنسان، أياً كان.
للحديث عنه تحتاج لمجموعة من الكلمات البسيطة الصادقة بما يتوافق مع طبيعة طرحه.
انه لمحة من مستقبله, إذ لم يكن يشكل أي ارتهان للماضي, فهو دائم الحركة باتجاه ما سينجزه، حتى في موته كان أسرع مما أراد؛ لا أزال اذكر تلك الأعمال, ربما أرادها سيدو أن تكون صغيرة بمعنى أنها منزوعة الوهم, خالية من الفروع القابلة للتداول المعتاد, بعيدة عن تراكيب الجدل المتوفر آنذاك. مسكونة بالمعنى البسيط للدلالة, مغلفة بشيء منه.
انه أكثر وضوحا من الكلمات التي سوف تكتب عنه.
سيدو رشو... رحلتَ دون ان يستبدل قلبك بآخر لا تعرفه.

سوريا

****

حسكو حسكو

حينها كنت أعيش الطفولة ببراءة...... لا ادري.
حينها كان (توم سوير) يعرض على التلفزيون.
عندها كان عدوي اللدود الطائر نقار الجوز واللوز، الذي سماه والدي (شريكنا في المحصول) علمني هذا الطائر أشياء كثيرة. صناعة المراوح الحديدية ورايات ترفرف بكل الألوان، كنت اغرس أشخاصا وهمين يحرسون الأشجار طويلا، فأخترع أنواعا من المتفرقعات كي أخيفهم، أما في أوقات الهدنة مع الطائر, كنت اصنع ألعابي من الأحجار والأسلاك المعدنية والعب كل وقت الظهيرة وحيدا ببن الكائنات، ومن ثم اتعب، فأنام في كوخي المعلق على شجرة الزيتون المعمرة.
هذا الطائر بمثابة المعلم الأول من حيث لا يدري.
وفي الجهة القابلة لهذه الحياة، ومن حيث يدري، كان الطائر الثاني نقار البرونز ينحت عشه في خان الزيتون ذلك الحي الفقير بمدينة حلب الحجرية.
"سيدو رشو" هذا الطائر الجميل الحر كان البرونز عشقه وفضاءه، ليطير فيه.
رشو الكردي الذي طار من "شران" ليخبر العالم عن قصصه وقصص الأكراد الحزينة، علمني كيف ارسم حكاياتي وطفولتي، وانحت ألعابي من جديد، حملني على جناحيه أينما ذهب.
كان يقول للآخرين دائما: "حسكو مشروع فنان كبير"، كنت اخجل، وبنفس الوقت أناقش صديقي ورفيق الدرب "نهاد الترك"عن حجم المسؤولية التي على عاتقنا نحن الاثنين، لان همنا مشترك، فهناك مسيرة طويلة لنثبت لأنفسنا أولا، ولمعلمنا ثانيا اننا قادرون على حملها.

***

في مشغله الذي سماه "ميديا" نحت رشو الكثير من آلامه وأحزانه فنحت "بيريفان"، وعازف البزق بجانب "سيامند وخجي"، ووجه جكرخوين والبيوت المحروقة وآلام الأكراد وحلبجه، وفي الزاوية المقابلة وجه وعل عنيد، وعلى الرف كان أنين الجبل الثقيل وعازف الناي وفتاة مطلة من النافذة تترقب حبيبها معلقا على الجدار.

***

كنا نسكب البرونز، وآلامنا معاً، ونختبر صبرنا حتى يبرد البرونز؛ كنا نتلهف لرؤية المنحوتة، ونتسابق لكسر القوالب بسرعة، وكأنها عملية ولادة عسيرة, أخيرا يخرج الطفل ويرى النور فنشرب الحليب، نخب النجاح وننسى كل المتاعب.
هذا هو "سيدو رشو"، حكاية كردية حزينة لم تكتمل بعد، مثل كل حكايات الأكراد الحزينة.
وداعا سيدو رشو.
وداعا معلمي.

www.tirej.net/index.5003.hesko-hesko.htm

الشام

****

سيدو رشو: من الحجر إلى الصلصال

ياسين حسين

إلى روح الفنان القدير "سيدو رشو"

ياسين حسينألم تكن تلك المنحوتة هي التي استهوتني في التعرف عليك؟
ألم يكن ذلك الخلق المديد لملحمة غابرة هي مفتاح معرفتي بك؟
"خان الزيتون ـ حلب"، تلك الغرفة المعزولة عن العالم والمفتوحة على الصلصال و الحجر..
ومقولة (أبو الجير) ذلك العجوز المترهل كجيب كبير: "إن هذا الشخص "سيدو" مجنون، يجلب الحجارة من عفرين، ويكسر بها للصباح الباكر، ذلك المجنون لا يدعنا ننام".

أصبح صديقاً عزيزاً لي في اليوم الثاني لنتقاسم الجنون مع بعضنا البعض.
كنت أترقب استيقاظه من النوم، كي أداهم غرفته بشغبي وفوضويتي، كان محولاً كراسيه إلى منحوتاتٍ حجرية تفوح منها رائحة الأصالة ورائحة جبال عفرين الجميلة..

كان يتوحد مع الحجر، يعطي من روحه للحجر، ويأخذ من الحجر صمته، وحين يفيق من تلك الغيبوبة، يجلس وكأنه قام بعملية قيصرية، فيخرج من لدن الحجر سيامند وخجي.. أو شخصية من شخصيات الملاحم التراجيدية الكردية.
افتقدته لسنوات، ولكني كنت أسمع بنشاطاته في رومانيا وبلجيكا والدول الأوربية الأخرى.
رحل من بيننا "سيدو رشو" الإنسان، بعد رحلة طويلة في الفن، متنقلاً من حلب، إلى دمشق، بيروت، رومانيا، بلجيكا، وتوارى جثمانه في مسقط رأسه، المدينة التي أحبها بكل صدق وترجمها بلغة الحجر "عفرين الجميلة".

كوردستان

****

سيدو رشو قادم بألوان الموت إليكِ يا "شران"
(نحن أكثر شعوب الأرض نموت قلباً)

إبراهيم إبراهيم

كان الليل يتقدم بي رويداً... رويداً إلى منفاي الاختياري، وكانت عفرين، تلك، التي حمل مرآة القلب في حلم عشقه الممشط بجدائل ألوانه، بجدائل مطرقة تشبه القبلة الشرسة لامرأة عصية على غبار حجر، يحمل في جرحه تفاصيل قلبك الصغير أيها العفريني الملحمة..!!
سيدو رشو.. ليكن اسمك مايكن، ولتكن حلب أو مقهى قصره الذي التهمت فيه ما كنت ترشدني به من النبيذ تارة والقهوة التي تشبه عينيك تارة أخرى.
ـ افعل ما تشاء يا إيبو، ولكن حذار أن تبلل جرحك الكردي بلهاث العابرين في ثنايا النرجس، فهاهي الجيوش تعبر أزقتنا دون أن تترك للصمت مناديله.
إذاً، ماذا علي أن أفعل أيها الكردي الخالص؟ هل أحمل ملحمة الحلم إلى رومانيا التي أبقيتها خلف مسارك الطويل والطويل جداً...؟ هل أخبئها في مشرحة المشفى البلجيكي المحتضر بشاطئ أحلامك...؟ أم أحلام نهاد الترك الذي اخترقت جرحه لتلون به ضفاف عفرين...!! أم حسكو ذاك القروي الجميل أم ليلى الترك تلك السمراء من قرية أم شران ـ العذوبة، وذاكرة البيارق التي ارتوت بأتعس أغنية موت لأجمل ميت في الكون.
بالأمس فقط كنت سأعانقك لولا النبيذ الدنماركي والمشرحة البلجيكية. كم كان هذا القدر يعشقك وكم كان هذا القلب يحمل من الزبيب الأسود والمدفأة وقليل من الزواياه الحلبية الميتة في مدن الضجيج. بالأمس فقط كنت أرسم خارطة الأسئلة التعيسة، فنحن يارشو من أكثر شعوب الأرض محاصرين بالأسئلة، ونحن أكثر شعوب الأرض نموت قلباً.
كنت ابحث عن رسالة تسير باتجاهك أيها العابر من جراح أمة غفت على أضرحة التاريخ، ورحلت مع القادمين من أكذوبة القدر السكران بأشياء تذوب في ضربات أصابعك الصبية. هل في رأسك أيها العزيز المنتشر في أنحاء عفرين ما تبيح به للملائكة...؟
عشر سنوات أو أكثر لم نلتقِ، في الخانجي حلب، أو في السيد دمشق؛ وفي كل مرة كان نهاد الترك هذا والآخر حسكو يرسمونك لي بقصصهم البرتقالية في صباحات الزيتون المثقلة بالشموس والفضاءات.
رشو من أنت..؟ رشو ما أخبارك..؟ رشو أين هذا النحات المرتعش دائماً بأوراق الصمت الجميل الذي غاب في الحجر ثم تنطق سكينة لا بل مطرقة لا بل، وهذا سر القدر التافه في احتضانك دون أن يعلن هذا الزحف المقدس رشو أو سيدو، أن ينطق القدر نفسه ويرسم بحفنة من حكايات الشمال لوحتك الأبدية تلك.
وهذا العفيف الحسيني يخترق القلب فيما بعد الليل بقليل، ليجاورني الجرح بما يشبه ملامحك السمراء، ليعلن انك رحلت، وبأنك آت دون أن يكشف الكلمات نبضه الملقى على ابتهالات رحيلك المستبد به..!!
ها هو محمد عفيف الحسيني يكلل الحزن بنبأ حكاية أزقة أو مقاه أو صالات عبرَتها أشرعتك أيها الخصب المرتعش بغبار حجر داعبتك بخجل، ثم ضحك ضحكته وترك عنواناً؛ ها هو رشو يرسمني كي أصير عاشقاً مهاجراً بين الحكاية والسؤال، وبرادة الحديد المنتشرة في زواياك، تكحل بلطف رائع حلمك المتمازج بهموم ثلج عفريني، كان ينتظرك منذ أن كنت في حلمك الممتد كالماء.
لم تعد تملك شران عاشقاً أسمر، ليسترخي نهاد أو ليلى أو حسكو الجميل في سهوله.
هل تمحو أيها العزيز عفيف، رسوم الغياب المحدق بكروم العنب المجففة المنتشرة على ضفاف الحكاية الأولى...؟؟
هل تتركنا نغرق مرة واحدة في مقهى "القصر" الحلبي المنتشي دائماً بتبغ رشو العابق على أثداء الملائكة الطغاة...؟؟
ها أنك أبكيتني مع أول خمرة متجهة إلى بيادر الحزن التي أشعلتها بدخانك المبلل بلحظة ماء عفريني.
رحل النائم في منديل وردة والقلب يطلق همسته الخريفية بقطرات ممددة بالحزن وقليل من صمت لوحات مليئة بحكايات الكثير من أحبة وأصدقاء "شران" المهزومة اليوم بكل انهزام، نحو البحث عن ذاك الملقى في زنزانة الموت، ذلك الممنوع من الجهات رشو.
هكذا كان النص كما أنت أيها العزيز الراحل..
سلاماً... سلاماً... عفرين وأنت تحملين محمد سيدو رشو نرجساً...
سلاماً نهاد الترك....
سلاماً حسكو...
حسكو والترك أيها المنتمون لألوان الشمال.
أبناء الفن وأحفاد الزيتون
رشو الجميل سلاما...
لم ألتقِك في آخر وردة كنت قد حلمت بها في بلاد الغربة.
ماكنت أدري أن الورود أيضا تبحث عن ثكلى الموت.
ماكنت أعرف أن قلبك أصغر من حبك الكبير هذا.
إذاً ستبقى لوناً ومطراً
أو لا تدخل عمق حجر الحكاية، فأنت الحكاية وأنت عمق الحجر
وشران تلك المشنقة الجميلة لخفايا ألوانك المباحة
لم تعد تملك سوى نصف الرغبة
ونصف الحكاية.

دانمارك

****

محمد عفيف الحسيني

في رحيل نحَّاتٍ، في مجيء فنانٍ:

(محمد سيدو رشو)

محمد سيدو رشونقشَ الفقرَ والحياةَ معاً؛ ونقشَ مريم المجدلية، ونقش الكوردَ في رحلة الكورد إليها، وهم ينظرون إلى سمائهم، فيبصرون نجمتَه ـ نجمةَ المسيح، في أقسى هجراناتهم؛ نحت عفرين، والأشجار والسماء والأرض ومابينهما من الشجن والشجر والطير والصلصال والوحل والسمك والجراد والزيت والخشونة والحياة وحريرها والقلة البقية من سلالته المكتومة القيد، سلالته الأجنبية العذبة وغير العذبة، نقش النحاتُ، غير نقش الحياة، كان ينقش على قلبه موتاً أكيداً، موتاً سيغمر جسدَه النحيل الصغير القلق أبداً:
ـ ياابنة أمَةِ الله، محمد سيدو رشو، نسيتَ نقشاً كان أساساً.
نسيتَ أن تعيش قليلاً.
لقد نسيتَ نقشَ الله.
لقد أخذك اللهُ إلى ملكوته السماوية البعيدة؛ البعيدة جداً.
ماذا أيضاً؟ لاشيء أيضاً.
لقد خطفتْك الملائكةُ من الصلصالِ إلى الصلصالِ.
خطفتْك منا، من الأرض ومن السماء ومن النقش ومن الصلصال ومن الشحوب ومن القلب ومن الهجرة ومن الزيتون إلى الغياب، ياإبن أمَةَ المكتومي القيد واللاجئين هناك، الذي ترفرف فيه روحُك الشجية.

غوتنبورغ

د.محمود شاهين

النحات محمد سيدو رشو.. رحيل في قمة العطاء

عن عمر ناهز الخامسة والأربعين عاماً، غادرنا يوم الخميس السادس من تشرين أول الجاري في بلجيكا، النحات السوري "محمد سيدو رشو" بعد رحلة طويلة ومتشعبة مع فن النحت الصعب.. الجميل.
رحل هذا النحات وهو في قمة عطائه، إثر نوبة قلبية داهمته وهو معتكف على إنجاز نصب تذكاري هام في مدينة (أنثورب) في بلجيكا، كان عمدتها قد كلفه به. وقد سبق للنحات رشو أن أقام نصباً تذكارياً في إحدى حدائق العاصمة الرومانية بخارست.
ولد النحات رشو في عفرين عام 1960، درس فن النحت بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وتخرج فيها منتصف الثمانينيات في القرن الماضي، انكب بعد تخرجه على إنتاج النحت فأقام ثلاثة معارض فردية في دمشق وحلب وبيروت، كما شارك في العديد من المعارض الجماعيّة السورية الداخلية والخارجية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث غادر خلاله إلى رومانيا لمتابعة دراسة الفن، وقد كُرّم في مدنية (بيشورا). ‏
أثناء وجوده في أوروبا، أقام معارض في باريس، ÷يينا، أما معرضه الشخصي الأول؛ فقد أقامه في صالة السيد للفنون التشكيلية في دمشق خلال شهر نيسان من العام 1993، وفيه قدم تجربة متميزة في النحت، توزعت على ست وثلاثين منحوتة منفذة من البرونز والبوليستر والخزف، بينها ثماني عشرة لوحة نحت نافر، مزج فيها ببراعة بين قيم النحت وقيم التصوير، أدخل فيها الإنسان في النسيج المعماري للبيت، بصيغة فنية تحمل الكثير من طرافة الفكرة، وجمال المعالجة، والخروج عن المألوف، أما في المجسمات فقد ألح على قيم الخزف ومقوماته، لناحية تأكيده على الكتلة الواسعة، البسيطة، الملفوفة، والمضاءة، مازجاً ومُوفِقاً، بين قيم فن النحت، وقيم فن الخزف، وبين نزعة تعبيرية عميقة وهادئة، ونزعة تزيينية موازية لها.
لقد تمكن هذا النحات المجتهد، وخلال زمن قصير، أن يختط لنفسه مساراً لافتاً وجميلاً وهاماً، في النحت الحديث، تلاقت فيه تأثيرات عالمية ومحلية عديدة، مميطة اللثام عن شخصية نحتيّة جديدة، في التشكيل السوري الحديث، أخضعت هذه التأثيرات لها، وكانت تعد بالكثير من العطاء، لو أمهلها القدر لفعل ذلك. ‏
كان الفنان رشو كتلة من الحيوية والنشاط، ويحمل أفكاراً لافتة طالما أسر لي بها عندما كان طالباً لديَّ في قسم النحت بكلية الفنون بدمشق، من ذلك أن المتحف الحقيقي بالنسبة له هو الشارع وليس ذاك الذي يضم آثاراً قديمة، تعود لمراحل تاريخية مختلفة، ذلك لأن الشارع طافح بالموضوعات والمحرضات التي يمكن أن تكون موضوعات ممتازة للأعمال الفنية. ‏
أما على صعيد تقانات النحت، فقد كان يتبنى، قول المثّال الفرنسي المعروف "رودان"، "يولد العمل النحتي من الصلصال، ويموت في الجبس، ويُبعث من جديد في البرونز"، وقد تعامل الفنان رشو مع غالبية مواد خامات النحت، وحول كثرة أعمال النحت النافر في تجربته، ذكر لي انه عندما كان طالباً في قسم النحت، كان قسم التصوير في الكلية يشده إليه، ماجعله يتابع زملاءه فيه وهم ينجزون لوحاتهم الزيتية، وكان هذا المشهد يريحه كثيراً، وهو عندما يريد أن يرتاح، يلجأ إلى النحت النافر، ذلك لأن الكتلة في الفراغ تتعبه، على هذا الأساس، لوحات النحت النافر هي محطات استراحة بالنسبة له. ‏
كان الفنان رشو يؤكد دوماً، أنه ما من نحات في العالم إلا وحمل تأثيرات من المحيط حوله، ومن أعمال النحاتين الذين سبقوه، وهو أحب أعمال النحات العربي المصري الرائد "محمود مختار" لاسيما طريقة معالجته للسطح، والاختزال المُعبّر الذي يلجأ إليه، وحذف التفاصيل الصغيرة التي لا تقدم ولا تؤخر، بل هي قشور تطفو على سطح العمل النحتي، هذه المعالجة تحمل حساً من الخزف، ومن الحجر الذي اشتغل عليه مختار، وبالنسبة لرشو، لم يك يجد فرقاً بين النحت والخزف، اللهم إلا في أن الخزف يدخل عليه اللون، وكان الفنان رشو يحب الاختزال والتبسيط ويلغي التفاصيل في غالبية منحوتاته، وكان يؤكد أن لكل نحات مادة يتعامل معها دون غيرها، أو يميل إليها، وبالتالي يفهمها بشكل جيد، وبالنسبة له، كانت مادة البرونز الأحب إليه، لأنه يجد نفسه فيها دون غيرها، مع ذلك قد تفرض بعض المواد والخامات نفسها على النحات لأكثر من سبب تقاني، يتعلق بشكل العمل النحتي، ومكان وجوده، والكلفة المقدرة لانجازه.. وغير ذلك من الأسباب الموضوعية التي لا مندوحة أمام الفنان من أخذها بعين الاعتبار، ولاسيما في مجال النحت المحكوم بجملة من القوانين العلمية التقانية الصارمة. ‏

يحيى السلو

الفنان محمد سيدو رشو... المكان المهضوم حقوقه

"الفن معايشة وارتباط بالشعور للتعبير عن الجمال والوجدان والعاطفة، وهو لغة خاصة تحاكي صاحبها من اجل تحقيق نوع من النشاط الإبداعي، وهو نسيج دافىء مشحون بالانفعالات النفسية والإنسانية باضطراباتها وأفعالها الدفينة لإظهارها بعفوية كاملة تخضع لتحولات باطنية تكشف عن واقع كامن من وراء المعاني المعادلة للروح والعاطفة من جهة والعقل من جهة أخرى".

المكان: حلب ـ "خان الزيتون".. الشبابيك والأبواب العتيقة المغطاة بالاشنيات. سياج دور السكن المتداخلة (على طراز قلعة مصغرة), العتيقة المتآكلة كانت تبدو أعمدتها كوجوه حانقة، تنظر إلى الأطراف، حيث الأبنية الحديثة تتصاعد وتضرب الخناق حولها، وكأنها تهزأ من ثوبها المهترىء, الذي مر عليه الزمن، وهي ترفع بوزها بتكبر، تطل على سقوفها التي فرشتها الطحالب. ولكن "خان الزيتون" كانت ولا تزال صامدة أمام هجمة غابات الاسمنت تلك، وكان تتويج صمودها عندما ضمت إلى ساكنيها ضيف جديد. لم يكن ضيف بل أثبت الزمن انه لم يكن إلا الرمز "محمد سيدو رشو".
"خان الزيتون"، كان الانطلاقة الأولى للفنان, بعد تخرجه من كلية الفنون بدمشق، وفور عودته إلى عائلته، اتخذ مرسمه في المركز التاريخي لرمز المكان الذي انحدر منه، عفرين "قرية شران"، في "خان الزيتون".
هناك من العدم، من اللاشيء، بدأ الفنان محمد سيدو رشو. في ذلك المكان حيث التوقيع بينه
وبين التاريخ. التوقيع على ميثاقٍ لارجعة في طريق الولوج إلى حديقة التاريخ, هو العبور المطهر الذي يرفعنا من الدرك الأسفل ويقينا من ضراوة الذئاب.
هناك كان ينتظره التاريخ. أما نظرته إلى التاريخ عندما كان يتحدث. كان التاريخ نفسه بنظره ليس إلا نصب نحتي هائل، والمطلوب منه إضافة أجود ما عنده عليه. ومنذ تلك اللحظة مضى عمره في تجسيد أحلامه. كان لديه التاريخ يتحول من مفهوم زمني مجرد لا يرى ولا يلمس إلى متحف تقوم به جدران وتعلق عليها روائع الفن وتنصب على أرضه ركائز تحمل روائع النحت. اثبت في شخصية الفنان محمد سيدو رشو، حين تتحقق وتتجذر صلة الإنسان بالمكان لا تبقى الجغرافيا مجرد تضاريس وأوصاف الجبال وديان وهضاب. بل يصبح شريكاً في تكوين ملامح الإنسان وبث معنى وجوده. ومن خلال أعماله ينطق ويقول: علينا أن نعطي الأرض ما يجب أن يضفي على الإنسانية تقديراً, عبر ما نهبه تكريماً لإقامتنا في الأرض . لعل ظلمة هذا السد يم اللاأخلاقي تنزاح قليلاً عن عنق الكرامة الإنسانية.
من الذين ينتظرهم التاريخ وينتظرونه كي يأتوا اليه زرافات ووحدانا, ليطهروه ويزيلوا الغبار من هياكل المزيفين .. وينثرو فيه ما حملوه من إبداعات..؟؟؟ بلا شك أنهم أولئك العظام أصحاب التصميم والقرار على إضافة ما ينبغي إن يضيفه الفنان إلى مجد الإنسان.
محمد سيدو رشو، بدأ من النزاع الداخلي منذ أن تفتح الوعي لديه على صعيد المرتبة الحسية وصعيد مرتبة المعرفة الذهنية للمكان المهضوم حقوقها. عايش النزاع الإنساني العملاق من صباه. لكنه كان في الظل يحيا طوال المرحلة الإنتاجية وانك تتلمس وجوده في انتفاضات وتمرد أعماله.. نجده يعرض مساخر الحقائق المزيفة معبراً بذلك تعبيراً عفوياً في أعماله النحتية.. لاواعياً عن توقه الجاد إلى كسب اتزان داخلي تحتل في القوى النفسية مرتبتها الصحيحة التي لولاها لانقلبت المقاييس.. فتصبح المعرفة جهلاً والجهل معرفة.
أيها الحَمَام المفترش أرضاً ويتسع السلام في عينيه ليغدو ذلك النبع الذي لا ينضب...
رحلت ولكن بقيت إضافاتك.. لمساتك على التاريخ إلى ذلك النصب الزمني التي لا تكتمل معادلته.. فلا النصب اكتمل ولا التاريخ توقف، ولكن حققت أحلامك، فولجت، وأصبح لك مكان في حديقة صناع التاريخ.

كوردستان

علي مراد

للدرب الحزين... أغنية فرح

إلى سيدو رشو

كي ننام
لابد للقصيدة أن تتورط فينا
ونرقص على رصيف أبجدية مبهمة
نشهر دمنا على مفترق القلب
والذكرى
نشرب الحبر على عجل
كي يعلن فينا البياض
حان الأوان
نزرع على تخومه سؤالا بحجم القلب
نخلع دمنا
كي نعلم انه لابد لعناق
نرقص..
نرقص...
وآناهيتا تعيد النواح
فكيف...؟
وليس لنا سوى رقصة
وللذكرى رسمة كما كانت تستحم
بماء فرات.

حلب

جلال دادا

"أحجارُ شَرَّان"

سيفقد بريقه كل قصدير لم يذب بيديك
على مرمى قلب من عيني
رأيت
وجهك يغرق في تراب مدينة
منحتك مترين من أرضها
وجواز سفر
رحلت تحمل شموسا مطعونة
في طفولتها
عتمته
لا تنتمي لليلنا
دموع الأصدقاء
عطر الحبيبة
ونوافذ للبوح
وهاأنت
تبعثر
أحجار شران
بعد أن طعنتك الغربة
وضاقت بك الأرصفة
لم تكن سوى صندوق
محكم الإغلاق
في فم الأرض.

حلب

****

سيدو رشو

رحلة البرونز

* ولد عام 1960، في قرية "شَرَّان"، عفرين، سوريا.
* خريج كلية الفنون الجميلة 1984 ـ قسم النحت.

المعارض الجماعية:

  • صالة أكاد، حلب 1990.
  • غاليري وفاء، دمشق 1991.
  • صالة إيبلا، حلب 1993.

المعارض الفردية:

  • صالة إيبلا، حلب 1987.
  • المركز الثقافي الروسي، دمشق 1988.
  • حلب، 1990.
  • المركز الثقافي، قامشلي 1990.
  • غاليري مرام، بيروت 1992.
  • صالة السيد، دمشق 1993.
  • غاليري مرام، بيروت 1993.
  • متحف بوخارست 2000.
  • غاليري الفن، بوخارست 2001
  • المتحف الوطني، بوخارست 2002.
  • صالة الفن في مدينة Timishoara، الرومانية 2002.
  • صالة أبولو، بوخارست 2003.
  • صالة الفن، فيينا 2003.
  • بالاضافة إلى العديد من المعارض، في عدة دول أوربية، لم يستطع موقع تيريز معرفتها.
  • توفي الفنان في السادس من شهر تشرين الأول، عام 2005. في بلجيكا، بعد صراع مرير مع المرض، حيث كان مصاباً بمرض نقص التروية وتلف عضلة القلب، وكان يرقد في مشفى مدينة أندويربن البلجيكية، متفائلاً بانتظار قلب متبرع يتوافق مع جسمه، ونقل جثمانه، إلى قريته شران، حيث دفن فيها.

موقع تيريز، يشكر الفنانين: خالد بابان، عبدالهادي شماع، رحيم محمود، ونهاد الترك؛ الذين حرصوا على إمداد الموقع بالمادة اللازمة، والاستشارة والبورتريت. كذلك، الشكر، لكل المساهمين في هذا الملف الحزين.
موقع تيريز، يعتذر من الفنان الفذ الراحل "سيدو رشو: على التأخير، في نشر هذا الملف.

( * ) ينشر هذا الملف بالاتفاق مع موقع موقع تيريز.