عبدالجليل علي السعد
(البحرين )

Ebrahimإبراهيم بوسعد فنان تشكيلي بحريني، قيل عن أعماله الكثير، مثلما قيل الكثير في تجربته المغايرة في التشكيل ومنجزه على صعيد عناصر اللوحة المختلفة: التكوين والكتلة والفراغ واللون وسواها، غير ان ما كتب عنه وعن تجربته من تساؤلات أو تحليلات - فضلاً عن ما لاقته من قبول جماهيري ونقدي- يظل في حدود المغامرة التي تحتاج إلى الاقتراب من مبدعها، فـ ''بوسعد'' يمتلك جرأة كبيرة في الدخول إلى مواضيع إنسانية ساخنة، وتجريب خامات غير متاحة لتلبية هوس تقديم لوحات هاربة من مألوفية المربع والمستطيل والدائرة والسطح، وهو هاجس ينبع من تجربة فنية قائمة على خاصية توليد الأفكار وقدرة ابتكار الأشكال وشغف بالحياة· وهي في جانب كبير من همها وانشغالها، تجارب متصلة كنسيج الخلية·
عن هذه التجربة المتصلة بالخط العربي والموسيقى والشعر وأقانيم ثقافية أخرى كان هذا الحوار:


في خضم هذا التعدد والتنوع، كيف يمكن توصيف مشروعك الشخصي؟

هذا سؤال كبير ومتشعب، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول مصطلح ''مشروع'' ينبغي في تقديري النظر إلى المشروع بمنظار أوسع، وليس محدداً ومؤطراً، المشرع الخاضع لأي إتجاه فكري وتقني محدد يسير معك من التجربة الأولى إلى التجربة الألف، هذا مشروع أختلف معه تماماً، كون مشروعي الفني مشروعاً متحركاً متغيراً ديناميكياً مع الظروف والمعطيات، يعتمد أساساً على تطوير الجانب التقني والفكري·

حصار وحجارة

عرفت بكونك صاحب مشاريع وليس معارض بالتحديد، فكل من معارضك المتباعدة والمتقاربة أحيانا يمتلك بصمته الخاصة به فهل هو نضوج أو تشكل أو تبديل في قناعاتك الفنية والفكرية، أم الارتباط بأحداث خاصة مثل ثورة الحجارة وغيرها من المشاريع؟

لنقل أنها مواكبة الأحداث أو الحدث فيما يطرحه، ولي في علاقتي بالفن مبدأ لا يمكنني الحيدة عنه، وهو الصدق مع النفس ومع الأخر، وبغض النظر عن القدرات الفنية والفكرية، تظل قناعة الصدق مع الذات والآخرين مرتكزي الأساسي وهو ما يفسر التصاقي بالحس الإنساني والوجداني، وما يجعلني أكثر حساسية وشاعرية في التقاط بعض المواقف، التي قد يرى البعض أنها عابرة، لكنها واقع مؤثر في الحياة الإنسانية يستحق النظر والتسجيل·

قدمت معرض ''ثورة الحجارة'' عام 1987 وقدمت ''الحصار'' بعد 10 سنوات، هل تحتاج هذا الوقت لتبيان أو تفسير وتفعيل قناعاتك الإنسانية؟

لو قارنت بين معرض ثورة الحجارة ومعرض الحصار ستجد أن بينهما فترة زمنية طويلة نسبياً، وخلال هذه الفترة تغيرت لديَّ قناعات كثيرة خاصة لجهة التعاطي مع الفن واللوحة، ففي ''انتفاضة الحرف العربي'' كانت اللوحة أكثر مباشرة وتميل إلى المنحى التسجيلي، وهو أمر يجعل عمر اللوحة قصيراً، فاللوحات التي تعيش طويلاً وتدوم هي تلك اللوحة التي تأخذ الرؤيا من الحدث ولكن بروح استشرافية مستمرة مستقبلية وليست حدثية أو توثيقية، والعمل الذي يمتلك رؤية فكرية وإبداعية يعيش مع كل الأزمان، وقد ينفذ عمل ويعاد تقديمه بعد سنوات طويلة برؤية مختلفة وهو ما يسمى بديمومة العمل، وهذا مع أعتقد أنني حققته في ''الحصار''، حيث ابتعد العمل عن المباشرة والطرح التسجيلي الذي لم يعد مجدياً في ظل القنوات الفضائية والإنترنت وتطور الكاميرا وأدوات التواصل الحضارية الأخرى التي يمكنها أن تقوم بالنقل التسجيلي والتوثيقي أفضل بكثير من اللوحة·

شكلت تجربة ''وجوه'' مع قاسم حداد وخالد الشيخ علامة فارقة في الحياة التشكيلية في البحرين، وكانت نقلة في تجربتك التشكيلية، كيف تنظر إليها اليوم؟

معرض وجوه من أحلى وأجمل تجاربي، كنت قبلها أعيش ظرفاً نفسياً معيناً، وكانت القيمة الحقيقية والتعبيرية للإنسان تتمثل في الوجه الذي يعكس كل ما في داخل الإنسان· ضمن هذا الظرف النفسي شرعت في رصد الكثير من الوجوه السلبية والإيجابية في حياتي وعلى المستوى العام، وكانت قناعاتي أن رحلة الإنسان في العالم جد قصيرة، ويجب توظيفها لخدمة الإنسانية، والمساهمة في إغناء القيم الجمالية والإنسانية· في هذه التجربة استخدمت القماش كرمز لحياة الإنسان من المهد وحتى وصوله القبر كقماشة واحدة مترابطة، وقمت بملء الفراغ بوضع لوحات معلقة، كون المتلقي جزءاً من العمل، وسعيت أن يتم هذا كله في جو روحاني تراجيدي· ولأنني مهووس بالموسيقى والشعر كقيم فنية وتعبيرية خاصة لجهة ارتباط الكلمة بالخط على المستوى الفني قمت بتوظيف هذه التصورات في مختبري لمدة 6 أشهر لأنفذ بعدها الأعمال بالقماش الخام البسيط، ودعوت الصديق قاسم حداد لإضفاء حيوية الشعر والتشكيل عليه· ومن أسباب نجاح هذا العمل الألفة والمحبة التي ربطتني بأصدقاء العمل مثل قاسم حداد وخالد الشيخ وعبد الله يوسف، والتفهم الواضح للمشروع، إذ قدم قاسم قصائد من وحي اللوحة والبقية اختارها من ديوانه ''قبر قاسم'' والمتماشية مع جو العمل- المشروع، كما رحب خالد الشيخ كموسيقي وعبد الله يوسف بإخراج العمل والسينوغرافيا، كما ساهم عبد الله السعداوي بتمثيل اللوحة في الفراغ· ''وجوه'' كان عملاً جماعياً جيداً ورائعاً بكل المقاييس، وكل منا قدم وقتها أفضل ما لديه·

بعد فترة من العمل قمت بإحراق المشروع، لماذا؟

العمل نبع من الأرض واشتغلته من مكونات الأرض كالطين والرمل، وأرجعته إليها كما جاء منها، ولم احتفظ بغير قطعة قماش صغيرة لم تحترق، ولا زلت حتى اليوم أحلم بهذه الوجوه والتشكيلات، كما أفتقدها، كما ينتابني أحياناً شعور من اقترف جريمة، ولا اعرف حتى اليوم من أين جاءتني الرغبة في تدميره، ولا كيف، ولا استبعد أي تداخل مع أي من أشكال الفنون والأدب مستقبلاً·

مزاوجة

كيف تنظر إلى واقع لوحة الخط العربي، وماذا عن استخدام الحرف في اللوحة التشكيلية؟

لابد من التفريق بين الخط العربي والحرف العربي، فالأغلبية وظفوا الحرف العربي وليس الخط العربي، لأن أغلبهم رسامون استغلوا في اللوحة جماليات الحرف نفسه، والقليل من الرسامين خطاطين وهنا تكمن تجربتي كوني خطاطاً مارست تشكيل الخط العربي وليس الحرف، بعض الفنانين يستخدم الحرف العربي في التشكيل برؤية حديثة تقوم على دمج الخط بالرسم، أما محاولتي المتواضعة فهي تحقيق التزاوج بين الخط والتشكيل وإيجاد حلول بصرية لهذه المزاوجة، ولهذا أقوم في أعمالي بتنفيذ نصوص شعرية بغض النظر عن قائلها انطلاقاً من قناعتي بما تملكه من قيمة فكرية وجمالية وتشكيلية أيضا تغني اللوحة وتضفي لها الكثير من الجماليات الفنية·

أخيراً··· كيف ترى التجربة التشكيلية في الإمارات؟

في الإمارات تجربة تشكيلية متطورة رغم أنها حديثة نسبياً، ولا شك في ان اهتمام الدولة لا سيما في الشارقة بالثقافة في شكل عام، والفن التشكيلي في شكل خاص، سيعطي نتائج إيجابية كبيرة على صعيد المنطقة· وأعتقد أن لبينالي الشارقة وما يضمه من الفعاليات المهمة دور كبير في تطوير الأداء التشكيلي في الإمارات والمنطقة، ناهيك عن وجود الفنانين العرب وما يمثلونه من تجارب ساهمت وتساهم في إثراء التجرية الفنية التي تشكل مختبراً ثقافياً على المستوى التشكيلي عدا الزوار ومعارضهم التشكيلية المستمرة، فالثقافة تكمن نتائجها في فعلها التراكمي الذي لا ينتهي·

الاتحاد- 28 أغسطس 2005 م