عباس يوسف
(البحرين)

عصام درويشلا أملك تفسيرا واضحا لما يحدث في بعض الأحيان، هل هو مصادفة.. أم هو قدر محتوم علينا فرضا، يزورك صديق فنان ويغادر.. تطأ قدماه أرضك ويرحل، وكأن مروره بمرسم عشتار للجرافيك بالبحرين يكون حتميا حيث يبدأ الفعل.. التجريب.. العبث أيضا، وعلى غفلة من أمرك تلتقيه في مكان ما من هذا الكون، أو تراك واقفا بمكانه بصالة عشتار للفنون.. هناك بدمشق تستقبلك نساء عصام درويش بصدورهن المكتنزات.. بالفراهة وبالنظرة الساحرة.. من ورشة التعرف على تقنية الشغل في العمل الفني الوحيد المطبوع monotipe وميزاته وخصائصه بالمرسم والذي أنجز فيه عصام كثيرا من الأعمال ها نحن نلتقي بدمشق في استقبال حافل من نسائه المرسومات والمشعات نورا.
كصاحب (صالة عشتار) كيف توفق بين ممارسة الفن والعمل الإداري؟
يبدو أنه أحيانا هناك قدرة على التنظيم.. هي موضوع تنظيم فقط، لكن في كل الأحوال، إن إدارة صالة عرض أو تملكها ليست بعيدة عن مجال الفنان، وهذا يجعلك على صلة مباشرة يومية مع العمل الفني لمجموعة مختلفة من الفنانين، أبدا ليس بعيدا عن مجال عملي الفني، وكثيرا ما فكرت أن يكون لدي بسورية عمل آخر مجاور للرسم فجاء مشروع الصالة الذي هو الأقرب إلي في تصوري دائما، يتوافر على هذا الجو من الحوار: تستضيف فنانا وتشاهد أعمالا فنية، إذاً الحوار قائم مع اللوحة والفنانين والزوار الذين يؤموا الصالة.

* تشتغل والخلفية موسيقى تركية ، هل من علاقة تربط اللوحة بالموسيقى ؟

نحن نستخدم الموسيقى كخلفية للنشاط الذي نقوم به يبدو إننا في حاجة إلى تنظيم صوتي ما كخلفية لشغلنا لأن السكون أحيانا يحطم الأعصاب، الآن هذا النوع من الموسيقى نتاج عظيم به روح الشعب التركي مثلا به تراكم ثقافي ومعرفي أدى إلى ما نحن نستمع إليه.

* حدثنا عن تجربة شغلك بمرسم عشتار في البحرين حيث هذه اللوحات شاهد أمامنا؟

هذه التجربة كانت منذ ثلاث سنوات، لم أكن أعرف شيئا يسمى المونوتيب - العمل المطبوع ( الطبعة الوحيدة ) كانت ورشة عمل جميلة جدا في يوم واحد أنجزنا وقتها عدة أعمال بعد ذلك أحسست أن هذه تقنية يمكن العمل عليها بشكل جميل ويمكن بواسطتها التعويض عن أيام العمل الشاق بلوحات كبيرة وبتقنيات صعبة، هذه تقنية سهلة وإذا كان الفنان يمتلك قدرة على الخيال والعمل المباشرين تعطي نتائج وأعمالا جميلة جدا وهي كاشف عن مدي ما يملك الإنسان من مخزون وخيال وقدرة على الإبداع المباشر، حيث لا يستغرق العمل أكثر من نصف ساعة، لذلك به حيوية الشيء غير محضر مسبقا، إنه يطلع من مخزونك معتمدا على الذاكرة والحساسية وعلي المخزون عموما ولا يحتاج تفكيرا كبيرا وإلاّ قضى عليه وحوّله قريبا أو شبيها بالأعمال العادية.
جمالية ( الطبعة الفريدة ) تكمن في فوريته التي تدخله عموما بالتعبيرية ولا يمكن أن تشتغل عمل ( مونوتيب ) لا يكون تعبيريا خصوصا إذا كنت تشتغل عملا مباشرا ليس محضرا وبلا دراسة مسبقة له.

* كيف وجدت المرسم - الورشة؟

مرسم عشتار من أفضل الأمكنة التي زرتها بالبحرين على رغم ضيق المكان والحشد الرهيب المتواجد من كرتون وأشياء وأغراض مختلفة دون ترتيب وتوضيب، لكن المكان موح: مكان يوحي بأنه لتعبد الفن.. الشغل على الفن والإحساس بالحرية التي هي أساس كل فن، كنت سعيدا بقضاء الوقت في العمل مع الأصدقاء جبار وعباس اللذين وفرا لي المكان والخبرة التي وضعاها تحت تصرفي ودفء العاطفة التي أغدقت علي دون حساب، وهذا جعلني أشعر أني موجود بين أهلي وفى بلدي وبمكان آمن ومريح، ولم أشعر أني بعيدا عنهم أبدا. الابتعاد هو عبارة عن أخذ بعض الخبرات والتفرج على أماكن وتجارب الفنانين لاسيما الأصدقاء كجبار وعباس و لبنى الأمين، هؤلاء دون علمهم يحسنون للبحرين باستمرار، ويظلون مخلصين لها كسفراء أو رسل لأنهم بشكل دائم يتصرفون كأصدقاء وكفنانين رائعين، هذا هو الجمال الذي أعتقد أنه أهم من أي مظاهر احتفاليه أخرى كونه فعلا نابعا من القلب.

* فلنعرج قليلا صوب الحداثة..حدثنا عنها ..وكيف تفهمها؟

نحن فهمنا الحداثة لأننا درسناها دائما، هناك موضوع هو انك لابد أن تتجاوز القديم وتبحث عن أساليب جديدة لأنه صار مملا، القديم صار متخفيا لابد أن تبحث عن شيء فيه تطوير ينسجم ويتلاءم مع المجتمعات الحديثة وحياة الناس واختلاف السرعة بالنسبة للبشر واختلاف العمل واختلاف منظومة المفاهيم الدولية بالسياسة والفكر والاقتصاد.
فالفن هو أحد أوجه الاختلاف في العصر الحديث أما بعد الحداثة بالنسبة لي فمازلت أرى أنه مفهوم غير واضح وجرى استخدامه لتبرير تطرفات غريبة بالفن، أحيانا أشعر أنها ضد الفن و مخربة ومسيئة له، طبعا ثمة تجارب ما زالت أمينة عليه تبحث عن أشكال جديدة إلا أنه بالمقابل هناك النقيض الذي يستسهل (أي يستخف) الفن أيضا كونه منتجا خال من البحث الجاد، وعليه فسح المجال للبعيدين عن الفن الدخول فيه وبقوة لأسباب مختلفة لكن ليس من بينها القدرات الإبداعية أو الرؤيوية أو الفلسفية، فقط ركوب موجة والدعاية، الفن يحتاج إلى عدة أمور، واعتقد إن أهمها إتقان العمل و فلسفته أيضا، لكن إذا فقد الإتقان في تقنية اللوحة و التعبير و الجانب الإنساني، يكون فضا وغير مقبول، من الممكن أن يتواجد في المجتمعات الأوروبية كنوع من الرفض لكن بالنسبة لمجتمعاتنا اعتقد أنها تجارب وافدة بها الكثير من الادعاء.. الادعاء بالتفوق وبها نظرة متعالية بالنسبة للفنون الأخرى التي مازالت موجودة وتمارس عملها وفعلها بشكل جميل ضمن التجارب المعروفة، هذه النظرة المتعالية غير مقبولة مطلقا وتنطوي على المدمر والمسيء للفن.

* وماذا عن الكتابة ؟

إنها حلم كان يراودني منذ زمن، فقد كتبت القصة، ودائماً كنت أقول إن المرء سيكبر وعندها سيكتب روايته ‘’مذكراته’’ آراءه بالحياة. طبعا العمر يمضي ولا أحد يعرف إذا ما كان سيحقق رغباته أم لا، لكن الأحلام دائماً تظل تدور في الرأس.الكتابة حاليا مقتصرة على الفنون البصرية فقط.

الوقت
11- 2006